الاثنين 06 ذو القعدة 1435
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
تعليق على كتاب صدر في بيروت بعنوان " النخاولة (النخليون) في المدينة
المنوّرة – التكوين الاجتماعي والثقافي" من تأليف حسن بن مرزوق رجاء
الشريمي النخلي من
منشورات (الانتشار العربي)، بيروت – لبنان 2012م.
وخلاصة هذا الكتاب:
•الادعاء بأن النخاولة، وهم أقلية شيعية صغيرة في المدينة المنوّرة ينتسبون إلى الأنصار.
•أن أهل المدينة وما جاورها كانوا في الأصل شيعة([1])، وأن المماليك ومن بعدهم الأتراك أجبروهم على أن يكونوا سنّة.
•مزاعم أخرى أقل أهمية.
فلنعرّف
مصطلحاتنا قبل أن نتحاور: - تلك جملة قالها الكاتب الفرنسي
الشهير(فولتير)، فحريٌ بنا –إذاً- أن نعرّف مصطلحاتنا قبل أن نعلق على
الكتاب. ولعل أهم مصطلح يجب تعريفه هو مصطلح "النخاولة" ، ويأتي بعده مصطلح
"النخليون".
من
هم "النخاولة"؟ - إنّي أتشرّف بانتسابي إلى المدينة المنوّرة وأني من
مواليدهــا (1347هـ - 1929م) وعشت في ربوعها وتعلمت في مدارسها وأعرف
جيداً مكونات المجتمع المديني، وأحسب أني أعرف تاريخها معرفة جيدة ، وما
تعرضت له من فتن وأحداث عظام. وحيث أني – بحكم سني إذ أبلغ من العمر 88
عاماً – فإني أمثل جيلاً مدينياً يكاد أن ينقرض، يعرف جيداً من هم
"النخاولة".
النخاولة
الذين عهدتهم: - والنخاولة الذين عهدتهم عبارة عن أقلّية من أصول أفريقية
تدل عليها سحنتهم المميزة. وكانوا يسكنون "حوشا" يعرف باسمهم يقع في جنوب
غربي المدينة، لا تزيد مساحته – حسب تقديري – على عشرة آلاف مترٍ مربعٍ .
و"حوشا" آخر في نهاية (زقاق الطيّار) تقدر مساحته بأقل من نصف مساحة "حوش
النخاولة" يسكنه عدد منهم أيضاً. كما يوجد عدد أكبر من "النخاولة" يعملون
كأجراء في حقول النخيل التي تعرف بها المدينة شرفها الله.
وكان
بيتنا في حي العنبرية في مدخل المدينة المنوّرة على الشارع العام ليس
بعيداً من قصر أمير المدينة. وفي الصباح الباكر يأتي عدد من النخاولة
العاملين بالزراعة في البساتين الصغيرة الواقعة وراء محطة سكّة الحديد عند
مدخل المدينة من جهة طريق مكّة المكرّمة ، وكانوا يأتون زرافات تسمع
حديثهم ولغطهم رجالاً ونساءاً ويغلب على ضجتهم أصوات "القباقيب" التي
تحتذيها نساؤهم. وإذا اقتربوا من قصر الأمير ترجلوا عن حميرهم وخلعوا
نعولهم ومروا أمام القصر صامتين حتى يتعدوا حدود القصر. وهو تقليد موروث من
أيام العثمانيين والأشراف ومن قبلهم.
وكان
القليل من بناتهم يعملن في بيوت الأثرياء في المدينة. والمقيمون من
"النخاولة" في المدينة نفسها يعمل بعضهم في الحدادة في سوق صغير بجانب قصر
آل الخريجي خلف مسجد الغمامة. وكانوا متخصصين في صناعة آلات البناء
والزراعة إلى جانب صناعة آنية من النحاس الأحمر محاكاة للصاع النبوي
يبيعونه على زوار المدينة في أيام الحج. وآخرون منهم يعملون في الجزارة
والمطابخ الشعبية قرب الباب المصري في نهاية سوق الحبابين، ومنهم طبّاخوا
الأفراح الذين كانوا يدعون لإعداد ولائم الأعراس والمناسبات. وقد أجبر
الأشراف النخاولة العاملين في أسواق المدينة على ان يلبسوا ثياباً ملونة
باللون الأصفر لتمييزهم عن غيرهم.
وعرف النخاولة بانطوائهم على أنفسهم ولكن مساكنهم المتواضعة كانت مفتوحة للحجاج الإيرانيين والعراقيين من الشيعة في موسم الحج.
وأذكر
أنه في آخر زيارة للملك عبد العزيز رحمه الله، ولا أذكر تاريخ هذه الزيارة
على وجه التحديد، اجتمع مع أهل المدينة المنوّرة في محطّة سكّة الحديد
والتمس متحدث باسم النخاولة أن يأمر الملك بمساواتهم في الصدقة التي تأتي
من مصر من ريع أوقاف الخليفة عمر، والتي تقوم بتوزيعها آنذاك التكية
المصرية. فقال الملك عبد العزيز بأن عليهم أن يتركوا التشيع إذا أرادوا ذلك
ويسجلوا رجوعهم عنه في المحكمة الشرعية. وأمر الملك رئيس قضاة المدينة
آنذاك الشيخ ابن زاحم رحمه الله ، وكان حاضراً، بأن يسجل أسماء من يعلن من
النخاولة بأنه أصبح من أهل السنّة والجماعة ويبلّغ ذلك للمسؤولين عن توزيع
تلك الصدقة. وفي اليوم التالي حضر من النخاولة عدد منهم إلى المحكمة ولكن
أحداً منهم لم يحضر إلى المحكمة في اليوم الذي بعده.
وقد
عاش النخاولة في سلام ووئام مع أهل المدينة وسكاّنها المكونين من القبائل
العربية وخاصة من قبيلة حرب الذين يكونون غالبية ملّاك بساتين المدينة وهم
الورثة الحقيقيون للأوس والخزرج. ولم يسجل في تاريخ النخاولة جرائم القتل
أو السرقة أو الدعارة. وقد حدثت فتنة صغيرة في أواخر الخمسينيات من القرن
الماضي نتيجة مشاجرات بين شباب من النخاولة وآخرين من السنّة وأضطرت
الحكومة للتدخل، وحضر وزير الداخلية بنفسه (الأمير عبد الله الفيصل آنذاك)
للقضاء على الفتنة في مهدها .
ومما
يجب تأكيده هنا أن "النخاولة" بالمعنى الذي أوجزناه، لم يتزاوجوا قط مع
الأسر البدوية التي تنتمي إلى القبائل العربية حتى ولو كانوا من الأقلية
الشيعة، أو مع السنّة بوجه عام. ولذلك فإنهم لا يكونون جزءاً من أي مجموعة
سكّانية متميزة.
ثم
جاءت أيام الطفرة الاقتصادية وما صاحبها من تغيير جوهري عمراني واجتماعي
فتغيرت معالم المدينة المنوّرة وتغير معها مجتمع "النخاولة" ديموغرافياً.
فقد تمتع النخاولة كغيرهم بالسعة المالية التي تدفقت على البلاد فأثر ذلك
على حياتهم، فبدلاً من البيوت المتواضعة في "الحوش" أصبحوا يسكنون الشقق
والبيوت الحديثة . وبدأوا يتزاوجون مع الشيعة في البلاد المجاورة وحتى من
شيعة أذربيجان و أفغانستان. وتغيرت سماتهم فأصبحوا يحاكون من حيث السحنة
بقية المكونات العامة للسكان. وأصبح أبناء النخاولة و بناتهم يتعلمون في
المدارس الحكومية وتخرّج منهم من تخرّج من جامعاتها ومنهم المهنيون
والمثقفون.
أما
الكتاب فلم يورد سنداً واحداً يثبت ما ذهب إليه مؤلفه من نسبة النخاولة
إلى الأوس والخزرج! وجميع المكاتبات الواردة أو المشار إليها في الكتاب لا
تتعلق بصلب الموضوع فبعضها يشير إلى انتقال ملكية بعض البساتين من (أو إلى)
أشخاص ينتهي اسمهم بوصف "النخلي"، وهؤلاء لا شك أنهم من البادية لأن أحداً
من النخاولة لم يُذكر أنه تملّك بستاناً في المدينة . أما المستندات
الأخرى فتتعلق بإثبات تحالفات بين القبائل القاطنة حول المدينة المنوّرة
حررت في النصف الأخير من القرن الثالث عشر الهجري، ومنها مكاتبة من قبيلة
تتعهد فيها بحماية النخاولة. وكانت هذه التحالفات أمراً مألوفاً في ذلك
الوقت الذي عمّت فيه الفوضى وقلّة الأمان. ومن الغريب أن يورد المؤلف
مكاتبة بإسم العالم الشيعي العراقي كاشف الغطاء مؤلف "أصل الشيعة وأصولها"،
الغرض منها إثبات ان أسرته ترجع إلى إحدى تلك القبائل، وهو أمر لا يتعلق
بموضوع الكتاب.
البحث
عن الهوية: - عاش النخاولة حقبة طويلة من الزمان – كما أسلفنا – منطوين
على أنفسهم لا يختلطون في واقع الأمر سوى بشيعة إيران والعراق الذين يأتون
كل عام ويستغلون جهل هذه الأقلية الفقيرة ليثقفوهم شيعياً ويمنحوهم القليل
من المال لقاء إيوائهم. وفي رأينا أن النخاولة إذا أرادوا البحث عن هويتهم
فإن الحل ليس الادعاء بالانتساب إلى الأنصار فهو ادعاء يدعو إلى السخرية.
إن موضوع الانتساب في بلاد يعتمد تركيبها الاجتماعي على النظام القبلي منذ
وجودها محاولة مفتعلة مكتوب لها الفشل، خاصة في عالم وضعت فيه الخرائط
"الجينية" والرجوع إلى أنابيب مختبرات الحمض النووي. إن الحلّ الحقيقي هو
الرجوع إلى هوية الإسلام الصحيح ومحاولة تصحيح وضعهم الديني المستورد من
الخارج وربط النخاولة بالرسالة المحمدية الصحيحة. إن لمن المحزن حقاً أن
يمتنع النخاولة عن دخول المسجد النبوي والصلاة فيه مع جماعة المسلمين. هذا
المسجد الذي تشد إليه الرحال من جميع بقاع الأرض حرم النخاولة أنفسهم منه.
وظلوا يدينون لله بطقوس ومسميات أقل ما توصف به أنها لا تستقيم مع المنطق
أو الفطرة السليمة كالولاية لأمير المؤمنين عليٍ التي يعتبرونها أساس
الدين. وكذلك "التقية" في تعاملهم مع ما يســمونــهم بـ "العامة" أو
"الناصبة" عندما يصفون أهل السنّة والجماعة. هكذا يعلمهم الإيرانيون
والشيعة العراقيون.
إن
العداوة التي يكنّها الشيعة الإيرانيون والعراقيون ومن تبعهم لأهل السنّه
يبررونها بموضوع الخلافة وقتل الحسين ويحملّون أهل السنّة والجماعة مسؤولية
أبدية بسبب هذه الأحداث.
أتى
أحد علماء الشيعة إلى الإمام أحمد ليسأله: "بربّك يا أحمد ألم يكن عليّ
أولى بالخلافة من أبي بكر؟" فكان رد الإمام أحمد "يا هذا .. إن الخلافة لا
تشرّف علياً، وإنما عليّ يشرّفها". لماذا نقف عند الخلافة ولم تكن في وقتها
سبباً لأي مشاكل أو فتن بعد فتنة الردّة ؟ ثم إن قتل الحسين (ومن قبله قتل
أبيه) مصيبة تفطّرت لها قلوب المسلمين لم يكن في مقدورهم الحيلولة دون
وقوعها. وكذلك ضرب الكعبة بالمنجنيق، وقتل العديد من التابعين على يد
الحجاج فقد روي أن من أئمة أهل السنّة من سجد لله شكراً عند موت الحجاج.
لقد
احتسب أهل السنّة والجماعة ولم تؤثر المصائب والفتن على عقيدتهم بينما
اتخذ الشيعة من موت الحسين مناحة مستمرة يتعبدون بها ويؤكدون مقتهم لأهل
السنّة ولعن الصحابة. إن أهل السنّة والجماعة يعتقدون بأن عليّاً والحسين
من أولياء الله وخاصته ومن المبشرين بالجنة ولكنهم لا يدعونهم من دون الله.
"أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ"
الإسلام
الصحيح هو الهوية الحقيقية "إن أكرمكم عند الله أتقاكم". وقد جاء الإسلام
ليمحو الفوارق القبلية والعنصرية قبل قرون من منادات الغرب بمحاربة التمييز
العنصري.
تصور
– أيها القاريء - لو أن النخاولة اتجهوا إلى الحرم النبوي الشريف وانضموا
إلى جماعة المسلمين وأصبحوا لهم إخواناً واطمأنت قلوبهم للإيمان وتعايشوا
واختلطوا وتزاوروا مع بقية أهل المدينة وزوجوهم وتزوجوا منهم لبنوا بذلك
صرحاً من الثقة والمحبة الإسلامية الجديرة بشعب واحد متجانس. هذه الخطوة
الشجاعة سلكها أبناء القبائل في المدينة فأصبح منهم أئمة المساجد ومعلمو
الدين في المدارس وأصبح منهم دعاة وهداة.
لم
يبقَ في المدينة اليوم من الشيعة سوى "النخاولة" وأسرتين أو ثلاث من
المشاهدة. أما تشيع الأشراف فحالة خاصة ليست موضوع البحث هنا.
عودة
إلى الكتاب:- الكتاب إذاً لا يتعلق بـ "النخاولة" كما عرّفناهم ، ولكن
المؤلف حاول أن يعطي "النخاولة" هوية لا يمكن أن تنطبق عليهم وهي نسبتهم
إلى "الأنصار". وأراد أن يدلل على هذه النسبة بالادعاءات التالية:-
1.أن النخاولة ليسوا أقلّية متجانسة – كما أثبتنا - وإنما هم خليط من
الشيعة أكثرهم من رجال القبائل اختلطوا وتجانسوا وكوّنوا قبيلة واحدة كبيرة
لها من البطون والأفخاذ العدد الكبير. وهذا ادعاء باطل يكذّبة ما شرحناه
في بقاء النخاولة وحدة منطوية على نفسها ولا يتزاوجون مع غيرهم حتى ولو
كانوا شيعة.
2.اعتمد
الكتاب على بعض وثائق نقل ملكية بعض البساتين والأراضي الزراعية بين أبناء
القبائل البدوية لوجود مسمى "النخلي" نسبة إلى النخل في نهاية بعض
الأسماء.
والمعروف
أن النخاولة لا يملكون مزارع لهم إنما يعملون كأجراء. وأرجو أن لا أكون
مخطئاً في هذا الحكم، ولا أعتقد أن صفة "نخلي" تعني "شيعي" على عكس كلمة
"نخولي" التي تعني الانتساب إلى الأقلية الشيعية المعروفة بهذا الاسم.
1.استدل الكتاب أيضاً بأن مساكن النخاولة وأحوشتهم تقع في المواقع التي
كان يسكنها الأنصار من الأوس والخزرج، وهو دليل مضحك في نظري، فإن مرور
أكثر من ألف وأربعمائة عام كفيل بتغيير معالم أي بقعة من الأرض. فقد غير
بنو سلمة من الأنصار موضع سكناهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
وخلفائه.
2.4.
أورد بعض صكوك المحالفات بين عدد من القبائل يقصد بها طلب الحماية في عهد
الخوف والفوضى والحروب القبلية ولا تتعلق بالنخاولة . كما أن بعضها ينتهي
بالصلاة على النبي وصحبه وهو تعبير سنّي معروف لا يستعمله الشيعة.
3.وثيقة
علّق عليها العالم الشيعي العراقي كاشف الغطاء المعروف في القرن الماضي
ليثبت فيها نسبته إلى قبيلة عربية في أطراف المدينة المنوّرة ولا ندري ما
علاقة هذه الوثيقة بموضوع الكتاب؟
الكذبة
الكبرى:- هنا نأتي إلى الرسالة الحقيقية التي يحملها الكتاب وهي أن الشيعة
هم أهل المدينة الأصليون وأن أهل المدينة كانوا كلهم شيعة. وأن المماليك
ومن بعدهم الأتراك غيّروا مذهبهم وجعلوهم سنّة (هكذا)!
لقد
تعرّضت المدينة المنوّرة بالفعل إلى الفتن التي مرت بها الأمة الإسلامية –
وخاصة إقليم الحجاز – وقد خضعت المدينة بالفعل لحكم الشيعة خلال فترات
متعاقبة هي:
•حكم الأخيضريين الشيعة - من 335هـ إلى 350هـ (15 سنة)
•حكم القرامطة الشيعة - من 350هـ إلى 359هـ (9 سنوات)
•حكم الفاطميين (الإسماعيليين) وهي أطولها- من 359 هـ إلى 463هـ (104 سنة)
ولكن
أهل المدينة المنوّرة كانوا منذ البداية كلهم من أهل السنّة والجماعة.
وفي كنفهم جُمعت الأحاديث، وكان منهم إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس
الذي أراد الخليفة العباسي أن يجعل كتابه (الموطأ) مرجعاً للقضاء في جميع
أقاليم الدولة الإسلامية غير أن الإمام مالك تحرج من هذه الفكرة فلم يشجع
الخليفة عليها.
وظلت
المدينة كذلك غير أنه أثناء الفترة التي خضعت المدينة المنوّرة خلالها
للسيطرة الشيعية ، فرض الأخيضريون ومن بعدهم القرامطة والفاطميون على
المدينة أن يكون القضاء والإمارة والخطابة للحكام الشيعة وظل الأمر كذلك
طوال مائة وعشرين عاماً تقريباً، ولكن عامة سكّانها ظلوا على دينهم الصحيح
خاصة وأن المذاهب الشيعية البدعية المنبثقة عن الباطنية كانت آنذاك لا تزال
في طور التكوين ولم تتبلور بعد، بما في ذلك المذهب الإثنا عشري.
الخيانة
الأدبية:- ومن أجل أن يدلل على دعواه اعتمد المؤلف على ما رواه عن عالمين
سنيين هما ابن فرحون وأبو بكر بن يوسف النجّار ولكنه لم يلتزم بالأمانة
الأدبية في نقل المعلومات كما أوردناها بالنسبة لسنوات الحكم الشيعي، وإنما
اكتفى بأن روى عن النجّار أنه قال عند قدومه إلى المدينة عام 666هـ أنه لم
يكن فيها من يسمى بأبي بكر أو عائشة (هكذا). مما يدل على قلة اللياقة من
طرف مؤلف الكتاب الذي أراد أن يشير من طرف خفي إلى كره الشيعة للخليفة
الأول وابنته.
ولقد
لاحظنا أن سيطرة الدولة الفاطمية على المدينة تمثل أطول فترة لحكم الشيعة.
ومن المعلوم أن الدولة الفاطمية أتت باسم آل البيت فلم يعلنوا مذهبهم
الإسماعيلي ولم يدعوا إليه ولو فعلوا ذلك لثارت عليهم الأمة بأسرها ولذلك
فقد اكتفوا طوال حكمهم بتنصيب الحكّام والقضاة، والخطابة بالدعاء لخليفتهم
على المنابر وهي مظاهر السيادة في ذلك الوقت ، وظل أهل المدينة المنوّرة
سنّة على حالهم: هل سمعت قط أيها القارئ بوجود إسماعيليين في المدينة
المنوّرة ؟
الشاهد
الدامغ .. الصامت: - ولعل أكبر شاهد على أن عقيدة أهل المدينة المنوّرة لم
يستطع الشيعة تغييرها عن عقيدة السنّة والجماعة هو البقيع الذي يدفن
المدنيون موتاهم فيه منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلّم ويحتل موتى الشيعة
ركناً صغيراً جداً منه إذ أنهم لا يدفنون موتاهم مع موتى أهل السنّة وهو
تقليد درجوا عليه في كل زمان ومكان. وهذا دليل دامغ على عدم صحة الادعاء
بأن أهل المدينة كانوا شيعة قبل حكم المماليك والأتراك.
هل
نحن أمام حملة إعلامية ؟ :- تحولت حركة الخميني إلى دولة أشدّ خطراً من
جميع ما سبق من الحركات الشيعية. وقسّمت العالم الإسلامي إلى شيعة ووهابيين
. وصفة "الوهابيين" أصبح إسم السنّة الغرض من إطلاقه عدم استثناء سني
واحد. والهدف المعلن لهذه "الثورة الإسلامية" هو تحويل العالم الإسلامي إلى
شيعة بدعوى أنه كان شيعياً فيجب أن يعود شيعياً. وبدأت وسائل إعلامهم في
إيران والعراق تبشّر بهذه النظرية الباطلة تاريخياً ، والتي تهدف أساساً
لسيطرة إيران كدولة صفوية حديثة. لذلك عمد الشيعة على تنظيم حملة إعلامية
هدفها تعبئة الرأي العام الشـيعي – أينما وجد الشيعة. ففي المنطقة الشرقية
من المملكة عمد ما يسمونهم بنشطاء الشيعة بالزعم بأن الشيعة في القطيف
والأحساء يكونون أغلبية السكان وبأنهم أهل البلاد الأصليون، وأن الآخرين من
سكّان المنطقة عبارة عن معتدين ومحتلين نصّبوا أنفسهم سادة وأصبح أهل
البلاد الأصليون (الشيعة) عبيداً (هكذا) . وقد أصدر بعضهم كتاباً من جزأين
طبع في بيروت الهدف منه ترسيخ هذا المفهوم. وليس من قبيل الصدفة أن يصدر
كتاب مماثل عن شيعة المدينة يزعم أنهم أهل البلاد الأصليون وأن أهل المدينة
كلهم كانوا شيعة وأن النخاولة هم أحفاد الأوس والخزرج. إنه بلا شك عمل
إعلامي منظم.
ومن
اللافت للنظر سرعة انتشار فكرة الكتاب بين النخاولة: فقد عجبت من وصول
الفكرة إلى الشباب منهم فقد صادف أن اشتريت نعناعاً من بائع متجول أمام
مسجد الجمعة الذي أصلي فيه في العليا في الرياض فسألته "هل أنت من حروب
المدينة؟" فأجاب بلهجة احتجاجية "لا ! أنا أنصاري!" والأعجب من ذلك أن
الفكرة اخترقت وسائل إعلامنا الرسمية. فقد ظهر على الشاشة الأولى برنامجٌ
قدمته امرأة وهو لقاء مع نخولي يتكلم عن النشاط الزراعي للنخاولة في ضواحي
المدينة المنوّرة والغرض الحقيقي من البرنامج هو تأكيد دور النخاولة وإعلان
الضيف عن نفسه بأنه "أنصاري". وهذا أمر لا يرضاه معالي وزير الثقافة
والإعلام الذي ينتمي إلى أسرة من أعرق أسر المدينة المنوّرة.
إن
النخاولة ليسوا في حاجة إلى أن يقحموا أنفسهم في لعبة سياسية خطيرة لأن
الوضع الآن يختلف عن الماضي فإن اتصال النخاولة المباشر مع المصادر الشيعية
في العراق وإيران لم يعد خاصاً وإنما هو اتصال بقوة أجنبية تقف منّا موقف
العداء المكشوف.
لقد
عبر شاب نخولي آخر ممّن أسميهم خفافيش الشبكة العنكبوتية – عن تحمسه لفكرة
الانتساب إلى "الأنصار". وادعى أنه وقومه هم المعنيون بالآية الكريمة من
سورة الحشر" :
"وَالَّذِينَ
تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ
هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا
أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"
مع
أن هذه الآية الكريمة نزلت في حق من بايع النبي صلى الله عليه وسلّم من
الأوس والخزرج قبل الهجرة عندما أسلموا ودعوه إلى الهجرة إليهم.
إن
على الأحوال المدنية أن لا تسمح بالانتساب إلى الأنصار إلّا لمن يثبت
انتسابه للأوس أو الخزرج لا لمجرد الاعتماد على كتاب أُلف لأغراض مشكوك في
أمرها.
لنتعلم
من الماضي القريب: لنتذكر – من قبيل الاتعاظ– اقتحام البقيع (1430هـ –
2009م) حيث سُمح لمجموعة كبيرة من الشيعة رجالاً ونساءً أن يتجمهروا بين
المسجد النبوي والبقيع حيث رفعوا أصواتهم من خلال مكبرات الصوت بالأدعية
الغريبة والصراخ والعويل ثم زحفوا إلى مداخل البقيع في غفلة من الحرّاس وا
ندفعوا تتقدمهم نساؤهم إلى داخل البقيع يركضون على القبور وينكبّون على
قبور آل البيت ويملأون جيوبهم وعباءاتهم و"غترهم" بالتراب ، واندفع بعضهم
إلى قبر أم المؤمنين عائشة ليلعنوها ويبصقوا على قبرها كما شوهد رجال منهم
يضربون قبر أمير المؤمنين عثمان بأحذيتهم وهم يلعنونه. وقد تمكّن رجال
الأمن من السيطرة على الموقف وأفلت هؤلاء جميعهم من العقاب فلم يسجنوا ولم
ينكّل بهم وإنما عادوا إلى البحرين والمنطقة الشرقية على قوافلهم كما
جاءوا. ولكن هذه الحادثة استغلتها وسائل الإعلام الشيعية وصدرت عن مقتضى
الشيرازي "آية الله!!" المعروف بلسانه البذيء مجموعة من أشنع وأوسخ أنواع
السباب ضد هذه البلاد وأهلها وحكّامها. وإنني أكرر دعوتي إلى النخاولة أن
يفكّروا بتجرّد واستقلالية في أمر الدين فيصلحوا أمرهم باتباع الإسلام
الصحيح. الإسلام ليس فيه فوضى وعويل وطلب المغفرة من أصحاب القبور من أهل
البيت. الدين الصحيح هو أن ندعو الله وحده ونطلب منه المغفرة والجنّة.
وعندما نزور قبور أهل البيت أو غيرهم من الصالحين لا ندعوهم من دون الله
وإنما ندعو لهم الله بأن يجزيهم خير الجزاء ويزيدهم من فضله على جميل
صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم والذود عن دين الله وعن التضحيات
التي قاموا بها.
وأخيراً فإن من يريد من النخاولة أن يمشوا في الطرق الوعرة فقد أراد مضرتهم ولم يرد نفعهم.
مسؤولية
النادي الأدبي: إن على النادي الأدبي في المدينة المنوّرة – وكذلك في
المنطقة الشرقية – التصدّي للحملات الإعلامية المنظمة التي يبثها عملاء
للمخططين لها في إيران والعراق ومن يأتمرون بأمرهم في المنطقة الشرقية
للمملكة ودول الخليج. إن على النادي الأدبي في المدينة المنوّرة أن ينظم
ندوات تكشف هذه الدسائس وتوثق الرد عليها في إصدارات توزع في الداخل
والخارج وتترجم إلى اللغات الأجنبية.
إن
الخطر لا يقتصر على "القاعدة" فإن خطر الإعلام الصفوي الحاقد وما يقوم به
بعض المرتزقة من شباب العوامية من رفع السلاح في وجه السلطة أمر لا يقل
خطورة بأي حال من الأحوال عن خطر القاعدة.
والله من وراء القصد.
د. محمد بن حمد المفيز الهوشان
(نزيل المدينة سابقاً، والمحامي في القانون الدولي – الرياض)
------------------------------ --------------------------
([1])
يُلاحظ أن صحيفة الوطن السعودية نشرت –مع الأسف الشديد- مقالاً لأحد أبرز
كتَّابها، وقد كتب ما يعزز فيه دعاوى ومزاعم مؤلف الكتاب المذكور، بل ويشيد
بمزاعم المؤلف (النخولي) بأن المدينة المنورة حق للرافضة الاثنا عشرية!!
(حفظها الله من مكر الليبرو صفوية). وهذا الكتاب ومقال الصحيفة والكاتب كل
ذلك مما يُعدُّ من الخيانة للدين ولحقائق العلم والتاريخ، كما أنه خيانة
بحق الوحدة الوطنية السعودية، انظر عن المقال صحيفة الوطن بتاريخ: 7/ 12/
2012م بعنوان:
(النخاولة "النخليون" ونخل الحقيقة عنهم) للكاتب: عبدالرحمن
الوابلي.مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..