الخميس، 10 يوليو 2014

رسالة خيبة أمل إلى كل من يتغنى بـ "داعش" ورسالة تطمين إلى كل من يتخوف من "داعش".


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فمن المحزن و المبكي أن ترى بعض الفرق الضالة تسيطر أو تستحل منطقة من
المعمورة ، ولكن من السعادة والطمأنينة أنك إذا رجعت أيها المسلم السُّني إلى أقوال الحكماء والعلماء؛ تجدهم يهونون من شأن هذه الفرق الضالة وأنها لن تكون لها راية ولا ولاية على المسلمين، وأعلى من ذلك كلام سيد المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فلنستعرض معاً هذه الأقوال في سطور، والتي تحكي واقع الخوارج قديماً وحديثا، وهل كان أو سيكون لهم دولة، وهل ستجتمع الأمة على رجل خارجي؟

بالله أستعين.

يقول الناصح وهب بن منبه ـ رحمه الله ـ في ذلك:
" إني قد أدركت صدر الإسلام، فوالله ما كانت للخوارج جماعةٌ قط إلا فرَّقها الله على شرِّ حالاتهم، وما أظهر أحدٌ منهم رأيه قط إلا ضرب الله عنقه، وما اجتمعت الأمة على رجل قط من الخوارج ".
"تاريخ دمشق"، و "تهذيب الكمال"، و "سير أعلام النبلاء".


سبحان الله!!


ابن منبه عاش في القرن الأول يا إخوة ويتكلم بهذا الكلام ؟!!
مولده ووفاته سنة (34 ـ 114هـ).


ألا ترون في كلامه مطابقة لواقعنا اليوم ؟


في وقتنا المعاصر؛ خرجت جماعة" جهيمان " في المسجد الحرام " سنة 1400هـ؛ ففرقها الله تعالى شر فُرقة ، وخرج " تنظيم القاعدة " فتفرقوا فرقاً وأحزابا، وضُربت أعناق قادتهم واحداً تلو الآخر، ولم يجتمعوا على رجل واحد منهم، ناهيك أن تجتمع الأمة على واحد منهم.


ويؤكد كلام ابن منبه، ابن تيمية رحمه الله حيث يقول:
" أمر النبى صلى الله عليه وسلم بقتال من يقاتل على الدين الفاسد من أهل البدع كالخوارج وأمر بالصبر على جور الأئمة ونهى عن قتالهم والخروج عليهم ولهذا قد يمكن الله كثيرا من الملوك الظالمين مدة وأما المتنبؤن الكذابون فلا يطيل تمكينهم بل لابد أن يهلكهم؛ لأن فسادهم عام في الدين والدينا والآخرة قال تعالى: ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ) وقال تعالى: ( أم يقولون افترى على الله كذبا فان يشأ الله يختم على قلبك ) فأخبر أنه بتقدير الافتراء لابد أن يعاقب من افترى عليه ".
"مجموع الفتاوى" (14/269).


أيا المسلمون: الخوارج يفسدون الدين والدنيا لو تمكنوا وحكموا أي بلد، لأنهم أهل هوى، و اختلاف فيما بينهم.


يقول وهبه بن منبه فيهم:
" ولو أمكن الله الخوارج من رأيهم لفسدت الأرضُ، وقُطِعت السبُلُ، وقُطِعَ الحجُ عن بيت الله الحرام ".


ألا ترون أيها المسلمون اليوم؛ أن الخوارج تسببوا في إفساد الدنيا على الناس الآمنين في مدنهم وقراهم وبلداتهم؛ فتهجروا بسببهم، ألم يتسببوا في قطع الطرق وانتزاع الأمن، ألا ترون أن الخوارج أفسدوا على المسلمين دينهم؛ قطعوا على الناس السُّبُل إلى الحج والعمرة بسبب التهجير لهم وذهاب أموالهم؟


ألم تُدركوا زمن جماعة " جهيمان " عندما خرجت في المسجد الحرام، فعطّلت الصلاة في المسجد الحرام يومئذ، ومُنع الأذان من أن يرتفع من المسجد الحرام آنَذاك؛ لمدة خمسة عشر يوماً.

فكأن ابن منبه رحمه الله قبل 1335 عاماً يشاهد ما نحن فيه اليوم!


حالهم حال أبو سعيد القرمطي عندما انتهك البيت الحرام في حج عام 317هـ وقتل الحجيج في صحن الطواف، و رماهم في بئر زمزم.


أحبتي في الله! إن شأن الخوارج لم يخف على صدر الأمة وفضلائها، فهذا علي ابن أبي طالب رضي الله عنه الخليفة الرابع الراشد أعلى من ابن منبه وابن تيمية وأشرف، يقول في وصف الخوارج:
" الذين ليسوا بقراء للقرآن ولا فقهاء في الدين ولا علماء في التأويل ولا لهذا الامر بأهل في سابقة الاسلام، والله لو وُلُّوا عليكم؛ لعملوا فيكم بأعمال كسرى وهرقل ".
"تاريخ الطبري" (3/117).


أحبتي في الله!

هاهم خوارج اليوم " داعش " وزمرتهم يعملون في أهل الإسلام ما يعمله اليهود في المسلمين من قتل وتشريد.

ولكن ليطمئن أهل الإسلام على حياتهم من هؤلاء الخوارج فهم تسيدوا في وقت من الأوقات أو استولوا على مناطق؛ فإنهم لن يطول بهم المقام، فقد أخبر من هو أعلى من علي ابن أبي طالب وأشرف؛ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مطمئناً أمته، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( يَنْشَأُ نَشْءٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ ).

قَالَ ابْنُ عُمَرَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
( كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ ). أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً ( حَتَّى يَخْرُجَ فِى عِرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ ).
رواه أحمد (2/84)، وابن ماجه (179). وحسنه الألباني.


قال الألباني:
" قوله: ( عراضهم ) : جمع عرض بفتح وسكون بمعنى الجيش العظيم وهو مستعار من العرض بمعنى ناحية الجبل أو بمعنى السحاب الذي يسد الأفق . قاله السندي ".


النبي صلى الله عليه وسلم يصف وينعت لنا الخوارج عموما ، وينطبق هذا الوصف على " داعش " اليوم وكأن الكلام خرج فيهم، فيقول عليه السلام:( سيكون في أمتي اختلاف وفُرقة وسيجيء قوم يعجبونكم، وتعجبهم أنفسهم، الذين يقتلونهم أولى بالله منهم، يحسنون القتل ويسيئون الفعل، يدعُون إلى الله وليسوا من الله في شيء، فإذا لقيتموهم فأنيموهم ).
قالوا يا رسـول الله: أنعتهم لنا،
قال: ( آيتهم الحلق والتسبيت )؛ يعني: استيصال التقصير.
قال: والتسبيت استيصال الشعر.
أخرجه الحاكم (2/147) وصححه على شرط الشيخين.

فانظروا أيها الإخوة إلى قوله: ( قوم يعجبونكم ).
طبعاً يعجبون من اغتر بهم وغرروا به وأحب الفتنة وتبعها.

وقوله: ( وتعجبهم أنفسهم ).

فعلاً؛ " داعش " اليوم معجبة بنفسها عندما استولوا على مناطق النفط في سوريا ومناطق الزراعة في العراق وملكوا العتاد، وأعلن قائدهم أبو بكر البغدادي الخلافة الإسلامية في الموصل وخطب الجمعة 6 / 9 / 1435هـ.


نعود إلى كلام وهب بن منبه النفيس في الخوارج ونصيحته لذي خولان، فيقول:

" ولو أمكن الله الخوارج من رأيهم ... إذَنْ؛ لعاد أمرُ الإسلام جاهليةً حتى يعودَ الناسُ يسثغيثون برؤوس الجبال كما كانوا في الجاهلية، وإذنْ؛ لقام أكثرُ من عشرة أو عشرين رجلاً ليس منهم رجلٌ إلا وهو يدعو إلى نفسه بالخلافة، ومع كل رجل منهم أكثر من عشرة آلاف يُقاتل بعضُهم بعضاً، ويشهد بعضُهم على بعضِ بالكفر، حتى يصبح الرجل المؤمن خائفاً على نفسِه ودينه ودمه وأهله وماله، لا يدري أين يسلك، أو مع من يكون".


ألا ترون أن هذا الكلام يخاطب " الخوارج " اليوم،كـ" القاعدة " و" داعش " و" النصرة " وغيرهم ؟

أليس المسلمون في الشام والعراق اليوم يستغيثون بالمناطق البعيدة عن القتال والحروب والدمار؟


ألا ترون أن القاعدة انقسمت والنصرة وداعش وانفصلت عن بعضها البعض، وكل قائد انحاز معه ثلة ؟ حتى في زمن أسامة بن لادن كان هناك انقسام وانشقاق عنه.


ألا ترون أنهم بعد انقسامهم فيما بينهم؛ يُكفِّرون بعضهم بعضا، ويقاتل بعضهم بعضا؟


ألا ترون أن المسلمين أصبحوا في ذُعرٍ وخوفٍ من هؤلاء ، ولا يعرفون الحق مع من فيهم ؟


أحبتي في الله!!

لا يعرف التاريخ انتصاراً للخوارج أبداً ولن يكون،

يقول وهب ابن منبه في ذلك ويقرر:
" قال الله تعالى: [ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ]، فأين هم من هذه الآية؟ فلوا كانوا مؤمنين نُصروا.

وقال تعالى: ( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ).
فلو كانوا جُندَ الله؛ غَلبوا ولو مرة واحدة في الإسلام.

وقال الله تعالى: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ).
فلو كانوا مؤمنين نُصِرُوا ".
انتهى كلامه رحمه الله. نفس المصدر الأول.


إن خوارج اليوم من " داعش " و " القاعدة " و" النصرة " وكذلك " الإخوان السلمين " هم سلالة خوارج الصدر الأولى في المعتقد الفاسد، الذين يرون كُفر من لا يرى رأيهم .

فهذا أبو شمر ذي خولان كان قد غَرر به خوارج ذاك الزمان وهم الحروية وكان في اليمن ميسور الحال ذو مال، فكتبوا له كتاباً جاء فيه؛ ما يرويه لوهب بن منبه فيقول: " إنهم يأمروني أن لا أتصدق إلا على من يرى رأيهم، ولا أستغفر إلا له ".

وهذا ما تفعله " داعش " اليوم في المناطق التي سيطرت عليها في سوريا، فيطلبون من أهالي القرى؛ الخروج منها والتهجير ويشترطون عليهم التوبة من الكفر ثم يعودون بعد ذلك لبلدتهم مسلمون .


أي إسلام تدعيه " داعش " وأمثالها ؟!


لكن قد حكم النبي عليهم بالكفر لخروجهم عن دين الله بأفعالهم واعتقادهم الباطل وسفكهم دماء المسلمين الأبرياء، فقال صلى الله عليه وسلم: ( يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
متفق عليه، واللفظ للبخاري.


وأوضح من ذلك وأصرح في الحكم عليهم بالكفر، حديث أَبِى غَالِبٍ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ يَقُولُ: ( شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ وَخَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوا كِلاَبُ أَهْلِ النَّارِ قَدْ كَانَ هَؤُلاَءِ مُسْلِمِينَ فَصَارُوا كُفَّارًا ).
قُلْتُ يَا أَبَا أُمَامَةَ! هَذَا شَىْءٌ تَقُولُهُ؟
قَالَ: ( بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ).
أخرجه ابن ماجه (181). وحسن الألباني.

فالله الله يا شباب الإسلام لا تغتروا بالخواج المارقين من "داعش"، و "القاعدة"، و "النصرة" ولا تنسوا "الإخوان المسلمين" الذين كشّروا عن أنيابهم.


وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


كتبه
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي
فجر الإثنين 9 / 9 / 1435هـ
الموافق: 7 / 7 / 2014م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..