سأل أحد المتصفحين لموقع أدباء الشام على شبكة
الإنترنت عن قائل هذا البيت :
إن حـظـي كـدقيق بين شـوك نـثـروه
وسأل عن تتمة الأبيات وعن قائلها .
وقد أثار هذا السؤال في نفسي ذكريات عزيزة .
كان ذلك عام 1961م أي قبل أكثر من أربعين عاماً
، عندما كنت أعمل مدرساً في بلدة "الخرمة" التابعة لمنطقة الطائف التعليمية في
الجزء الغربي من المملكة العربية السعودية ، وكان عمري آنذاك عشرين عاماً.
وشاء الله أن أتعرف على أخ عزيز جاء من مصر مدرساً في الخرمة ، هذا الأخ اسمه عبد
العليم شهاب، كان مولعاً بالأدب والأدباء والشعر والشعراء ، وكان كثيراً ما يسمعني
روائع الشعر العربي قديمه وحديثه، ويحدثني عمن عرف من شعراء مصر أو عمن قرأ له
منهم، وممن حدثني عنهم الشاعر عبد الحميد الديب ، وكان مما قرأه لي وحفظته ونسبه
إلى هذا الشاعر هذه الأبيات التي سأل السائل عنها :
إن حظي كدقيق ثم قالوا لحفاةٍ صعب الأمر عليهم إن من أشقاه ربي |
|
بين شوك نثروه يوم ريح اجمعوه قيل يا قومي اتركوه كيف أنتم (تسعدوه) |
أقول : هكذا روى الشطر الأخير من البيت الرابع : كيف أنتم (تسعدوه) ، والأصل
تسعدونه لأنه من الأفعال الخمسة التي ترفع بثبوت النون وتنصب وتجزم بحذفها (أي
النون) .
ونحن في هذه الرواية أمام احتمالين :
الأول : أن يكون الشاعر قد أخطأ ، وهذا ما أستبعده من شاعر مثل عبد الحميد الديب
طالب الأزهر ودار العلوم، وهما حصنا العربية بمصر ، وأستبعد أيضاً على شاعر يبدأ
أبياته بالجمالية التي تبدع هذه الصورة المركبة في البيتين الأولين :
دقيق بين شوك ... وريح ثائرة ... وحفاة كلفوا بجمع هذا الدقيق المنثور بين الأشواك
والذي تتلاعب به الرياح .
هذا مع ما نلاحظه من قلق الضمير أنتم بين الاستفهام والفعل .
إن هذه الأبيات الأربعة جميلة وتعبر عن موقف الشاعر وحالته النفسية ولا يعيبها من
الناحية الفنية سوى هذا الشطر .
الثاني : أن يكون الراوي الذي روى الأبيات قد بدّل وغيّر ، فيكون الخطأ من الراوي ،
مع ملاحظتنا أن شعر الديب في معظمه نقل بالرواية ، وشيوع الرواية بالخطأ في هذا
الشطر جعل بعض النقاد يحكم على جميع الأبيات بالضعف ، وهذا ظلم للشاعر وشعره .
والذي يرجح الاحتمال الثاني أن إصلاح هذا الخطأ كان ممكناً وميسوراً من الأدباء
الذين مرّ عليهم هذا البيت ، كان يمكن ان يكون البيت هكذا :
إن من أشقاه ربي | أبداً لن تسعدوه |
ويعود الحق إلى نصابه ، وتعود الأبيات إلى إشراقتها .
هذا وقد أهداني أخي عبد العليم كتاباً عن حياة هذا الشاعر بعنوان "الشاعر البائس
عبد الحميد الديب" تأليف عبد الرحمن عثمان ، وبعد قراءة الكتاب تبين لي أن هذا
المؤلف هو راوية الشاعر، وتبين لي أيضاً أن هذه الأبيات الأربعة ليس لها وجود في
الكتاب ، وإن كان هناك عشرات الأبيات في معناها .
إذن رويت هذه الأبيات للشاعر عبد الحميد الديب الذي كان ملقباً بالشاعر البائس .
فمن هو عبد الحميد الديب ؟
ولد الشاعر عبد الحميد السيد الديب عام 1898 بقرية كمشيش في محافظة المنوفية بمصر
لأسرة فقيرة لا تكاد توفر متطلبات العيش الأولية لأفرادها ، ومع ذلك دفع به أبوه
وهو في الخامسة أو نحوها إلى شيخ القرية ليعلمه القرآن وشيئاً من الكتابة ، ثم أرسل
به إلى الأزهر آملاً أن يكون من علمائه الأجلاء ، إلا أن حياة الأزهر لم ترق له،
فلم يطل به المقام فيه حتى تحول إلى دار العلوم بالجامعة المصرية، ويبدو أنه لم يتم
دراسته فيها إلى نهايتها ، فخرج إلى الشارع متسكعاً باحثاً عن مأوى يؤويه ووظيفة
تغنيه ، ولكنه كان يعاني الأمرين في سبيل ذلك ، وفي الغالب كان الاخفاق حليفه ،
فعاش في أحياء القاهرة الفقيرة يلتمس غذاءً وفراشاً ووطاء ، فكان يعاني في سبيل ذلك
الشيء الكثير ، وكثيراً ما كان يلجأ إلى معارفه فيغيثونه ببعض ما عندهم، وكان جل
معارفه من محدودي الرزق بسيطي الكسب ، واندفع الشاعر إلى المخدرات فأدمنها ، وعانى
من ذلك الآلام المبرحة والتشرد الطويل، وزجَّ به المسؤولون في السجن بغية العلاج ،
ففرح بالسجن لأنه وجد فيه المأوى والزاد، وعندما قدر الله له الشفاء من إدمانه رموا
به خارج السجن ليعاود مآسيه في الجوع والتشرد .
هذه الحياة أفرخت عنده حزناً وضيقاً وتمرداً تجده في شعره واضحاً ظاهراً ، كما
أفرخت عنده معرفة تامة بما يعانيه بسطاء الناس من شقاء وعناء ، فظهر ذلك جلياً في
شعره ، وأنتج لنا بسببه قصائد فريدة .
اما شقاؤه وحزنه
وضيقه فإن لنا عليه فيضاً من النماذج من شعره ، لعل الأبيات الأربعة المتقدمة واحدة
من هذه النماذج ، وعندما نظر إلى الناس يقدمون بين يدي عيد الأضحى ذبائحهم صرخَ
قائلاً :
يا معشر الديب وافى كل مغتربٍ ذبحتهم الشاة قرباناً لعيدكم |
|
إلا غريبكم في مصر ما بانا والدهر قدمني للبؤس قربانا |
وكثيراً ما كان يضيق بالناس لانصرافهم عن نجدته وإساءتهم معاملته ، ويعبر عن ذلك
بشعره، ففضل الكلاب على سائر البشر :
ليت العباد كلاب ، إن كلبتنا | لما تزل لحفاظ الودّ عنوانا |
وهذا يذكرنا بأبي بكر محمد بن خلف المرزبان (ت309هـ) الذي ألف كتاباً يفضل فيه
الكلاب على كثير من البشر ، وكان كتابه بعنوان "تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس
الثياب" .
وبالذي فضل مصاحبة الذئب على مصاحبة البشر :
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ
عوى وصوّت إنسانٌ فكدتُ أطيرُ
وبالشفنرى الأزدي الذي فضل الحيوانات مثل الذئب والنمر والضبع على قومه ، فقال :
أقيموا بني أمي صدور مطيكم ولي دونكم أهلون سيد عملسُ |
|
فإني إلى قوم سواكم لأميلُ وأرقطُ ذهلولٌ وعرفاءُ جيألُ |
إلى آخر مافي الشعر العربي من هذه النماذج ...
ولم يكف عبد الحميد الديب عن الشكوى والأسى ، ومن ذلك قوله :
وداعاً شبابي في ربيع شبابي
وأهلاً حسابي فبل يوم حسابي
وينعي حظه في هذه القصيدة بقوله :
ولكن حظي بدل النور ظلمةً وبؤت من الأيام وهي هوامع أمانيّ تغريها الخطوب رأيتها ولو أن وهاب الحظوظ أراد لي ولكنها ماتت بليلة عرسها |
|
وبدل ما أشدو نعيب غراب بحظ العطاش من جهام سحاب كأشلاء قتلى في رؤوس حراب سلامة إحداها لخفف ما بي ومن دمها الغالي تخذت خضابي |
وهو من شدة شعوره بالحزن يقول :
لم يخلق الحزن إلا في جوانحنا لو ذاق هذا الورى معشار محنتنا |
|
ولا المدامع إلا في مآقينا ما فارقوا عيشهم دنيا ولا دينا |
وهو في شكواه يقول :
رضيت ومن يمرن على حزنه يرضى ويا سامر الدنيا وموكب يُسرها |
|
فيا ظلَّ أحلام تقلص وانقضا تجافيت بي نفلاً وأنكرتني فرضا |
الواقع أن الديب كان يائساً من مساعدة من حوله ، بل كان يتهمهم بالتآمر عليه لأنه
أفضل منهم فكراً وخلقاً وشعراً ، فنراه يقول :
حظي ومصرعه في لين أخلاقي بين النجوم أناس قد رفعتهمُ وكنت نوح سفين أرسلت حرماً وليس لي من حبيب في دياركم لم أدر ماذا طعمتم في موائدكم |
|
وفيض عطفي على قومي وإشفاقي إلى السماء ، فسدوا باب أرزاقي للعالمين ، فجازوني بإغراقي إلا الحبيبين أقلامي وأوراقي لحم الذبيحة أم لحمي وأخلاقي |
وللشاعر قصيدة رائية مشهورة ، يتداولها عارفوه ومحبو شعره ، ولكنها غير قابلة للنشر
، وهذه القصيدة تذكرنا في وجه من الوجوه بقصيدة إبراهيم طوقان "يا شهر أيار" وهي
أيضاً متداولة وغير قابلة للنشر .
وفي رائية الديب أبيات عن بؤسه وسوء حظه لا نستطيع أن نذكر منها سوى هذا البيت :
كأني عبلة والبؤس عنتر
|
|
وهام بي الأسى والبؤس حتى
|
وسأورد بيتاً آخر من القصيدة يدل على السبب في عدم النشر :
هنا يأيها المزنوق طرطر !!
|
|
كأني حائط كتبوا عليه
|
إذا هممت أن تختار من شعر الديب وقعت في حيرة ، فهو شاعر مقتدر ومتفوق وتود لو
أكثرت من عرض إبداعاته ، وكلما تركت قصيدة أسفت لأنك كنت تود لو عرضتها .
قلنا إن حياة الديب هي حياة هذه الطبقة الفقيرة البائسة من الشعب المصري ، لهذا كان
الديب إذا تحدث عن فقير وبائس أبدع في حديثه وحلق ، وله مقطوعات في غاية الجودة
والتقدم لا يستطيع الكاتب أن يقتبس منها بل لابد من عرضها كلها لأنها تمثل وحدة
عضوية لا تنفصم عراها .
والديب فلاح من عائلة ريفية فقيرة ، لهذا فهو إذا تحدث عن الفلاح أجاد وأبدع :
كل الحياة بهذه الفأس حَسْب ابن بَجْدَتِها وحاملها بين المروج عروسها تُجْلى كم أنبتت في قاحِلٍ ذهباً هي فرحة ، إلا إذا حُمِلَتْ في يومها غَرْسٌ .. وفي غدها وتُرَى على كَتِفٍ مجرحة |
|
من أخمص الدنيا إلى الرأس بين البرية عِزَّة النفس وتُزَفُّ من عُرْسٍ إلى عرس وجَرَتْ على الأزهار كالكأس لِتَشُقَّ مَثْوَى المَيْتِ بالرمس جنى لما أجدته في أمس كالتاج مُلْتَمِعاً على الرأس ! |
وعندما رأى الشاعر فقيراً يتلذذ الناس في تعذيبه وازدرائه ، هاجت شاعريته وأبدع هذه
المقطوعة :
سجنوا عليكَ الكون ، أم سَجَنُوكا تَخِذوا عذابك ، أو نعيمك شهوة نَمْ يا ضرير ، ففي عماكَ سعادة ألاّ ترى أثَرَ الطغاة وجورهم ألا ترى الدنيا شخوص رواية صادوك ، فاتخذوك لعبة ملجإ لم يرحموك على عماك ، كأنهم في "الغرب" كل اللاجئين تخالهم وهم بمصر معذبون أذلة يَحْيَوْنَ في ظل الإسار وضيقه ثاروا وثاروا .. والحكومة لَمْ تَزِدْ وهم كباقي الشعب في بأسائه |
|
لو أنصفوا في ظلمهم قتلوكا وتقاسموك ، كأنَّهُم خلقوكا ! ألاّ ترى عيناك مَنْ ظَلموكا عرضاً ذبيحاً ، أو دماً مسفوكا ضَلَّت .. وضَلُّوا شرعة وسلوكا كم عذَّبوكَ به وكم ضربوكا حسبوا العذاب على العمى يهنيكا بين النعيم المستقر ملوكا ملكوا مِنَ الرِّقِّ المهين صُكوكا بأشد من عيش السجون حُلوكا إلاّ ظنوناً حولهم وشكوكا .. ! ظِلُّ الحُنوِّ به غدا متروكا |
أما خانكا مصر أو سجن المجانين أو المارستان فقد نزله الشاعر وعاش مع نزلائه فوصف
كل ذلك في هذه الأبيات التي قل أن يجيد مثلها شاعر ، بل أقول بأن شاعرا آخر غير
الديب ما كان ليشعر بهؤلاء النـزلاء مثلما يشعر الديب نفسه ، ألم يتهموهُ بالجنون ؟
ألم يلقوه ظلماً بينهم ؟
رعاك الله "مارستان" مصر حَوَيْتَ الصابرين على البلايا ومن هبطوا بهم من صَرْحِ عِزٍّ تراهم خائفين .. فإن أُثِيروا وإن سئلوا عن الأسرار كانوا ورب مهرج منهم بقولٍ فإن يغضب بقارصَةٍ تباكى يعذبه عبادك كل يوم وكم في مصر من غِرٍّ غَبيٍّ ولو عدلوا لأمسى "خانكياً" |
|
فإنَّكَ دارُ عقل لا جنون ومَنْ نَزَلوا على حكم السنين إلى أغلال إذلال وَهُون بِمَهْزَلَةٍ فآساد العَرين كمن أخذوا عن الروح الأمين يُريكَ الجد في ثوب المجون فأبكى العين بالدمع الهَتون ويَصْلَى الضَّيْمَ حيناً بعد حين تمتع بالجميل وبالثمين يُعذّب بالشمال وباليمين |
والديب السياسي ، نعم السياسي ، فقد كان على خصاصته مهتماً بما يدور حوله ، له رأي
نافذ في أمور السياسة والأحزاب والحكومات والرجال .
كان الديب من بين معاصريه من شعراء مصر أول من التفت إلى قضية فلسطين ، بل إن
شوقياً وحافظاً ومطران وهم أعلام الشعر في عهده لم يذكروا فلسطين ومأساتها حتى في
بيت واحد، وقد عاتبهم إبراهيم طوقان في قصيدة معروفة على موقفهم هذا ولكن دون جدوى
.
أما الديب فقد تعاطف مع أهل فلسطين ومع قضيتهم منذ عام 1936 ، وهو عام مبكر ، فله
هذه الأبيات يخاطب فلسطين وأهلها ، وهي بعنوان "فلسطين الدماء" .
أقَتَلْتِهِمْ بالحُسن أم قتلوكِ دار النبوة .. والعروبة .. والهدى جهلوا عليك ، وما دروك فأمعنوا تِيهِي "فلسطين الدماء" على الورى فلَربَّ ظبي من بنيك مُهفهف نامت عيون الناس إلا عينه ولرب شيخ من بنيك محطم تعس اليهود فما لهم من ذمة |
|
الشمس أمك .. والهلال أبوك خَفَروا ذِمامَكِ بالدم المسفوك في قتل قومك .. ليتهم عرفوك إنَّ الملائك والملوك بنوك بجماله وحسامه يفديك !! حتى يصيب الثأر من راميك بَهَرَ الوجود صِباً .. لكي يحميك لو لم تكوني مُرّةً أكلوكِ |
كان هذا عام 1936م ، ومن حظ الديب أنه لم يعش حتى يرى اليهود وقد التهموا فلسطين ،
وزادوا عليها بلاداً أخرى .
أما موقفه من أحد الأحزاب الذي كان يجمع بين الوزارة ورئاسة الديوان الملكي وقد طغى
وانتشرت ظلاماته فهو يلخص هذا الموقف بقوله :
برامكةٌ وليس لهم رشيد مدحتهم فما شرفوا بشعري وصغت هجاءهم فإذا الأهاجي |
|
وأقيال وكلهم عبيد لخستهم ، وما شرف القصيد على الأفواه لحن أو نشيد |
وقال مورياً بالنحاس باشا رئيس وزراء مصر :
راجع زمانك أيهذا الكاس لم يبق من مجد الزعامة كله |
|
فاليوم لا نحس ولا "نحّاس" إلا قميص أزرق ولباس |
وكان الديب دائماً مع الشعب ، مع المحرومين من العمال والفلاحين ، وهو يصور الحياة
الاجتماعية البائسة لهؤلاء في عهده أصدق تصوير :
"كُلوا" الحكومة أو موتوا من الجوع مَن حرَّموا اللحم في يومين، هَلْ علموا حكومة الفقر و الأيام قَبْلَهُمُوا |
|
صوت الضعيف المُرَجَّى غير مسموع أن ليس في حُكْمِهِمْ زَيْدٌ لتشريع ؟ على الورى حَرَّمَتْهُ ألْفَ أسبوع ؟! |
وعندما اعتقلت الشرطة الشاعر ووقف أمام المحقق فقال له : إيه يا ديب تحرض الناس على
الحكومة وتقول لهم : كُلوا الحكومة أو موتوا من الجوع ، رد الديب على البديهة وقال
أنا لم أقل ذلك وإنما قلت : كِلوا الحكومة (بكسر الكاف) أي فوضوها أمركم ! فابتسم
المحقق وخلى سبيله .
ويذكرني موقف الديب هذا وسرعة تخلصه من المأزق بتحريف البيت بحركة واحدة ، بموقف
نرويه عن أبي نواس في العصر العباسي ، فقد رووا أن أبا نواس وقف بباب أحد الأمراء
ينتظر الإذن ، فطال وقوفه وعلم أن الأمير يجالس جارية له تدعى خالصة ، فكتب "بالطبشورة"
على الباب هذا البيت :
كما ضاع عقد على خالصة
|
لقد ضاع شعري على بابكم
|
ولما قرأته الجارية استشاطت غضباً واستشاط معها الأمير ، فأرسل في استدعاء أبي نواس
، ويقال بأن أبا نواس فطن لسبب الاستدعاء ، فمال على الباب ومسح الطرف السفلي من
حرف العين في كلمة ضاع فغدت ضاء ، وعندما مثل بين يدي الأمير وسأله غاضباً عن بيت
الشعر نفى أبو نواس أنه هجا ، بل ادعى أنه مدح ، ولما قرأ الأمير البيت مجدداً بعد
الحذف ابتسم وصفح عن الشاعر وأجازه .
وأنا أشعر أن قصة أبي نواس ملفقة ومصنوعة وفيها ما يجعلها مستبعدة الحدوث ، وإذا
قارنا بينها وبين حادثة الديب تفوّق الديب ، فقد احتاج أبو نواس ليمسح من حرف العين
ولم يحتج الديب لذلك أو لمثله . وماذا لو لم يمر أبو نواس على الباب الذي سبق أن
كتب عليه ؟!
أنا لا أقدم الديب على أبي نواس ، فأبو نواس أحد أعلام الشعر العربي ، ولكني أقدم
الديب في هذا الموقف .. وأرثي للديب الذي ضاع معظم شعره وأهمل ما تبقى منه .
لا أريد أن أسترسل مع الديب وشعره أكثر من ذلك وإن كان هو وشعره يستحقان الاسترسال
، فقد كتبت هذه الخواطر من وحي سؤال عن بيت شعر .. وهذا يكفي .
بقلم : أحمد الجدع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..