قارئي العزيز أكتب في جريدة الأخبار المصرية واسعة الانتشار مقالا أسبوعيا
كل خميس، وقد لقيت المقالة التي نشرت لي الخميس الماضي، بفضل الله، صدى
كبيرا لدى قراء الأخبار، لذا أحببت أن أضع هذه المقالة التي جاءت تحت عنوان
“من العباسيين إلى الأمويين” في السوق اليوم وإن كانت أصلا قد بنيت على
مقالات سابقة عن التكامل العربي وعن الربيع العربي، وأستسمحك قارئي العزيز
في نشر هذه المقالة هذا الأسبوع في صحيفتك، صحيفة مكة، على أن أنشر في
الأسبوع القادم المقالة المتعلقة بما أسموه ضلالة وعمى بالربيع العربي.
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
صادفنا في المسجد النبوي الشريف رجلا عراقيا مشهورا من أغنى أغنياء هذه
الأرض، دخلت بيته وأنا ابن ستة عشر عاما في العراق، وكان كل أهل العراق
يكنون له كل الاحترام من عهد الملكية إلى عهد صدام.
وحين التقيته قبل أيام في المدينة المنورة كان بصحبته أربعة وأربعون ولدا من أحفاده الذكور غير الإناث، وغير أولاده، جاء بهم ليزوروا مسجد الرسول الأمين، عليه الصلاة من ربي وملائكته، وجمعهم من شتى أقطار الدنيا حيث يدرسون، وحيث يتولى هو الصرف عليهم وعلى سائر أبناء عائلته، فقد أنعم الله عليه بخير وفير ومال كثير، وقد يظن الجاهل أنه يعيش سعيدا هانئا مع ماله وعياله.. ويسر حاله، ولكنه كان على العكس من ذلك في داخله، فقد كان يقطر مرارة وأسى، شعرت بهما يمزقان أحبال صوته وهو يهمس في أذني: يا صالح.. إنسان بلا وطن أو بلد، مهما امتلك ومهما أحاط به من حفيد أو ولد، يظل كسحابة مبعثرة هائمة لا تعرف في أي أرض ستمطر، وإن أمطرت لن يكون خراجها له..
ومَنَعَتْهُ عبراتٌ ترقرقت في عينيه من أن يكمل بوح صدره، ولعله ترفق بدمعات كانت تحاول السقوط من بين أهدابي.. وقال موصيا وهو يودعني: حافظوا على وطنكم.. ولسان حاله يقول:
بلادي وإن جارت علي عزيزة
وأهلي وإن جاروا علي كرامُ
والقصة الثانية من دمشق التي قال عنها شوقي:
آمنت بالله واستثنيت جنته..
دمشق روح وجنات وريحان..
وها هي اليوم أطلال محطمة..
وأقوام بلا مأوى ونيران.
كنت أعرف بشار الأسد منذ أن كان طالبا في لندن ثم في دمشق ثم عندما غدا رئيسا لسوريا. والقصة التي سأرويها مشهورة ومعروفة لكثير من رجال المال والأعمال العرب وللإعلام. في عام 2009 عقدنا مؤتمرا للمستثمرين العرب في دمشق.
وعشية المؤتمر وقبل افتتاحه زرت بشار في بيته وقلت له: إن في يدي اليمنى خطابا شديد اللهجة أهاجم فيه كل أوضاع الفساد بما عهدت في من صراحة ووضوح، وفي اليسرى خطابا خفيفا لطيفا سيكون بردا وسلاما على الفساد وأهله. فبأيهما ينصح الرئيس؟ فقال بحزم وثقة: قل كل ما عندك. وقد كان، وما زال الإخوة في سوريا يتداولون إلى اليوم ما ورد في خطابي القاسي على الفساد من أجل مصلحة البلاد والعباد، وانفعل به الحاضرون من الأشقاء السوريين الموجودين في القاعة وتفاعلوا معه فرحا.. بينما كان الأمر مختلفا عند البطانة وكبار المسؤولين.. فتغيرت ألوانهم وازدادوا مضضا. أما إخواني المستثمرون العرب فقد ظنوا في الظنون وعدوني “مجنون”.
أما الرئيس بشار فقد طلب مني بعد الخطاب أن آتيه بالمستثمرين السعوديين إلى منزله.
فقلت له منبها: يا فخامة الرئيس إن المؤتمر عربي وبه الكثير من المستثمرين العرب.. فقال أعلم ولكن السعوديين غير، فهم أهل الحرمين. وجمعتهم وهم ما بين متذمر ومتضجر. وكان في صحبتي ونحن في الطريق إليه أخ عزيز أحبه لعصاميته، وكان متجهم الوجه عابسا، وفجأة سألني: “عسى ما تكون مستحق” يعني مريضا أو مهموما - قلت له: أنا والحمد لله بخير. قال: يا أخي “ايش الكلام اللي قلته، وإحنا ضيوف في بلاد هؤلاء الناس؟!”، وقبل أن أجيبه كنا قد وصلنا إلى مكان اللقاء ووجدنا الرئيس بنفسه ينتظرنا على باب القاعة، وأخذني بالأحضان.. وأدخلنا وأجلسهم وأجلسني عن يمينه.
وخاطب الحضور قائلا: أخوكم صالح جاءني بالأمس ومعه خطابان فاخترت الأول الذي قال إنه يحمل هجوما على الفساد والمفسدين، فقلت له: قُلها وبأقسى الألفاظ.
وهذه القصة شهدها وسمعها ما يقرب من أربعين مستثمرا، وأحمد الله أن معظمهم أحياء.
وإني أشهد الله أن يوما تحت حاكم ظالم (عاقل) خير من ساعة تنفلتُ فيها الأمور..
لقد كانت الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.
لقد حول ذلك الربيع المشؤوم، كل الفصول إلى فصل واحد تمطر فيه السماء نارا، وتسيل فيه الدماء أنهارا، ذبحت فيه الطفولة وسبيت فيه النساء، وانهارت فوق رؤوس الساكنين كل أعمدة البناء، ربيع جُرّد من خضرته، ربيع لا ينبتُ فيه إلاَّ الشوك من قسوته.
اللهم أمطرنا مطر رحمتك
وأجرِ فينا أنهار خشيتك.
صالح عبدالله كامل
04 ربيع الثاني 1436 -
25 يناير 2015
وحين التقيته قبل أيام في المدينة المنورة كان بصحبته أربعة وأربعون ولدا من أحفاده الذكور غير الإناث، وغير أولاده، جاء بهم ليزوروا مسجد الرسول الأمين، عليه الصلاة من ربي وملائكته، وجمعهم من شتى أقطار الدنيا حيث يدرسون، وحيث يتولى هو الصرف عليهم وعلى سائر أبناء عائلته، فقد أنعم الله عليه بخير وفير ومال كثير، وقد يظن الجاهل أنه يعيش سعيدا هانئا مع ماله وعياله.. ويسر حاله، ولكنه كان على العكس من ذلك في داخله، فقد كان يقطر مرارة وأسى، شعرت بهما يمزقان أحبال صوته وهو يهمس في أذني: يا صالح.. إنسان بلا وطن أو بلد، مهما امتلك ومهما أحاط به من حفيد أو ولد، يظل كسحابة مبعثرة هائمة لا تعرف في أي أرض ستمطر، وإن أمطرت لن يكون خراجها له..
ومَنَعَتْهُ عبراتٌ ترقرقت في عينيه من أن يكمل بوح صدره، ولعله ترفق بدمعات كانت تحاول السقوط من بين أهدابي.. وقال موصيا وهو يودعني: حافظوا على وطنكم.. ولسان حاله يقول:
بلادي وإن جارت علي عزيزة
وأهلي وإن جاروا علي كرامُ
والقصة الثانية من دمشق التي قال عنها شوقي:
آمنت بالله واستثنيت جنته..
دمشق روح وجنات وريحان..
وها هي اليوم أطلال محطمة..
وأقوام بلا مأوى ونيران.
كنت أعرف بشار الأسد منذ أن كان طالبا في لندن ثم في دمشق ثم عندما غدا رئيسا لسوريا. والقصة التي سأرويها مشهورة ومعروفة لكثير من رجال المال والأعمال العرب وللإعلام. في عام 2009 عقدنا مؤتمرا للمستثمرين العرب في دمشق.
وعشية المؤتمر وقبل افتتاحه زرت بشار في بيته وقلت له: إن في يدي اليمنى خطابا شديد اللهجة أهاجم فيه كل أوضاع الفساد بما عهدت في من صراحة ووضوح، وفي اليسرى خطابا خفيفا لطيفا سيكون بردا وسلاما على الفساد وأهله. فبأيهما ينصح الرئيس؟ فقال بحزم وثقة: قل كل ما عندك. وقد كان، وما زال الإخوة في سوريا يتداولون إلى اليوم ما ورد في خطابي القاسي على الفساد من أجل مصلحة البلاد والعباد، وانفعل به الحاضرون من الأشقاء السوريين الموجودين في القاعة وتفاعلوا معه فرحا.. بينما كان الأمر مختلفا عند البطانة وكبار المسؤولين.. فتغيرت ألوانهم وازدادوا مضضا. أما إخواني المستثمرون العرب فقد ظنوا في الظنون وعدوني “مجنون”.
أما الرئيس بشار فقد طلب مني بعد الخطاب أن آتيه بالمستثمرين السعوديين إلى منزله.
فقلت له منبها: يا فخامة الرئيس إن المؤتمر عربي وبه الكثير من المستثمرين العرب.. فقال أعلم ولكن السعوديين غير، فهم أهل الحرمين. وجمعتهم وهم ما بين متذمر ومتضجر. وكان في صحبتي ونحن في الطريق إليه أخ عزيز أحبه لعصاميته، وكان متجهم الوجه عابسا، وفجأة سألني: “عسى ما تكون مستحق” يعني مريضا أو مهموما - قلت له: أنا والحمد لله بخير. قال: يا أخي “ايش الكلام اللي قلته، وإحنا ضيوف في بلاد هؤلاء الناس؟!”، وقبل أن أجيبه كنا قد وصلنا إلى مكان اللقاء ووجدنا الرئيس بنفسه ينتظرنا على باب القاعة، وأخذني بالأحضان.. وأدخلنا وأجلسهم وأجلسني عن يمينه.
وخاطب الحضور قائلا: أخوكم صالح جاءني بالأمس ومعه خطابان فاخترت الأول الذي قال إنه يحمل هجوما على الفساد والمفسدين، فقلت له: قُلها وبأقسى الألفاظ.
وهذه القصة شهدها وسمعها ما يقرب من أربعين مستثمرا، وأحمد الله أن معظمهم أحياء.
وإني أشهد الله أن يوما تحت حاكم ظالم (عاقل) خير من ساعة تنفلتُ فيها الأمور..
لقد كانت الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.
لقد حول ذلك الربيع المشؤوم، كل الفصول إلى فصل واحد تمطر فيه السماء نارا، وتسيل فيه الدماء أنهارا، ذبحت فيه الطفولة وسبيت فيه النساء، وانهارت فوق رؤوس الساكنين كل أعمدة البناء، ربيع جُرّد من خضرته، ربيع لا ينبتُ فيه إلاَّ الشوك من قسوته.
اللهم أمطرنا مطر رحمتك
وأجرِ فينا أنهار خشيتك.
صالح عبدالله كامل
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..