الثلاثاء، 17 يونيو 2014

«المال السائب» غير موجب لحد السرقة..!

رفع البصمات يُساعد في
سرعة القبض على السارق 
الثلاثاء 19 شعبان 1435 هـ - 17 يونيو 2014م - العدد 16794, صفحة رقم ( 33 )

مرجع «الحرز» إلى العُرف ويختلف بحسب البلدان والأحوال والأوقات

الرياض، تحقيق- سلطان العثمان
    يُعدُّ "الحرز" الذي يُحفظ فيه المال شرطاً لتحقُّق السرقة، وهي أخذ المُكلَّف المختار الملتزم نصاباً من
مال محترم مملوك لغيره بقصد سرقته، وإخراجه من حرزه خفية بلا شبهة.
وأكَّد عدد من المختصين على أنَّ الحرز ليس له حد ولا ضابط في اللغة أو الشرع، مُضيفين أنَّ مرجعه إلى العُرف، فما عدَّه النَّاس حرزاً فهو كذلك، موضحين أنَّ العُرف يتفاوت؛ أيَّ أنَّه يختلف باختلاف البلدان والأحوال والأوقات، حيث أنَّ حرز شيءٍ في بلدٍ ما يختلف عن حرزه في بلد آخر، كما أنَّ حرز كل شيء بحسبه، فحرز النقود ليس كحرز السيارات، وحرز الذهب والمجوهرات ليس كحرز المواشي، مشيرين إلى أنَّ حد السرقة قضاءً يتحقَّق بتوفر عدد من الشروط، منها إخراج المسروق من الحرز، فإذا وُجدت الخزائن مفتوحةً مثلاً، ثمَّ سُرق ما بها، أو أنَّ الأبواب كانت مُشرعة وسُرق ما وراءها، فإنَّه يدرأ عن المتهم حد السرقة، بيد انَّه يُعزَّر في حال ثبوت الشبهة.
وجود الحافظ
وقال "د. فهد بن بادي المرشدي" - باحث في الفقه المُقارن-:"الحرز بالمكان هو كل مكان جرى العُرف بحفظ المال فيه بلا حافظ، كالبيوت والصناديق، بشرط أن يكون على درجة من المنعة والحصانة، بحيث تمنع الخارج من الدخول إليه"، مُوضحاً أنَّ بعض الفقهاء اشترطوا أن يكون الحرز قريباً من العمران، فإذا كان المكان خارج عمارة البلدة أو القرية أو منفصلاً عن مبانيها، ولو ببستان، فإنَّه لا يُعدُّ حرزاً بالمكان، مُضيفاً أنَّ الحرز بالحافظ هو كل مكان لا يُعتبر حرزاً بنفسه، وإنَّما يتوقف اعتباره حرزاً على وجود الحافظ أو الملاحظ؛ لذلك يُقال له حرز بغيره. وأضاف أنَّ الفقهاء اتفقوا في هذا النوع من الحرز على أمور عدَّة، أوَّلها أنَّ ما يلبسه الإنسان أو يحمله أو يركبه أو يتوسده أو يقع تحت بصره، من متاع أو غيره، يُعدُّ محرزاً بالحافظ، وثانيها الأماكن غير الحصينة المتصلة بالعمران، كالمساجد والطرق والأسواق، ونحوها، إذا لم يَعْتَدِ النَّاس وضع أمتعتهم بها، فإنَّها لا تكون حرزاً بنفسها بل بالحفظ؛ لأنَّه يُدْخَلُ إليها بلا إذن، ولأنَّها لا تُعدُّ لحفظ المال أصلاً.
وأشار إلى أنَّ ثالث ما اتفق عليه الفقهاء في هذا النوع من الحرز هو الأماكن المنفصلة عن العمران التي لم تجر العادة بوضع الأمتعة فيها، فإنَّها لا تكون حرزاً بنفسها، سواءً كانت مُحصنة أم غير محصنة، مُغلقةً أم مفتوحة، مُشيراً إلى أنَّ الفقهاء ذكروا أنَّ الأحراز تختلف في خمسة أوجه، هي اختلاف السلطان من جهة عدله وقوته، وجوره وضعفه، فإذا كان السلطان عادلاً يقيم الحدود خفَّت الأحراز، وإن كان جائراً مهملاً لأهل الفساد، غلظت الأحراز.
غلق الأبواب
وأشار "د. المرشدي" إلى أنَّ ثاني تلك الأوجه هو اختلاف البلدان، فإذا كان البلد واسع الأقطار، غلظت أحرازه؛ لأنَّه لا يؤمن عليه إن سرق منه أحد أنَّه لا يظهر لسعة رقعة البلد وكثرة أهله، وإن كان البلد صغيراً، قليل المارة لا يختلط بأهله غيرهم، خَفَّت أحرازه، لأنَّ السارق يُعْرَفُ فيه، مضيفاً أنَّ ثالث أوجه الاختلاف هو اختلاف الليل والنهار، فيكون الأحراز في الليل أغلظ؛ لاختصاصه بأهل العبث والفساد، فلا يُمتنع فيه بكثرة الإغلاق وغلق الأبواب، حتى يكون لها حارس يحرسها.
وبيَّن أنَّها بالنهار أخف؛ لانتشار أهل الخير فيه ومراعاة بعضهم بعضاً، فلا تفتقر إلى حُرَّاس، مضيفاً أنَّ رابع أوجه الاختلاف يتمثَّل باختلاف الزمن، فإن كان زمان سِلمٍ ودِعَة، خفَّت أحرازه، وإن كان زمان فتنة وخوف، غلظت أحرازه، إلى جانب اختلاف جنس المال ونفاسته، فما قلَّت قيمته، خفَّ حرزه، وما كثُرت قيمته، غلظت أحرازه؛ وما توسطت قيمته، توسّطت أحرازه، لافتاً إلى أنَّ الفقهاء -رحمهم الله- فصلَّوا الأحراز باختلاف الأحوال على حسب زمانهم وعُرْفِهم.
وأكَّد على أنَّ الباحثين المعاصرين اختلفوا حول اعتبار الحاسب الآلي حرزاً، أم لا؟، وهل يُعدُّ الدخول إليه بطريق غير مأذون فيه وتحويل الأموال انتهاكاً لهذا الحرز؟، وذلك على قولين، هما أنَّ الدخول إلى بيانات الحاسب الآلي بطريق غير مأذون فيه من أجل التحويل الإلكتروني غير المشروع للأموال يُعدُّ سرقة؛ لأنَّه أخذ لمال محترم من حرز مثله خفية، ولأنَّ حرز الأموال ما جرت العادة والعرف بحفظها فيه.
وذكر أنَّ الحاسب الآلي أصبح في العُرف حرزاً للمعلومات والأموال المعنوية، مضيفاً أنَّ المعلومات أو البرامج التي توجد في ذاكرة الحاسب الآلي -خاصةً للبنوك- تُعدُّ أموالاً معنوية؛ إذ إنَّ الدخول والإطلاع عليها يعني إمكانية تغييرها والعبث بها لصالح الجاني، إمَّا تحويلاً لحسابات، وإمَّا تعديلاً لهذه الأرقام بزيادة أو نقص أو حذف، وبهذا يتضح أنَّ جهاز الحاسب الآلي الذي تُحفظ بذاكرته هذه المعلومات، هو الحرز لهذه الأموال المعنوية.
تحويل الأموال
وأوضح "د. المرشدي" أنَّ القول الثاني هو أنَّ تحويل الأموال باستخدام الحاسب الآلي لا يُعدُّ سرقة، وإنما هو نوع من الاختلاس والتزوير، واستغلال لتقنية الحاسب الآلي المعتمدة على أوامر إلكترونية خاصَّة، وذلك كمن قلَّد توقيع شخص على سندات أو شيكات، فصرف بها لنفسه أو غيره أموالاً، مشيراً إلى أنَّ الدخول إلى بيانات الحاسب الآلي لتحويل الأموال بشكل غير مشروع يُعدُّ سرقة لمال محرز، ما لم يكن هناك إهمال أو تفريط في حفظه بالطرق الفنية المعروفة في مجال الحاسب الآلي.

السيارة مغلقة الأبواب داخل العمران مُحرَّزة بنفسها وإن كانت مفتوحة الأبواب وأرجع السبب إلى أنَّ الحرز مُعتبرٌ بالعادة التي لا يقترن بها تفريط، ويدل لذلك أمور منها أنَّ الفقهاء متفقون على أنَّ الحرز إذا كان مما لا يمكن دخوله، فهتكه يحصل بمجرد إخراج المال منه، موضحاً أنَّه حصل هنا إخراج للمال، بتحويله من حساب مالكه إلى حساب غيره، إلى جانب أنَّ الفقهاء مُتفقون على أنَّ استعمال الإنسان لما لا يعقل أداة لسرقته يُعدُّ إخراجاً للمال من حرزه، وأنَّه يوجب عليه القطع، وكذلك فإنَّ السرقة باستخدام الحاسب الآلي، وإن كان فيها تزوير للمعلومات والبيانات، إلاَّ أنَّ العبرة بحقيقة الفعل وما يؤول إليه، وهو سرقة الأموال بالتحويل.
وأشار إلى أنَّ السيارة إن كانت مغلقة الأبواب في العمران، فهي مُحرَّزة بنفسها، وإن كانت مفتوحة الأبواب، فهي مُحرَّزة بالحافظ إن كان معها حافظ، ومُحرَّزة بغيرها إن كانت في الأماكن المبنية أو المحاطة ببناء، إذا كانت هذه الأماكن مغلقة الأبواب، إلى جانب النسخ غير المشروع للمعلومات والبرامج، وكذلك الاعتداء على العلامة التجارية، إضافةً إلى السرقات الأدبية، موضحاً أنَّ ذلك كلَّه لا يُعدُّ سرقة موجبة للحد؛ لأنَّ هذه الأشياء لا توضع في حرز، وبالتالي يمكن لكل أحد الإطلاع عليها أو نسخها وتصويرها، أو حتَّى تقليدها.
المال السائب
وبيَّن "د. أحمد الصقيه" –محام، وقاضٍ سابق- أنَّ حد السرقة شُرع لحفظ المال، وذلك لما يحُدثه من ردعٍ، وما يُحقِّقه من استقرار داخل المجتمع، إلى جانب زجر المجرمين، وكذلك ما فيه من استتبابٍ للأمن وإشاعةٍ للسلم الاجتماعي، وبناءً عليه جعلت ضوابط محددة لتحقيق هذا الحد من أهمها ما يتعلق بالحرز أي أن يكون هذا المال المعُتدى عليه من حرز، مضيفاً أنَّ المال السائب الذي لا يُحفظ مثله في الأماكن الواجب حفظها، يجعل هذا المال عند الاعتداء عليه بالسرقة غير موجب لإيقاع حد السرقة.
ولفت إلى أنَّ فلسفة التشريع جاءت مراعيةً لتحقيق نظرية الردع في الجانب الجنائي، وبقاءها في مقام التلويح أكثر من كون الزج بكل المخطئين مهما كانت درجات خطأهم فيها، ومن جهة أخرى لحث المجتمع على حفظ المال وحفظ كل شيء في مثله، ويتفرَّع عن هذا ما يسمي اليوم بالنوازل القضائية، موضحاً أنَّها جاءت مواكبة لتطور أدوات حماية المال ذاته وتنوع وسائلها، فاليوم هناك أرصدة رقمية ومبالغ مالية في البنوك وأحراز مختلفة وأوعية مالية متنوعة.
وأضاف أنَّ كل هذا استوجب مزيداً من البحث والتمحيص والتدقيق في شكل هذه الأحراز ومدى أثرها على السرقة، مشيراً إلى أنَّ حرز السيارة إيقافها في المنزل أو إقفالها لو كانت خارج المنزل.
حد السرقة
وقال "محمد بن موسى الحماد" -محام– :"الحرز ليس له حد ولا ضابط في اللغة أو الشرع، ومرجعه إلى العُرف، فما عدَّه النَّاس حرزاً فهو كذلك"، مضيفاً أنَّ العرف يتفاوت، موضحاً أنَّه يختلف باختلاف البلدان والأحوال والأوقات، مشيراً إلى أنَّ حرز شيءٍ في بلدٍ ما يختلف عن حرزه في بلد آخر، كما أنَّ حرز كل شيء بحسبه، فحرز النقود ليس كحرز السيارات، وحرز الذهب والمجوهرات ليس كحرز المواشي، وهكذا.
وأوضح أنَّ حد السرقة قضاءً، هو قطع اليد اليُمنى من مفصل الكف، مضيفاً أنَّ ذلك يتحقَّق بتوفر عدد من الشروط، ومنها إخراج المسروق من الحرز، مشيراً إلى أنَّه إذا وُجدت الخزائن مفتوحةً مثلاً، ثمَّ سُرق ما بها، أو أنَّ الأبواب كانت مُشرعة وسُرق ما وراءها، فإنَّه يدرأ عن المتهم حد السرقة، بيد انَّه يُعزَّر في حال ثبوت الشبهة، مُبيِّناً أنَّ ثاني الشروط التي يثبت بها حد السرقة، هو أن يكون السارق مكلفاً، وثالثها أن يكون المسروق مالاً محترماً.

الحاسب الآلي حرز للمعلومات والأموال المعنوية وانتهاكه يوجب عقوبة السرقة نصاب السرقة
وأضاف "الحمَّاد" أنَّ يد السارق لا تُقطع لآلات اللهو أو الخمور –مثلاُ-، موضحاً أنَّ رابع الشروط هو أن يبلغ المسروق نصاباً، مشيراً إلى أنَّ نصاب السرقة هو كما في حديث "عائشة" -رضي الله عنها-، أنَّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلم- قال:"لا قطع إلاَّ في ربع دينار فصاعداً"، لافتاً إلى أنَّ تحديده بالدينار وليس الدراهم هو الراجح، مُبيِّناً أنَّ وزن الدينار بالمقادير المعاصرة هو (4.25جم) من الذهب، وربعه –وهو النصاب- (1.06جم) من الذهب أيضاً، كما أنَّ قيمته بالعملة الورقية تكون بحاصل ضرب سعر الجرام من الذهب وقت السرقة في (1.06).
وأشار إلى أنَّه لو كان سعر الجرام من الذهب وقت السرقة (120) ريالاً –مثلاً-، فإنَّ النصاب يكون (127.20) ريال، فإذا كانت قيمة المسروق تساوي (127.20) ريالاً فصاعداً، ففيه القطع، وما كان أقل فلا قطع فيه، وهكذا، مضيفاً أنَّ خامس الشروط هو انتفاء الشبهة، فلو سرق الأب من مال ولده لم يُقطع؛ لأنَّ فيه شبهة التملّك والإنفاق، لافتاً إلى أنَّ للوالد أن يتصرف بمال ولده كما يتصرف بماله، ما دام محتاجاً ولم يكن ذلك على وجه الإسراف والسفه، لحديث "أنت ومالك لأبيك".
وأكَّد على أنَّ سادس الشروط هو ثبوت السرقة، وتكون بشهادة عدلين، أو بإقرار السارق، مضيفاً أنَّ الشيخ "ابن عثيمين" -رحمه الله- صحَّح أنَّه لا يُشترط الاستمرار على الإقرار حتى يُقطع؛ لأنَّ قبول الرجوع عن الإقرار ليس على الإطلاق، مبيِّناً أنَّ سابع الشروط، هو أن يُطالب المسروق منه السارق بماله، لافتاً إلى أنَّ الإمام "ابن تيمية" رحمه الله ذهب إلى أنَّه لا تُشترط المطالبة، وأنَّه إذا ثبتت السرقة قُطع؛ لأنَّ القطع لحفظ الأموال وليس حقاً خاصاً.

يكون الإحراز في الليل أغلظ منه في النهار لاختصاصه بأهل العبث والفساد

حرز السيارة إيقافها في المنزل أو إقفالها إذا كانت خارج المنزل
د. فهد المرشدي
د. أحمد الصقيه
موسى الحماد
 
 




مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..