الاثنين، 4 مايو 2015

وزير الصحة.. والبحر اللجي!!

معالي وزير الصحة.. مرحباً بك في مقبرة الوزراء كما يقول غازي القصيبي (رحمه الله!!). بلا شك فأنت ستقدم على بحر لُجّي عميق، يغشاه موج من فوقه موج من التحديات والصعوبات!!
 
لكن أبشر معالي الوزير؛ فمع كل هذه الأمواج الهائجة والرياح العاصفة فوق هذا البحر هناك فرصٌ واعدة، وكنوز كامنة في أعماقه، تحتاج لغواص متمرس؛ يجيد البحث عنها بهدوء وصمت، بعيداً عن الضجيج والتشويش الذي من حوله.
 
فهذا البحر اللُجّي يحتاج منك في البدء إلى انتقاء كواشف ضوئية دقيقة؛ لتنير لك الطريق في أعماقه.. تتلمس من خلالها معالم الضعف ومكامن الخلل، وتُبعدك عن المهددات، وتكشف لك الفرص، وتضيء لك مكامن القوة؛ لتضع على ضوء ذلك أمواج التغيير واستراتيجيات النمو والنجاح.
 
معظم من سبقك من الوزراء – مع كل التقدير لهم ولصنيعهم - كانوا جادين في البحث عن التطوير والنمو.. فأحلامهم كانت مشروعة وطموحة سعياً لرعاية صحية شاملة، ومدن طبية متكاملة، وتأمين طبي للجميع، وغيرها من التطلعات.. إلا أنهم لم ينتقوا كواشفهم الضوئية جيداً في خضم ذلك البحر العميق؛ فأصبحت لا تُريهم ما بين أيديهم من خلل وضعف!.. كان بعضهم يتعجّل قطف الثمار قبل نضجها.. ويرتقي السُّلم من أعلاه لا من أسفله!! لذا، فسرعان ما كانوا يتعثرون أو يسقطون.
 
معالي الوزير.. نجاح وتطوير الوزارة مرهون بالتدرج في التطوير والتحسين؛ فلا يمكن للوزارة أن تقفز لآخر درجة في سُلّم التطوير دون أن تمر بالدرجات الأولى منه، حتى تصل إلى آخره بثبات وقوة.
 
بالطبع هناك تحديات جسام في الوزارة، لعل من أبرزها قصور في الموارد المالية، وأخرى في البشرية، إلا أن الوزارة كانت تسعى لمواجهة تلك التحديات بكواشف ضوئية لم تكن تُنير لهم الطريق جيداً، وبأدوات استراتيجية غير مناسبة أو ضعيفة، لا ترقى لمواجهة تلك الصعاب.
ولعل من أهم درجات السُّلَّم، التي يجب على وزارة الصحة صعودها أولاً، البحث عن القيادات الوطنية المؤهلة واكتشافهم، ووضعهم في صلب المناصب القيادية، سواء على مستوى الجهاز المركزي أو الطرفي.. فالوزارة بحاجة لبرنامج لاكتشاف القيادات الصحية.
وما زلتُ على قناعة تامة بأن الوزارة، وفي بحرها اللُّجِّي العميق، تمتلك كنوزاً ودرراً من القيادات الواعدة، إلا أنها مغمورة ومغيبة، وتحتاج لمن يُنقّب عنها بمهنية عالية، ممهورة بالشفافية والحيادية.
 
وهنا أهمس في أُذنَيْ وزير الصحة: انظر لمن هم حولك في جهاز الوزارة من القيادات واختبر!!.. هل يمتلكون مهارات القيادة والإدارة والتدبير؟.. ثم هل الكوادر المساندة في جهاز الوزارة، من إخوتنا المتعاقدين، مؤهلون فعلاً للعمل في جهاز مركزي تخطيطي وطني؟!!.. هل لديهم مهارات إدارية عالية في التخطيط والإشراف والمتابعة وصنع السياسات لبرامج وطنية؟!! أترك الإجابة لمعاليك وخبراتك المتراكمة والعميقة في الإدارة.
 
لا أخفيكم بأنّي دائماً ما أتعجب بعمق وأسى، وأتساءل: لماذا لا يمتلك جهاز الوزارة أفضل الكفاءات في مجالات الإدارة الصحية والتخطيط والصحة العامة وتعزيز الصحة والأبحاث الصحية على مستوى العالم؟ الوزارة قادرة على ذلك، ولديها الإمكانات، والطريق ممهدة، فلِمَ التخاذل عن ذلك؟!!
 
وفي المقابل، نسيت الوزارة أو تناست، في خضم انشغالها بتسجيل إنجازات سريعة وقطف الثمار قبل أوان نضجها، البحث في الخلل المتجذر في كوادرها وطواقمها الطبية ومستوى أدائهم الوظيفي.. ونسيت أيضاً أن تسأل نفسها سؤالاً بدهياً عن مستوى الخدمة الصحية التي تقدمها المراكز الصحية والمستشفيات؟ وهل تتوافق مع الحد الأدنى من الجودة، ووفقاً للميزانيات الضخمة التي توازي ميزانيات دول بأسرها؟!! لماذا هذا النقد المتراكم والأنين المزمن من المجتمع عن مستوى الخدمات الصحية المقدمة؟ هل الخلل نقص في الموارد المالية والبشرية فحسب، أم أن هناك مرضاً كامناً ومزمناً ومتفشياً في المنشآت الصحية نابعاً من تهالك الرقابة والمحاسبة على الأداء؟!!
 
أدعوك – معالي الوزير – للقيام ببضع زيارات مفاجئة في عدد من المنشآت الصحية متخفياً بشخصية مواطن عادي؛ لتتلمس مستوى الأداء الوظيفي للعاملين، ومدى التقيد باللوائح والأنظمة، شريطة أن لا تنصت للتشويش الذي سيظهر حولك!!
 
سيقول البعض إني مبالغ في ذلك.. فأقول: رويدكم؛ فهناك دليل دامغ يكشف ذلك الخلل بكل جلاء، ولا يستطيع أن ينكره إلا جاهل أو مكابر!! فكم صرف من مبالغ ضخمة على الحد من انتشار فيروس كورونا الجديد؟!!.. التقديرات تشير إلى أنها بمئات الملايين. ثم لننظر أين كان ينتشر المرض؟ ألم يكن ينتشر داخل المستشفيات؟ هل يُعقل أن يحدث ذلك؟!! أيعقل أن تُصرف مئات الملايين وفي المقابل نرى المرض يخرج من حيث مأمنه؟
 
وهنا، غني عن القول بأن الرقابة والمحاسبة الصارمة على المستوى المركزي والطرفي ستحدان كثيراً من الفساد الإداري الذي يُنهك جسد الوزارة، ويكاد يسقطه أرضاً!!
 
وبالطبع، فإن من أهم درجات السُّلم الأولى بناء القدرات والتأهيل الكافي للممارس الصحي، وهو ما يفترض من وزير الصحة الوقوف أمامه ملياً.. ويتساءل: هل الممارس الصحي يمتلك التأهيل الكافي؟!! هل برامج التدريب الحالية، وما يصرف عليها من مبالغ، تحقق أهدافها فعلاً؟!! وهنا نحتاج لكاشف ضوء آخر لتحقيق استراتيجية النمو بالوزارة.
 
معالي الوزير.. باختصار شديد: استقطاب القيادات المؤهلة، بمساندة نظام رقابة ومحاسبة صارمة، وبجانب التأهيل والتدريب النوعي.. هي أهم أدوات سبر أغوار البحر اللُّجِّي. ومن هنا تبدأ أولى خطوات الإصلاح والتطوير للوزارة. وبدون ذلك ستجد الوزارة نفسها كما كانت سابقاً.. تتخبط في الأمام والخلف.. علواً ونزولاً في لُجّة ذلك البحر!!
 
الوزارة بحاجة إلى "عاصفة حزم" تضبط هذا القصور والخلل والعبث الذي ينبع من داخلها، وعليها أن تُصلح بيتها الداخلي أولاً.
 
معالي الوزير.. لا يخفى على حنكتك الإدارية أن جهاز الوزارة كالقلب في الجسد، إذا صلُح.. صلُح الجسد كله.. وإذا مرض.. مرض الجسد كله!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..