قبل يومين أجريت حواراً تلفزيونياً عبر برنامجي الرمضاني «في الصميم» مع الأستاذ ناصر الحزيمي وهو أحد أفراد الجماعة السلفية المحتسبة التي اقتحمت الحرم قبل ستة وثلاثين عاماً فيما كانت تعرف
بحادثة جهيمان، وكان الوضع الصحي للأستاذ ناصر صعباً وغير مستقر مما جعلنا نسجل الحلقة تسجيلاً في المساء بخلاف عادة البرنامج المباشرة، وتصوير الحلقة وهو صائم مغامرة قد لا تكون محمودة العواقب، وكان يسير إلى الاستديو بصعوبة بالغة، ولا يستطيع الحديث وهو يمشي لأنه يحس بفقدان التوازن، وفي بداية التسجيل وبعد مضي عدة دقائق طلب الأخ ناصر فاصلاً اضطرارياً وتناول بعدها مجموعة من العصائر والمياه حتى يستعيد نشاطه وأخذ راحة لدقائق، ثم استطاع مواصلة الحديث بعدها بشكل جيد، وهنا أكرر شكري له لاستجابته لدعوة البرنامج.
في آخر الحلقة سألته عن أهم درس تعلمه من هذه الحادثة الكبيرة، سكت برهة وهو ينظر إلي ثم أطرق ببصره للأسفل، وكانت يده تتحرك حول المسبحة في حالة استرجاع للشريط السينمائي لأربعين سنة خلت، وبعدها رفع بصره باتجاهي وقال بصوت هادئ: (أهم درس) ثم صمت لثانيتين وأتبع بالقول: (إني ماعطي عقلي لغيري)، وباعتقادي أن هذه الكلمات الأربع من أهم الكلمات التي قيلت في البرنامج؛ لأنها اختصرت قصة أربعين سنة ماضية من حياة شخص سلك طريقاً ثم ندم عليه لأنه سلم عقله باختياره لشخص آخر.
استقلالية التفكير واستقلالية الشخصية واستقلالية القرار هي حقوق شخصية يجب أن يتربى عليها الجيل، وألا يكون ترساً بلا إرادة في أي منظومة، وهذه المسؤولية تبدأ من التربية في المنزل، فالأب والأم لا يجب أن يستلبا شخصية الطفل وقراره وطريقة تفكيره بحجة الخوف على مصلحته، والصبر على تمرده الذي يصقل استقلاليته خير من اغتيال الاستقلالية بسيف التربية.
أنا رجل مهنتي تدور حول الأسئلة ولذلك أسمع آلاف الإجابات، ولا أعتقد أن جواب الحزيمي عن سؤالي الأخير سيمسح من ذاكرتي.
عبدالله المديفر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..