السبت، 30 أغسطس 2014

تقييم تجربة جامعة الملك سعود في منع التدخين!


في عام 1988 كنت في المدينة الجامعية الطبية في مينيسوتا لقضاء إجازة تفرغ علمي، فوجدت إعلانا في مدخل كلية الطب ينص على أنه لا يسمح بالتدخين داخل المباني المغلقة ابتداء من 22 آب (أغسطس)، وبالفعل ما جاء ذلك التاريخ إلا ووجدت التزاماً تاماً بذلك القرار، ولم أشم أي رائحة أو أجد مدخناً داخل المباني، حيث يخرج المدخنون خارج المبنى ودرجة الحرارة تصل إلى 20 درجة تحت الصفر. وعندما رجعت في تلك السنة إلى المملكة كان هناك قرار صادر في عهد الملك فهد - رحمه الله - يمنع بموجبه التدخين في المباني الحكومية، فوجدت العديد من مسؤولي المطار يدخنون أمام بوابة القدوم، كما أنك تجد التدخين في ذلك الوقت في كل مكان داخل المطار. والشيء نفسه وجدته في جامعة الملك سعود، حيث رأيت آثار أعقاب السجائر قد أتلفت السجاد الراقي الموجود في ممرات بعض الكليات، وتشم رائحة الدخان وتشاهد بعض المدخنين داخل المباني.
بدأت حملة جامعة الملك سعود لمنع التدخين، وكانت هناك مقاومة شرسة من قبل المدخنين أساتذة وطلاباً، كان النجاح حليف الكليات العلمية مثل الهندسة والعلوم في منع التدخين داخل مبانيها، لكن بقيت بعض الكليات وبعض الدوائر الإدارية فيها مقاومة قوية.
وفي السنوات الأربع الأخيرة، تحسن الوضع كثيراً، فقد كنا لا نستطيع استخدام الدرج الموجود في بهو الجامعة من شدة رائحة الدخان، بل تفاجأ بأن أحد الموظفين في إدارة ما يدخن أمام المراجعين وهو يعلم أن التدخين غير مسموح به! الفرق كبير في تنفيذ القرارات العامة، ففي مينيسوتا كان القرار مكتوباً في ورقة صغيرة موضوعة في مدخل الكلية، أما نحن فقد استخدمنا التعاميم ووضعت لوحات تحذيرية، لكن استمرت المقاومة سنين طويلة.
العام الماضي كان متميزاً، فقد أعلنت جامعة الملك سعود في الصحف الرسمية أن أجواءها ستكون خالية من التدخين! حتى هذه الساعة لم يتحقق هذا الحلم، لكن هناك قفزة نوعية في منع التدخين السلبي، فقد وجهت إدارة الجامعة جهات المتابعة بضرورة تنفيذ قرار منع التدخين، وجعلت التدخين مسموحاً به فقط في أماكن بعيدة عن مداخل الكليات، وكان هناك التزام قد يصل إلى 85 في المائة، ولا أدري هل يتحقق حلم إدارة الجامعة (الذي هو حلمنا جميعا) في جعلها خالية من التدخين؟!
أردت بذكر تجربة جامعة الملك سعود، لأنها هي الجامعة الكبرى، وفي العاصمة الرياض (صعبة المراس) التي تمثل كل أطياف المجتمع، بل تعد نموذجاً يعتد به لدراسة أي ظاهرة اجتماعية تخص المملكة، هذه التجربة أخذت وقتاً طويلاً (أكثر من 20 سنة) مقارنة بما يلاحظ في غالبية جامعات العالم، حيث يلاحظ أن مثل تلك القرارات التي فيها مصلحة عامة يتقبلها المواطنون بكل رحابة صدر، أما في مجتمعنا فلا يزال هنالك إصرار على الفوضى وتجاوز حريات الآخرين.
ومن الجدير بالذكر أن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن استطاعت أن تنفذ قرار منع التدخين في فترة قياسية، حيث يرجع ذلك إلى أسباب عدة، منها أنها خارج منطقة الرياض، كما أن أعداد طلابها وموظفيها ليسوا بالكثرة الموجودة في جامعة الملك سعود، إضافة إلى صرامة إدارتها في تطبيق النظام. لكن كم أتمنى أن يقوم بعض الباحثين بدراسة الفرق بين تجربة الجامعتين لمعرفة الطرق المثلى لحل بعض المشكلات الوطنية الأخرى، فالجامعات يجب أن تكون المواقع لدراسة أي ظاهرة وإيجاد الطرق لمعالجتها.
د. عبدالقادر بن عبدالرحمن الحيدر

الثلاثاء 18 جمادى الأول 1433 هـ. الموافق 10 إبريل 2012 العدد 6756
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..