فجر المخرج الأردني، نبيل الخطيب، مفاجأة كبيرة، بإعلانه رفض دعوة الشاعر السوري أدونيس، لحضور
مسرحيته "مولانا"، التي عرضت على مسرح الحسين الثقافي في عمّان، وفي مسارح أخرى بطبيعة الحال.
ويعود سبب رفض المخرج دعوة أدونيس لحضور مسرحيته إلى موقف الشاعر المضاد للثورة السورية، حيث كان أدونيس من أول يوم في الثورة السورية، يناصبها العداء، ويهاجمها في المحافل الثقافية العالمية والإقليمية.
الشاعر السوري أدونيس
واعتبر المخرج الأردني أن مواقف أدونيس ضد الثورة السورية وانحيازه للنظام، جعلته مرفوضاً من قبل كل أنصار الحرية والتغيير لدى النخب العربية، خصوصاً أن أدونيس استعمل حضوره الدولي وشهرته العالمية لتلميع صورة النظام السوري، وتقديمه للغرب كمحارب لـ"الإرهاب" الذي لطالما ركز عليه أدونيس كثيراً، كما قال من أول أيامها إنها خرجت من المساجد، وبالتالي هي لا تمثله، على حد تعبيره.
وبسبب توازي موعد أمسية أدونيس في عمان مع موعد عرض مسرحية مولانا، فإن المخرج شكر الحاضرين، بعد نهاية المسرحية، معتبراً حضورهم العمل رفضاً لحضور أمسية أدونيس، كون الأخيرة تسبق عرضة مسرحيته بساعة واحدة فقط.
إلا أن هذا لا يعني أنه لم تكن هناك وجهات نظر مختلفة حول الموضوع. لكن المخرج الأردني اعتبر أن موقفه من أدونيس ليس شخصياً، بل هو رفض لمواقف الأخير من تلميع النظام الذي قتل مئات آلاف السوريين.

اللحية السورية لا تُطرِب شاعر الحداثة

يجمع المثقفون على أن من حق الشاعر أن ينتمي أو لا ينتمي لأي ثورة بحكم طبيعة الأدب، التي تعلي الشأن الذاتي على الموضوعي في كثير من المواقف. لكن في ما يخص مواقف الشاعر السوري أدونيس فإن ثمة أسئلة يمكن طرحها على حقيقة ادعاءاته من عدم انتمائه لثورة خرجت من المساجد، كما قال ويقول، حيث تناقض الشاعر ظاهرا في ما ذهب إليه، عندما كان من أشرس مؤيدي الثورة الإيرانية الخمينية، التي كتب فيها المقالات والقصائد، ولم يخفِ إعجابه بها في أي مناسبة.
فكيف كان مؤيداً للخميني ومادحاً له وللثورة الإيرانية "الدينية"، ورافضاً للخارجين من المساجد في الثورة السورية؟ أم أنه يميز بين اللحى، كما لو أنه يتسوق في متجر أيديولوجي متخصص بالتوصيل إلى المنازل!
على الأقل، فإن الثورة السورية متنوعة، ولها أكثر من شكل سياسي، وتنتمي إليها نخب مختلفة المشارب. كما أنها تمثل مزيجاً ما بين الديني والعلماني، وغيرهما. على عكس الثورة الخمينية التي لا تمثل إلا الجانب الديني الصرف، فضلاً عن أنها تناصب العداء للعرب في كل مصالحهم.
فكيف انحاز أدونيس للخميني ودبج فيه المقالات والمدائح، ثم خرج كالشعرة من العجينة من تهمة الانحياز للثورة السورية، بصفته علمانياً ترعرع بين يدي المفكر اللبناني، أنطون سعادة، في النصف الأول من القرن الماضي، لينتهي بين يدي مفجر الثورة الدينية الإيرانية، في ثمانينيات القرن الماضي، ويشكل مزيجاً فريداً من التناقض والتدليس الفكري، الذي رأى في الخميني فولتيراً فارسياً. أما مفجرو الثورة السورية، فهم مجرد خارجين من المساجد مع أن بعضهم اشتهر بعلمانيته، كخصمه اللدود المفكر صادق جلال العظم؟!

المالكي يفضح علمانية بشار

تنصل أدونيس من المأساة السورية، وازدراؤه لآلام الملايين من ضحاياها، موتاً أو تيتماً أو لجوءاً أو نزوحاً أو مرضاً أو عجزاً أو جوعاً، تكشف بما لا يدع مجالاً للشك، انتهازية المثقف، في حد أدنى، هذا إذا لم تكشف، في الأصل، عيباً خلقياً في الأساس الثقافي له، عندما يحتمي وراء نظام سياسي، لا يمكن بحال من الأحوال اعتباره علمانياً أو قومياً، وآخر الأدلة تحوّل الحدود السورية العراقية، منذ سقوط صدام حسين، إلى بيئة حاضنة للإرهاب، تسهّل وتدرب وتمول وتغطي كل المسلحين الذين دخلوا أرض العراق من البوابة السورية.
وعندما انقلب السحر على الساحر، أصبح بشار الأسد لينين السوري أو ماركس البعث الذي لا يطيق لحية المتدينين أو خروجهم من المساجد، بسبب فرط حساسيته العلمانية من دور العبادة.
كيف ميز أدونيس كل هذا؟ عندما قام حتى حلفاء إيران في العراق، كنوري المالكي، بتقديم شكوى للأمم المتحدة ضد النظام السوري، متهماً إياه بدعم الإرهاب في العراق؟
عن أي مرحلة بالضبط يتحدث أدونيس؟ في أي ساعة؟ في أي يوم؟ هل لديه صورة للنظام وهو علماني؟ هل يملك تسجيلاً صوتياً أو رسالة قصيرة تثبت ذلك؟ في المقابل، إذا كان انتقى من الثورة السورية خروجها من المساجد، فلماذا لم ينتق منها علمانييها ونخبها المستقلة؟
إن آخر ما يتوقعه القارئ، من مثقف بحجم أدونيس، أن تكون انتقائيته بهذا الشكل من التحيز والعداء المضمر والمعلن لآلام أمته. كان بإمكانه أن يخرج كالشعرة من العجين من الثورة السورية، لن يضربه أحد على يده، كي لا يفعل، وكان بإمكانه أن يتحدث بالنيابة عن نفسه، أنانياً ذاتياً، كما يمكن للأدب أن يفرز. أما أن يدخل إلى غرفة مونتاج التاريخ، ويغير في الألوان ويعبث بالأصوات، ويشرك الوهمي بالحقيقي. فإنه يخرج من رتبة المثقف إلى رتبة المزوّر، التي يبدو أنه نالها بامتياز، وبالتزكية!