تميزت
الشخصية المصرية علي مر عصور طويلة بسمات كانت أقرب إلي الثبات ولذلك
يعتبرها العلماء سمات أصيلة. فالمصري تميز بكونه: ذكيا, متدينا,
طيبا, فنانا, ساخرا, عاشقا للاستقرار, وكان هذا يشكل الخريطة
الأساسية للشخصية المصرية في وعي المصريين ووعي غيرهم, وقد أدي إلي
الثبات النسبي لهذه السمات, ارتباطها بعوامل جغرافية ومناخية مستقرة
نسبيا. وقد حدثت تحولات نوعية في بعض السمات وتحولات نسبية في سمات
أخري.
فمثلا استخدم البعض ذكاءه في الفهلوة, وتعددت صور التدين بعضها أصيل
وبعضها غير ذلك, وقلت درجة الطيبة وحل محلها بعض الميول العنيفة أو
العدوانية الظاهرة أوالخفية, وتأثر الجانب الفني في الشخصية تحت ضغط
التلوث والعشوائيات, وزادت حدة السخرية وأصبحت لاذعة قاسية أكثر من ذي
قبل وأحيانا متحدية فجة جارحة, أما عشق المصري للاستقرار فقد اهتز كثيرا
بعدما أصبحت البيئة المصرية طاردة نحو الخارج بحيث أصبح حلم كثير من الشباب
السفر إلي أي مكان لتحقيق أهدافه بعد أن أصبح متعذرا تحقيق الآمال
والأحلام علي أرض الوطن.كما أصبحت التعبيرات الشبابية منتشرة في المجتمع
المصري كله وتبين أن لغة المال والحرفيين هي السائدة الآن في ظل غياب كامل
للطبقة الوسطي المصرية, كما نجد عددا كبيرا من المصطلحات المصرية التي
برزت خلال هذه الفترة لتعكس فكرة البحث السريع عن الثراء الذي أوجدته فترة
الطفرة البترولية في الخليج وصعود طبقة جديدة من الأثرياء لا يمتلكون
الثقافة وإن امتلكوا المال. بعض هذه المصطلحات دخلت إلي حياتنا اليومية
عبر التليفزيون والإذاعة والسينما والفيديو والصحف. بحيث نجد أن أغلب هذه
المصطلحات التي تمثل ذوق هذه الفئة يسود في العادات وممارسات الحياة
اليومية.
وفي بحث للدكتورة عزة عزت ـ أستاذ الإعلام ـ بعنوان’ التحولات في الشخصية المصرية’ والذي نجد به رصدا دقيقا للتحولات علي الشخصية المصرية خلال الثلاثين عاما الأخيرة تقول د. عزة إنه وفقا لمجريات التحول علي الساحة المصرية خلال الثلاثين عاما الماضية عبرت العامية المصرية عن الفساد والإفساد والإدمان والنفوذ والسلطة واستغلالها وعن القهر والبطش والتمييز بالنسبة لوضيعي الأصل وعن الركاكة وعدم الإتقان وعما انحدر إليه حال القيم الأصيلة أو ما يسميه المنظرون’ انقلاب القيم’ كذلك الوساطة والمحسوبية والانتهازية والفوضي والتسيب والسلبية. عملت د.عزة عزت علي دراسة تحولات الشخصية من خلال الأمثال الشعبية بوصفها تراثا مصريا خالصا, فهي تعكس بوضوح ملامح الشخصية المصرية. وقد جاءت بداية دراسة هذه الأمثال عن تجربة شخصية, فبعد سفر الكاتبة وغيابها عن مصر, وجدت نفسها مصدومة من بعض السلوكيات التي وجدتها في التعاملات اليومية وتصرفاتهم وشعرت بهذه التغيرات. حيث وجدت أن هذه التغيرات لم تكتف بلغة الأمثال وسلوكيات الناس, بل امتدت لتشمل لغة الشارع واتجاهها السلبي, حيث صارت هذه اللغة هي المرآة التي تعكس السلوك الآني وإفرازات هذه المرحلة وقيمها, وبناء علي هذا قررت دراسة التحولات في الشخصية المصرية.و اكتشفت أن لهجتنا العامية جميلة ذات إمكانات وتراث ولها قدراتها الاشتقاقية وقواعدها الجمالية الخاصة بها, وبها النحت اللفظي, حتي إن الكلمة العامية الواحدة يشتق الشباب منها مفردات وتصرفات تناسبهم مثل كلمة’ روش’ واشتقاقاتها المختلفة:’ روشنة’ و’رواشة’ وكأنه جذر لغوي يقبل التصريف. وتكشف د. عزة لنا في كتابها أن لغة الشباب المستحدثة ليست بظاهرة فكان الشباب في الستينيات يبتكرون أيضا ولهم مصطلحاتهم التي كانت خاصة بهم, تعبيرات الشباب نفسها جديدة لكن فكرتها ذات جذور.فمثلا لغة شباب الستينيات كانت في تعبيرات مثل:’ راكب الموجة’,’ خدنا جنبك’,’ ياعم خدنا علي جناحك’,’ خليني في الصورة’, وهكذا.أما الآن فقد أخذت التعبيرات الشبابية أشكالا تافهة وموضوعات أخري تعكس ذوق العصر الحالي, إضافة إلي أن جيل الستينيات كان يشهد تحولا حادا من حالة إلي حالة, وظهرت أفكار النفوذ والسلطة وأهل الثقة, فكانت معظم تعبيرات هذا الجيل ذات مدلول سياسي أكثر من كونها ذات مدولات تافهة مثلما يحدث الآن, لكنها كانت تظهر ما ينتقده هذا الجيل من أحوال لاترضيه من محسوبية وخلافه, مثل كلمات’ امشي مع الرايجة’ و’ركب الموجة’ والحنجوري كالاتحاد الاشتراكي وخلافه.
والفارق الذي يمكن اعتماده أساسيا بين تلك المدلولات السياسية والتعبيرات الحالية أن هذه المفردات الحديثة تفرز قيما في معظمها سلبية, فالشعب المصري الذي كان يقول تعبيرات مثل:’ اتودك في الصنعة’, و’صوابعه تتلف في حرير’ بما يعكس تقديسا لقيمة العمل اليدوي, ومثلها’ شغله ما يخرش الميه’ وأشياء أخري من هذا القبيل, ويسخر في الوقت نفسه من ركاكة الصنعة وضعف المهارة بعبارات مثل’ سلق بيض’و’مش ولابد’ أصبحت المستحدثات الجديدة تتبني سياسة’ سقع وبيع’ و’اقلب وقلب’ و’هات م الآخر’. وهذا التغيير لم يقتصر علي المهنة وإتقانها فقط ولكن امتد حتي للتفاهم والكلام, والإفساد والتخريب.
تقول د. عزة: إن الأقوال المستحدثة قصيرة جدا فكلمة واحدة تلخص وضعا كاملا فمثلا كلمة’ كوسة’ التي تعني المحسوبية وتلخص الوصف كله, ومثلها كلمة’ طبيخ’ بما تعكسه من فساد ومثلها’ الطبخة فاحت’ وغيرها.. وهي عبارات تتناول بالفعل الظواهر الموجودة في المجتمع وتعبر عنه وعن سمات الشخصية المصرية, فالفهلوة مثلا أصيلة لكنها زادت لتصل إلي مستوي النصب وتحولت من الفكرة اللطيفة للتحايل المحفوف بظرف مصري لتصبح نصبا كاملا, ومثلها مثل كلمات السلطة والنفوذ التي صارت صادمة مثلما نجد في’ وراه ناس تاكل الزلط’ و’ معندوش يامه ارحميني’ و’ مانتش قده’.. وغيرها, مثل’ دراعه اليمين’ و’إيده اللي بيضرب بيها’, وهو مفهوم خطير إذ يعكس صورة واقعية بأن لكل شخص مجموعة تنفذ له حساباته بمنطق الراجل بتاعه وغيرها وكلها تعطي خلاصة لما هو واقع.
وتري د. عزة أن الفارق بين الأمثال الشعبية القديمة والأمثال المستحدثة أن الأمثال الحالية لاتستنكر مثل الأمثال القديمة التي تتضمن سخرية من المواقف السلبية, لكنها تكاد تحث علي السلبية’ غش تجيب مجموع’ و’ أبجني تجدني’ و’ اظرفني تعرفني’, وهو لايستنكر الرشوة بل يحث عليها بمنطق الدفع و’إديها مية تديك طراوة’ وبالتالي صار المزاج الشعبي لايستنكر السلوكيات المستهجنة بل في أحيان كثيرة يحرض علي هذه السلوكيات والحالتان أسوأ من بعضهما, فموقفك السلبي الذي يكتفي بالرصد سيء أو أنك تحرض عليه وهذه كارثة. وتذكر د.عزة عزت في كتابها أن التعبيرات الجديدة تتناول كل الأمور,القهر والبطش, والفساد والفوضي والمحسوبية ونهب المال العام والتهديد والوعيد والشغب والطرد والمشاكل والهروب والتخلي ولغة المال السائدة وحالة الإفلاس والبطالة. وقد تأثرت لهجتنا المصرية بهذه التعبيرات, فلا يمكن لنا أن ننكر أن لهجتنا المصرية بها الآن قدر كبير من السوقية علي الرغم من الجماليات الكثيرة التي تمتلكها هذه اللهجة الثرية المعطاءة لكن كان بها مستوي راق, لانقول كل اللهجة, بل كانت هناك عاميات مثل عامية الصالونات وعامية المثقفين وعامية السوقة وغيرها, وللأسف الشديد المرحلة التي نعيشها قلبت الأمور, وجعلت عامية السوقة هي الغالبة وهي العامية فقد كانت لغة خاصة بالحرفيين والمهنيين لكنها صارت اللغة السائدة, في أفضل حالاتها صارت لهجة الكرة, لكن غالبيتها لغة الحرفيين كالسباكين أو لغة المدمنين.
وتعلل د.عزة ذلك بأننا الآن نعيش فعلا في عصر السوقة, حتي إن الطبقة الأرستقراطية التي تملك المال ليس لها أصول أرستقراطية أصيلة يمكن لها أن تحتكم إليها فلا, نجد في أصولهم مثلا جذورا ميراثية أم علمية أم وظيفية مثل العصور السابقة, أي أن معظمهم ليسوا أولاد أصول, بل إنهم سوقة فرضوا ذوقهم في الفن وفي كل شيء, وبالتالي فرضوا علينا لغتهم ومع الأسف نحن انسحقنا فالطبقة الوسطي المنسحقة التي كانت حائط الصد صارت تستخدم نفس اللغة والطبقات العليا تتعامل مع الأمر من باب الظرف والفكاهة, ولهذا, فالسبب الاقتصادي واضح, إضافة إلي انسحاق الطبقة الوسطي حاملة القيم والثقافة.
وتتساءل د. عزة من أين يستقي الناس ثقافاتهم الآن؟ الجرائد والدش والفضائيات, وبالتالي انمحي المناخ الثقافي, فهل يعقل أن يكون مفهوم الثلاثية التي نعرفها لنجيب محفوظ صار الآن في عرف الشباب’ طنش.. تعيش.. تنتعش’..!! ؟ نحن في كارثة, تنسحب علي كل شيء. إننا نهدم قيما أصيلة لنحل محلها لا شيء, قديما كنا نخاف مثلا من الغزو الفكري للوجودية أو الشيوعية, لكن المشكلة أننا الآن ننزع فكرا وقيما وتراثا ونحل مكانها كلاما فارغا.
وتتوقع الكاتبة ألا يستمر الجيل نفسه لمدة25 عاما مثل القديم, لكن النهاية ستكون بعد فترة بحيث لايذكر منا سوي ما يعكس القيم السلبية وستعرف مرحلتنا بأنها هي التي أفرزت هذه القيم*
نقلا عن جريدة الأهرام العربي
د.عزة عزت أستاذ الإعلام ترصد30 عاما من التحول في الشخصية المصرية
غياب الطبقة الوسطي.. وطغيـــان التفاهة!
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
وفي بحث للدكتورة عزة عزت ـ أستاذ الإعلام ـ بعنوان’ التحولات في الشخصية المصرية’ والذي نجد به رصدا دقيقا للتحولات علي الشخصية المصرية خلال الثلاثين عاما الأخيرة تقول د. عزة إنه وفقا لمجريات التحول علي الساحة المصرية خلال الثلاثين عاما الماضية عبرت العامية المصرية عن الفساد والإفساد والإدمان والنفوذ والسلطة واستغلالها وعن القهر والبطش والتمييز بالنسبة لوضيعي الأصل وعن الركاكة وعدم الإتقان وعما انحدر إليه حال القيم الأصيلة أو ما يسميه المنظرون’ انقلاب القيم’ كذلك الوساطة والمحسوبية والانتهازية والفوضي والتسيب والسلبية. عملت د.عزة عزت علي دراسة تحولات الشخصية من خلال الأمثال الشعبية بوصفها تراثا مصريا خالصا, فهي تعكس بوضوح ملامح الشخصية المصرية. وقد جاءت بداية دراسة هذه الأمثال عن تجربة شخصية, فبعد سفر الكاتبة وغيابها عن مصر, وجدت نفسها مصدومة من بعض السلوكيات التي وجدتها في التعاملات اليومية وتصرفاتهم وشعرت بهذه التغيرات. حيث وجدت أن هذه التغيرات لم تكتف بلغة الأمثال وسلوكيات الناس, بل امتدت لتشمل لغة الشارع واتجاهها السلبي, حيث صارت هذه اللغة هي المرآة التي تعكس السلوك الآني وإفرازات هذه المرحلة وقيمها, وبناء علي هذا قررت دراسة التحولات في الشخصية المصرية.و اكتشفت أن لهجتنا العامية جميلة ذات إمكانات وتراث ولها قدراتها الاشتقاقية وقواعدها الجمالية الخاصة بها, وبها النحت اللفظي, حتي إن الكلمة العامية الواحدة يشتق الشباب منها مفردات وتصرفات تناسبهم مثل كلمة’ روش’ واشتقاقاتها المختلفة:’ روشنة’ و’رواشة’ وكأنه جذر لغوي يقبل التصريف. وتكشف د. عزة لنا في كتابها أن لغة الشباب المستحدثة ليست بظاهرة فكان الشباب في الستينيات يبتكرون أيضا ولهم مصطلحاتهم التي كانت خاصة بهم, تعبيرات الشباب نفسها جديدة لكن فكرتها ذات جذور.فمثلا لغة شباب الستينيات كانت في تعبيرات مثل:’ راكب الموجة’,’ خدنا جنبك’,’ ياعم خدنا علي جناحك’,’ خليني في الصورة’, وهكذا.أما الآن فقد أخذت التعبيرات الشبابية أشكالا تافهة وموضوعات أخري تعكس ذوق العصر الحالي, إضافة إلي أن جيل الستينيات كان يشهد تحولا حادا من حالة إلي حالة, وظهرت أفكار النفوذ والسلطة وأهل الثقة, فكانت معظم تعبيرات هذا الجيل ذات مدلول سياسي أكثر من كونها ذات مدولات تافهة مثلما يحدث الآن, لكنها كانت تظهر ما ينتقده هذا الجيل من أحوال لاترضيه من محسوبية وخلافه, مثل كلمات’ امشي مع الرايجة’ و’ركب الموجة’ والحنجوري كالاتحاد الاشتراكي وخلافه.
والفارق الذي يمكن اعتماده أساسيا بين تلك المدلولات السياسية والتعبيرات الحالية أن هذه المفردات الحديثة تفرز قيما في معظمها سلبية, فالشعب المصري الذي كان يقول تعبيرات مثل:’ اتودك في الصنعة’, و’صوابعه تتلف في حرير’ بما يعكس تقديسا لقيمة العمل اليدوي, ومثلها’ شغله ما يخرش الميه’ وأشياء أخري من هذا القبيل, ويسخر في الوقت نفسه من ركاكة الصنعة وضعف المهارة بعبارات مثل’ سلق بيض’و’مش ولابد’ أصبحت المستحدثات الجديدة تتبني سياسة’ سقع وبيع’ و’اقلب وقلب’ و’هات م الآخر’. وهذا التغيير لم يقتصر علي المهنة وإتقانها فقط ولكن امتد حتي للتفاهم والكلام, والإفساد والتخريب.
تقول د. عزة: إن الأقوال المستحدثة قصيرة جدا فكلمة واحدة تلخص وضعا كاملا فمثلا كلمة’ كوسة’ التي تعني المحسوبية وتلخص الوصف كله, ومثلها كلمة’ طبيخ’ بما تعكسه من فساد ومثلها’ الطبخة فاحت’ وغيرها.. وهي عبارات تتناول بالفعل الظواهر الموجودة في المجتمع وتعبر عنه وعن سمات الشخصية المصرية, فالفهلوة مثلا أصيلة لكنها زادت لتصل إلي مستوي النصب وتحولت من الفكرة اللطيفة للتحايل المحفوف بظرف مصري لتصبح نصبا كاملا, ومثلها مثل كلمات السلطة والنفوذ التي صارت صادمة مثلما نجد في’ وراه ناس تاكل الزلط’ و’ معندوش يامه ارحميني’ و’ مانتش قده’.. وغيرها, مثل’ دراعه اليمين’ و’إيده اللي بيضرب بيها’, وهو مفهوم خطير إذ يعكس صورة واقعية بأن لكل شخص مجموعة تنفذ له حساباته بمنطق الراجل بتاعه وغيرها وكلها تعطي خلاصة لما هو واقع.
وتري د. عزة أن الفارق بين الأمثال الشعبية القديمة والأمثال المستحدثة أن الأمثال الحالية لاتستنكر مثل الأمثال القديمة التي تتضمن سخرية من المواقف السلبية, لكنها تكاد تحث علي السلبية’ غش تجيب مجموع’ و’ أبجني تجدني’ و’ اظرفني تعرفني’, وهو لايستنكر الرشوة بل يحث عليها بمنطق الدفع و’إديها مية تديك طراوة’ وبالتالي صار المزاج الشعبي لايستنكر السلوكيات المستهجنة بل في أحيان كثيرة يحرض علي هذه السلوكيات والحالتان أسوأ من بعضهما, فموقفك السلبي الذي يكتفي بالرصد سيء أو أنك تحرض عليه وهذه كارثة. وتذكر د.عزة عزت في كتابها أن التعبيرات الجديدة تتناول كل الأمور,القهر والبطش, والفساد والفوضي والمحسوبية ونهب المال العام والتهديد والوعيد والشغب والطرد والمشاكل والهروب والتخلي ولغة المال السائدة وحالة الإفلاس والبطالة. وقد تأثرت لهجتنا المصرية بهذه التعبيرات, فلا يمكن لنا أن ننكر أن لهجتنا المصرية بها الآن قدر كبير من السوقية علي الرغم من الجماليات الكثيرة التي تمتلكها هذه اللهجة الثرية المعطاءة لكن كان بها مستوي راق, لانقول كل اللهجة, بل كانت هناك عاميات مثل عامية الصالونات وعامية المثقفين وعامية السوقة وغيرها, وللأسف الشديد المرحلة التي نعيشها قلبت الأمور, وجعلت عامية السوقة هي الغالبة وهي العامية فقد كانت لغة خاصة بالحرفيين والمهنيين لكنها صارت اللغة السائدة, في أفضل حالاتها صارت لهجة الكرة, لكن غالبيتها لغة الحرفيين كالسباكين أو لغة المدمنين.
وتعلل د.عزة ذلك بأننا الآن نعيش فعلا في عصر السوقة, حتي إن الطبقة الأرستقراطية التي تملك المال ليس لها أصول أرستقراطية أصيلة يمكن لها أن تحتكم إليها فلا, نجد في أصولهم مثلا جذورا ميراثية أم علمية أم وظيفية مثل العصور السابقة, أي أن معظمهم ليسوا أولاد أصول, بل إنهم سوقة فرضوا ذوقهم في الفن وفي كل شيء, وبالتالي فرضوا علينا لغتهم ومع الأسف نحن انسحقنا فالطبقة الوسطي المنسحقة التي كانت حائط الصد صارت تستخدم نفس اللغة والطبقات العليا تتعامل مع الأمر من باب الظرف والفكاهة, ولهذا, فالسبب الاقتصادي واضح, إضافة إلي انسحاق الطبقة الوسطي حاملة القيم والثقافة.
وتتساءل د. عزة من أين يستقي الناس ثقافاتهم الآن؟ الجرائد والدش والفضائيات, وبالتالي انمحي المناخ الثقافي, فهل يعقل أن يكون مفهوم الثلاثية التي نعرفها لنجيب محفوظ صار الآن في عرف الشباب’ طنش.. تعيش.. تنتعش’..!! ؟ نحن في كارثة, تنسحب علي كل شيء. إننا نهدم قيما أصيلة لنحل محلها لا شيء, قديما كنا نخاف مثلا من الغزو الفكري للوجودية أو الشيوعية, لكن المشكلة أننا الآن ننزع فكرا وقيما وتراثا ونحل مكانها كلاما فارغا.
وتتوقع الكاتبة ألا يستمر الجيل نفسه لمدة25 عاما مثل القديم, لكن النهاية ستكون بعد فترة بحيث لايذكر منا سوي ما يعكس القيم السلبية وستعرف مرحلتنا بأنها هي التي أفرزت هذه القيم*
5 نوفمبر 2011
د.عزة عزت أستاذ الإعلام ترصد30 عاما من التحول في الشخصية المصرية
غياب الطبقة الوسطي.. وطغيـــان التفاهة!
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..