الثلاثاء، 13 يناير 2015

خواطر حول عيد المولد النبوي الشريف

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله الأخيار وأزواجه الأطهار وصحابته الأبرار ما تعاقب الليل والنهار ... وسلم تسليما كثيرا.
بعد الصلاة والسلام على خير الأنام .. أحكي هذه الواقعة التي حصلت أمامي قبل أيام .. وأنا أدخل
ساحة الحرم النبوي الشريف – على صاحبه أفضل الصلاة والسلام – فإذا بامرأة – عربية – تطلق "غطرفة = زغردة" عند مشاهدتها للقبة الخضراء .. لا جدل – فيما أحسب – في خطئ ما فعلته تلك السيدة،ومع ذلك فإنني أتفهم تماما تلك العاطفة التي طغت عليها،تلك الأشواق التي كانت تختزنها في انتظار هذه اللحظة .. إلخ.
وبعد .. فهذه الكُليمة تدور بين تفهم العاطفة .. وانفجارها .. وبين السعي نحو البحث عن الحقيقة أو الأمر الأقرب إلى الحقيقة .. مع محاولة عدم "تسييس"البحث عن الحقيقة ...وحين أقول عدم تسييس فاقصد عدم النظر إلى الموضوع بنظرة مسبقة ،الفئة الفلانية تقول بكذا .. إذا لابد أن أكون ضدها .. لاختلاف معها في قضايا جوهرية أخرى.
للسعي نحو تلك النظرة الموضوعية .. نبدأ بهذا السؤال : هل الإسلام يسعى بطبيعته إلى إقامة الأعياد والاحتفالات ؟
بنظرة خاطفة سوف نرى الحبيب – عليه أفضل الصلاة والسلام – يجد اليهود يصومون اليوم الذي نجا الله فيه سيدنا موسى – عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام – فيقول صلى الله عليه وسلم قولته المشهورة :
نحن أولى بموسى منكم .. وأمر بصومه .. ثم زاد بالأمر بصوم يوم قبله أو بعده .. أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
غير بعيد من ذلك كان الله سبحانه وتعالى قد نجا الحبيب صلى الله عليه وسلم،من عدة مخاطر .. أدناها،مطاردة سراقة بن مالك .. وقبلها التربص لاغتيال الحبيب – صلى الله عليه وسلم – ليضيع دمه بين قبائل قريش .. وبين الخطرين،اللحظة التي تشبه ما حصل مع سيدنا موسى – عليه وعلى نبينا السلام – وقومه ،حين وجدوا فرعون وجيشه خلفهم،وأمامهم البحر .. على اتساعه،بينما كان الحبيب – صلى الله عليه وسلم – محصورا في غار .. وهو الصديق رضي الله عنه .. وفي الوقت الذي قال قوم موسى ( إنا لمدركون) .. قال سيدنا الصديق رضي الله عنه ( لو نظر أحدهم إلى أسفل قدميه .. لرآنا ) .. فيأتي رد سيدنا موسى – عليه وعلى نبينا السلام – (كلا إن معي ربي) .. ويأتي رد الحبيب صلى الله عليه وسلم ( ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟) .. أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
مع هذا التطابق نرى الحبيب صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام اليوم الذي نجا الله فيه سيدنا موسى – عليه وعلى نبينا السلام – ولا يأمر بالاحتفال أو بصيام اليوم الذي نجاه الله فيه!
من زاوية أخرى .. نجد الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول عن يوم الاثنين ( ذاك يوم ولدت فيه) .. ومع ذلك لم يفكر أحد من الصحابة الكرام أن يحتفل بذلك اليوم .. وجاء التابعون .. وهم فئة خاصة جدا .. كادت أن ترى الحبيب صلى الله عليه وسلم ،فحبها له ذا طعم خاص .. ومع ذلك لم يلتقط التابعون قول الحبيب صلى الله عليه وسلم ( ذاك يوم ولدت فيه) .. ليجعلوه عيدا !!
ولا ننسى حديث (إن الله قد أبدلكما بهما خيرا منهما،يوم الأضحى ويوم الفطر) – تعليقا على هما يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية - من هذا يتضح – والله أعلم – أن الإسلام بطبيعته غير ميال لصنع هذه الاحتفالات والأعياد.
في الهامش نُذكّر بأن آخر من توفي من أئمة المذاهب الأربعة هو الإمام أحمد بن حنبل ،والذي توفي سنة 241هـ .. بينما نقرأ أن أول من احتفل بمولد الحبيب صلى الله عليه هم الفاطميون ،وقد دخل المعز لدين الله الفاطمي،مصر بعد أن استقر الأمر بها لجوهر الصقلي .. سنة 362هـ ويرى الأستاذ محمد خالد ثابت مؤلف كتاب (تاريخ الاحتفال بمولد النبي ومظاهرة في العالم) أن احتفال الفاطميين بمولد الحبيب صلى الله عليه وسلم لم يكن مناسبا بل هزيلا .. (ونقل عن مؤرخي الإسلام قولهم بأن الملك المظفر أبو سعيد كوكبري ملك إربيل الذي توفي سنة 620هـ هو أول من احتفل بالمولد ..) {نقلا عن عرض للكتاب }.
بعيدا عن أول من احتفل بمولد الحبيب صلى الله عليه وسلم،فإن زبدة الاحتفال تكمن – فيما أحسب – في استنشاق عبير شمائل الحبيب صلى الله عليه .. والتنزه في رياض سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم .. وشكر الله على أن من به علينا .. صلى الله عليه وسلم أليس كذلك؟
إن كان ما ذكرتُ هو الغاية من الاحتفال فإن في عيد الأسبوع فرصة لفعل كل ذلك .. فقد أوصانا الحبيب صلى الله عليه وسلم بالإكثار من الصلاة والسلام عليه يوم الجمعة .. لسنا أمام يوم ولا شهر .. بل 52 عيدا في السنة .. نملؤها بما شئنا ... من حدائق السيرة العطرة والشمائل النضرة ..
إن شئت أن تبكي فتذكر معاناة الحبيب صلى الله عليه وسلم مع قريش وأذاهم له .. والشوك الذي ترميه أم جميل في طريقه صلى الله عليه وسلم .. وسلا الناقة الذي يرمى عليه صلى الله عليه وسلم وهو ساجد.. حتى تأتي سيدتنا الزهراء – عليها السلام – فتزيله عنه صلى الله عليه وسلم .. وجماع تلك المعاناة كلها – كما أخبر عليه الصلاة والسلام أمنا الطاهرة رضي الله عنها وعن أبيها – يوم زار الطائف لدعوة بني عبد ياليل .. سائرا إلى الطائف على قديمه الشريفتين .. فتلقى منهم التكذيب والسب والشتم .. وسلطوا عليه سفهاءهم .. يقذفونه بالحجارة .. حتى أدموا عقبه الشريف .. فلم يفق إلا وهو في قرن الثعالب .. صلى الله عليه وسلم.
بكاءه . . عندما سمع قتيلة ترثي أخاها الذي قتل كافرا ...
ما كان ضرك لو مننت وربما * منّ الفتى وهو المغيظ المحنق
فالنضر أقرب من أسرت قرابة * وأحقهم إن كان عتق يعتق
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه * لله أرحام هناك تشقق
وإن شئت .. تدارست لعبه مع الصبيان .. ومزاحه مع صحابته الكرام .. وهو صلى الله عليه وسلم (يغطي عيني) أحد أصحابه .. ويقول ( من يشتري العبد)؟
وإن شئت .. تذكرت خروج سيد الخلق – صلى الله عليه وسلم – من بيته بسبب الجوع .. وتذكرت مضي الهلال والهلالان وبين أكرم الخلق على الله سبحانه وتعالى.. لا توقد فيه النار ..
وإن شئت .. تذكرت .. استقباله – صلى الله عليه وسلم – لسيدتنا الزهراء عليها السلام .. فيقف لها .. ويقبل جبينها .. ويجلسها في مجلسه ..
وإن شئت تذكرت .. سؤاله صلى الله عليه وسلم لأمنا الصديقة رضي الله عنها وعن أبيها .. عن المكان الذي شربت منه من الكأس ... ليضع شفتيه الشريفتين حيث شربت ..
أو تصوره – صلى الله عليه وسلم – وهو ينفخ تحت القدر والدخان يتخلل لحيته الشريفة – عليه الصلاة والسلام – فيعرض عليه سيدنا عمر رضي الله عنه خدمته فيرفض .. لأن ما يفعله يسعد أمنا حفصة رضي الله عنها وعن أبيها ..
وأخيرا .. إن منحتك اللغة ناصيتها .. وطوّعتَ لسان العرب ... وحزت مفاتيح بلاغتها .. وأسرار تراكيبها .. فلن تستطيع تصور أو تصوير تلك اللحظة .. القديمة .. المتجددة ... انسج خيوطها بدم قلبك .. خير خلق الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا إله إلا الله ما أشد سكرات الموت ..
يرى – صلى الله عليه وسلم - سواكا بيد ابن الصديق – رضي الله عنه وعن أبيه – فيشتهيه .. فلا يستطيع أن يعبر عن رغبته فيه بأكثر من النظر إليه .. فتلتقط الصديقة –رضي الله عنها وعن أبيها – تلك الرغبة .. ويستاك صلى الله عليه وسلم ... ويختار ... "بل الرفيق الأعلى" .. "بل الرفيق الأعلى".
وتطوي كلمة سيدتنا الزهراء - على أبيها وعليها السلام – القرون .. بعد القرون .. لتنسكب في مسامعنا .. يا أنس هل طابت نفوسكم أن تحثوا التراب على وجه رسول الله!
صلى الله عليه وسلم وبارك وعظم.
ختاما ... عام مر .. أو أكثر أو أقل .. حين روى لنا أحد إخواننا أن ابنته – في المرحلة المتوسطة – أخبرته .. أن المدرسة قالت لهم .. وفي عام كذا توفي النبي صلى الله عليه وسلم .. وأغلقت الكتاب.
تعلق الفتاة متعجبة .. جدتي حين قصت علينا وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – ظلت تبكي .. وتبكي .. وتبكي.
علق أخونا بعذر ما لتلك المعلمة .. ونعذرها دون شك .. ولكن الحادث جلل .. كأنه ابن لحظته .. فيا لها من لحظة حين انقطعت صلة الأرض بالسماء .. انقطع الوحي.

أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني



مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..