الهجوم الذي حصل في النقطة الحدودية لمملكتنا – حفظها الله وحرسها بعينه التي لا تنام- يوم الجمعة الماضية، ينبئ عن عودة النشاط لتلك التنظيمات المتطرفة، وتحريك الخلايا النائمة بعد هجوعها الذي أرغمت عليه، بسبب الضربات الأمنية الموفقة لرجال أمننا البواسل.في تصوري أن من حرك هؤلاء هو إعلان (داعش) عن دولة الخلافة الإسلامية الأسبوع الفارط، والحقيقة أن ذلك الإعلان ليس مجرد خطوة صبيانية بما علق به الكثيرون من الكتاب والأحزاب، أو هرطقة سياسية أرادوا بها تخويف الأنظمة؛ بل كان برأيي خطوة جريئة، ونقطة انعطاف كبرى في مسيرتهم، ستتيح لهم القيام لاحقا بما يريدون تحت لافتة شرعية، تبرر لهم الجرائم التي سيرتكبونها،
وستسوغ لهم - بشرعية تامة- كل أعمال الانتحار والتفجير التي سيتهورون فيها، وهم يظنون أنهم وضعوا الأمة عبر إعلانهم أمام خيار وحيد، وهو مبايعة خليفة المسلمين.
نحتاج أن ندقق في ذلك الإعلان الذي جاء بصوت محمد العدناني الناطق الرسمي لـ(داعش)، والانتباه للمضامين الشرعية التي بثت في ذلك البيان، فالرجل قال: "قررت الدولة الإسلامية ممثلة في أهل الحل والعقد فيها.. إعلان قيام الخلافة الإسلامية، وتنصيب خليفة للمسلمين، ومبايعة عبدالله إبراهيم بن عواد وقبل بالبيعة، ليصير بذلك إماماً وخليفة للمسلمين في كل مكان".
وأضاف العدناني – بما أوردته الوكالات العالمية- أنه: "بناء على ذلك يلغى اسم (العراق والشام) من اسم التنظيم، ويكتفى بالدولة الإسلامية، وأنه أصبح واجبا على المسلمين مبايعة الخليفة ونصرته، وتبطل شرعية كل الإمارات والولايات التي تمدد إليها سلطانه".
الجملة الأخيرة هي الأخطر في كل ذلك الخطاب، وهي التي حركت من جديد خلايا (القاعدة) في اليمن، وستحركها في بقية العالم. الجملة تلك تضع أولئك المترددين والشباب المتحمس لحلم الخلافة الخلاب، وأيضا أنصاف العوام الذين تغلبهم عاطفة التدين، ولم يؤتوا حظا من العلم الشرعي، أو التفكير في مآلات هذه الرؤية واستحقاقاتها؛ أمام خيار البيعة الحتمي. مثل هذا الخطاب والإعلان عن دولة الخلافة، يضعهم –شرعا- في حدية ثنائية، وهو ما عناه العدناني بوجوبية مبايعة الخليفة ونصرته.
الاستهانة بهذا التنظيم أو تحجيمه بما يفعل بعض الإعلاميين والمراقبين خطأ كبير، إذ هو كالغول يزداد يوما بعد يوم، وأستحضر هنا حواري في العام 2006 مع المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما، منظر السياسية الخارجية للمحافظين الجدد وقتذاك، وقتما شنع في محاضرته بالدار البيضاء على بلادي وأموال البترودولار بأنها من أنتجت لنا القاعدة، قلت له وقتها، في حوار مباشر معه: "أليس ما قلته يدخل في باب (نفاق المثقف)؟ وأنت تعلم تماما أن استخباراتكم (C I A) هي من قام بإنشاء القاعدة في أفغانستان، ودعمتها بالأسلحة والعتاد وصواريخ (ستينجر) لمواجهة غريمكم الدبّ الروسي، وعندما انتهت (القاعدة) من مهمتها انقلبتم عليها! وتأتي اليوم لتتهم وطني بأنه من كان وراء إنشاء (القاعدة)".
الرجل أطرق برأسه على الأرض، ثم بعد تفكير عميق، أجابني بكل صدق: "نعم، نحن من صنعنا ذلك الغول في أفغانستان، ونصنع اليوم في العراق غولا أكبر منه، ويجب أن يوقف ذلك". قصد بذلك الزرقاوي إبان ذروته في العراق.
(داعش) أيّا كان من يقف خلفها ويدفعها تجاهنا؛ ألهمت اليوم وستلهم الكثير من الشباب العربي أن يلتحقوا بها، وهو تنظيم يكبر ويتسع مع كل انتصار يحققه، وهو من الذكاء بمكان أن يستغل الإعلام، في بث صوره وهو يحقق الانتصار تلو الانتصار، ويقوم بتصوير ذبح أو سحل جزاري الصفويين من قادة المالكي الذين أذاقوا السنة في العراق ألوان العذاب، يدغدغ بذلك مشاعر السنة المكلومين، وقد نجح كثيرا في ذلك، والتحق معهم مجموعة كبيرة من العراقيين غير المتدينين،
دعك من الاستعراض بصواريخ (سكود) في أزقة (الموصل) أو (الرقة). مثل تلك المشاهد تفجر الحماسة في نفوس اليافعين والناشئة، فيلتحقون أفواجا بأصحاب الرايات السود، أو هم مستعدون ليكونوا طابورا خامسا في بلدانهم، ينتظرون أية إشارة من البغدادي.
سبق أن كتبت قبل شهر إبان انتصارات (داعش) في (الموصل)، إن ثمة خطوطا متوازية يجب علينا السير فيها تجاه هذا الغول الذي يكبر، أولها عدم الاستهانة به ومواجهته عسكريا، وأمنيا في الداخل.
وكذلك حشد علماء المسلمين على مستوى الأمة والوطن لتفكيك خطابهم الشرعي، وخصوصا بيان البيعة، بقصد حماية أولئك الشباب أن يؤمنوا بأدبياتهم المتطرفة تلك، ولمن لا ينتبه لخطورة ذلك، فقد أعلنت مباشرة فصائل من (النصرة) –تتبع تنظيم القاعدة- مبايعتها لأبي بكر البغدادي، وانفصالها عن (النصرة)، تأثرا بذلك الخطاب، وهو ما أتوقعه خلال المرحلة المقبلة، بأن تضمحل الجماعات الإسلامية، ويهاجر أتباعها لـ(داعش)،
بل أكثر من ذلك، بعض الجماعات الإسلامية التي كانت تصنف معتدلة، سيؤمن جملة من أتباعها بأن العملية الديموقراطية ليست مجدية، وقد جربوا ذلك، وأنه لا حلّ إلا بما تقول به أدبيات (داعش) الشرعية بوجوب الجهاد والخلافة والدولة الإسلامية.
الخط الثالث والأهم برأيي، هو اختراق هذا التنظيم استخباراتيا، ونحن قادرون بشكل كبير، إذ أن أبناءنا هم من يشكل –للأسف- العمود الفقري الضارب، وثمة دعاة وعلماء –تعرفهم الأجهزة الأمنية- لهم الصوت المسموع في داخل (داعش)، ولو أعدنا ما تحاول به إيران، من توجيه هؤلاء لنا، وارسالهم لحدودنا –كلنا يعرف كيف انسحبت قوات المالكي الكريه عن الحدود السعودية- إلى أن يقتنعوا بأن العدو الأول هم الصفويون في العراق وإيران، لا اخوانهم السنة في الجوار، وأن الأولى مرحليا الصفويون والنصيريون والصهاينة؛ لأفلحنا في التخفيف من أذاهم، وأبعدناهم عن حدودنا. وأجزم بأن استخباراتنا قادرة على فعل هذا، عبر أولئك الدعاة وطلبة العلم.
الغول الذي قال به فوكوياما يتمدد، والاستهانة بما يحاول أن يفعله بعض الكتبة والمراقبين بهذا التنظيم خطأ كبير، والسياسة تتطلب الدهاء والمكر غالبا.
مقالتي اليوم كررت فيه دعوتي لاختراق داعش استخباراتيا عبر طلبة العلم والدعاة الذين يسمعون لهم ، وتحويل فوهات رشاشاتهم لإيران وحزب الله والصهاينة بدلا منا. .
----------------------------------------
بقلم:عبدالعزيز قاسم
صحيفة الوطن
وستسوغ لهم - بشرعية تامة- كل أعمال الانتحار والتفجير التي سيتهورون فيها، وهم يظنون أنهم وضعوا الأمة عبر إعلانهم أمام خيار وحيد، وهو مبايعة خليفة المسلمين.
نحتاج أن ندقق في ذلك الإعلان الذي جاء بصوت محمد العدناني الناطق الرسمي لـ(داعش)، والانتباه للمضامين الشرعية التي بثت في ذلك البيان، فالرجل قال: "قررت الدولة الإسلامية ممثلة في أهل الحل والعقد فيها.. إعلان قيام الخلافة الإسلامية، وتنصيب خليفة للمسلمين، ومبايعة عبدالله إبراهيم بن عواد وقبل بالبيعة، ليصير بذلك إماماً وخليفة للمسلمين في كل مكان".
وأضاف العدناني – بما أوردته الوكالات العالمية- أنه: "بناء على ذلك يلغى اسم (العراق والشام) من اسم التنظيم، ويكتفى بالدولة الإسلامية، وأنه أصبح واجبا على المسلمين مبايعة الخليفة ونصرته، وتبطل شرعية كل الإمارات والولايات التي تمدد إليها سلطانه".
الجملة الأخيرة هي الأخطر في كل ذلك الخطاب، وهي التي حركت من جديد خلايا (القاعدة) في اليمن، وستحركها في بقية العالم. الجملة تلك تضع أولئك المترددين والشباب المتحمس لحلم الخلافة الخلاب، وأيضا أنصاف العوام الذين تغلبهم عاطفة التدين، ولم يؤتوا حظا من العلم الشرعي، أو التفكير في مآلات هذه الرؤية واستحقاقاتها؛ أمام خيار البيعة الحتمي. مثل هذا الخطاب والإعلان عن دولة الخلافة، يضعهم –شرعا- في حدية ثنائية، وهو ما عناه العدناني بوجوبية مبايعة الخليفة ونصرته.
الاستهانة بهذا التنظيم أو تحجيمه بما يفعل بعض الإعلاميين والمراقبين خطأ كبير، إذ هو كالغول يزداد يوما بعد يوم، وأستحضر هنا حواري في العام 2006 مع المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما، منظر السياسية الخارجية للمحافظين الجدد وقتذاك، وقتما شنع في محاضرته بالدار البيضاء على بلادي وأموال البترودولار بأنها من أنتجت لنا القاعدة، قلت له وقتها، في حوار مباشر معه: "أليس ما قلته يدخل في باب (نفاق المثقف)؟ وأنت تعلم تماما أن استخباراتكم (C I A) هي من قام بإنشاء القاعدة في أفغانستان، ودعمتها بالأسلحة والعتاد وصواريخ (ستينجر) لمواجهة غريمكم الدبّ الروسي، وعندما انتهت (القاعدة) من مهمتها انقلبتم عليها! وتأتي اليوم لتتهم وطني بأنه من كان وراء إنشاء (القاعدة)".
الرجل أطرق برأسه على الأرض، ثم بعد تفكير عميق، أجابني بكل صدق: "نعم، نحن من صنعنا ذلك الغول في أفغانستان، ونصنع اليوم في العراق غولا أكبر منه، ويجب أن يوقف ذلك". قصد بذلك الزرقاوي إبان ذروته في العراق.
(داعش) أيّا كان من يقف خلفها ويدفعها تجاهنا؛ ألهمت اليوم وستلهم الكثير من الشباب العربي أن يلتحقوا بها، وهو تنظيم يكبر ويتسع مع كل انتصار يحققه، وهو من الذكاء بمكان أن يستغل الإعلام، في بث صوره وهو يحقق الانتصار تلو الانتصار، ويقوم بتصوير ذبح أو سحل جزاري الصفويين من قادة المالكي الذين أذاقوا السنة في العراق ألوان العذاب، يدغدغ بذلك مشاعر السنة المكلومين، وقد نجح كثيرا في ذلك، والتحق معهم مجموعة كبيرة من العراقيين غير المتدينين،
دعك من الاستعراض بصواريخ (سكود) في أزقة (الموصل) أو (الرقة). مثل تلك المشاهد تفجر الحماسة في نفوس اليافعين والناشئة، فيلتحقون أفواجا بأصحاب الرايات السود، أو هم مستعدون ليكونوا طابورا خامسا في بلدانهم، ينتظرون أية إشارة من البغدادي.
سبق أن كتبت قبل شهر إبان انتصارات (داعش) في (الموصل)، إن ثمة خطوطا متوازية يجب علينا السير فيها تجاه هذا الغول الذي يكبر، أولها عدم الاستهانة به ومواجهته عسكريا، وأمنيا في الداخل.
وكذلك حشد علماء المسلمين على مستوى الأمة والوطن لتفكيك خطابهم الشرعي، وخصوصا بيان البيعة، بقصد حماية أولئك الشباب أن يؤمنوا بأدبياتهم المتطرفة تلك، ولمن لا ينتبه لخطورة ذلك، فقد أعلنت مباشرة فصائل من (النصرة) –تتبع تنظيم القاعدة- مبايعتها لأبي بكر البغدادي، وانفصالها عن (النصرة)، تأثرا بذلك الخطاب، وهو ما أتوقعه خلال المرحلة المقبلة، بأن تضمحل الجماعات الإسلامية، ويهاجر أتباعها لـ(داعش)،
بل أكثر من ذلك، بعض الجماعات الإسلامية التي كانت تصنف معتدلة، سيؤمن جملة من أتباعها بأن العملية الديموقراطية ليست مجدية، وقد جربوا ذلك، وأنه لا حلّ إلا بما تقول به أدبيات (داعش) الشرعية بوجوب الجهاد والخلافة والدولة الإسلامية.
الخط الثالث والأهم برأيي، هو اختراق هذا التنظيم استخباراتيا، ونحن قادرون بشكل كبير، إذ أن أبناءنا هم من يشكل –للأسف- العمود الفقري الضارب، وثمة دعاة وعلماء –تعرفهم الأجهزة الأمنية- لهم الصوت المسموع في داخل (داعش)، ولو أعدنا ما تحاول به إيران، من توجيه هؤلاء لنا، وارسالهم لحدودنا –كلنا يعرف كيف انسحبت قوات المالكي الكريه عن الحدود السعودية- إلى أن يقتنعوا بأن العدو الأول هم الصفويون في العراق وإيران، لا اخوانهم السنة في الجوار، وأن الأولى مرحليا الصفويون والنصيريون والصهاينة؛ لأفلحنا في التخفيف من أذاهم، وأبعدناهم عن حدودنا. وأجزم بأن استخباراتنا قادرة على فعل هذا، عبر أولئك الدعاة وطلبة العلم.
الغول الذي قال به فوكوياما يتمدد، والاستهانة بما يحاول أن يفعله بعض الكتبة والمراقبين بهذا التنظيم خطأ كبير، والسياسة تتطلب الدهاء والمكر غالبا.
مقالتي اليوم كررت فيه دعوتي لاختراق داعش استخباراتيا عبر طلبة العلم والدعاة الذين يسمعون لهم ، وتحويل فوهات رشاشاتهم لإيران وحزب الله والصهاينة بدلا منا. .
----------------------------------------
بقلم:عبدالعزيز قاسم
صحيفة الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..