قرأت للأخ د. على الموسى بجريدة الوطن نقداً
حاداً لسياسة التعليم في المملكة، وكأن القائمين على التعليم خلال الفترات الماضية
لم يأتوا من خلال قنوات الإختيار التي تهتم بها الدولة، لتضع الرجل المناسب في
المكان المناسب . فقد اكتشف الكاتب بتصفحه لوثيقة سياسة التعليم وبطلب من صديق له،
اكتشف أنها فضيحة والتي لم يكتشفها أحد من قادة الوطن وعلمائه ورجال التعليم
المتعاقبين عليه طيلة أربعين سنة مضت، وقرأتُ رداً مفصلاً من الأخ د.
أحمد التويجري ولن أكرر ما ذكره د. التويجري ، لكن لكوني واحداً ممن خدم
التعليم ربع قرن، أود أن أشير للأمور التالية :
أولاً
: تمنيتُ لو أن الكاتب رجع لتأريخ كتابة الوثيقة، وقرأ أحداث تلك الفترة، فإنه
يغلُب على ظني، أنه سيغير رأيه ويشيد بالوثيقة وبمن كتبها. إن الوثيقة كُتبت
واعتُمِدت عام 1389 هــ حين كان عبد الناصر ورفاقه يرفعون شعار القومية العربية،
ويشنون هجوماً شرساً على المملكة، ويصفونها بالرجعية والتخلف، ويتطاولون على الملك
فيصل -رحمه الله- ودعوته للتضامن الإسلامي ووحدة المسلمين، وحين كانت دول أفريقيا
ودولٌ أخري تَتَتابع في قطع علاقتها بإسرائيل تأثراً بدعوة الفيصل رحمه الله.
لقد كَتَبَ الوثيقة في تلك المرحلة رجالٌ
أكفاء ذوو خبرة ودراية بأمور التعليم ، واستوعبوا رسالة المملكة الحضارية ودورها
في قيادة العالم الإسلامي وصاغوا الوثيقة بإحكام أربأ بالكاتب أن يختزل ذلك الجهد
ويحوره عن مساره الهادف.
ثانيا ً : قبل أربعين عاماً انضمَمْتُ لإدارة
المناهج وكان العاملون فيها كلهم سعوديون، ومن ذوي تخصصات وجامعات متنوعة، وأغلبهم
ممن درسوا بأرقى الجامعات الغربية، ولم يكن بينهم أجنبي ويرأسهم الرجل التربوي
القدير د. سعود بن إبراهيم الجمّاز ، وكان هو الرجل المناسب في المكان
المناسب، فقد تخرّج من أقوي الجامعات الأمريكية قبل أن يكون وكيلاً للوزارة ، وكان
أساتذة الجامعات يشاركون في تأليف مختلف الكتب المدرسية، وكان الشيخان محمد بن
عثيمين رحمه الله والشيخ صالح الفوزان يشرفان على تأليف كتب التربية
الإسلامية، ثم تمكنت الوزارة من إقرار نظام الأسر الوطنية بهذا الاسم الوطني
لتأليف الكتب.
|
واعتمدت لكل فرع من المواد الدراسية أسرة خاصة
بها، تتشكل من أساتذة الجامعات ومن العاملين في مجال التربية والتعليم، وكل أسرة أعضاؤها
مابين ثمانية وخمسة عشر عضواً، وتمكنت الوزارة من استقطاب خيرة الكفاءات الوطنية
لبناء المناهج وتأليف الكتب ، أذكر منهم د. عبدالله القدهي عميد كلية العلوم
بجامعة الملك سعود، و د. على الدفّاع من جامعة الملك فهد، ومن جامعة الملك سعود
أيضاً د. سلمان السلمان و د. محمد القويز و د. عبدالله المقوشي وآخرون ، فكيف لم
يكتشف عشرات الكفاءات الوطنية العلمية ذلك الاحتلال ! وتلك الفضيحة .
ثالثاً : مراجعة الوثيقة وتطويرها وتعديل المناهج لا مشكلة في ذلك،
بل هو الأصل، ففيما يخص وزارة التربية والتعليم فقد أوجدت الوزارة وكالة للتطوير
التربوي بها نخبةٌ من ذوي الكفاءات الوطنية العلمية المتعددة ، وأذكر أنه بعد
تكليفي بوكالة الوزارة، كان د. سعيد المليص هو المسؤول الأول عن المناهج، وكنت
وإياه وبعض المختصين نجتمع كل مساء في مكتبي بحضور معالي الوزير د.عبدالعزيز
الخويطر في أغلب الليالي، لقراءة الكتب ومراجعتها، وبعد ذلك يراجع فضيلة الشيخ
محمد العثيمين والشيخ صالح الفوزان الكتب الشرعية، فمن أين يأتي الاحتلال التربوي
وقيادات الوزارة تقرأ وتراجع وتستعين بكبار العلماء !
رابعاً : لو رجع الكاتب للنظام الأساس للحكم
الصادر في 27/8/1412 هـ، وقرأ مواده لوجد تطابقاً مع هذه الوثيقة، وكأنهما خرجا من
مشكاةٍ واحدة. تقول وثيقة التعليم في المادة الأولى ( السياسة التعليمية في
المملكة العربية السعودية تنبثق من الاسلام الذي تدين به الأمة عقيدةً وعبادةً
وخُلُقاً وشريعةً وحُكماً ونظاماً متكاملاً للحياة، وهي جزء أساس من السياسة
العامة للدولة ) وجاء في المادة 13 من النظام الأساس للحكم ما نصه : ( يهدف
التعليم إلى غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النشء ، وإكسابهم المعارف والمهارات ،
وتهيئتهم ليكونوا أعضاء نافعين في بناء مجتمعهم ، محبين لوطنهم ، معتزين بتاريخه ( ،
وتقول المادة 23 من النظام الأساس للحكم ما نصه :
( تحمي الدولة عقيدة الإسلام ، وتطبق شريعته ، وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر ،
وتقوم بواجب الدعوة إلى الله ). ونصت المادة 34 من النظام الأساس للحكم بالدفاع عن
العقيدة الإسلامية تقول : ( الدفاع عن العقيدة الإسلامية ، والمجتمع ، والوطن واجب
على كل مواطن ، ويبين النظام أحكام الخدمة العسكرية ). وأخشى أن لو قرأ الكاتب
النظام الأساس للحكم بنفس النظرة فلربما وصل إلى نفس النتائج التي ذكرها عن وثيقة
سياسة التعليم.
خامساً : يرى الكاتب أن تكرار كلمة أُمة في الوثيقة أمراً
معيباً، ونسي أن هذه الكلمة تكررت في القرآن الكريم خمسين مرة ، وجاءت في النظام
الأساس للحكم تقول المادة 25: ( تحرص الدولة على تحقيق آمال الأمة العربية
والإسلامية في التضامن وتوحيد الكلمة ، وعلى تقوية علاقاتها بالدول الصديقة) . إن
هذه المادة تتوافق مع ما جاء في وثيقة سياسة التعليم من أن آمال الأمة العربية
والإسلامية تتوجه للمملكة، فقدرُ بلادنا أنها الراعية للمقدسات الإسلامية، وفخرنا
أن تكون لها الريادة والصدارة للعالم الإسلامي، فأنظار المسلمين تتوجه للمملكة
ولمواقفها الرزينة والشجاعة. وأُذكِّر الكاتب أن منهج المملكة
الديني النقي الذي تنبثق منه وثيقة التعليم يتعرض
لحملة شرسة من الأعداء، فأرجو أن لا يكون عوناً لأعداء الوطن على
الوطن.
سادساً : وأخيراً، فإن وثيقة سياسة التعليم ليست قرآناً مقدساً ،
فهي عمل بشري ، لكن وصفها بالفضيحة ورمي مؤسسات التعليم بأنها اُحتُلَّتْ تربوياً،
تطاوُل أربأ بالكاتب أن يستخدمه وكلنا نعلم أنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر
تطاولوا على المملكة ومنهجها الفكري وسياستها التعليمية فوصفوها بالجمود
وطالبوا المملكة بتغيير سياستها التعليمية إلى درجة المطالبة بحذف بعض الآيات
والأحاديث من المناهج.
تقول الصحفية الأمريكية "جودي ميلر" (إن مناهجكم مليئةٌ
بالكراهية، فإما أن تنضموا للعالم الحديث أو تعيشوا في الماضي) ، (ولمزيد من
التفصيل أرجوا قراءة الكثير من التقارير الأمريكية حول هذه المطالبات فيما يخص
التعليم) إنهم يطالبون بتعديل منهج المملكة الفكري الوسطي الذي تسير
عليه منذ ثلاثمائة سنة، ثم اليوم يأتي أحد أبناء الوطن ليصدق مقولة الأعداء، ويزعم
أن التعليم محتل ! لقد تمنيت لو أن الكاتب طالب بمراجعة الوثيقة وتطويرها
لتتواكب وظروف المرحلة الراهنة ومستجدات العصر، بدلاً من التقريع والتخوين وتصديق
الأعداء وتحميل التعليم مسئولية الغُلُو والتطرف.
د. عبدالعزيز بن عبدالرحمن الثنيان
وكيل وزارة التربية والتعليم السابق
(أرسلت المقالة لبعض الصحف والمواقع
الالكترونية الكبيرة ومنعت من النشر)
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..