الأحد، 22 فبراير 2015

مفهوم الثقافة بين الفكرين الغربي والعربي (1،2،3)

 تقديم:
عرفت الثقافات البشرية هجرة المفاهيم من ثقافة إلى أخرى، ومن ميدان معرفي إلى آخر، وحين يهاجر المفهوم من ثقافة أو حضارة معينة إلى أخرى، فإن جهودا تبذل لتوطينه لكي يحمل في موطنه الجديد دلالات محددة.
وبهذا يرتبط المفهوم ارتباطا وثيقا برؤية صائغه ومترجمه ودارسه وموظفه في العالم ككل؛ ذلك أن كل إنسان يحمل مجموعة من المفاهيم والمعتقدات والتصورات الإدراكية التي تمكنه من فهم الكون والحياة والإنسان والعلاقات القائمة بينها.
ومفهوم الثقافة هو من بين هذه المفاهيم المهاجرة، فقد انتقل من موطنه الأصلي وتوطن في عدد واسع من المجالات في بلادنا العربية والإسلامية. ولن نبالغ القول في أهمية دراسة مفهوم الثقافة إذا أدركنا أن كل تفكير في مشكلات الحضارة، هو تفكير في مشكلة الثقافة.[2]
بهذا المعنى فإن حل المشكلات الحضارية للبلدان العربية والإسلامية في هذا العصر، عصر عولمة الثقافة واكتساح التقنية لكل المجالات، بما فيها مجال الثقافة بمختلف مستوياته وتجلياته يتطلب بدايةً إعادة قراءة هذا المفهوم من جديد بالعودة إلى جذوره، وسياقات تطوره وتحولاته، باستعراض نقدي وتركيبي لمجموعة من المقاربات والنماذج النظرية والمعرفية لمفكرين غربيين ومسلمين، في أفق بناء حضاري جديد لهذا المفهوم يستحضر إشكالية تعدد الدلالات التي علقت به نتيجة توزعه بين فروع معرفية كثيرة، وتقاطعات المفهوم مع مفاهيم أخرى في مجالات أخرى. 
أولا- الثقافة: السياق التاريخي للمفهوم وإشكالات الترجمة.
1- تأصيل مفهوم (Culture) في دلالته الأصلية
    تعود جذور كلمة (culture) إلى لفظين لاتينيين هما (cultura) التي تعني حرث الأرض وزراعتها، ولفظ (colere) الذي يحمل مجموعة من المعاني كالسكن والتهذيب والحماية والتقدير إلى درجة العبادة.[3] واستخدمت مجازا مع الحكيم اليوناني شيشرون (106-43 ق.م) كغاية للفلسفة تعمل على تثقيف الذهن وزراعة العقل وتنميته (cultura animi).[4]
وقد احتفظت الكلمة بهذه المعاني العملية في القرون الوسطى حيث أطلقت في فرنسا على الطقوس الدينية (les cultes) ورعاية الحيوان والنبات والعناية بالنمو الطبيعي.[5] وفي عصر النهضة اقتصر مفهوم (culture) على مدلوله الفني والأدبي الذي تمثل في دراسات تتناول التربية والإبداع[6]، غير أنه حافظ على الدلالات المشتقة منه كتنمية العقل وغرسه بالذوق وتزيينه بالمعرفة عند فولتير، أو العمل الذي يبدله الإنسان لغاية تطويرية سواء أكانت مادية أو معنوية مع طوماس هوبس.[7]
إلا أن سنة 1871 م شكلت محطة حاسمة في تاريخ مفهوم الثقافة مع الأنثروبولوجي البريطاني إدوارد تايلور في كتابه "الثقافة البدائية" عندما عرفها باعتبارها: "ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في مجتمع".[8] هذا التعريف الشامل سيتحول إلى تعريف مرجعي لكل المختصين في العلوم الاجتماعية والإنسانية.
وبانتقال مفهوم (culture) إلى (kulture) الألماني خلال القرن الثامن عشر ستكتسب الكلمة دلالات ثلاث: الأولى الحالة الاجتماعية المعارضة لحال بربرية الشعوب الهمجية، بما دل عليها تطور استعمال الأدوات والرفاه المادي والتنظيم السوسيولوجي، والثانية تحرر العقل الحديث من ظلمات الماضي وآرائه الاعتباطية (التنوير)، أما الثالثة فتهذيب العوائد وتشذيب الشمائل.[9]
ويبدو أن تطور دلالة لفظ الثقافة بألمانيا خضع إلى القانون التالي: كلما تقدم الزمن بالمفهوم كلما مال إلى أن يتخصص[10]. فبالنسبة إلى كتاب العصر الكلاسيكي اتسع المفهوم لكي يشمل مظاهر التقدم، المادي والفكري والخلقي، التي حققتها البشرية معتبرة في جملتها. أما بالنسبة إلى تابعيهم فإن المفهوم ضاق بأشد ضيق يكون فصار يدل على جملة إنجازات فكرية، وقد عدت خيرا خاصا بأمة بل ومخصوصا بها موقوفا عليها دون سواها.[11]
إلا أنه ابتداء من خمسينيات القرن الماضي ستظهر تعريفات أخرى ما بعد حداثية للثقافة أحدثت قطيعة مع الفكرة الأنثروبولوجية ككل مركب عند "تايلور" مع وخاصة مع ت.س.إليوت، وريتشاردز، وليفيز، ورايموند وليامز، ومدرسة فرانكفورت مع أدورنو وهورهايمر، وغيرهم.
وهكذا فهذا التدرج في مفهوم الثقافة يبني على تطور تاريخي حكم الإنسان ونقله عبر أربع مراحل من تطور البشرية: تأنيس بعض الحيوانات التي كانت في البدء غير أهلية، وفلاحة الأرض، وتطوير التجارة والعلوم والفنون (الثقافة في دلالتها المتداولة العادية)، وإقامة أنظمة حكم وإيالة جيدة (وهي عند هيردر أصعب فنون الثقافة على الإطلاق).[12]
2- ترجمة مفهوم ( culture) إلى اللغة العربية
‌أ.                   كمقابل للفظ العربي "ثقافة"
تشتق الثقافة في قواميس اللغة العربية من لفظ ثَقِفَ التي تعني سرعة التعلم، فثَقِفْتُ الشيء إذا حَذَقْتُهُ وظفرت به، ورجل ثَقْفٌ حاذِقٌ فَهِمٌ فطِن.[13] كما يشير اللفظ أيضا إلى الآلة التي يقوم بها اعوجاج الرماح والسيوف، فتَثْقيف الرماح تسويتها،[14] والثِّقاف حديدة تكون مع القَوَّاس والرَّمَّاح يقوم بها الشيء المعوج،[15] ومنه قول عمرو ابن كلثوم:
إذا عض الثِّقافُ بها اشمأزت    تشج قفا المثَقِّف والجبينا
وبهذا فأصل الفعل ثقف المرتبطة بالفعل الإنساني هي صفة عقلية وقوة إدراكية تستوعب المعرفة والمهارة التي تتطلب الحذق المتمثل في الوعي بهذا الشيء والتمكن منه والإحاطة به أو تقويم اعوجاجه على نحو يهدف إلى الصواب وإصابة الهدف.
ويعد سلامة موسى أول من أفشى لفظة "الثقافة" في اللغة العربية كمقابل للفظة (culture) في الأدب العربي الحديثفي كتابه "الثقافة والحضارة"، لكنه يعترف بأنه لم أول من سكها بل انتحلها من ابن خلدون بتأويل لما وجده يستعملها في معنى شبيه بلفظة "كلتور" الشائعة في الأدب الأوروبي.[16] إلا أن مراجعتنا الشخصية لمقدمة ابن خلدون جعلتنا نقف على ستة استعمالات لغوية متغيرة المعنى للفظة "الثقافة". وذات اشتقاقات مختلفة، وليست كمفهوم مستقل قريب أو متطابق من فهمنا اليوم للثقافة، أوباعتبارها مفهوما أساسيا في علم الاجتماع الذي عمل ابن خلدون على بناء لبناته الأولى تحت مسمى: "علم العمران البشري والاجتماع الإنساني" كما أورد سلامة موسى لتبرير اختياره بمقابلة مفهوم الثقافة بمفهوم "culture" الأوروبي.
وسيتضح هذا الأمر جليا عندما سيحاول تعريف مفهوم الثقافة باعتبارها: "المعارف والعلوم والآداب والفنون يتعلمها الناس ويتثقفون بها، وقد وتحتويها الكتب ومع ذلك هي خاصة بالذهن. أما الحضارة فمادة محسوسة في آلة تخترع وبناء يقام ونظام حكم محسوس يمارس، ودين له شعائر ومناسك وعادات ومؤسسات، فالحضارة مادية وأما الثقافة فذهنية"[17]، وهنا سنلاحظ اختفاء دلالات مفهوم ثقافة الأصلية لتنسخ بدلالات المفهوم الأجنبي (culture) وهي دلالات مادية تدعو إلى النقل والغرس والإحلال والزراعة.
 وقد نجد لهذا الاختيار تبريرا في الظرفية التاريخية التي عاش فيها سلامة موسى، والتي تميزت بظهور اتجاهات تدعو إلى نقل ثقافة الغرب الأوروبي على أساس أنها سبيل التطور والتقدم، وبنفس المسلمات الكامنة خلف هذا المفهوم من ضرورة الانتشار الثقافي والتثاقف والمثاقفة، وضرورة أن تتبنى المجتمعات التقليدية الثقافة الحديثة كسبيل للنهوض والتطور، لأن تاريخ البشرية في اعتقاد هؤلاء يسير في خط صاعد متقدم متجاوز بصفة دائمة، فكل قديم يحمل قيمة سلبية، وكل جديد يحمل قيمة إيجابية.[18]
‌ب.              كمقابل للفظ العربي "حضارة"
يعود مشكل التباس مفهومي الثقافة الحضارة إلى مشكلة ترجمة المفاهيم، وانتقالها من ثقافة إلى أخرى، وهو ما جعل من الفصل بينهما أمرا إشكاليا قائما إلى حد الآن. فقد دل مفهوم الثقافة عند علماء الأنثروبولوجيا على مظاهر الحياة في كل مجتمع متقدما كان أو متخلفا، بدائيا أو متحضرا، في حين أن لفظ الحضارة عندهم يدل على مظاهر الحياة في المجتمعات المتقدمة وحدها[19]، وهذا ما نجد له تأكيدا عند ول ديورانت عندما سيعرف الحضارة باعتبارها النظام الاجتماعي الذي يساعد الإنسان على الزيادة في إنتاجه الثقافي، وإنما تتألف الحضارة من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون، وهي تبدأ من حيث ينتهي الاضطراب والقلق.[20]
 وهناك من يعتبر أن الثقافة هي جزء من الحضارة أو بمثابة الجسر الموصل إليها، فلكل حضارة ثقافة، ولكن ليس بالضرورة أن لكل ثقافة حضارة، إلا أن هناك فهما آخر تشير إليه بعض الدراسات الأوروبية في هذا المجال وهو أن الحضارة تختص بالجوانب الروحية والعقلية والأدبية، في حين أن الثقافة تختص بالجوانب المادية.[21] أو أنهما يعبران معا عن مركب واحد من الظواهر الاجتماعية، يمكن النظر إليه من وجهين: وجه مادي ملموس يتعين في المستوى الذي بلغه التقدم العمراني والتكنولوجيا عند أمة من الأمم، أو في مجتمع معين وفي حقبة تاريخية محددة، وكذلك في العلاقات الاجتماعية والعادات والمعتقدات، وفي المؤسسات وأنظمة الحكم. ووجه ثان يتجلى في نواحي الإنتاج الأدبي والفني والفكري والعلمي، ومعالم الرقي الأخلاقي والروحي.[22]
وعلى العموم فقد احتدم هذا الخلاف بين اتجاهين بالخصوص: اتجاه يهيمن فيه لفظ "الحضارة" كفرنسا وانجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، واتجاه فضل استعمال لفظ "الثقافة" كألمانيا وبولونيا وروسيا.
فإذا كان الاتجاه الأول يرى بأن مفهوم الحضارة هو عام يشمل القيم الأخلاقية والمادية معا، فإن الاتجاه الثاني يميل إلى تحميل لفظ " الثقافة" دلالة الأمر المتعلق بالفرد (تكوين الفرد) كالشعر والشعور الديني والإحساس الشخصي والعمارة والموسيقى والعلم وغيرها، وبالعكس تحمل لفظة "الحضارة" دلالة الشأن المتعلق بالجماعة، أي دلالة المظاهر الخارجية -وليس الجوانية الداخلية- لوضع ثقافي معين.[23]
وقد حاول عالم الاجتماع الألماني نوربرت إلياس أن يؤرخ لتاريخ ظهور هذا التعارض بين هذين المفهومين، فذهب إلى القول بأن الفيلسوف الألماني كانط كان أول من عبر عنه سنة 1784م تعبيرا صريحا عندما ربط بين نهضة ألمانيا وتنمية الثقافة المرتبطة بالفن والعلوم، وتحضير المجتمع لممارسة آداب السلوك ورسوم الكياسة الاجتماعية. وشكلت سنة 1919م سنة إحياء هذا التعارض الذي عمر قرنا ونصف من جديد، وهي السنة التي بوشرت فيها الحرب ضد ألمانيا باسم الحضارة، والسنة التي حاولت فيها ألمانيا إعادة تأكيد ذاتها بعد معاهدة فرساي.[24]
وقد انتقل هذا الالتباس بين المفهومين إلى البلاد العربية والإسلامية، وتأثر الأنثروبولوجيون وعلماء الاجتماع العرب الذين ترجموا المؤلفات الأوروبية كشاكر مصطفى وعبد الرحمان اللبان وفؤاد زكريا وغيرهم، بمعركة المفاهيم التي وقعت بين الألمان والفرنسيين التي تحدثنا عنها سابقا، وهكذا عملوا على ترجمة (culture) تارة بلفظ "ثقافة" وتارة أخرى بلفظ "حضارة". كما ترجموا لفظ (civilisation) بلفظ "حضارة"، وفي حالات أخرى بلفظ "مدنية". إلا أنه وفي جميع الحالات فإن التعريفات المقدمة والمعاني الراسخة في الذهن هي مدلولات المفهوم الأوروبي المترجم نفسه، وليس الجذر اللغوي أو الدلالة العربية لهذين اللفظين.
ولكل هذا سينصح نصر محمد عارف كل مترجم للفظ culture)) بالاحتفاظ به مكتوبا بحروفه اللاتينية في المتن المترجم، وبوضع لفظ " ثقافة" كمقابل له؛ وذلك حتى ينبه القارئ إلى أنه يقصد بإطلاق هذا اللفظ العربي المعاني التي يحملها المفهوم الأوروبي.[25]
خاتمة مرحلية:
وقفنا في العرض السابق على تاريخ مفهوم الثقافة في السياق الغربي، وما أخذه من دلالات في السياق العربي بعد ترجمته، وهي دلالات إشكالية في مجملها؛ حيث يترجم الأصل اللاتيني تارة إلى "ثقافة" وتارة إلى "حضارة". غير إن الإشكالات المرتبطة بالمفهوم لم تقف عند هذا الحد، بل تضاعفت وتناسلت بانتقال المفهوم إلى مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، سواء في السياقين الغربي أو الإسلامي.
فما هي الإشكالات الإبستمولوجية التي أفرزها المفهوم في السياق الغربي؟ وما هي المآزق التي وسمت توظيفه في السياق العربي؟ ما هي الآفاق المعرفية والفلسفية والإبستمولوجية التي أضافتها الرؤية الإسلامية إلى مفهوم الثقافة؟... هذه الأسئلة وغيرها، ستكون محور تحليل ومناقشة في الأجزاء المقبلة من الدراسة.


[1]  باحث مغربي، يعد أطروحة دكتوراه حول التحولات الثقافية في مجتمع الإعلام.
[2]  مشكلة الثقافة، مالك بن نبي، دار الفكر، الطبعة الخامسة عشرة، دمشق، 2011م، ص. 101.
[3] الكلمات المفاتيح، ريموند وليامز، ترجمة نعيمان عثمان، المركز الثقافي العربي، ط1، 2007، ص. 94.
[4] معالم على طريق تحديث الفكر العربي، معن زيادة، سلسلة عالم المعرفة، عدد 115، الكويت، 1975، ص. 29.
[5] نفس المرجع السابق
[6] الحضارة-الثقافة-المدنية: دراسة لسيرة المصطلح ودلالة المفهوم، نصر محمد عارف، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1994، ص. 19.
[7] معالم على طريق تحديث الفكر العربي، معن زيادة، ص. 48.
[8]  Taylor Edward, Primitive Culture, New York, Brentano’s, 1924, p. 1.
[9] Emile Tonnelat, «Kultur, Histoire du mot, évolution du sens» in Lucien Febvre et al, Civilisation : le mot et l’idée, Paris, la Renaissance du Livre, 1930, p. 65-66.
[10] Ibid, p.74.  
[11] في استشكال الصلة بين مفهومي «الثقافة» و«الحضارة»: مدخل مفاهيمي إلى النقاشات الدائرة اليوم حول المفهومين، محمد الشيخ، مجلة التسامح، عدد 27، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، سلطنة عمان، صيف 2009، ص. 173.
[12] نفس المرجع السابق.
[13] لسان العرب، ابن منظور، الجزء السادس، دار المعارف، بدون تاريخ، ص. 492 -493.
[14] الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، المجلد الرابع، دار العلم للملايين، الطبعة الرابعة، 1990، ص. 1334.
[15] نفسه.
[16] الثقافة والحضارة، سلامة موسى، مجلة الهلال، القاهرة، ديسمبر 1927م، ذكره نصر محمد عارف في كتابه الحضارة-الثقافة-المدنية: دراسة لسيرة المصطلح ودلالة المفهوم، مرجع سابق، ص.171.
[17] الثقافة والحضارة، سلامة موسى، ص.171.
[18]الحضارة- الثقافة- المدنية: دراسة لسيرة المصطلح ودلالة المفهوم، نصر محمد عارف، ص.28.
[19] المعجم الفلسفي، جميل صليبا، الجزء الأول، دار الكتاب اللبناني، الطبعة الأولى، بيروت، 1982، ص. 477.
[20]  قصة الحضارة، ول وايرل ديورانت، ترجمة زكي نجيب محمود، دار الجيل، مجلد الشرق الأدنى، الجزء 1، المجلد 1، بيروت، ط1، 1988م، ص. 3.
[21]  في معركة الحضارة، قسطنطين زريق، دار العلم للملايين، بيروت ط3، 1977م، ص. 39
[22]  في الثقافة والخطاب عن حرب الثقافات: حوار الهويات الوطنية في زمن العولمة، عبد الرزاق الدواي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، بيروت، 2013م، ص. 25.
 [23]  Elisabeth Roudinesco, Histoire de la psychanalyse en France, tome 1, (1885 - 1939), Paris, seuil, 1986, p.307 - 308.
[24]  Norbert Elias, la civilisation des mœurs, Paris, Calmann-Lévy, 1973, p.12 - 13.
[25]  نفس المرجع السابق، ص. 29.

مفهوم الثقافة بين الفكرين الغربي والعربي (2)

مصطفى المريط 10/15/2014
مفهوم الثقافة بين الفكرين الغربي والعربي:
من التباس المفهوم إلى أفق البناء الحضاري (2/3)
مصطفى المريط[1]
ثانيا: رؤية العلوم الاجتماعية الغربية لمفهوم الثقافة
لا يمكن لأي باحث الإدعاء بالإلمام بجميع التعاريف الموضوعة لمفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، فقد أورد "كوبير وكلوكهون" في كتابهما الموسوعي: " الثقافة: عرض نقدي للمفاهيم والتعريفات" الذي صدر سنة 1952 ما لا يقل عن 164 تعريفا للثقافة[2]، تراوحت بين السلوك المتعلم والمعرفة المتحصلة من احتكاك الفرد مع المحيط والقيم الواقعية أو المثالية التي يحملها فرد أو جماعة ما. هذا التعدد في التعريفات يدفعنا إلى ضرورة استعراض بعض النماذج والمحطات التاريخية التي نرى بأنها أساسية لفهم خبايا هذا المفهوم المعرفية وجذوره الفلسفية، والدلالات الكامنة التي يحملها وتصبغ استعمالاته اليوم.
1- نموذج عالم الأنثروبولوجيا إدوارد تايلور:
تبين مما سبق بأن مفهوم الثقافة استخدم بدلالات ومعاني مختلفة، إلا أن هناك شبه إجماع بين الدارسين على أن علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية هو المجال المعرفي الأول والأساس الذي نشأت فيه دلالت المفهوم المعاصرة في أوربا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولذلك ندين لعالم الأنثروبولوجيا البريطاني إدوارد تايلور (1832-1917) بأول تعريف للثقافة وضعه في كتابه "الثقافة البدائية" (primitive culture) سنة 1871م؛ إذ سينظر إلى المفهوم من خلال بعدين اجتماعي وفردي في نفس الوقت، فالثقافة ترتبط أولا بالمجتمع الذي يعيش فيه الفرد، وثانيا بملكة الاكتساب والتعلم الإنسانية، وبهذا المعنى فالثقافة تتجاوز الضرورة والحتمية التي تمليهما الوراثة البيولوجية؛ بفضل الارتقاء والتطور الذي ينقل كل إنسان من بدائيته الطبيعية إلى محطة الحضارة والمدنية المكتسبة، والتي تضم جوانبا مركبة تشمل ما هو مادي ورمزي. ولذلك فثقافة الإنسان البدائي هي بقايا المراحل الأولى للتطور الثقافي التي مرت منها ثقافة الشعوب المتحضرة، وهذه الفكرة هي التي دافع عنها تايلور. إن دراسة الثقافة هي دراسة تاريخ تطور الفرد في المجتمع، وهي عملية تاريخية وعقلية لتطور عادات الإنسان وتقاليده من حالتها البسيطة غير المعقدة إلى حالتها المعقدة، فالأكثر تعقيدا.
رغم تعدد تعاريف الثقافة إلا أن أغلبها مستلهم من تعريف تايلور، أو مقتبس منه ومعدل، حتى يتلاءم مع الفرضيات والمواقف النظرية المختلفة لأجيال من الباحثين. وقد مكن ذلك بلا شك من إتاحة فرص كثيرة لهؤلاء كي ينجزوا دراسات وتحليلات جديدة من زوايا أخرى للنظر، تحاول إبراز الأهمية التي يمكن أن تكتسيها عوامل أخرى في فهم ظاهرة الثقافة ودراستها، وهي عوامل يبدو أنه لم يجر الانتباه إليها، خاصة العوامل الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية والتاريخية والنفسية[3].
 ورغم ما لهذا التعريف من أهمية فقد واجهته مجموعة من الانتقادات من بينها أنه: وصفي وعام جدا، وأنه لا يأخذ في الاعتبار الطبيعة الدينامية للظاهرة الثقافية؛ كما أنه لا يولي اهتماما كبيرا لطبيعة العلاقات النوعية التي تربط ثقافة معينة ببيئتها، وبالمجموعات البشرية التي تحملها وتنتمي إليها[4]. وهو يحاول أن يحصي بعض المظاهر الإنسانية التي يمكن اعتبارها ثقافية كالمعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والعادات، لا يورد أهمها على الإطلاق وهو اللغة، على اعتبار أنها العنصر المؤسس لمنظومة الثقافة بأكملها، إنها العمود الفقري لميلاد ظاهرة الثقافة الإنسانية نفسها، وبها يمكن أن نفسر غياب ظاهرة الثقافة بمعناها البشري الواسع والمعقد عند بقية الأجناس الحية الأخرى. إن هذا المعطى يحتم مشروعية وضع اللغة في طليعة قائمة العناصر المكونة لمفهوم الثقافة البشرية الواردة في هذا التعريف[5]. 
2- نموذج إميل دوركايم: التصور الوضعي للثقافة
إذا كان مفهوم الثقافة غائبا عمليا في أنثروبولوجيا عالم الاجتماع الفرنسي، وأحد مؤسسي علم الاجتماع الحديث إميل دوركايم (1858م-1917م)، فإن ذلك لم يمنعه من اقتراح تأويلات للظواهر التي تعينها العلوم الاجتماعية غالبا على أنها ثقافية[6]، والنظر إلى الثقافة باعتبارها ظاهرة اجتماعية ومكون وواقع اجتماعي كشيء (chose) لا حياة ولا حركة في داخله في كتابه "قواعد المنهج السوسيولوجي"[7]، والثقافة بتصوره هذا كظاهرة اجتماعية تحمل مجموعة من الخصائص تجعل منها:
- ظاهرة موضوعية لها وجود خاص خارج شعور الأفراد الذين يلاحظونها ويحسون بها لأنها ليست من صنعهم بل يتلقونها من المجتمع الذي تنشا فيه؛
- ظاهرة ليست وليدة التفكير الذاتي عند الأفراد؛
- ظاهرة مشيئة، وهذه الخاصية هي التي اعتمد عليها دوركايم في تأسيس علم الاجتماع ذلك أنه شبه حقائق العالم الاجتماعي بحقائق العالم الخارجي؛
- شيء خارجي بالنسبة لشعور الأفراد، فالفرد يقبل الظاهرة ويخضع لها ويستسلم كما لو كانت قوة خارجية؛
- لها صفة الإلزام أو القهر، أي تفرض نفسها على شعور وسلوك الفرد؛
- ظاهرة إنسانية تنشأ بنشأة المجتمع الإنساني؛
- تمتاز الظاهرة الاجتماعية بأنها تلقائية أي من صنع المجتمع ومن خلقه؛
- ظاهرة عامة وعمومية الظاهرة ناجمة من صفة القهرية؛
- تمتاز بصفة الترابط بمعنى أن كل ظاهرة اجتماعية مترابطة مع الظاهرة الأخرى[8].
لقد كان هَم إميل دوركايم الأساسي هو العمل على استقلال علم الاجتماع عن باقي العلوم الأخرى، غير أن تصوره الوضعي (positivisme) لدراسة الظواهر الاجتماعية سيدعو بشكل غير مباشر المهتمين بدراسة الثقافة كأبرز ظاهرة اجتماعية والمتأثرين بمنهجه إلى استبعاد معالمها الداخلية أو الروحية وانعكاساتها على سلوك الفرد وتغير المجتمع كما طرحه في أعماله الأولى التي كانت تتسم بأنها مادية. بينما سينحو منحا مثاليا في أعماله اللاحقة، وخاصة في كتابه: الأشكال الأولية للحياة الدينية، مبرزا فيه دور الأفكار الدينية والأخلاق والقيم باعتبارها الحجر الأساس في أي نظام اجتماعي وليست العوامل المادية كتقسيم العمل. فالثقافة هي التي تشكل المجتمع وليس العكس.[9]
 إن الرؤية التشييئية التي تبناها دوركايم في أعماله الأولى للواقع الاجتماعي، والمؤمنة بالخضوع للضرورة والحتمية والسلبية ستجعل من كل باحث في الثقافة وتأثيراتها، باحثا في مظاهرها الخارجية المادية فقط وغير مكترث بالجوانب الخفية الروحية والنفسية الفاعلة، ولا شك بأن هذا المنهج المقترح لن يقدم تصورا شاملا كافيا وافيا عن الثقافة كظاهرة اجتماعية تحضر بكل أبعادها المعقدة الفردية والجماعية، المادية والروحية.
3- نموذج ماكس فيبر: نقد التصور الماركسي للثقافة
 لا يولي الفكر الماركسي أهمية كبرى للثقافة كعامل مؤثر في سلوكات الأفراد وتغير المجتمع، بل يعطي الأولوية والحسم للعوامل الاقتصادية للدول. فالثقافة مجرد "بنية فوقية" وفرع من فروع " البنية التحتية" أي البنية الاقتصادية والاجتماعية ذات الأساس المادي، ولذلك يطرح ماركس ضرورة دراسة البنية التحتية لفهم المجتمع، وهي تعبر عن نفسها عبر البنية الفوقية. ومن ثم، ينتج عن البنية التحتية بنية فوقية ثقافية ملائمة لها.[10]
إن الثقافة في الأدبيات الماركسية أداة إيديولوجية لممارسة العنف الرمزي تستعملها الطبقة البورجوازية الحاكمة في سيطرتها واخضاعها وصراعها مع الطبقة العمالية، إنها أيضا وسيلة لإعادة إنتاج نفس التراتبية الطبقية، بل أكثر من ذلك نجد عداء واضحا لدى روادها للعناصر الروحية للثقافة كالدين والقيم والعادات وغيرها، والتي تقف كعوائق لتحولات المجتمعات.
ونتيجة لهذا التحليل فثقافة الطبقة المهيمنة هي دوما الثقافة المهيمنة، والتي لا تكتسب تفوقها من ذاتها أو أن لها قوة انتشار تأتيها من "جوهرها" الخاص وتجعل منها قوة مهيمنة على الثقافات الأخرى"طبيعيا"، بل يرتبط هذا التفوق بالقوة الاجتماعية النسبية الخاصة التي تسندها. إن الحديث عن ثقافة مهيمنة وثقافة مهيمن عليها ضرب من المجاز، إذ إن ما يوجد، واقعا، هي جماعات اجتماعية تربط بينها علاقات هيمنة وتبعية[11].   
وعلى عكس هذا التصور سيتبنى ماكس فيبر (1864م-1920م) أحد مؤسسي علم الاجتماع الحديث موقفا يشدد على ما للعوامل الثقافية من تأثير في تغيرات المجتمعات وتحولاتها. فالقيم الدينية البروتستانتية هي عوامل أساسية أدت في اعتقاده إلى ظهور الرأسمالية المعاصرة كظاهرة اقتصادية في المجتمعات الغربية[12]، ولذلك فالسلوكات المادية التي تتخذها طبقة المقاولين الرأسماليين ليست قابلة للفهم ما لم نأخذ بعين الاعتبار تصورهم للعالم ونسق القيم لديهم. وإذا كانت هذه الطبقة قد ظهرت بداية في الغرب فليس في ذلك مصادفة لأن انبثاقها يعود - حسب رأي فيبر- إلى سلسلة من التغيرات الثقافية المتصلة بميلاد البروتستانتية[13]، وهي الحقيقة التي غفل عنها ماركس بسبب هوسه بالعوامل المادية. إن الظاهرة الثقافية كالعقيدة الدينية يمكن لها أن تكون بحد ذاتها عاملا مهما في تحفيز التطور الاقتصادي والمادي.[14]
ونتيجة لذلك أصبح الفكر السوسيولوجي الفيبري يعرف بعلم الاجتماع الفهمي؛ أي ذلك الفكر السوسيولوجي الذي تتجاوز رؤيته المنظور الماركسي الاقتصادي المادي في تفسيره للرأسمالية وغيرها من الظواهر الاجتماعية، والتي لا تكون الأفكار والقيم والتصورات، بالنسبة إليها، إلا انعكاسا أو بنية فوقية لوضعيات اقتصادية معينة[15]. إن علم الاجتماع الفهمي يسعى إلى محاولة فهم خبايا العوامل الثقافية ومدى تأثيرها في خلق الدوافع والحوافز عند أفراد المجتمع الذي تتأثر حتما مسيرته بها.[16] 
وهكذا يبدو ماكس فيبر أكثر تحررا من المادية والوضعية الضيقتين لفهم وتفسير سلوكات الأفراد والظواهر الاجتماعية وحركية المجتمعات البشرية، إلا أن علم الاجتماع الغربي المعاصر بقي متأثرا أكثر بالتراث السوسيولوجي الكلاسيكي لكل من دوركايم وماركس بالنسبة للاهتمام بدراسة الثقافة[17]. وهذا ما يجرنا إلى الانفتاح على الأطروحات النقدية الغربية والبدائل المقترحة التي سعت وتسعى إلى استكشاف الجوانب الخفية من الثقافة، وتحاول إعادة الاعتبار إليها عند كل محاولة تأسيس إبستيمولوجية لهذا المفهوم المركب والمعقد.   
4- نماذج نقدية غربية:
أ- النظرية النقدية للثقافة لمدرسة فرانكفورت
كان رواد مدرسة فرانكفورت من بين المفكرين الأوائل الذين اهتموا بدراسة وتحليل الشؤون الثقافية المستجدة في القرن العشرين مع ظهور وسائل اتصال جديدة كالمذياع والسينما وما ترتب عنه من زيادة إنتاج السلع الثقافية. وترتبط النظرية النقدية بمدرسة فرانكفورت التي تأسست سنة 1923م بمعهد الأبحاث الاجتماعية بذات المدينة الألمانية، وقد هاجر روادها إلى جنيف سنة 1933م مع وصول النازيين للحكم في ألمانيا، ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية إبان الحرب العالمية الثانية، قبل أن تعود مجددا إلى ألمانيا في بداية الخمسينيات.
ويميز الباحثون في النظرية النقدية بين ثلاث مراحل أساسية قطعتها النظرية النقدية في تطورها: الأولى خلال فترة الريادة من الثلاثينيات إلى أواخر السبعينيات، وهي فترة الجيل الأول كهوركايمر، وماركوز، وأدورنو، وفروم...، والثانية خلال فترة التجديد من بداية السبعينيات إلى سنوات الثمانينات من القرن الماضي، وهي فترة الجيل الثاني كيورجين هابرماس، وكارل أوتو آبل، وألبرشت فيلمر...، أما المرحلة الثالثة فيمثلها أكسل هونيث بشكل أساسي، وهو رائد الجيل الثالث ومدير معهد الدراسات الاجتماعية بفرانكفورت[18]. إلا أن النظرية النقدية الجديدة لم تفقد اهتمامها الخاص بفلسفة العلوم الاجتماعية، ونقد الايدولوجيا.
وتهدف النظرية النقدية حسب هوركايمر إلى تحقيق مهام ثلاث
أولها، الكشف في كل نظرية عن المصلحة الاجتماعية التي ولدتها وحددتها. وهنا يتوجه هوركايمر، كما فعل ماركس، إلى تحقيق الانفصال عن المثالية الألمانية، ومناقشتها في ضوء المصالح الاجتماعية التي أنتجتها.
 والمهمة الثانية  للنظرية النقدية عنده، هي أن تظل هذه النظرية على وعي بكونها لا تمثل مذهبا خارج التطور الاجتماعي التاريخي، أي أنها لا تطرح نفسها باعتبارها مبدأ إطلاقيا، أو أنها تعكس أي مبدأ إطلاقي خارج صيرورة الواقع، والمقياس الوحيد الذي تلتزم به هو كونها تعكس مصلحة الأغلبية الاجتماعية في تنظيم علاقات الإنتاج بما يحقق تطابق العقل مع الواقع، وتطابق مصلحة الفرد مع مصلحة الجماعة.
 أما المهمة الثالثة، فهي التصدي لمختلف الأشكال اللامعقولة التي حاولت المصالح الطبقية السائدة أن تلبسها للعقل، وأن تؤسس اليقين بها على اعتبار أنها هي التي تجسد العقل، في حين أن هذه الأشكال من العقلانية المزيفة ليست سوى أدوات لاستخدام العقل في تدعيم النظم الاجتماعية القائمة، وهو ما دعاه هوركايمر بالعقل الأداتي[19]، أي أن رؤية العالم في المجتمعات الصناعية الحديثة تتم بوصفه أداة ووسيلة لتحقيق غايات ذات بعد مادي استهلاكي، في حين يتم إغفال والتغاضي عن جوانبه الإنسانية الروحية والجمالية، فالغابة مثلا، يتم النظر إليها كخزان لصناعة  الورق وليست جمالا.
كما ركزت النظرية النقدية من جهة أخرى على أدوات ووسائل السيطرة العقلية والذهنية كمفتاح لنجاح الرأسمالية، فبالنسبة إليها هناك ثلاث ملامح توجه الثقافة الرأسمالية في وظيفة محددة لهذه الوسائل وهي:
" أولا: طريقة التفكير تسمى السبب الأدائي أو الوسيلي والذي تم وصفه من طرف جرايب سنة 1948م على أن طريقة النظر للعالم الذي يبرر سيطرة الأفراد على بعضهم البعض، وسيطرة النظام على تخدير(تغييب) الأفراد.
ثانيا: دور الإعلام أو الثقافة الشعبية في عمليات التفكير للأفراد، ومن ثم تحويلهم إلى عدم القدرة على نقد المجتمع الذي يعيشون فيه. ولهذا سينتبه رواد فرانكفوت إلى دور ثقافة الإعلام باعتبارها نظام آخر من الأدوات الخاصة بالهيمنة.
ثالثا: سيطرة وانتشار نمط معين من الشخصية الذي لا يقبل فقط السيطرة أو الهيمنة، ولكنه كذلك يرغب بنشاط بها."[20] 
وتأسيسا على ما سبق، تبدو النظرية النقدية أساسا كنظرية نقدية للمجتمع الرأسمالي الاستهلاكي بنزعته العلمية والعقلانية المغالية، وإيديولوجياته المهيمنة، كما أن جذورها الماركسية جعلتها تعتمد على المادية التاريخية، بمنحها دورا أساسيا للإنسان في صنع التاريخ والتغيير المجتمعي، بتسليح الطبقة العاملة (البروليتاريا) بفكر نقدي تغييري، ووعي طبقي تنويري، والنهوض بالثقافة بمختلف تجلياتها، والاهتمام بالفرد كمركز للفكر والعمل، والعناية بشكل من الأشكال بعلم نفس الفرد والتحليل السيكولوجي. لذلك سيدعو فلاسفة مدرسة فرانكفورت إلى تجاوز الوضعية، التي ادعت الموضوعية والحياد، وإمكانيات دراسة المجتمع بنفس الأساليب والطرق والخطوات المنهجية التي تدرس بها العلوم الطبيعية[21].
إن استبعاد البعد الإنساني والتأملي والأخلاقي في كل عملية دراسة أو بحث جعلت مفكري فرانكفورت يعتقدون بأن التراث الوضعي يميل للنظر إلى البشر باعتبارهم كائنات لا قوة لها في مواجهة المجتمع، وهو ما يتضح لدى دوركايم الذي يؤكد أن الفرد يجد نفسه في مواجهة المجتمع كقوة أسمى منه عليه أن ينحني أمامها، أو ما يؤكد عليه ماكس فيبر حين يرى أن الفرد في المجتمعات البيروقراطية، رأسمالية أم اشتراكية، ليس إلا ترسا في آلة كبيرة. وعلى العكس من ذلك ترى النظرية النقدية أن ذلك ناتج عن العمق الداخلي للإنسان، ومن ثم، تؤكد هذه النظرية على العلاقة الجدلية بين الفرد والمجتمع، كذوات مستقلة غير خاضعة، تعكس جوانب الحقيقة الكلية[22].
 وبشكل عام، فقد هاجم مفكرو مدرسة فرانكفورت سعي الوضعية إلى تحقيق المعرفة العلمية، وتكميم الحقائق، بما يؤدي إلى ضياع المعنى الجوهري للظواهر الاجتماعية. وأنه ارتباطا بذلك، فقد أدى تمثل الوضعية لنموذج العلم الطبيعي في علم الاجتماع إلى فصل المعرفة عن بعدها الأخلاقي، وهو ما يعني استبعاد الموقف الأخلاقي للباحث، عن طريق الادعاء بأن علم الاجتماع هو علم متحرر من القيمة، وهو ما يعني أيضا أن هذا العلم يمكن أن يكون أداتيا بالنسبة للقوى الاجتماعية المتسلطة، أو هو وسيلة للتحكم والهيمنة كما حدث في الرأسمالية المتقدمة[23].
كما أتت النظرية النقدية أيضا كرد فعل على النظريات النقدية للعقل المثالي كما عند كانط وهيجل، بالاعتماد على القراءة الماركسية الجدلية، والاستعانة بالمادية التاريخية. كما وقفت إزاء النظريات البورجوازية التي مارست صنوفا من السلطة الفكرية، ورفضت الفصل بين النظرية والممارسة، بعد أن كانت النظرية في المثالية الألمانية هي المفضلة.
يمكن مما سبق أن نتحدث عن ثلاثة عناصر مترابطة قامت عليها مدرسة فرانكفورت وهي:
- "النقد المعرفي والمنهجي للوضعية، أو للنزعة العلمية المغالية عموما في العلوم الاجتماعية؛
- وموقف نقدي بإزاء التأثير الإيديولوجي للعلم والتكنولوجيا، باعتبارهما عاملين هامين في خلق شكل تكنوقراطي بيروقراطي جديد للتسلط؛
- واهتمام خاص بصناعة الثقافة، أو عموما بالأوجه الثقافية للتسلط[24]".
وتعزى فكرة صناعة الثقافي إلى هوركهايمر وأدورنو في مقال لهما نشر سنة 1972م تحت عنوان "صناعة الثقافة- التنوير كخداع للجماهير"[25]، حيث نبها إلى مخاطر العولمة ومحاولات التنميط والجمهرة وإدماج التسلية على مستقبل الثقافة. فالثقافة باعتبارها صناعية عملية احتكارية للحياة الثقافية، أخرجت بقوتها المادية والإدارية الأشكال الثقافية الأخرى والإنتاج الثقافي مثل الثقافات الفولكلورية الأصيلة من الصورة[26]. وتبعا لهذا فدور وقيمة الثقافة أصبح محددا في مدى إشباع رغبة الجمهور بسلع استهلاكية وإعلام ترفيهي فقط.
ولعل هذه الوضعية المقلقة هي دفعت هربرت ماركوز (توفي سنة 1979م) إلى تبني نظرية الإنسان ذو البعد الواحد كأساس اجتماعي لتحليل واقع المجتمعات الصناعية الحديثة. ويورد جورج طرابيشي في تقديمه لترجمة كتاب هربرت ماركيوز: " الإنسان ذو البعد الواحد" الصادر سنة 1964م تعريفا للثقافة من هذا المنظور باعتبارها ثنائية البعد تعمل على التمييز بين الواقع، وبين ما كان يمكن أن يكونه هذا الواقع. بيد أن الطاقة الهائلة التي تملكها وسائل الاتصال الجماهيري في المجتمعات التكنولوجية في سبيلها إلى التخفيف من حدة التنافس بين الواقع الثقافي والواقع الاجتماعي عن طريق دمج قيم الأول بالثاني وإعادة توزيعها على نطاق واسع وتجاري[27].
إن العقلانية التكنولوجية التي تسم هذه المجتمعات في طريقها إلى تصفية العناصر المعارضة والمتعالية في الثقافة، وتحويلها إلى ثقافة ذات بعد واحد تشبع حاجات زائفة، فنجاح هذه المجتمعات أو اخفاقاتها تضعف ثقافتها الرفيعة وتدحضها[28]، إن هذه العناصر التي تشكل بعدا آخر للثقافة الرفيعة هي في طريقها إلى الزوال في عصر العولمة الثقافية، عبر تشويه قيمها الجمالية والفكرية والأخلاقية وتحويلها إلى قيم مادية مصنعة، فالآثار الأدبية والفنية باتت أشبه بسلعة تجارية، فهي تباع أو تريح أو تهيج[29]، وهكذا أمست موسيقى الروح مثلا موسيقى تجارية[30]. فتصفية الثقافة الثنائية البعد لا تتم عن طريق نفي القيم الثقافية، بل تتم عن طريق دمجها بالنظام القائم، وعن طريق إعادة إنتاجها وتوزيعها على نطاق واسع. إن هذه القيم هي في الواقع أدوات للتلاحم الاجتماعي. وعظمة الفن الحر والأدب الحر ومُثُل المذهب الإنساني وأفراح الفرد وأتراحه وتحقيق الشخصية الإنسانية تشكل جميعها عناصر هامة في التنافس بين الشرق والغرب[31].
غير أن يورجين هابرماس مجدد مدرسة فرانكفورت، وممثل النظرية النقدية في مرحلة ما بعد الحداثة، سيولي أهمية قصوى لمفهوم الاتصال أو التواصل أو العقل التواصلي فقد أعاد للقيم والمعايير الاجتماعية أهميتها، وتبنى الكفاءة الأخلاقية كمضمون للاتصال الاجتماعي، وعلى أسبقية اللغة، وأولويتها على العمل، وكرس مزيدا من الاهتمام لتحليل الهياكل الاقتصادية والسياسية، فيما نجد، على العكس، إشارات ضئيلة في أعماله لصناعة الثقافة[32].
وهكذا ستبتعد النظرية النقدية في مراحلها الأخيرة عن الماركسية التي انطلقت منها في بداياتها، بل أعلنت هذه النظرية فشلها عندما اعترف روادها بذلك صراحة، فهربرت ماركوز أقر بأن النظرية النقدية لا تملك مفاهيم تسمح بتخطي الفاصل بين الحاضر والمستقبل، ولا تمنح الوعود جزافا، فهي لم تنجح حتى الآن وظلت سلبية[33]، وحينما اعتبر هابرماس بأن نظرية ما بعد الحداثة حالة مرضية، بسبب اختلال التوازن بين القيم المادية والقيم المعنوية، فترتب عن ذلك أن تحولت عقلانية التنوير إلى حالة مرضية مأساوية، وتلك هي الحالة التي يصف بها تصور فرانسوا ليوتار وجان بودريارد لما بعد الحداثة.[34]
ب- توماس ستيرنز إليوت والدين كمحدد أساسي للثقافة
رغم ارتباط اسم ت.س. إليوت (1888م-1965م) بالشعر والنقد الأدبي، إلا أن هذا المفكر الإنجليزي الحاصل على جائزة نوبل للآداب سنة 1948م استطاع أن يضع بصمته المتميزة في تاريخ تطور مفهوم الثقافة، بتأليفه في السنة ذاتها لكتابه (Notes Towards the Definition of Culture)، والذي ترجمه شكري محمد عياد سنة 2010م تحت عنوان: "ملاحظات نحو تعريف الثقافة".
يوضح لنا المترجم وجهة نظر إليوت فى اتخاذه هذا العنوان "ملاحظات نحو تعريف الثقافة" عندما يطرح سؤاله: هل هناك شروط ثابتة إذا تخلفت، فليس لنا أن نتوقع قيام ثقافة راقية؟ إن "ت. س. إليوت لا يعدنا بنظرية حول مفهوم الثقافة، أو القوى الثقافية، والعوامل الثقافية، ولكنه يكشف لنا عن أسباب نمو الثقافة وتدهورها، فشروط قيام شيء ما لا تستتبع بالضرورة قيام هذا الشيء، ويشير المترجم إلى أن اختيار "إليوت" للفظة "ملاحظات" فى هذا العنوان يدل على جملة أشياء:
"الأولى: أن الثقافة في نظره ليست نتاجا حتميا لقوى أو عوامل؛
الثانية: أنه لا يحاول أن يقدم حلولا لمشكلات ثقافية قائمة فعلا، بل يحاول أن يرسم صورة للثقافة الراقية كما يتصورها؛
الثالثة: على أنه يقصد إلى نقد أفكار معينة عن الثقافة، لا تلتئم مع هذه الصورة، أو لا تراعى تلك الشروط"[35].
 ومن أجل إدراك مفهوم الثقافة وضع إليوت شروطا ثلاثة إذا ما تحققت، تم بها تحقيق الثقافة بالضرورة وهي:
أولا: البناء العضوي، ويرى أنه يساعد على الانتقال الوراثي للثقافة داخل ثقافة ومجتمع معينين، باستمرار الطبقات الاجتماعية؛
ثانيا: القابيلة للتحليل: ويرى وجوب أن تكون الثقافة (من وجهة النظر الجغرافية) قابلة للتحليل إلى ثقافات محلية (البعد الإقليمي للثقافة)؛
ثالثا: التوازن بين الوحدة والتنوع في الدين، ويرى أن هذا الشرط مهم لأنه في الكثير من الثقافات لا يمكن إغفال أو تهميش عامل الدين، إذ لا يمكن أن تظهر ثقافة أو تنمو إلا وهي متصلة بدين: ومن هنا تبدو الثقافة نتيجة من نتائج الدين، أو الدين نتيجة من نتائج الثقافة، طبقا لوجهة نظر الناظر[36].
ويعزو مايكل ديننغ هذه الفكرة الحداثية للثقافة إلى أزمة التفكير الديني التي مرت منها أوروبا، والمعارك بين الكنيسة والطوائف المنشقة. فالبنسبة إليه، فهم إليوت الثقافة في ضوء الجدل التاريخي بين الهيلينية والعبرانية، الموروث الكلاسيكي والوحي التوراتي، ولذلك فقد تخيل الثقافة ككل مثالي يشمل الرابط الاجتماعي المتمثل في جدالاته المذهبية، وهنا يمكن أن نقع في خطأين، إما أن ننظر إلى الدين والثقافة باعتبارهما متماهيين، أو نرى علاقة بين الدين والثقافة، ولذلك سينتهي الأمر بإليوت لحل الأحجية إلى مجاز مفاده: الثقافة هي تَجَسُد الدين[37]، وهذا الأمر يمكن تلمسه بشكل جلي في الفصل الرابع: "الوحدة والتنوع: الفرقة والنحلة" من كتاب إليوت السابق ذكره.  
ولعل الخطأ الذي وقع فيه كل من حاول تعريف مفهوم الثقافة حسب إليوت هو الفصل بين هذه المعاني الثلاثة، فتايلور استخدم المعنى الأول العام والأنثروبولوجي بمعزل عن المعنيين الآخرين، ولذلك وجب أن ننظر إلى المجتمعات المعاصرة التي بلغت درجة عالية من النمو بهذه الزوايا الثلاثة، وعند هذه النقطة تدخل الأنثروبولوجيا في علم الاجتماع[38].
ومن هذا المنظور فالحديث عن الفرد الكامل الثقافة هو محض خيال، والبحث عن الثقافة لا يجب أن يكون في الفرد أو جماعة من الأفراد المستقلين بل في نطاق أوسع هو المجتمع ككل؛ فالسلوك المهذب بدون تعليم أو فكر أو حساسية للفنون يجنح بالمرء إلى آلية مجردة، وأن العلم بدون سلوك مهذب أو حساسية إنما هو حذلقة، وأن القدرة الفكرية مجردة من الصفات الأكثر إنسانية لا تستحق الإعجاب إلا كما يستحقه ذكاء طفل معجزة في لعب الشطرنج، وأن الفنون بدون إطار فكري زيف وخواء[39]. 
خاتمة مرحلية
نستنتج مما سبق بأن مفهوم الثقافة في سياقه الغربي تأثر بالمراحل التي قطعها الفكر الغربي عموما، وخاصة في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، لذلك تعددت دلالاته ومجالاته وحدوده ومفارقاته وتجاذباته: بين الفردي والجماعي، المادي والرمزي، الفطري والمكتسب، ومن إنكار الدين والقيم كمحددات أساسية للثقافة في التصورات الوضعية إلى النقد الداخلي والاعتراف المحتشم بضرورة استحضار الدين باعتباره أساس الثقافة وروحها، وليس جانبا خفيا رمزيا يفلت من كل عملية تحديد في بعض التصورات النقدية اللاحقة والنموذج المتميز للإنجليزي  ت. س. إليوت.
 إن تعدد التعريفات الغربية المقدمة سابقا لمفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية والإنسانية وتضاربها وتناقضها أحيانا يعطينا مشروعية إعادة النظر فيه ومساءلته من جديد، ويدفعنا بالمقابل إلى الانفتاح على مقاربات أخرى ستحاول النظر إلى الثقافة من زوايا حضارية أخرى مغايرة تنفتح على مجالات أخرى تم تهميشها أو تقزيم دورها في الفكر الغربي، وهو ما سنعرض له في الجزء الثالث من هذه الدراسة.



[1]  باحث مغربي، يعد أطروحة دكتوراه حول التحولات الثقافية في مجتمع الإعلام.
[2] Kroeber, A. L.; Kluckhohn, Clyde, Culture: a critical review of concepts and definitions, Papers. Peabody Museum of Archaeology & Ethnology, Harvard University, Vol 47(1), 1952.

[3]  في الثقافة والخطاب عن حرب الثقافات، حوار الهويات الوطنية في زمن العولمة، عبد الرزاق الدواي، ص. 23-24.
[4] تلاقي الثقافات والعلاقات الدولية، جان فريمون، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 29، 1984م، ص.85، ذكر في: نفس المرجع السابق، ص. 23.
[5] الثقافة بين تأصيل الرؤية الإسلامية واغتراب منظور العلوم الاجتماعية، محمود الذاودي، دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الأولى، بيروت، 2006م، ص. 45.
[6] مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، دنيس كوش، ترجمة منير السعيداني، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى، بيروت، مارس 2007م، ص.49.
[7] Emile Durkheim, les règles de la méthode sociologique, PUF/ Quadrige, Paris, 1981, P.15.
[8] رواد الفكر الاجتماعي، إحسان محمد الحسن، دار الحكمة للطباعة والنشر، بغداد، العراق، 1999م، ص. 227-229.
[9]  مدخل إلى سوسيولوجيا الثقافة، دفيد إنغليز وجون هيوسون، ترجمة لما نصير، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، بيروت، 2013م، ص.56.
[10]  نفس المرجع السابق، ص. 41.
[11] مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، دنيس كوش، ترجمة منير السعيداني، ص. 121.
[12] الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، ماكس فيبر، ترجمة محمد علي مقلد، مركز الإنماء القومي، بيروت، بدون تاريخ، ص.198.
[13] مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، دنيس كوش، ترجمة منير السعيداني، ص.135.
[14]  مدخل إلى سوسيولوجيا الثقافة، دفيد إنغليز وجون هيوسون، ترجمة لما نصير، ص. 50.
[15] نفس المرجع السابق، ص. 138.
[16] الثقافة بين تأصيل الرؤية الإسلامية واغتراب منظور العلوم الاجتماعية، محمود الذاودي، ص. 258.
[17] نفس المرجع السابق، ص. 258.
[18] النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت: من ماكس هوركهايمر إلى أكسل هونيث، كمال مونير، الدار العربية للعلوم ناشرون، لبنان، الطبعة الأولى، 2010، ص. 10.
[19]  مدرسة فرانكفورت، توم بوتومور، ترجمة: سعد هجرس، دار أويا، الطبعة الثانية، طرابلس، ليبيا، 2004م، ص.
206-207.
[20] النظريات الاجتماعية والممارسة البحثية، فيليب جونز، ترجمة محمد ياسر الخواجه، مصر العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 2010م، ص. 119.
[21] النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت: من ماكس هوركهايمر إلى أكسل هونيث، كمال مونير، ص. 44-45.
[22] مدرسة فرانكفورت، توم بوتومور، ترجمة: سعد هجرس، ص.213.
[23] نفس المرجع السابق، ص. 212-213.
[24]  مدرسة فرانكفورت، توم بوتومور، ترجمة: سعد هجرس، ص. 100-101.
[25] Horkheimer, M. and The. Adorno, Dialectic of Enti- ghtement, Herder and Herder, N.Y, 1972, pp. 120-167.
[26]  مدخل إلى سوسيولوجيا الثقافة، دفيد إنغليز وجون هيوسون، ترجمة لما نصير، ص. 73.
[27]  الإنسان ذو البعد الواحد، هربرت ماركوز، ترجمة جورج طرابيشي، دار الآداب، الطبعة الثالثة، بيروتـ، 1988م، ص. 15.
[28]  نفس المرجع السابق، ص. 91.
[29]  نفس المرجع السابق، ص. 100.
[30]  نفس المرجع السابق، ص. 93.
[31] نفس المرجع السابق، ص.92.
[32] مدرسة فرانكفورت، توم بوتومور، ترجمة: سعد هجرس، ص. 125.
[33] الإنسان ذو البعد الواحد، هربرت ماركوز، ترجمة جورج طرابيشي، ص. 268.
[34] نفس المرجع السابق، ص. 162-163.
[35]  ملاحظات نحو تعريف الثقافة، توماس ستيرنز إليوت، ترجمة شكري محمد عياد، المركز القومي للترجمة، سلسلة ميراث الترجمة، عدد 1623، القاهرة، 2010م، ص.7.
[36]نفس المرجع السابق، ص. 19-20.
[37] الثقافة في عصر العوالم الثلاثة، مايكل ديننغ، ترجمة أسامة الغزولي، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، عدد 401، الكويت، يونيو 2013، ص.107-108.
[38] ملاحظات نحو تعريف الثقافة، توماس ستيرنز إليوت، ترجمة شكري محمد عياد، ص.26.
[39] نفس المرجع السابق، ص. 27.

_________________________________


مفهوم الثقافة بين الفكرين الغربي والعربي (3)

مصطفى المريط 10/18/2014
مفهوم الثقافة بين الفكرين الغربي والعربي:
من التباس المفهوم إلى أفق البناء الحضاري (3/3)
مصطفى المريط[1]
ثالثا: الرؤية المعرفية للثقافة بين إشكالية التأصيل وإبداع البدائل.
إن البحث عن رؤية معرفية للثقافة كنظرية تأسيسية بديلة لهذا المفهوم في العلوم الاجتماعية، واستيضاح إن كانت صالحة لأن تكون كذلك أم لا يحتاج منا أولا إلى بحث نظري متسلسل حول حضور هذه المقاربة في الكتابات الفكرية العربية المعاصرة، وتبيان مدلولاتها وتحديد حقولها وحدودها المعرفية، وذلك بالربط بين التأطير النظري والتجسيد الواقعي من خلال اختيارنا لأربعة نماذج متميزة نعتبرها تراكمات وامتدادات، سنعمل على تجميع خيوطها النظرية الناظمة، وتحليلها بما يقتضيه المقام. 
1.                نموذج مالك بن نبي : مشكلة الثقافة.
لا يمكن الحديث عن الرؤية المعرفية للثقافة بدون استحضار المفكر الجزائري مالك بن نبي صاحب كتاب " مشكلة الثقافة" الصادر باللغة العربية سنة 1959م. فقد شغلته قضية الثقافة وظلت حاضرة في جل إنتاجاته وإسهاماته الفكرية على اعتبار أنها جوهر المشكلة الحضارية التي يمر منها العالم الإسلامي، ولذلك حاول أن يصل إلى فهمها وإيجاد حلول لها منذ أن ألف أول كتاب تحدث فيه عن الثقافة، وهو كتاب (شروط النهضة) الصادر باللغة الفرنسية في باريس عام 1948م.
سينطلق مالك بن نبي في كتاباته من قاعدة مفادها أن كل تفكير في مشكلة الإنسان هو تفكير في مشكلة الحضارة التي يمكن تحليلها إلى ثلاث مشكلات أولية: مشكلة الإنسان، مشكلة التراب (يقصد به الشروط المادية)، مشكلة الوقت[2]، وكل تفكير في مشكلة الحضارة هو في الأساس تفكير في مشكلة الثقافة، باعتبار أن الحضارة في جوهرها مجموعة من القيم الثقافية المحققة. وإذن فمصير الإنسان رهن دائما بثقافته[3]، واتجاه الحضارة هو محصلة معادلة جبرية من متغيرين هما: المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي[4].
ولا يمكن تعريف أو فهم أو حل مشكلة الثقافة ما لم ننظر إليها من خلال زاويتين: الأولى في ضوء حالتنا الراهنة المعيشة وهي سلبية تفصلنا عن رواسب الماضي، والثانية تحدد حسب مصيرنا وهي إيجابية تصلنا بمقتضيات المستقبل[5]، إذن فالأمر يتعلق بعمليتين هما: الهدم والبناء.
فإذا كانت الأولى ترتبط بالإرث الثقافي المتخلف وجب هدمه وتحطيم الوضع الموروث عن عصور التخلف، وتصفية عادات المجتمع وتقاليده وإطاره الخلقي مما فيه من عوامل فتاكة وركام سالب، لأن تصفية الأفكار الميتة وتنقية الأفكار المميتة يعدان الأساس الأول لأية نهضة حقة[6]، فإن الثانية ترتبط بضرورة البناء بتحديد محتوى الثقافة وعناصرها الجوهرية التي تصل المجتمع المتطلع إلى التقدم بمقتضيات المستقبل، وهو عموما يدور حول الإجابة عن السؤال التالي: كيف يتم إعداد ثقافة؟[7]
وبعد اثني عشر عاما على صدور الطبعة الأولى من كتابه "مشكلة الثقافة" سيقر مالك بن نبي في مقدمة الطبعة الثانية بأن الأفكار التي عرضها حول فكرة الثقافة كانت غريبة في الوسط الثقافي العربي، إذ لم يسبقه إليها دارس عربي من قبل، وذلك لأنه تناول القضية من زاوية جديدة متميزة عن أطروحات علماء الاجتماع الغربية السائدة في هذا المجال. وفي اعتقاده أن السر في غرابة الأفكار التي توصل إليها يمكن إرجاعه إلى عاملين:
أولا: لأن هذه الأفكار لم تتوخ منهج الدراسات الغربية في الموضوع لأسباب منهجية؛ ثانيا: لأن الأفكار المعروضة ليست في جوهرها إلا امتدادا وشرحا تحليليا من ناحية، وتركيبا من ناحية أخرى للأفكار التي قدمها في أحد فصول كتابه (شروط النهضة)، الذي نشر منذ ربع قرن باللغة الفرنسية، أي عندما كان الموضوع بكرا لا بالنسبة للعالم الإسلامي فحسب، بل أيضا في بلاد الغرب[8].
إن منطلق فهم الواقع ومشكلاته - ومن بينها مشكلة الثقافة- يتحدد على قاعدة التمايز والاستقلال الثقافي، فكل تفسير للثقافة إلى حدود الآن يمكن رده إلى مدرستين: المدرسة الغربية التي ظلت وفية لتقاليد عصر النهضة، وهي ترى عموما أن الثقافة ثمرة الفكر، أي ثمرة الإنسان. والمدرسة الماركسية التي ترى أن الثقافة في جوهرها ثمرة المجتمع[9].
بمعنى آخر تقوم المدرسة الأولى على فلسفة الإنسان، التي تتأسس على النزعة الفردية الحاكمة على الثقافة الغربية، والمؤثرة في تكوين رؤيتهم للثقافة، وحيث ستعرف الثقافة على أنها تراث "الإنسانيات" الإغريقية اللاتينية، بمعنى أن مشكلتها ذات علاقة وظيفية بالإنسان.
أما المدرسة الثانية فتقوم على فلسفة الجماعة، أي تنهل من تلك النزعة الاجتماعية الحاكمة على الثقافة الاشتراكية، والمؤثرة في تكون رؤيتهم للثقافة، ولهذا يعرفون الثقافة في البلاد الاشتراكية كما يقول ابن نبي على أنها ذات علاقة وظيفية بالجماعة. 
ويرى ابن نبي أن هذين التعريفين يعدان من الوجهة التربوية مشتملين على فكرة عامة عن الثقافة، دون تحديد لمضمونها القابل لأن يدخله التعليم في عقلية الجماعة، ولذلك سيرى ضرورة الربط الوثيق بين الثقافة والحضارة، عندها يمكن الحديث عن الثقافة كنظرية في السلوك، أكثر من اعتبار الثقافة نظرية في المعرفة[10]. والنتيجة لا يمكن تصور تعريف للثقافة من زاوية نظرية فقط، بل لابد أن يضاف إليه البعد العملي (السلوكي) أو التربوي. 
إن مالك بن نبي بهذا التحليل لا يرى في التعريفات المطروحة للثقافة سواء منها ما عبر عن وجهة النظر الغربية أو الماركسية التي أشرنا إلى بعضها سابقا ما يدعو إلى الاعتراض، أو أن قصورها يعود إلى خطأ فيها، وإنما لأن مضمونها لا يمكن أن يعطينا مفتاح حل المشكلة في الظروف النفسية والزمنية للمجتمعات العربية والإسلامية.
فمن التحليل النفسي للثقافة، إلى التركيب النفسي للثقافة، ومن الكشف عن الفروقات بين الثقافة والعلم، إلى الكشف عن الارتباط بين الثقافة والحضارة، واعتباره الدين أساس قيام المجتمعات والحضارات لذلك وجب البحث عن أصلها الديني الذي بعثها[11]، وبعد مناقشات ومقاربات مستفيضة وناضجة لأفكار وتصورات حول الثقافة تنتمي لمدارس فكرية وفلسفية رأسمالية وماركسية مختلفة، ينتهي ابن نبي إلى تعريف عملي يصفه بالشامل، فالثقافة تعني: "مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية، التي تؤثر في الفرد منذ ولادته، وتصبح لا شعوريا العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه"[12]، أو بعبارة أخرى: "الجو المشتمل على أشياء ظاهرة مثل الأوزان والألحان والحركات وعلى أشياء باطنة كالأذواق والعادات والتقاليد. بمعنى هي الجو العام الذي يطبع أسلوب الحياة في مجتمع معين ويطبع الفرد فيه بطابع خاص، يختلف عن الطابع الذي نجده في حياة مجتمع آخر"[13].
سنوات بعد ذلك سيعرفها بشكل شعري بأنها: "الجو المتكون من ألحان وأنغام ونغمات وروائح وسكنات وأضواء، ومن جوانب مظلمة، إنها هذا الجو الذي تتفتح فيه النفس، وتشعر بوجودها في إطار عام"[14].  
وبهذا التعريف تصبح الثقافة كما يرى ابن نبي الرأسمال الأولي في الوسط الذي يولد فيه الفرد، والمحيط الذي يشكل فيه طباعه وشخصيته، والذي يعكس حضارة معينة، ويتحرك في نطاقه الإنسان المتحضر[15]، ويعتبر ابن نبي أن هذا التعريف النقدي للثقافة، يضم بين دفتيه فلسفة الإنسان، وفلسفة الجماعة، أي مقومات الإنسان، ومقومات المجتمع، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة انسجام هذه المقومات جميعا في كيان واحد، تحدثه عملية التركيب التي تجريها الشرارة الروحية[16].
إن تعريف الثقافة بالتحديد الإيجابي الذي أشرنا له سابقا يجب أن يقوم على تحديد العناصر الجوهرية التي تعد ضرورية تماما للمركب الاجتماعي للثقافة وهي:
- عنصر الأخلاق لتكوين الصلات الاجتماعية؛
- عنصر الجمال لتكوين الذوق العام؛
- منطق عملي لتحديد أشكال النشاط العام؛
- الفن التطبيقي الموائم لكل نوع من أنواع المجتمع أو الصناعة على حد تعبير ابن خلدون[17].
إن الثقافة بمفهومها المتكامل والمتوازن يتم تصورها في صيغة بيداغوجية هي كل هذا جميعا: فهي تركيب متآلف للأخلاق، والجمال، والمنطق العملي، والفن الصياغي[18]. 
وما يمكن ملاحظته أن ابن نبي يعتبر أن الاختيار الثقافي الذي انتهت إليه الحضارة الغربية، بتقديمها للذوق الجمالي على المبدأ الأخلاقي في سلم ترتيب القيم، أحدث في الثقافة الغربية انفصالا عن الثقافة الإنسانية، كما أحدث خللا منهجيا أدى إلى قلب القيم، وإلى نتائج خطيرة على مصير الحضارة الغربية نفسها، وعلى الإنسانية عموما.
فقد أدت النزعة الجمالية إلى الاستعمار، والإباحية والعبثية، وتفكيك الروابط التي تحفــظ المجتمع من الانحلال، وإلى تمــركز الإنســان. ويضرب مثلا بظاهرة الاستعمار باعتباره "ظاهرة ثقافية" تعبر عن نمط ثقافة معينة قائمة على السيطرة، فالعقل الأوروبي المحكوم بإطار ثقافي قدم الجمال على المبدأ الأخلاقي في ترتيب القيم، وبهذا الترتيب أثر في علاقة الإنسان الأوروبي بالإنسانية، ونتاجا لذلك ستصبح كل ثقافةٍ سيطرةً  (Culture d’empire)، هي في أساسها ثقافة تسود فيها القيم الجمالية على القيم الأخلاقية[19].
إن استقراءنا لفكر مالك بن نبي وما تميز به منهجه من تكامل وتوازن، يجعلنا نخرج بخلاصة مفادها أن مشكلة التخلف التي يعيشها العالم العربي والإسلامي هي مشكلة حضارة، والتفكير في مشكلات التخلف أي في مشكلات الإنسان، هو تفكير في مشكلة الحضارة والثقافة، وعلى أساس هذه الرؤية التي تعطي الأولوية للتغيير الثقافي يجب أن تخطط مشاريع التنمية إن على مستوى الفرد أو المجتمع.
إن مشكلة الثقافة التي يطرحها مالك بن نبي يمكن تحديدها وفق مقاربتنا عبر ثلاثة مستويات:
-    أولا: المستوى المعرفي بتجاوز التكديس إلى البناء وهدم الأفكار المرسخة لما يسميه بالقابلية للاستعمار[20] لدى الفرد، والتي تتحدد من خلال أنواع أهمها: الفكرة الميتة وهي الفكرة التي خذلت أصولها وانحرفت عن نموذجها المثالي ولم يعد لها جذور في محيط ثقافتها الأصلي وتعبر عن الجانب الذي يسميه بالاستعمار والجانب الذي يطلق عليه القابلية للاستعمار"[21]، والفكرة القاتلة هي الفكرة التي فقدت شخصيتها وقيمتها الثقافية بعد أن فقدت جذورها التي ظلت في مكانها في عالمها الثقافي الأصلي "أي تلك الأفكار التي نستعيرها من الغرب"[22].
-    ثانيا: المستوى السلوكي ويحدده مالك بن نبي من خلال المنطق العملي والصناعة وتحقيق الفائض في الواجبات على حساب الحقوق[23] وتوجيه رأس المال[24]، والفعالية[25]. فالثقافة هي التي تحدد السلوك الفعال حيث يتحقق الانسجام بين سلوك الأفراد وأسلوب الحياة في المجتمع، وتنشأ رقابة بين الطرفين؛ رقابة طبيعية إذا اختل شيء ما في سلوك الأفراد تنشأ ردود الأفعال في أسلوب الحياة لإيقاف الانحراف أو الخطأ في السلوك والعكس بالعكس[26]. وهذا التكوين ينشأ مع الطفل منذ اليوم الأول في المهد[27].
-    ثالثا: المستوى الوجداني وهو التوجيه الأخلاقي والعناية بالذوق الجمالي واستحضار الفكرة الدينية المركبة التي يمكن لها أن تبني الإنسان ليقوم بدوره في بناء الحضارة[28]. فالدين هو وحده الذي يستطيع أن يؤسس مجتمعا وليس العلم[29]. كما أن المجتمع لا يقوم على غير المبدأ الأخلاقي الذي يقوم ببناء عالم الأشخاص، الذي لا يتصور بدونه عالم الأشياء، ولا عالم المفاهيم[30]. والمجتمع الذي تأسس وتكونت وحدته على أساس أخلاقي، يتطلب صورة ومظهرا، يتطلب تنظيمه الشكلي من حيث ملبسه ومعاشه وترتيب أشياء بيته. الأشياء التي تتصل بالقيم الجمالية، لذا لا بد من الثقافة أن تمدنا بالذوق الجمالي وتنمي فينا هذا الذوق[31].
2- نموذج نصر محمد عارف: نحو إعادة بناء المفهوم
 يرى مالك بن نبي في كتابه مشكلة الثقافة[32]، أن مشكلة تعريف الثقافة في البلاد العربية تقع في الثقافة نفسها التي لم تكتسب قوة التحديد بعد نظرا لجدتها، على اعتبار أنها لم ترد في كتابات ابن خلدون مثلا، ففكرة (مفهوم) الثقافة المستورد من أوروبا سيدفع بالكثير من الكتاب إلى أن يقرنوا دائما كلمة الثقافة بكلمة (Culture) مكتوبة بحروف لاتينية، كأنما يبتغون بهذا القول: إن كلمة ثقافة لا تكتب إلا بهذا الوضع. وهؤلاء المؤلفون يعلمون دون ريب ما يفعلون، حين يقرنون الكلمة العربية بنظيرتها الأجنبية. فالكلمة جديدة، أي أنها وجدت بطريقة التوليد، والغريب أن الكاتب الذي صاغها قد اختارها من بين عدد من الأصول اللغوية من مثل: (علم، أدب، فهم، أدرك، ثقف...) تلك الكلمات التي تدل صورتها على طابع الروح الجاهلية.[33]
سنوات بعد ذلك، سيعمل المفكر المصري نصر محمد عارف على تفصيل هذا الأمر؛ إذ سيربط في كتابه: "الحضارة - الثقافة - المدنية: دراسة لسيرة المصطلح ودلالة المفهوم" الصادر سنة 1994م أساس المشكلة بحركة الترجمة التي حصلت حسب رأيه مع بداية الاتصال الفكري والمعرفي، الذي حدث في طور انحطاط العالم الإسلامي خلال القرون الأخيرة، وحيث حدثت حركة ترجمة واسعة تم فيها اختيار كلمات عربية نزعت من جذورها وسياقها لتعبر عن ألفاظ أجنبية جاءت بعد ذلك بكل دلالاتها وجذورها، وجوانبها المنظورة وغير المنظورة لتزيح المعنى العربي جانبا وتحل محله تماما، فلا يبقى منه غير الوعاء الخارجي(اللفظ).
فالمترجم لكلمة (culture) لم يختر من العربية اللفظ الذي تتساوى دلالاته أو تقارب دلالات اللفظ الأوروبي، وإنما تمت الترجمة طبقا للمقابل اللفظي في معناه الخارجي المتداول. وقد أدى ذلك إلى طمس الدلالات الحقيقية للمفهوم العربي، واستبدال دلالات أوروبية بها، بحيث لم يعد من المفهوم العربي غير لفظه، أما جوهره ومعناه فلا علاقة لها بالمظهر أو الوعاء اللفظي[34].
فرغم استخدام لفظ "الثقافة" العربي إلا أن المعاني والدلالات المقصودة من وراء اللفظ كلها نفس معاني دلالات مفهوم (culture) الغربي، وكأن هذا المفهوم الأجنبي قد نسخ كل المعاني العربية للثقافة أو حل محلها، بل أكثر من ذلك سينتقل نفس الاستشكال الذي عرضنا له سابقا بين مفهومي الثقافة والحضارة لدى الغرب إلى العالم العربي والإسلامي، وهنا سنجد أنفسنا أمام نوع من الخلط والتشويه بل والتلبيس في المعاني، فقد ترجم مفهوم الثقافة إلى لفظين عربيين غير مترادفين أو حتى قريبين في الدلالة والجذر اللغوي، حيث ترجم إلى"ثقافة" مرة وإلى "حضارة" مرة أخرى وثالثة يترجم إلى الاثنين معا، فيقال إن (culture) هي الثقافة والحضارة[35].
إن الاستخدام الأجنبي الشائع لمفهوم الثقافة في القرنين الأخيرين ألقى بظلاله على اللفظ العربي وأصابه بالكثير من دلالاته ومعانيه، فغالبية المفكرين والباحثين المنطلقين من إطار مرجعي عربي إسلامي يبحثون في المصادر العربية الأصلية عن الجذر اللغوي العربي الأصيل ويذكرون دلالاته الأصلية، ثم ينتقلون فجأة لاستعراض المعاني والدلالات الأوروبية للمفهوم دون تحليل للدلالات الأصلية وما يمكن أن يستنبط منها. وكأن ذكر الجذر اللغوي العربي للمفهوم نوع من تبرئة الذمة، أو نوع من التبرك باللغة العربية وإقناع للذات بأن الكاتب لم يزل ملتزما بأصوله ينطلق منها ولا يتخطاها، أو تغطية للانفصام الثقافي، أو محاولة متعمدة للتسويغ وإضفاء الشرعية على الدلالات والمعاني الأوروبية للمفهوم وذلك بذكرها وكأنها مستنبطة من اللفظ العربي غير دخيلة عليه، كمحاولة لنسخ الدلالات الأصلية للمفاهيم واستبدال دلالات أوروبية بها في عملية هادئة تضفي على نفسها المشروعية والقبول[36].
إن إعادة بناء المفاهيم وتأصيلها وتوطينها حسب نصر محمد عارف تقتضي خمسة إجراءات معرفية:
- أولا: بالبحث عن دلالات المفهوم في لغته الأصيلة التي صك وحمل بدلالاته ومعانيها ومن ثم الوصول إلى تجريد للمفهوم بحيث يعبر عن حقيقته وجوهره وماهيته بعيدا عن أي التباس بخبرات أو دلالات لحقت به في تطوره؛
- ثانيا: بتتبع تطور المفهوم في بيئته الأصلية وكيف تم سحبه من معانيه اللغوي إلى معاني اصطلاحية معينة، وهل هناك اتساق بين الاثنين أم إن المفهوم تجاوز تماما الدلالات اللغوية وحمل بدلالات أخرى؛
- ثالثا: بالتركيز على واقعة الترجمة واختيار مقابل عربي لهذا المفهوم وهل تمت ترجمة للمعاني والدلالات أم للفظ في معناه الظاهر فقد وذلك من خلال تجريد دلالات اللفظ في لغته الأصلية له وتجريد الدلالات العربية للفظ والمقابلة بينهما في صورتهما المجردة بعيدا عن التعريفات والماصادقات.
- بتتبع تطور المفهوم في الفكر العربي التالي لترجمته ومدى التغيير الذي لحق باللفظ، وهل ظل اللفظ العربي محافظا على دلالات المفهوم الأجنبي أم الدلالات الأصلية في اللغة العربية أم مزيجا منهما؟
- بالعودة إلى الدلالات العربية الأصيلة للمفهوم العربي الذي وضع كمقابل للمفهوم الأجنبي، وتوضيح المعاني والدلالات الحقيقة له ومقارنتها بالدلالات المعاصرة لهذا المفهوم التي هي دلالات المفهوم الأجنبي نفسها، وذلك تمهيدا لمحاولة إعادة تعريف المفهوم العربي، أو تنقيته مما لحقه من ظلال المفهوم الأجنبي، وصولا إلى المعاني والدلالات الأصيلة للمفهوم العربي.[37]
وبهذا المنهج المعرفي سيحاول نصر محمد عارف إعادة بناء وتأصيل مفهوم الثقافة من جديد، إذ سينطلق بداية من المعاجم والقواميس العربية القديمة ليحدد المعاني اللغوية المرادفة كالحذق والفهم والضبط والظفر بالشيء والفطنة والذكاء وثبات المعرفة والتهذيب والتشذيب والتقويم والتسوية من بعد الاعوجاج، ثم راح بعدها يتلمس دلالات هذا المفهوم المعرفية المتميزة.
وهكذا خلص إلى أن المضمون المعرفي لمفهوم الثقافة في اللغة العربية ينبع من الذات الإنسانية ولا يغرس فيها من الخارج، إذ يعمل على تنقية الفطرة البشرية وتشذيبها وتقويم اعوجاجها ثم دفعها لتوليد المعاني الجوانية الكامنة فيها، وبإطلاق طاقاتها لتنشئ المعارف التي يحتاج إليها الإنسان طبقا لظروف بيئته ومجتمعه، لتستقيم وقيم وجود الإنسان نفسه. كما أن هذا المضمون يحيل إلى معاني البحث والتنقيب والظفر بمعاني الحق والخير والعدل وكل القيم التي تصلح الوجود الإنساني وتهذبه وتقوم اعوجاجه بشكل متجدد دائم لا ينتهي أبدا، وهو لا يحمل في ذاته أحكام قيمية تحدد نوعية الثقافة، فجميع الثقافات على الدرجة نفسها من القيمة الإنسانية. كما أن مفهوم الثقافة غير مقيد أو مخصص، فهو عام للإنسان والجماعة والمجتمع يشتمل على جميع أنواع الممارسات الإنسانية ومختلف درجاتها.[38]
3- نموذج عبد الوهاب المسيري: تحيزات الثقافة.
تخصص المفكر المصري عبد الوهاب المسيري (1938م- 2008م) في الصهيونية بموسوعته الضخمة عن اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد، والمؤلفة من ثماني مجلدات ضخمة؛ إلا أن اهتمامه اتجه أيضا إلى فهم ونقد الحداثة الغربية وما بعد الحداثة، ومحاولات تأصيل المفاهيم وصياغة المصطلحات بحديثه مثلا عن المادية الصلبة والمادية السائلة والجماعات الوظيفية والحوسلة والعلمانية بشقيها الشامل والجزئي، والخريطة أو النموذج الإدراكي والمعرفي وغيرها في محاولة منه لبناء مشروع فكري للحداثة الإسلامية؛ سينثر بذوره التربوية في مجموعات من القصص والأشعار التربوية التي خصصها للأطفال.
ولعل من أبرز القضايا التي تناولها عبد الوهاب المسيري، والتي لها علاقة بتأصيل المفاهيم في العلوم الاجتماعية والإنسانية إشكالية تحيز المفاهيم الناتج عن تركيبية الظاهرة الإنسانية وفعالية العقل الإنساني وعلاقة اللغة بالإدراك، فالعقل الإنساني لا يتلقى الواقع بشكل مباشر سلبي، وإنما يبقي ويستبعد ويؤكد ويهمش حسب خريطته الإدراكية[39]. وكان من نتائج ذلك أن تم استيراد معظم المفاهيم المستخدمة في هذه العلوم من الغرب، وأدمن الباحثون العرب والمسلمون عملية نقل المفاهيم دون إعمال فكر أو اجتهاد، ودون فحص أو تمحيص، وأصبحت العلوم الإنسانية العربية عقلها في أذنيها؛ تنقل آخر ما تسمع من مصطلحات غربية بأمانة وموضوعية دون إدراك للمفاهيم المتحيزة الكامنة[40].
فالمفاهيم - ومن بينها مفهوم الثقافة - تنبع من تجارب تاريخية ونماذج تحليلية ورؤى معرفية ووجهات نظر غربية، متمركزة حول الذات الغربية، وتحتوي على تحيزات إمبريالية وعرقية، ومرتبطة بسياقها الحضاري الذي نشأت فيه، ولذا فهي مستقرة فيه وتفي بالغرض الذي سكت من أجله لدرجة معقولة، ولكن كل هذا يضع حدودا حضارية وتاريخية على فعاليتها خارج سياقها. ومن هنا قصورها إن نقلت إلى سياق حضاري جديد، عن الإخبار عن ظواهر نابعة من ظروف حضارية أخرى ومن سياق آخر. بل إن المصطلح المنقول في هذه الحالة قد يكون مصدرا لدلالات لا توجد في السياق الجديد، وستارا يخبئ جوانب من الظواهر التي ترد فيه[41]. 
يتضح إذن – وبالتحديد - أن أصل مشكلة تحيز المفاهيم يعود إلى علاقة الدال بالمدلول، وهي علاقة أبعد ما تكون عن البساطة حسب عبد الوهاب المسيري، فالدال الذي يستخدمه المرء، حتى قبل أن يدخله في علاقة مع المدلول، ليس أمرا واضحا محدد المعالم، وإنما هناك معناه الظاهر، وتضميناته الكامنة، وهناك ظلال المعاني التي يكتسبها من خلال الدوال المترادفة أو شبه المترادفة معه، ثم هناك كذلك علاقته بالدوال الأخرى داخل وخارج النص، وهناك عشرات الأبعاد الأخرى للدال في حد ذاته. أما المدلول في حد ذاته، فهو في غاية التركيب. فقد يكون حالة عاطفية، أو حالة عقلية، أو حالة عاطفية عقلية، أو حالة عاطفية أصلها مادي، أو حالة مادية أصلها عاطفي، أو حالة مادية أصلها مادي، أو حالة مأساوية ملهاوية تاريخية رعوية[42].
بهذا المعنى تصبح عملية الربط بين الدال والمدلول عملية محفوفة بالمخاطر، فهي ليست سهلة بالبتة ولا آلية وحتمية، فهي عملية تمر عبر الزمان والمكان الإنسانيين. فالعلاقة بين البنية اللغوية التي ينتمي إليها الدال، والبنية التاريخية أو الاجتماعية التي ينتمي إليها المدلول علاقة مركبة إلى درجة كبيرة. إن مزاوجة الدال بالمدلول حسب عبد الوهاب المسيري اختيار واجتهاد وتحيز[43]، وعملية مزدوجة تتضمن تحيز السياق وتحيز من قام بصياغة هذا المفهوم، ومن هنا فمسوغات هذا التحيز أمران: أولا لأن كل دال متجذر في تشكيل حضاري فريد، له لغته المعجمية والحضارية الفريدة، ولذا فالدال (وحقله الدلالي) مرتبط بسياق حضاري محدد، ويشير إلى ظواهر بعينها دون غيرها. وثانيا لأن الدال بطبيعة الحال لا يشير إلى مدلول خارجي وحسب، وإنما يحتوي أيضا على وجهة نظر من سكه وزاوية رؤيته واجتهاداته[44].
وقد قام عبد الوهاب بتقسيم التحيز إلى عدة أنواع من بينها: التحيز الكلي والتحيز الجزئي، التحيز الواعي والتحيز الكامن، التحيز التلفيقي والتحيز داخل التحيز، والتحيز إلى الحق والتحيز إلى الباطل، بل بلغت مساعيه الاجتهادية في التحيز ذروتها عندما اقترح رفقة عدد من زملائه، فكرة عقد مؤتمر دولي حول إشكالية التحيز في أواخر العقد الثامن من القرن الماضي، وتأسيس علم جديد باسم فقه التحيز له آلياته ومناهجه ومرجعيته الخاصة[45].
ولم يكتف عبد الوهاب المسيري بالتأطير النظري لهذا العلم فقط، بل اجتهد في البحث عن تطبيقاته في واقع العلوم الاجتماعية والإنسانية عندما حاول تتبع وضبط تحيز مجموعة من المفاهيم كالأسرة والتدين والماسونية والصهيونية وعصر النهضة وعصر الاكتشافات والحرب العالمية الأولى والثانية ومعاداة السامية والعلمانية والحروب الصليبية وحركة تحرير المرأة والدفاع عن حقوقها والعقلانية وغيرها[46].
إلا أن تصفحنا لمجموعة من مؤلفات عبد الوهاب المسيري لم تجعلنا نقف على محاولة وافية ومستقلة لدراسة مفهوم الثقافة من منظور معرفي تحيزي، وبالمقابل فكل ما عثرنا عليه هو تعريف للثقافة أوردته سوزان حرفي في كتابها الثقافة والمنهج، والذي هو عبارة عن تجميع لسلسلة الحوارات التي أجراها عبد الوهاب المسيري منذ ستينيات القرن الماضي إلى حدود سنة 2005م مع مجموعة من الصحفيين والإعلاميين والمتخصصين والطلبة والباحثين، في مستهل جوابه عن سؤال مرتبط بطبيعة دور الاستعمار في الغزو الثقافي حيث عرف الثقافة باعتبارها: ذلك المشترك المجتمعي التي يشارك كل أفراد المجتمع في صنعها أو التعبير عنها عبر مدة طويلة من الزمن، أو هي المنظومة العقائدية والقيمية والأخلاقية والسلوكية للمجتمع، فهي التي تشكل خريطته الإدراكية وتحدد مجال إدراكه ووعيه وأنماط الشخصية فيه، الثقافة هي النظارة الملونة التي يرى أفراد المجتمع العالم من خلالها، وهي وعاء هويته ومصدر تماسكه. علاوة على كل هذا تعبر ثقافة المجتمع عن نفسها من خلال منتجاته الحضارية المختلفة، سواء كان الطعام أم الدواء أم الغناء أم الرقص أم وسائل الإنتاج[47].
ومن خلال هذا التعريف نجد أن عبد الوهاب المسيري يربط ضمنيا بين الأبعاد المادية والروحية للثقافة، فهي منتجات المجتمع المادية وهي أيضا جوانبه الروحية الدينية والأخلاقية، فالإنسان بهذه الرؤية التكاملية منتج ونتاج للثقافة، فاعل ومنفعل. إلا أن أخطر وظيفة تملكها الثقافة هي قدرتها على تشكيل خريطة الفرد الإدراكية أو ما يسميه بالنموذج الإدراكي أو المعرفي، أي تلك الصورة التي تحضر في عقل الإنسان ويتصور أنها تعكس الواقع، ومن خلال هذه الصورة يقوم بترتيب المعطيات التي تأتيه، فيهمش البعض ويركز على البعض الآخر[48]. 
وإذا اعتبرنا أن جذور مفهوم الثقافة هي غربية أمكننا الحديث عن تحيز لمفهوم الثقافة بحيث أن هذا المفهوم وعند نقله إلى اللغة العربية نقل النموذج المعرفي الغربي بكل ما يحمله من قيم كامنة مستترة في النماذج المعرفية والوسائل والمناهج البحثية التي توجه الباحث دون أن يشعر معها، وإن شعر بها وجدها لصيقة بالمنهج لدرجة يصعب معه التخلص منها[49]. ويمكن أن نتصور شكل ومضمون الثقافة الغربية إذا علمنا بأن النماذج المعرفية تدور حول ثلاثة عناصر أساسية: الإله والطبيعة والإنسان، ومن خلال الإجابة عن التساؤلات الكلية والنهائية التالية: ما الهدف والغاية من الوجود في الكون؟ هل الإنسان مادة وحسب أم مادة وروح؟ أين يوجد مركز الكون: كامن فيه أم مفارق له؟[50]
ويكشف لنا عبد الوهاب المسيري عن النموذج المعرفي الغربي باعتباره نموذجا ماديا حلوليا واحديا، وأن جوهر الواحدية المادية هو أن تصبح كل المخلوقات خاضعة تماما لنفس القانون المادي الصارم، وأن يسود منطق الأشياء على الأشياء والإنسان، وأن هذا هو نفسه حجر الزاوية في المشروع المعرفي الغربي: ثمة قانون واحد وثقافة واحدة وإنسانية واحدة، ولذا فثمة نموذجا واحدا للتطور[51].
إن حصر عبد الوهاب المسيري لتحيزات الخريطة الإدراكية أو النموذج المعرفي الغربي[52]، سيجعلنا نجتهد معه للكشف عن تحيزات مفهوم الثقافة، والذي نتيجة لذلك ستصبح عناصرها:
- ذات طبيعة واحدية مادية في مقابل جوانبها الروحية واللامادية والإنسانية؛
- ذات طبيعة عامة وموضوعية على حساب ما هو خصوصي وذاتي؛
- ذات طبيعة محسوسة ومحدودة وكمية على حساب جوانبها اللامحدودة وما لا يقاس والكيفي؛
- بسيطة وواحدية متجانسة على حساب جوانبها المركبة والتعددية وغير المتجانسة.
4- نموذج محمود الذاودي: أنسنة الثقافة ومؤشر الرموز الثقافية كأدوات للتحليل الثقافي.
يمثل موضوع تأصيل الثقافة ومحاولة إيجاد نظرية ثقافية خاصة بالمجتمعات العربية والإسلامية الهاجس الأول لعالم الاجتماع التونسي محمود الذاودي. ويعد كتابه "الثقافة بين تأصيل الرؤية الإسلامية واغتراب العلوم الاجتماعية" خلاصة حصاد مختمر لبحث علمي (Basic Research) امتد على مدى عقد ونصف من الزمن (1990-2005)، ومحاولة للمساهمة في بناء أرضية متينة لما يسمى حاليا بعلم الثقافة (culturology)، برؤية نقدية حاول من خلالها إعادة النظر في المفهوم المتداول للثقافة بهدف تحسين حظ هذا العلم في كسب وتعزيز رهان المصداقية العلمية[53]، وبالاعتماد على رؤية معرفية إسلامية أفضت به إلى إنتاج نظرية خاصة تعتبر أن مؤشر الرموز الثقافية مرجعية قوية للتنظير حول الهموم الثقافية في المجتمعات البشرية، وانعكاساتها الميدانية على شخصية الأفراد والهويات الجماعية للشعوب.[54]
فقد لاحظ محمود الذاودي بأن العلوم الاجتماعية والإنسانية الغربية المعاصرة أهملت مؤشر الرموز الثقافية إهمالا شبه كامل في دراستها للظواهر الثقافية والاجتماعية بسبب الإيبستيمولوجيا الوضعية (positivisme) التي لا تعترف بهذه المؤشرات كأدوات للتحليل[55]، وتعمل في مقابل ذلك على تشييء الثقافة بدراستها مثلها مثل بقية الأشياء المادية دون القيام بجهد معرفي جاد للتعرف على الجوانب الخفية التي تتميز بها الرموز الثقافية. وبهذا الإغفال/ الغياب لحضور اللمسات الميتافيزيقية في منظومة الرموز الثقافية تكون العلوم الاجتماعية المعاصرة – رغم ادعائها- بعيدة عن الموضوعية (objectivité)[56].
كما نبه محمود الذاودي إلى أن القلة القليلة من علماء الأنثروبولوجيا والاجتماع هي التي نظرت إلى الجوانب الخفية من الثقافة، إلا أن إشاراتهم مع ذلك كانت نادرة ومبهمة وغامضة، ففي كتاب " مفهوم الثقافة" لوايت ودلينغهام[57] سترد تعريفات للثقافة تعتبرها عنصرا بشريا فوق العضوي (organic - super)، أو أسمى منه كما ذهب إلى ذلك كل من عالم الاجتماع هربرت سبنسر (Herbert Spencer) وعالم الأنثروبولوجيا ألفريد كروبر(Alfred Kroeber)، أو هي تلك الأشياء غير البيولوجية (Non biological things) كما ورد على لسان عالم الأنثروبولوجيا إدوارد تايلور (Edward B.Taylor)، أو هي أشياء غير جسدية (Exrasomatic things) كما سماها عالم الأنثروبولوجيا ليسلي وايت (Leslie White)، أو هي تلك الأشياء الخارجية المتجاوزة لبيولوجيا الإنسان (Suprabiological).[58]
وينطلق محمود الذاودي من مسلمة مفادها أن هوية الإنسان هوية ثنائية: بيولوجية وفيزيولوجية من جهة، ورموزية  ثقافية من جهة أخرى. إلا أن هذا الجانب الأخير يبقى الطرف الأبرز والأكثر حسما في تحديد هوية الإنسان، ومن ثم فهم الإنسان وتحديد المؤثرات على سلوكه بسبب مركزية الرموز الثقافية في تلك الهوية. وهذا التحديد الهوياتي سيفضي بمحمود الذاودي إلى تعريف الإنسان بكونه: كائنا رموزيا ثقافيا بالطبع[59].
وتعتبر نظرية محمود الذاودي المعرفية في الثقافة أن مفهوم الرموز الثقافية يشكل الإطار السوسيولوجي النظري والفكري الذي يسمح بالتعمق في فهم وتفسير طبيعة معالم التخلف الآخر، وبعبارة أخرى يمثل مفهوم الرموز الثقافية مرجعية قوية للتنظير حول الهموم الثقافية في المجتمعات البشرية وانعكاساتها الميدانية على شخصية الأفراد والهويات الجماعية للشعوب. فالإطار الفكري الذي يحمله مفهوم الرموز الثقافية - في اعتقاده - هو تأسيس سوسيولوجي يؤهل بحق الباحثين الاجتماعيين الجادين على التعامل بكفاءة ويتعمق مع أهم ما يمتاز به الجنس البشري ألا وهي الرموز الثقافية.[60]
ويقصد محمود الذاودي بالرموز الثقافية اللمسات الميتافيزيقية أو الجوانب المتعالية (Transcendental) للثقافة ككل معقد يشمل مؤشرات اللغة والفكر والعقيدة والمعرفة/العلم والقوانين والقيم والأعراف الثقافية والأساطير وغيرها[61].
ولشرح مستفيض لما يعنيه باللمسات المتعالية/الميتافيزيقية للرموز الثقافية يورد أربعة خصائص مميزة: 
- أولا: طول أو سرمدية أمد حياة الرموز الثقافية والتي قد إلى تصل إلى درجة الخلود، فاللغة مثلا، وهي أم الرموز الثقافية، ولها قدرة على إطالة أو تخليد حياة الأفراد والجماعات البشرية، ومن ثم فهي مهيأة أكثر من غيرها على حمل ومضات عالم اللامحسوس وفقا للرؤية المعرفية الإسلامية لعالم الرموز الثقافية للإنسان. ويمكن ذكر وتحديد أربعة ملامح في تشخيص الملامح الميتافيزيقية للغة كرمز ثقافي يتميز به الجنس البشري: 
- فالفكر البشري لا يكتب له الاستمرار والخلود الكاملان دون أن تحتضن مضمونه اللغات المكتوبة، فما كان لفكر كل من إخناتون وسقراط وأرسطو وابن رشد والغزالي وابن خلدون وروسو وديكارت وهيوم وغيرهم من المفكرين والعلماء... أن يتمتع بمدى حياة طويلة من البقاء بدون تسجيله في حروف وكلمات اللغات البشرية المتنوعة التي تؤهله لكسب رهان حتى الخلود؛
- أما على مستوى الحفاظ وتخليد التراث الجماعي للمجموعات البشرية، فإن للغات دورا بارزا بهذا الشأن، فاللغات المكتوبة على الخصوص تمكن المجموعات البشرية من تسجيل ذاكرتها الجماعية والمحافظة عليها وتخليدها رغم اندثار وجودها العضوي والبيولوجي ككائنات حية ورغم تغييرها للمكان وعيش أجيالها المتلاحقة في عصور غير عصورها. فمحافظة لغة الضاد محافظة كاملة على النص القرآني خير مثال على مقدرة اللغة التخليدية بالنسبة لحماية الذاكرة والتراث الجماعيين من واقع الفناء المتأثر كثيرا بعوامل الزمن والبيئة والوجود الجسمي العضوي البيولوجي لذات تلك المجموعات البشرية؛
- لقد تحسنت مقدرة الرموز الثقافية على السماح للإنسان بالتمتع بنوع من الخلود بسبب استمرار توالي الاكتشافات التقنية الحديثة في ميدان الإلكترونيات المتقدمة؛ فتسجيل الصوت والصورة الملونة عبر عملية الترميز (codification) يعد مثالا حيا على مقدرة الرموز الثقافية على تخليد الكلمة والصوت والصورة الحية للكائنات الحية والظاهرات الجامدة؛
- لا تقتصر هذه الأبعاد المتعالية/الميتافيزيقية للغة المكتوبة فقط، بل إن الاستعمال الشفوي للغة يقترن هو الآخر بدلالات متعالية/ميتافيزيقية. أفلا يلجأ البشر من كل العقائد والديانات إلى استعمال الكلمة المنطوقة في تأملاتهم الكونية وتضرعاتهم وابتهالاتهم إلى آلهتهم أو إلى أي شيء آخر يعتقدون في أزليته أو قدسيته؟ بتميزه باللغة عن بقية الكائنات يستطيع الإنسان أن يحرر نفسه من العراقيل المادية لهذا العالم ويقيم علاقات وروابط مع العالم المتعالي/الميتافيزيقي. فبالمقدرة اللغوية ينجح بنو البشر في فك حصار المشاغل الدنيوية والآنية. وهكذا يصبح لقاءهم بالبعد الميتافيزيقي في شتى مظاهره أمرا لا مفر منه، فهم يرونه في أحلامهم ويحفل به خيالهم ويلتقون به عن قرب في تجاربهم الدينية على الخصوص[62].
- ثانيا: تملك الرموز الثقافية قوة هائلة تشحن الأفراد والمجموعات بطاقات ماردة كبيرة تمكن أصحابها من الانتصار على أكبر التحديات بكل أصنافها المتعددة، ذلك أن عنفوان هذه الطاقة يستلهمها الإنسان من عالم الرموز الثقافية التي تستمد بدورها قوتها من عالم السماء لا من عالم المحسوسات كما ترى إبستمولوجيا الثقافة الإسلامية. ومن هنا يأتي المدلول الميتافيزيقي لقيم الحرية والعدالة والمساواة كرموز ثقافية قادرة على شحن الأفراد والجماعات بطاقات ماردة جبارة، فمصدر إرادة الشعوب الحقة يكمن في عالم الرموز الثقافية، فعندما يجمع الناس أمرهم للدفاع عن الحرية والمساواة والعدل والاستقلال واحترام الذات وغيرها يصبح رد فعلهم كرد فعل القدر الذي لا مرد له. وهذا ما يفسر لجوء الناس إلى الحديث عن المعجزات في بعض الأحداث الفردية أو الجماعية التي تدخل سجل التاريخ بالرغم من عدم توفر المعطيات المادية لذلك[63].
- ثالثا: الرموز الثقافية لا وزن ولا حجم لها كما هو الأمر في المكونات البيولوجية الفيزيولوجية للكائنات الحية وعالم المادة الجامدة. وهو ما يؤهلها للاتصاف بالأبعاد المتعالية، ويجعل عالمها مختلفا عن كل من العناصر البيولوجية الفيزيولوجية وعالم العناصر المادية، كما يعمل من جهة أخرى على تسهيل عملية نقلها ونشرها عبر المكان والزمان. ينطبق هذا بصورة مجسمة كاملة على استعمال وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، فما يرسل في لمح البصر بهذا الأخير من رسائل ووثائق كان يحتاج في الماضي القريب إلى أيام أو أسابيع أو شهور حتى يصل إلى المرسل إليه بسبب إرساله بالبريد الجوي أو البري أو البحري[64]؛
- رابعا: في مقال نشر له على موقع المركز السوداني للبحث العلمي بتاريخ الخميس 20 يونيو 2013، تحت عنوان: "مقاربة عربية في مركزية الثقافة في هوية الإنسان" أضاف محمود الذاودي خاصية جديدة إلى نظريته في الرموز الثقافية، فالرموز الثقافية لا تتأثر بعملية النقصان عندما نعطي منها للآخرين كما هو الأمر في عناصر عالم المادة، فإعطاء الآخرين خمسين دينارا من رأس مالنا وقنطارا من قمحنا وعمارة من عماراتنا...كلها عمليات تنقص مما هو عندنا من ممتلكات مادية. أما إذا علمنا (منحنا) الآخرين شيئا من معرفتنا وعلمنا وفكرنا وعقيدتنا وقيمنا الثقافية ولغتنا... فإن ذلك لا ينقص شيئا من كل واحد من رموزنا الثقافية هذه.
وتخلص نظرية محمود الذاودي المعرفية في الثقافة إلى أن تميز الإنسان يعود من ناحية إلى الرموز الثقافية باصطلاح العلوم الاجتماعية والإنسانية الحديثة، والى نفخة روح الله في الإنسان من ناحية أخرى كما جاء في القرآن[65]، هذه النفخة مكنته من التميز والسيادة والتفوق على باقي الكائنات في هذا الكون، ومن ثم يمكن الاستنتاج بأن الرموز الثقافية هي جزء من النفخة الروحية الإلهية الثقافية الخاصة التي نفخها الله في آدم. وأن مزج الطين بالنفخة الروحية الإلهية الثقافية في خلق آدم جعل آدم مزدوج الطبيعة: مادة وروح.
وبهذا المعنى تكون الرموز الثقافية حبلى بالعنصر الميتافيزيقي المتعالي(Transcendental) في التركيبة الازدواجية لطبيعة الإنسان.
تمثل هذه الرؤية المعرفية للرموز الثقافية صلب المنظور الإسلامي البديل لتعريف ودراسة ظاهرة الثقافة كعلم مستقل بذاته حسب محمود الذاودي، وهو الإطار الفكري(Paradigme) الرئيس والشرعي الذي ينبغي تأصيل علم اجتماع الثقافة فيه في الوطن العربي والإسلامي بصفة عامة[66].   
خاتمة:
يظهر مما سبق أن مفهوم الثقافة ظل ولا يزال، أسير النظرة الغربية، ولو لبس مسوح الحضارة العربية واكتسب دلالتها، وهذا ما ظهر في إشكال ترجمته العربية، بل وفي انتقال نفس التباسه مع مفهوم الحضارة إلى العالم العربي والإسلامي؛ كل هذا  جعل منه مفهوما ضبابيا متذبذبا مستلبا، يستبطن الرؤية الغربية إن بشكل  ظاهر جلي أو مضمر خفي.
لذا، فإن بعض الجهود النقدية التي أوردنا بعضها لكل من مالك بن نبي، ونصر محمد عارف، وعبد الوهاب المسيري، ومحمود الذاودي تعتبر جهودا رائدة قامت بدور مضاعف:
الأول هو مساءلة المفهوم نقديا كما هو مستعمل حاليا، ومحاولة استنباته في البيئة العربية الإسلامية، بتخليصه من كل شوائب الترجمة والتبعية للفكر الغربي، اصطلاحا وأسلوبَ نظر. بإبداع تصورات جديدة لمفهوم الثقافة تستدمج الخصوصيات الحضارية للفكر الإسلامي؛
والثاني، هو تفعيل مفهوم الثقافة ضمن رؤية شاملة متوازنة كأفق للبناء الحضاري، بفتحه على أبعاد الفعل الإنساني؛ فالمشترك بين المبدعين الأربعة، هو أن الثقافة بمفهومها الحضاري الجديد، عنصر أساس للنهوض المنشود، ومنطلق للإبداع الإنساني. بهذا يصبح أي حديث عن الثقافة العربية والإسلامية، في قلب كل نقاش حول قضايا النهوض والتجديد الحضاري.
كما أشير أخيرا أنني بصدد الاشتغال على صياغة وبناء مفهوم عملي جديد للثقافة يستفيد من كل التراكمات النظرية والنقدية السابقة، ويستجيب لحاجات مجتمع الإعلام الذي أصبحنا نعيشه، إذ يستحضر العلاقة الجدلية التي أصبحت تربط بين الثقافة ووسائل الإعلام من جهة، ودور الإعلام التنموي الذي يستهدف التغيير الاجتماعي والحضاري من جهة أخرى، وذلك من خلال اجتهادي في إبداع مجموعة من المؤشرات الثقافية  التي سأعمل على نشرها في دراسة مقبلة إن شاء الله.  



[1]  باحث مغربي، يعد أطروحة دكتوراه حول التحولات الثقافية في مجتمع الإعلام.
[2] شروط النهضة، مالك بن نبي، دار الفكر، الطبعة الرابعة(معادة)، دمشق، 2000م، ص.50.
[3] مشكلة الثقافة، مالك بن نبي، دار الفكر، الطبعة الخامسة عشرة، دمشق، 2011م، ص. 101.
[4] شروط النهضة، مالك بن نبي، ص.108.
[5] شروط النهضة، مالك بن نبي، ص. 85-86.
[6] مالك بن نبي ومشكلات الحضارة: دراسة تحليلية ونقدية، زكي ميلاد، دار الفكر، الطبعة الأولى، دمشق، 1998م، ص. 96.
[7]  التخلف والتنمية في فكر مالك بن نبي، الطاهر سعود، سلسلة فلسفة الدين والكلام الجديد، دار الهدى، الطبعة الأولى، بغداد، العراق، 2006م، ص. 211.
[8]  مشكلة الثقافة، مالك بن نبي، ص.11.
[9]  نفس المرجع السابق، ص. 29.
[10] نفس المرجع السابق، ص. 72-73.
[11] شروط النهضة، مالك بن نبي، ص.56.
[12] نفس المرجع السابق، ص. 74.
[13] تأملات، مالك بن نبي، دار الفكر، طبعة معادة للطبعة الأولى 1979م، دمشق، 2002م، ص. 147.
[14] مجالس دمشق، مالك بن نبي، دار الفكر، ط2، دمشق، 2005م، ص. 106.
[15] شروط النهضة، مالك بن نبي، ص. 89.
[16] مشكلة الثقافة، مالك بن نبي، ص. 74.
[17] شروط النهضة، مالك بن نبي، ص. 93.
[18] القضايا الكبرى، مالك بن نبي، دار الفكر، الطبعة الأولى، دمشق، 1991م، ص.89.
[19] نفس المرجع السابق، ص. 111.
[20] شروط النهضة، مالك بن نبي، ص. 156.
[21] في مهب المعركة، مالك بن نبي، دار الفكر المعاصر، الطبعة الثالثة، دمشق، 1981م، ص.129.
[22] نفس المرجع السابق، ص. 129.
[23] بين الرشاد والتيه، مالك بن نبي، دار الفكر المعاصر، الطبعة الثانية، دمشق، 1988م، ص.130.
[24] شروط النهضة، مالك بن نبي، ص. 117.
[25] تأملات، مالك بن نبي، ص. 129.
[26] مجالس دمشق، مالك بن نبي، ص. 103.
[27] نفس المرجع السابق، ص. 105.
[28] نفس المرجع السابق، ص. 69.
[29] مجالس دمشق، مالك بن نبي، ص. 109.
[30] تأملات، مالك بن نبي، ص. 148.
[31] مجالس دمشق، مالك بن نبي، ص. 110.
[32] والصحيح أن لفظة "ثقافة" وردت بمعان لغوية مختلفة في ستة مواضع في مقدمة ابن خلدون ذكرناها سابقا، وقد عمل مالك بن نبي على تدارك هذا الأمر جزئيا وبشكل غير دقيق لاحقا قي كتابه: مجالس دمشق، المؤلف سنة 1972م والصادر في طبعته الأولى سنة 2005م، في الصفحة الرابعة والتسعين حيث ذكر أنها وردت مرتين أو ثلاثا.  
[33] مشكلة الثقافة، مالك بن نبي، ص. 24-25.
[34] الحضارة -الثقافة – المدنية: دراسة لسيرة المصطلح ودلالة المفهوم، نصر محمد عارف، ص.26-27.
[35] نفس المرجع السابق، ص. 27.
[36] نفس المرجع السابق، ص. 30.
[37] نفس المرجع السابق، ص. 63-64.
[38] نفس المرجع السابق، ص. 31-33
[39] حوارات مع الدكتور عبد الوهاب المسيري: الثقافة والمنهج، سوزان حرفي، دار الفكر، الطبعة الثانية، دمشق، 2010م، ص. 335-336.
[40] نفس المرجع السابق، ص. 337.
[41] نفس المرجع السابق، ص. 339-340.
[42] اللغة والمجاز: بين التوحيد ووحدة الوجود، عبد الوهاب المسيري، دار الشروق، الطبعة الأولى، القاهرة، 2002م، ص. 194.
[43] نفس المرجع السابق، ص. 194-195.
[44] حوارات مع الدكتور عبد الوهاب المسيري: الثقافة والمنهج، سوزان حرفي، ص. 338.
[45] عقد هذا المؤتمر في القاهرة بتاريخ 19-21 فبراير 1992م، وذلك تحت إشراف المعهد العالمي للفكر الإسلامي ونقابة المهندسين بمصر. وقد توصل المسيري بعد المؤتمر بأبحاث جديدة قرر أن ينشرها عام 1993م في كتاب من جزأين ضخمين صدر عن نقابة المهندسين بالقاهرة، ثم صدر عام 1995م عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي ونقابة المهندسين بعنوان: "إشكالية التحيز". ثم أعيد نشر الكتاب في طبعتين: طبعة ثانية عام 1417ﻫ-1996م (منقحة ومزيدة)، وطبعة ثالثة عام 1418ﻫ-1998م في سبعة أجزاء حملت عنوان "إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد".
[46] اللغة والمجاز: بين التوحيد ووحدة الوجود، عبد الوهاب المسيري، ص. 197-211.
[47] حوارات مع الدكتور عبد الوهاب المسيري: الثقافة والمنهج، سوزان حرفي، ص. 179.
[48] نفس المرجع السابق، ص. 263.
[49] رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمر، عبد الوهاب المسيري، سلسلة مطبوعات الهيئة العامة لقصور الثقافة، العدد 74، القاهرة، 2002م، ص. 348.
[50] حوارات مع الدكتور عبد الوهاب المسيري: الثقافة والمنهج، سوزان حرفي، ص.277.
[51] نفس المرجع السابق، ص. 348-349.
[52] نفس المرجع السابق، ص. 349.
[53] أضواء جديدة على طبيعة الثقافة في الرؤية المعرفية الإسلامية، محمود الذاودي، مجلة إسلامية المعرفة، العدد 42-43، السنة الحادية عشر، بيروت، لبنان، شتاء1427ه/2006م، ص. 128-129.
[54] الثقافة بين تأصيل الرؤية الإسلامية واغتراب منظور العلوم الاجتماعية، محمود الذاودي، ص. 267.
[55] نفس المرجع السابق، ص. 260
[56] أضواء جديدة على طبيعة الثقافة في الرؤية المعرفية الإسلامية، محمود الذاودي، ص. 132.
[57] White, L, A, Dillingham, The concept of culture, Edina Alpha Editions, A.Division of Burgess International Group, 1974, p. 69.
[58]  أضواء جديدة على طبيعة الثقافة في الرؤية المعرفية الإسلامية، محمود الذاودي، ص. 131.
[59]  نفس المرجع السابق، ص. 147.
[60]  الثقافة بين تأصيل الرؤية الإسلامية واغتراب منظور العلوم الاجتماعية، محمود الذاودي، ص. 267.
[61]  نفس المرجع السابق، ص. 259.
[62]  أضواء جديدة على طبيعة الثقافة في الرؤية المعرفية الإسلامية، محمود الذاودي، ص. 140-143.
[63]  نفس المرجع السابق، ص. 147-148.
[64]  الثقافة بين تأصيل الرؤية الإسلامية واغتراب منظور العلوم الاجتماعية، محمود الذاودي، ص. 93-94.
[65] يورد الباحث تميز الجنس البشري عن باقي الكائنات الأخرى، وسجود الملائكة لآدم وخلافته لله في الأرض إلى نفخ روح الله في الإنسان (آدم)، ويستشهد بورود ذلك ثلاث مرات في القرآن الكريم: " فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين." [سورةالحجر: الآية 29]، "ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ" [سورة السجدة: الآية 9]، "فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ." [سورة ص: الآية 72]. كما استدل على سيادة الإنسان في هذا الكون بقوله تعالى: "ِإنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا." [سورة الأحزاب: الآية 72].
[66] أضواء جديدة على طبيعة الثقافة في الرؤية المعرفية الإسلامية، محمود الذاودي، ص. 149.


----

مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..