الأحد، 20 يوليو 2014

خشوع المغردين

 (بسبب تويتر فاتتني الركعة الأولى من صلاة الفجر، لن أحد عليها ثلاثة أيام، بل سأترك تويتر ثلاثة أعوام)
كان هذا نص التغريدة التي كتبها المغرد (سلطان الحيزان @sultan_alhizan)
وتم تداولها على نطاق واسع بين المغردين في عام 2012, قبل أن يفي صاحبها بكلامه ويلغي حسابه !
ثم عادت صورة هذه التغريدة مرة أخرى بعد عام من التغريد بها, لتحصل الصورة على أكثر من 800 رتويت, وتنتشر انتشارا أكبر من سابقه.
هل كان سلطان وحده يعاني من هذه المشكلة ؟!
يظهر أن الإجابة هي: لا, فقد أورد الأستاذ (جمال بن حويرب المهيري) موقفا في إحدى مقالاته لخص فيه مشهدا يتكرر في كل بيت حيث يقول فيها: (قال لي أحد الشباب المغرّدين: إنّه بلغ بي من إدمان “تويتر” أنّي أفتح حسابي وأقرأ ما فيه أول شيء في الصباح قبل ذكر الله والوضوء والصلاة).
ولفت انتشار تغريدة الأخ (سلطان), وحصول مقال الأستاذ (جمال) على قرابة 400 ألف إعجاب نظري كثيراً, وحيرني أكثر, فقمت بعمل استفتاء بسيط شارك في الإجابة عليه (211 مغردا), كتبت فيه: (هل أفقدتك الشبكات الاجتماعية السكينة والخشوع في صلاتك؟), وكانت النتيجة مفاجأة, إذ أن نسبة 76% منهم أجابت بـ (نعم)!
إذن يمكننا القول إننا أمام ظاهرة تستحق الدراسة, والسمة التي تميز هذه الظاهرة أنها مرتبطة لدينا بأحد مكونات هوية الفرد – الدين، اللغة، التاريخ -، مما يعطي أهمية أكبر لدراستها.
وقد سعيت لإيجاد تحليلات أعمق لهذه الظاهرة, ورغم أن بعض الأطروحات التي ناقشتها برؤية شرعية عمدت إلى تجريم (شبكة تويتر) وجعلها السبب الرئيس، والتي برأيي تعد تحليلات غير علمية حيث أن تويتر يصنف كـ (وسيلة) والوسائل بريئة ومحايدة ، فهي ظهرت كأدواتٍ عصريةٍ للتواصل وتسهيل حياة الناس ، والسلبيات الناشئة عنها إفرازٌ لسلوكياتهم , لكني وجدت تحليلات أخرى جديرة بالطرح.
أما الطرح الأول فهو طرح مبسط قدمه الأستاذ إبراهيم السكران في مقدمة كتابه (رقائق القرآن)، حيث لخصها في مثال بسيط:
(حين يكون الإنسان في فلاةٍ من الأرض، وتناديه عشرات الأصوات تتناهشه من كل جهة؛ فإنه لا يزداد إلا تيهاً وذهولاً، وأرانا ذلك الرجل الذاهل بين ضجيج المدنية المعاصرة) وأسبق المثال بتساؤل: (هل نظم الاتصالات المتقدمة هذه مشكلة؟ لا, قطعا, بل هي نعمة من الله يجب تسخيرها في ما يرضيه, لقد جنينا منها الكثير, نعم ربحنا, لكن لا أدري, أشعر أننا خسرنا الصفاء. صفاء الذهن وخلو البال, والتأمل الرقراق).
هذا الطرح الذي يبدو بسيطاً منساباً في ظاهره، يحمل عمقاً في حقيقته ويلخص علاقة الشبكات الاجتماعية بالقلق الذهني, وهو ذاته ما تحدث عنه عالم الاتصال (مارشال ماكلوهان) في توصيفه لهذا العصر التكنولوجي بـ(عصر القلق), وسبب التسمية أن التقنية الحديثة بما فيها الشبكات تجبر الفرد على الالتزام والمشاركة بغض النظر عن رغبته في ذلك, ركز على هاتين الكلمتين (الالتزام) و(المشاركة), فأنت في معاناة مع ذاتك في إلزامها بما يسبب لها ضغطاً، وفي معاناة مع من حولك لإدمانك مشاركتهم الكثير من تفاصيلك.
ورغم التوصيف العميق الذي أورده ماكلوهان وشاركه فيه السكران, إلا أني أجد أن هناك وصفا أكثر شمولية لما نعيشه في ظل تجاذبات الشبكات الاجتماعية وهو التسمية التي أورتها د. مها الجريس: (حضارة الانفصال الروحي), ولو تأملت حالك تستجد أنك تعيش حالة (انفصال) بكل ما تعنيه الكلمة من معنى؛ انفصال عن ربك وعن دينك وعن حياة السكون, وتجد أن كل محاولاتك للتركيز والخشوع والتأمل تبوء بالفشل, مع شعور متزايد بالمعاناة والضغط النفسي والإنهاك الذهني.
والحل برأيي هو أن يبادر المغرد حال الوصول لهذا الحال, بمقاطعة مؤقتة للشبكات الاجتماعية وتحديدا (تويتر), مع إيجاد أنشطة تأمل وتدبر واستشعار على الواقع المحسوس, ليستعيد بها ما خسره من صفاء وسكينه وخشوع, وسيحس المغرد في الشهرين الأوليْن بمعاناة شديدة لكنها طبيعية, فهي المرحلة التي تبرز فيها الأعراض الانسحابية، والتي تصيب مدمني المخدرات أيضاً، لكن بمجرد تجاوزها يعاود المغرد العيش في (عصر الصفاء) فيستمتع بحياته ويخشع في صلاته.


هند عامرمواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..