الأربعاء، 26 أغسطس 2015

مقال يستحق القراءة مناهج تعليم جهادية .. أميركية الصنع

 في أحد كتب الرياضيات التي كانت تدَّرس في أفغانستان في الثمانينات والتسعينات، تُعلِّم عملية الطرح بالطريقة التالية: (إذا تم قتل خمسة ملحدين من أصل عشرة بواسطة مسلم، فإن الباقي يكون خمسة). للوهلة الأولى، سيكون وجود هذه المسائل غير مستغرب؛ لارتباط أفغانستان في الأذهان في تلك الفترة بالمجاهدين وحركة طالبان، لكن في حقيقة الأمر أن مثل هذه المناهج وصياغتها بهذا الشكل كان بتمويل ورعاية أميركيين، ومكون رئيس من مكونات سياسة أميركا، لمحاربة الاتحاد السوفياتي في الثمانينات الميلادية.شكّل موقع أفغانستان الجغرافي أهميّة خاصة للقوتين الرئيستين في حربهما الباردة، ومنذ استقلالها كانت أميركا والاتحاد السوفياتي تحاولان كسب أفغانستان عبر المقايضة التقليدية: تقديم برامج تنموية ومساعدات مقابلاً للولاء السياسي. ومنذ الخمسينات الميلادية لعبت المؤسسات التعليمية الأميركية -كجامعة كولومبيا، وجامعة وإيومينج، وجامعة نيبراسكا- دوراً كبيراً في صياغة المناهج التعليمية وصورة الإسلام في هذه المناهج.
في الخمسينات، أرسلت كلية المعلمين التابعة لجامعة كولومبيا بعثة لتدريب المعلمين الأفغان وتعديل المناهج الدراسية. تم توقيع الاتفاق بين وزارة التعليم الأفغانية وكولومبيا وبعثة العمليات الأميركية في الخامس من نيسان (أبريل) من عام ١٩٥٤. استمر هذا التعاون أكثر من ٢٥ عاماً، وتم تقديم الإسلام في هذه المناهج بصورة تخدم هدفين رئيسين: الأول: أنه إسلام متصالح مع التحديث والتنمية الاقتصادية، والثاني: أنه معادٍ للشيوعية.
في أبريل عام ١٩٧٨، قام نور محمد طرّاقي ومجموعة من حزب الشعب الديموقراطي الأفغاني بتدبير انقلاب والاستيلاء على الحكم؛ رداً على اغتيال زعيمهم مير أكبر خيبر. غيّر طرّاقي اسم أفغانستان إلى جمهورية أفغانستان الديموقراطية، وسمح للقوات السوفياتية بالتمركز داخل بلاده؛ من أجل حماية نظامه. شكّلت هذه الحادثة مصدر قلق كبير لأميركا؛ لأنها تعني أن تمدد الاتحاد السوفياتي قد ازداد، وبات أكثر قرباً إلى المياه الدافئة ومنابع النفط في الخليج.
ومع سقوط حليفها الشاه في إيران، تضاعف حرص أميركا على تحويل أفغانستان إلى فيتنام سوفياتية، إذ تضاعفت قيمة الأموال التي أنفقتها في هذا المجال من ٣٠ مليون دولار عام ١٩٨٠، إلى ٦٠٠ مليون دولار سنوياً في الفترة ١٩٨٦-١٩٨٩. أحد أهم أدوات هذه السياسة هو دعم الحركات الجهادية ضد الاحتلال الأفغاني، وإضافة إلى الدعم العسكري والمالي كان هناك دعم ثقافي، يتمثل في صناعة المناهج الخاصة التي ستدرس في مدارس مخيمات اللاجئين الأفغان في باكستان.
في عام ١٩٨٦، وقع برنامج الإعانة الأميركية USAID عقداً مع مركز التعليم الأفغاني الذي يتم تعيين رؤسائه من الفصائل الأفغانية الجهادية الرئيسة، ومقره في بيشاور في باكستان. قيمة العقد كانت ٥٠ مليون دولار، وفي هذه المناهج تم تصوير الإسلام -الذي كان يشكّل ٣٠ في المئة من المناهج- كأداة حرب، إذ تم التركيز على آيات وأحاديث القتال وربطها بالقتال ضد الشيوعية. كانت الغاية من هذه المناهج التي تدرس في كل الصفوف هو صناعة المجاهدين.
استمرت هذه المناهج في العمل بعد ذلك، وقدّر عدد النسخ التي طبعت بـ١٥ مليون نسخة. هذه المناهج، التي مرت بتعديلات جزئية، شكلت العصب الرئيس للمناهج التعليمية في المدارس الأفغانية بعد استقلالها من الاحتلال السوفياتي، أي أنها كانت تدرس في المدارس عندما كانت حركة طالبان تدير أفغانستان.
بعد «١١ سبتمبر» بدأت أميركا بشنّ حرب شعواء على المناهج التعليمية في البلدان العربية والإسلامية، واتهامها بأنها المحرضة على العنف والتطرف. بعد الاحتلال الأميركي لأفغانستان، تم تكليف كلية المعلمين مرة أخرى بكتابة مناهج جديدة ذات جرعة مخففة من الإسلام، الذي تحول في عين أميركا من سلاح يتم توزيعه، إلى خطر يجب احتواؤه.
قصة أفغانستان تشكّل أنموذجاً حزيناً على الآثار العميقة التي لعبتها سياسات الهيمنة للدول العظمى، وهي تتعامل مع الشعوب والدول باعتبارها مجرد أدوات ووسائل لهيمنتها على العالم. وهي تفضح سخف النظرة التي تتعامل مع ثقافة الشعوب وكأنها معزولة ومفصولة عن الصراعات السياسية والاقتصادية، وكيف أن السياسات التعليمية ليست انعكاساً مباشراً للثقافة الشعبية، بقدر ما هي مرتبطة بالأهداف السياسية والاقتصادية من التعليم، التي تلعب القوى العظمى نفسها دوراً كبيراً في صياغتها ضمن برامج المساعدة والتعاون ونقل الخبرات وغيرها.
والأهم من ذلك، تكشف هذه القصة تعقيد العلاقة بين التعليم ومخرجاته، هذه العلاقة المعقدة التي يبدو أن الولايات المتحدة تصرّ على النظر لها نظرةً أحادية ولم تتعلم من تجاربها السابقة شيئاً. إن الحملة الكبرى التي قادتها الولايات المتحدة منذ عام ٢٠٠١ لتعديل المناهج في كثير من الدول العربية والإسلامية، والتي اعتبرتها من الأدوات المهمة في مكافحة التطرف، لم تؤدِّ تلك النتيجة المرجوة منها. فنسبة كبيرة من الشباب الذي يذهب إلى القتال في العراق وسورية مثلاً أعمارهم ما بين ١٩-٢٤ عاماً، أي أن كل حياتهم الدراسية أو جلها كانت في ظل المناهج الجديدة.
وما يثير الحنق أكثر هو أن الدور الذي لعبته أميركا في طريقة تدريس الإسلام في العالم قاطبة، ولاسيما أفغانستان، لا تستطيع أن تلعبه في أميركا نفسها، لأن علمانية الدولة تمنعها من التدخل في طرق تدريس الأديان داخلها.
أخيراً أترككم مع هذه المسألة العلمية من أحد المناهج الأفغانية للصف الرابع، التي كتبت بدعم وتمويل وإشراف أميركي: (إذا كانت سرعة طلقة الكلاشنكوف ٨٠٠ متر لكل ثانية، وإذا كان الروسي يبعد مسافة ٣٢٠٠ متر من أحد المجاهدين، فكم ثانية ستحتاج إليها الطلقة حتى تستقر في جبهة الروسي؟).

سلطان العامر

الثلاثاء، ٢٥ أغسطس/ آب ٢٠١٥ (٠١:٠ - بتوقيت غرينتش)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..