السبت، 19 سبتمبر 2015

باحثة أمريكية تحصل على الدكتوراه في دراسة عن محمد بن عبدالوهاب

 باحثة أمريكية تحصل على الدكتوراه في دراسة عن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب وتؤكد:
أساتذتي حذروني من البحث في فكر هذه الدعوة!
وجدت الاعتدال والعقلانية والعمل العلمي المؤصل في ثروة ابن عبدالوهاب العلمية
أشكر الأمير فيصل بن سلمان على جهوده ومتابعته مراحل البحث
عملان علميان مغلوطان ومليئان بالكذب هما مرجعية الغرب عن فكر الشيخ ابن عبدالوهاب
لقد قالوا لي: إن " رسالة التوحيد " لابن عبدالوهاب بيان حرب!
خصوم الشيخ وراء تلك الصورة المشوهة عنه وعن أتباعه وهم للأسف مصادر كل المعلومات عنه
حركات التطرف والإرهاب حاولت تزوير المعلومات وتحريفها في النقل عن هؤلاء العلماء ولكن الحقيقة تتضح يوما بعد آخر
جميع المنتسبين لدعوة ابن عبدالوهاب يدينون أعمال الإرهاب التي ارتكبت باسم الإسلام

حصلت الباحثة الأمريكية (نت) مؤخرا على الدكتوراه من جامعة جورج تاون بعدما ناقشت في موضوع رسالتها دراسة حول السيرة الفكرية لشيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب ـ رحمه الله ـ أبرز قادة الفكر الإسلامي في القرن الثامن عشر، ونجحت الباحثة في  تسجيل الرسالة بجامعة جورج تاون .
وتناولت الدراسة الأفكار الرئيسية لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب المتصلة بالتوحيد والشرك وتحليل منهجه في تفسير الشريعة الإسلامية، مع إلقاء الضوء على اهتمامه بأصول مثل المصلحة العامة التي تهدف إلى تفسير الشريعة بما يحقق مصالح المجتمع، وخصصت الباحثة فصلين كاملين لأكثر القضايا جدلا في كتابات الشيخ لدى الغربيين، وهما معاملة النساء، وتحليل رسالته في الجهاد، الحوار التالي يسلط الضوء على أبرز ملامح البحث كما جاء على لسان الباحثة الأمريكية:

* ما هي أبرز ملامح رسالتك التي ناقشت سيرة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب الفكرية؟

ـ هي عبارة عن تحليل لكتابات الشيخ محمد بن عبدالوهاب، تبدأ الرسالة بسيرته باعتبار أنه من أبرز قادة الفكر الإسلامي في القرن الثامن عشر، وتعد الكثير من الأصول البارزة في كتاباته كتركيزه على العودة إلى القرآن والسنة، والقضاء على الممارسات الدينية الشائعة كتقديس القبور والأولياء، ورفضه للتقليد، ومناصرته للاجتهاد، وتوثيق صحة الأحاديث بناء على متنها وليس على سندها " سلسلة رواتها " ، والتركيز على النية في الأعمال، وليس التجديد في العبادة من العلامات الفارقة في الفكر الإسلامي في القرن الثامن عشر، ومن ثم فإنني احتج بأن الشيخ محمد بن عبدالوهاب ليس ذلك المبتدع المهرطق كما يتهم، بل العالم الذي شغل القرن الثامن عشر بأفكاره، بعد ذلك أعرض بحثا مفصلا لأفكاره الرئيسية المتصلة بالتوحيد والشرك، وتحليل منهجه المعتدل المتوسط في تفسير الشريعة الإسلامية مع إلقاء الضوء على اهتمامه بأصول مثل المصلحة العامة التي تهدف إلى تفسير الشريعة بما يحقق مصالح المجتمع، وقد خصصت فصلين لأكثر القضايا جدلا في كتابات الشيخ لدى الغربيين وهما معاملته للنساء وتحليل رسالته في الجهاد.

الأقاويل السلبية

* ما الذي دفعك للكتابة عن هذه الدعوة الإصلاحية؟

ـ بدأ اهتمامي بالشيخ محمد بن عبدالوهاب عام 1991م عندما بدأت دراسة الماجستير في مركز جامعة جورج تاون للدراسات العربية المعاصرة، فقد سمعت الكثير من الأقاويل السلبية عن " الأصوليين الإسلاميين " ، وانتابني الفضول لمعرفة ما يؤمنون به، وأسباب إطلاق هذه النعوت السيئة عليهم، عندما بدأت أقرأ عن الأصولية الإسلامية لاحظت وجود الكثير من الإشارات إلى ما أسموه بـ " الوهابية " والشيخ محمد بن عبدالوهاب، ولكنني لم أفهم معنى هذا المصطلح، ولم أتمكن من الحصول على أي كتب أو مقالات عن الشيخ وحركته، الذي حيرني فعلا قول البعض إن الشيخ محمد بن عبدالوهاب كان عند المسلمين بمثابة مارتن لوثر عند النصرانيين، وقد كان والدي راهبا لوثريا، ولذا فهمت أن هذا القياس يعتبر مديحا وليس إهانة، وقد أصبحت مهتمة كثيرا بفهم السبب وراء الإشارة إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب بهذه الطريقة، وعندما حضرت دورة حول الحركات الإسلامية المعاصرة عام 1993، كان أول شيء قرأناه ترجمته بالإنجليزية لكتاب التوحيد، وهذا كان أول اتصال لي بكتابات الشيخ، لم أر أي شيء ينم عن العنف في هذه الرسالة على الإطلاق، بل كلام علمي معتدل عقلاني لا لبس فيه ولا غموض، وفي الحقيقة فقد بدا لي أن الرسالة عبارة عن بحث مستقيم وواضح ومنطقي وتوضيح للقرآن والحديث، كما أن الإصلاحات التي قام بها لها ما يؤيدها في نصوص القرآن والسنة، ومن ثم فقد خاب أملي أن أجد العمل الوحيد له والذي ترجم إلى اللغة الإنجليزية، ومن ثم يجب أن يطلب من مكتبة في القاهرة، وقد قضيت الأشهر الستة التالية أجمع كل كتاب للشيخ باللغة العربية عثرت عليه وقررت أن أتخصص في هذا الموضوع للحصول على درجة الدكتوراه.

مشكلات الرسالة

* هل واجهت أي مشكلات في تسجيل هذه الرسالة في جامعة جورج تاون؟

ـ عندما كنت على وشك الانتهاء من دراسة الماجستير عام 1993 وبدأت التحدث مع بعض الأستاذة في قسم التاريخ عن الفكرة لم يتحمس الكثير منهم لها، بل إن عددا من الأساتذة حذروني من البحث في هذا الموضوع، لأنه كان موضوعا دينيا وغير مناسب للوقت، الحقيقة هي أن أحد هؤلاء الأساتذة بعد أحداث 11 سبتمبر أخبرني أنه لا يرى أهمية للموضوع أو صلة له بعالم اليوم، استمر هذا الوضع حتى افتتح مركز التفاهم الإسلامي النصراني في جامعة جورج تاون، وحينها وجدت مساندة لموضوع بحثي، ولقد كنت محظوظة أن يكون البروفسور جون اسبستو في لجنة المناقشة، وجون فول المشرف على الرسالة، فقد أسهما ليس فقط في تقديم المساندة الأكاديمية والمالية لبحثي، بل في الربط بيني وبين الكثير من الناس الذين قدموا لي الكثير من الأبحاث القيمة.

* هل وجدت مصادر ومراجع كافية حول هذا الموضوع؟

ـ نعم، بجهود سمو الأمير فيصل بن سلمان، والدكتور فهد السماري من معهد جامعة الملك عبدالعزيز للأبحاث والمحفوظات وتمكنت من الوصول إلى كامل أعمال الشيخ محمد بن عبدالوهاب، كما جمعت الكثير من المواد بنفسي بما في ذلك كتب الرحالة الغربيين والكتابات الأخرى باللغة العربية حول الموضوع، وفي الحقيقة كان لدي الكثير من المواد وتعين علي اختيار بضعة مواضيع منها· وأشكر الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز على جهوده لتوفير المعلومات والمراجع ومتابعته مراحل البحث·

* هل سبق أن زرت المملكة العربية السعودية أو أي بلد عربي آخر لكي تطلعي عن كثب على النسيج الاجتماعي والديني لهذه البلدان؟

ـ لم تتح لي الفرصة بعد لزيارة المملكة العربية السعودية، فقد قررت أن أسافر إليها أثناء العمل على رسالتي ولكنني لم أتمكن من إتمام الرحلة نظرا لأنه كان لدي مولود أثناء مرحلة البحث، ومن ثم فإن اطلاعي على البلد وعاداته ونسيجه الاجتماعي والديني أتى في الغالب من خلال اتصالاتي الشخصية مع الأكاديميين والمثقفين السعوديين والقراءة عنهم، وأنا أخطط لزيارة المملكة قريبا إن شاء الله.

الرحالة الغربيون

* ذكر الباحث ستيفن شوارتز في سياق دراسة له حول الوهابية أنه لم يكن بحاجة لزيارة الرياض للاطلاع على الوهابية بشكل أكبر وأنه تدبر أمر الاطلاع عليها في سراييفو من خلال رصده لأتباع الوهابية هناك، ما رأيك؟

ـ الظاهر أن ستيفن شوارتز لم يقرأ أي شيء مما كتبه الشيخ محمد بن عبدالوهاب لكي يكون رأيا عنه أو عن تعاليمه أو الحركة التي قادها، وهكذا لم يشر إشارة واحدة إلى كتابات الشيخ أو أي كتاب آخر باللغة العربية عن الشيخ في بحثه، وهذا ليس غريبا لأن شوارتز لا يقرأ ولا يتحدث العربية، كما أنه حصل على معلوماته عن الوهابيين والوهابية من كتب الرحالة الغربيين ومن تجربته الشخصية في البوسنة، فلو أنك قرأت كتابه لاكتشفت أنه يرى أن الصوفية هي المرآة الحقيقية للإسلام الذي ينبغي التعامل معها، لأنها حسب رأيه هي الوحيدة التي لم تمارس العنف بينما يعتقد أن الوهابية مرادفة للعنف·

وهذا الزعم يغفل حقائق كثيرة مهمة للغاية يصعب حصرها هنا لأننا إزاء نقاش علمي يحتاج إلى وقت· أنا لا أرى أن كتابه عمل علمي جاد، وإنما لا يعدو أن يكون تعبيرا عن آرائه الشخصية وليس بحثا جادا، وللأسف فإن هذا الكتاب ورسالة حامد الجار التي ينتقد فيها الوهابية أشد انتقاد هما العملان الوحيدان الموسعان حول الوهابية حتى الآن، وهما المرجعية لكل باحث عن فكر الإمام ابن عبدالوهاب وحركته الإصلاحية رغم أن الكثير مما ورد فيهما مغلوط ومبالغ فيه ولا يعكس الحقيقة أبدا· وقد أصبح شوارتز مدللا لدى وسائل الإعلام في بلده لأنه جاهر بعدائه للعرب والمسلمين عموما، وللسعودية خصوصا، وحرك المخاوف من أن المسلمين يكرهون الأمريكيين·

* هل هناك أي جوانب لم تغطها الدراسة أو لم تنل حظها من الاهتمام؟

ـ نعم، لقد كان الشيخ من المؤلفين المكثرين ومن ثم تعين علي أن أتخير مما لديه حول المواضيع التي بحثتها في الدراسة، ولذا لم أقم ببحث أي مواضيع تتصل بالأمور المالية أو الصيرفة أو التجارة، لقد اخترت المواضيع التي شعرت أنها مهمة في مساعدة الغربيين بوجه عام والأمريكيين بوجه خاص على فهم ما كتبه الشيخ وفي تبديد أهم الأساطير الغربية عن الوهابية·

* هل غيرت الدراسة عن الحركة الوهابية أفكارك السابقة عنها؟

ـ قبل الشروع بهذه الدراسة كان فهمي لتعاليم الشيخ سطحيا، لقد توقعت أن أجد الكثير من المواد التي تبحث في دعوته إلى التوحيد ومحاربته للشرك وهذا ما كان، وفي ضوء ما قرأت في كتب الرحالة الغربيين، فقد توقعت أن أجد الكثير من المواد التي تشجع على العنف وتدعو إلى الجهاد وتصنف كل من ليس بوهابي على أنه كافر وهذا ما لم يكن، حالما قرأت كتاب التوحيد، تغيرت توقعاتي، لقد أدركت أن معظم الناس قد أساؤوا فهم هذه الرسالة على أنها بيان حرب، لقد كان كتاب التوحيد حقا بحثا مستفيضا في مضامين التوحيد كان عملا علميا رصينا هادئا، وليس دعوة إلى الحرب، وعند قراءة الكتاب في سياق جميع كتابات الشيخ يبدو واضحا أنه عبارة عن رسالة في الإلهيات تناقش مسؤوليات جميع المؤمنين، كما أنني لم أتوقع أن أعثر على مصادر غنية لفهم تفسيره للشريعة الإسلامية·

ففي اليوم الذي عثرت فيه على رسالتيه حول الجهاد والزواج كان يوما مثيرا في عملية البحث، لأن محتوياتها لم يكن يتوقعها أحد في ضوء الصورة النمطية التي تشاع عن الوهابيين في الوقت الحاضر·

* هل نتائج البحث كان مؤادها دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب للعنف حسب ما تدعيه وسائل الإعلام وما يدعيه خصومه؟

ـ على الإطلاق، فرسالته في الجهاد لم يقصد منها إلا وضع القيود على العنف والتدمير، بالرغم من قلة الحالات التي استدعى الأمر فيها اللجوء إلى الجهاد، وليست بحاجة لأن أؤكد على أن الشيخ اعتبر الجهاد مشروعا بناء على معايير محددة يتعين الوفاء بها في جهاد الدفع فقط، ومن ثم فهو لم يبح جهاد الطلب· لقد أكد الشيخ على حرمة الحياة الإنسانية ودعا إلى المحافظة على حياة البشر كأوجب واجبات المسلم وتحدث عن عصمة الدماء وحرمتها ووجوب المحافظة عليها وأكد على ذلك مرارا، كما أنه فصل كثيرا في بحثه حول فئات الناس الذين لا يجوز قتلهم أثناء الجهاد، وقد آمن الشيخ بالحاجة إلى المحافظة على الأسرة حتى في حالة أسرى الحرب، ومن ثم لم يسمح بتفريق الأولاد عن آبائهم أو أمهاتهم، بل طالب بأن يسمح للأسر التي تؤسر أن تمارس دينها وأن يوفر لأبنائها التعليم الديني المناسب شريطة ألا يكونوا من الملحدين، الكثير من العاملين في وسائل الإعلام في الوقت الحاضر يعتقدون أن الوهابية ما هي إلا استمرار للتطرف الذي مثله ابن تيمية حسب ما يزعمون، ومن المفيد أن أقول إن كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم تحوِ إلا القليل من الإشارات إلى ما كتبه ابن تيمية، وأنه لم يتفق معه دائما في الحالات التي اقتبس منه فيها، مع أنني أسمع أن ابن تيمية هو الآخر ظُلم وكُذب عليه ولم يقل شيئا من ذلك لكني لم أطلع على التفاصيل ولكن لعل ما أصاب ابن تيمية هو مماثل لما أصاب ابن عبدالوهاب من ظلم وكذب وتحريف· إن الشيخ محمد لم يقد حركة جهادية، ذلك أن الجهاد لم يكن أحد الأفكار الرئيسية لديه، كما أن الكثير من الصور السلبية حول الوهابيين أتت من خصوم الشيخ ومن سعيه لهدم القبور التي قام به الشيخ واتباعه الأوائل·

لا يوجد تشابه

* من الناحية الفكرية هل اكتشفت أي تشابه في الجذور الفكرية بين الحركات الإسلامية المتطرفة الأخرى الأصولية المشوهة ولا سيما بين الفكر الجهادي ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب؟

ـ لا بد لي من القول إنني لم أجد هذا التشابه، فالفتاوى والبيانات والتصريحات التي تصدر عن المنظمات الجهادية والتي قرأتها تقتبس من آخرين أكثر مما تقتبس من الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ذلك أن تعاليم الشيخ محمد بن عبدالوهاب اتجهت نحو تعليم المؤمنين العقائد الصحيحة عن طريق الدراسة المباشرة للقرآن والسنة وتشجيعهم على التمسك بالعقيدة في حياتهم الخاصة والعامة، كما أنه أولى اهتماما كبيرا لقضايا العدالة الاجتماعية والرعاية الاجتماعية فدعوته دعوة علم وإصلاح وتعليم منهج شرعي وتصحيح عقيدة فقط· أما الحركات الجهادية المعاصرة فلا تسعى نحو تعليم الناس أو تشجيعهم على دراسة النصوص بتعمق، لقد تكونت هذه الحركات من أناس محبطين وناقمين على حكوماتهم واتخذوا الإسلام مطية لتبرير محاولاتهم قلب الأنظمة الحالية عن طريق الثورة فقد أغفلوا التنمية والإصلاح الاجتماعي والعلم الشرعي وأرادوا الحرب فقط وحاولوا تعسف أفكار هؤلاء العلماء ولوي عنقها وتنزيلها في غير منزلتها وتحميلها ما لا تحتمل· إن الحركات العنيفة حقيقة لم تقدم رؤية للمجتمع حال وصولها إلى السلطة، أما منهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب فقد كان أكثر تقدما لأن هدفه النهائي كان تعليم الناس وليس الإطاحة بالحكومات، فكل من كتاباته وسجله التاريخي يشيران إلى أن العمل الدعوي وليس التدريب العسكري كان الهدف الرئيس له· فضلا عن ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الشيخ لم يبحث قط في معنى الشهادة في كتاباته عن الجهاد، وهذا ليس مصادفة، فقد ركز دائما على أن النية في العمل أكثر أهمية من العمل نفسه، أما بالنسبة للاستشهاد حسب زعم الانتحاريين، فقد أشار الشيخ كذلك إلى أن النية وراء العمل يقصد بها السعي الجاد لنيل الشهادة بغية الفوز بالجنة، كما أنه لم يؤيد الهدف أو الطريقة، لأن الانتحار محرم في القرآن {.. ولا تقتلوا النَفس الَتٌي حرَم اللَه ··} [الأنعام: 151]، والسنة·

كما أن نية الشهيد يجب أن تكون القتال في سبيل الله وليس تمجيد الذات، ومن المناسب أكثر النظر إلى الحركات الإصلاحية في أوائل القرن العشرين، ولا سيما الحركة السلفية في مصر التي قادها محمد عبده ورشيد رضا لترى فيها التأثير الفكري للشيخ محمد، كما أن الفكر الشرعي للشيخ ظاهر، كذلك في الكثير من الإصلاحات القانونية المعاصرة، ولا سيما تلك التي تتعلق بالمرأة·

* بعض الغربيين وربما غيرهم من الجهلة يتهم دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بأنها تساند الإرهاب، ما تعليقك؟ وهل موقف وسائل الإعلام الغربية من دعوته يستند إلى حقائق وأرقام وفهم صحيح لهذه الحركة أم لا؟

ـ من خلال قراءتي المتعمقة لفكر الشيخ وجدت أن فكره ضد الإرهاب بكل أشكاله ولو كان ـ رحمه الله ـ موجودا بيننا الآن لم يكن ليسعه إلا أن يشجب هذه الأعمال، أقول هذا من خلال فكره الذي تعمقت فيه وقرأته بتبصر· لقد أدان الشيخ الأعمال العسكرية الهجومية والعدوانية، ولا سيما ضد المسلمين، كما حرم تحريما قاطعا قتل المدنيين، ولا سيما النساء والأطفال والشيوخ· وقد حرم كذلك قتل المقعد والأعمى والأصم والرهبان والحاخامات، لأنه أقر لهم بأنهم كرسوا حياتهم لعبادة الله، كما حرم قتل العبيد والخدم لأنه اعتبرهم أبرياء من الجرائم ارتكبها أسيادهم، لقد علم الشيخ محمد أتباعه أن الله هو إله الرحمة والعطف ويتوقع من المسلمين أن يكونوا رحماء وعطوفين في تعاملهم مع غيرهم من البشر·

أجزم أنه كان سيدين بشدة الهجمات الإرهابية التي وقعت يوم 11/9 لأنها قتلت دون تمييز الكثير من الناس بمن فيهم الكثير ممن أوردناهم سابقا على أنه يحرم قتلهم من المدنيين، والنساء، والأطفال، والشيوخ، والمعاقين، والمسلمين· لقد زعم أسامة بن لادن أن هذه الهجمات أعمال جهادية مشروعة، لأنها استهدفت الأمريكيين ورموز القوة الأمريكية التي يعتبرها مسؤولة عن إذلال المسلمين، لا أعتقد أن الإمام محمد بن عبدالوهاب كان سيؤيد هذا النوع من العقاب الجماعي، وتدمير الممتلكات الذي صاحب القتل الشنيع الذي وقع ذلك اليوم ومن لا يتفق معي عليه أن يقرأ فكر الشيخ وثروته العلمية وسيدرك صدق ما أقول·

أساس الأقاويل

* ما رأيك فيما كتب عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب ولا سيما من قبل الرحالة الغربيين؟

ـ على الرغم من أن كتابات الرحالة الغربيين تقدم بعض المعلومات والانطباعات المفيدة عن تجارب الناس إلا أن الأصل في كل ما كتبوه هو أنه لم يلتق أحد منهم بالشيخ محمد بن عبدالوهاب أو بأحد من أتباعه أو قرأ شيئا مما كتبه، وبالتالي فإن آراءهم عن الشيخ وعن الحركة تقوم على أساس الأقاويل، ومن ثم فإنها ليست مفيدة كمصدر للمعلومات اللهم إلا إذا كان البحث الذي يقوم به الفرد يتصل بالآراء السلبية المعاصرة عن الشيخ محمد·

* بصفتك امرأة، هل تعتقدين أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب أساء للنساء أو أنصفهن؟

ـ أعتقد بصفة عامة أنه قد أنصفهن، في ضوء ما تنشره وسائل الإعلام يتوقع أحدنا أن يجد الكثير من الكره للنساء في كتابات الشيخ محمد على ضوء ما سمعنا عنه أو ما قرأناه في وسائل الإعلام إلا أن الحقيقة تقول غير ذلك، وهي أن أحد الجوانب الأكثر أهمية في فكره هو احترامه وحمايته للنساء، ومن ثم فإن أهم الأفكار التي ضمنها الشيخ كتاباته حول النساء تتصل بحماية حقوقهن وإنصافهن والإصرار على التوازن في الحقوق والواجبات بينهن وبين الرجال، ولا سيما فيما يتصل بالزواج والطلاق، وهما أهم قضيتين في الحياة الشخصية بالنسبة للرجال والنساء، فقد كان الشيخ حريصا كل الحرص على الموازنة بين حقوق الرجال والنساء، وعلى سبيل المثال، أكد الشيخ على حق النساء في اللجوء إلى القضاء في مسألة الخلع، ذلك لأن الله أعطى النساء هذا الحق لكي يعطيهن الفرصة للتخلص من زواج يشعرن أنه لا يرضيهن· وبهذه الرؤية أكد الشيخ أن حق الزوجة في الخلع حق مطلق، القضية الوحيدة موضع التفاوض هي التعويض الذي تعطيه الزوجة لزوجها وهو في هذه الحالة لا يتعدى المهر الذي أعطى لها، ومن ثم لم يسمح للزوج أن ينكر على زوجته حق الخلع بقدر عدم سماحه للزوجة أن تنكر على زوجها حق الطلاق، كما أن حمايته للمرأة واضحة في إعطائه للنساء حق الاشتراط في عقد الزواج بما يلبي رغباتهن، ولكنه لم يعط الرجال هذا الحق· ونظرا لأنه لا يتعين على الزوج أن يقدم المبررات لتطليق زوجته، فقد رأى أن للزوجة حقا في وضع شروطها بهدف استمرار هذا الزواج شريطة ألا تخالف هذه الشروط القرآن والسنة، أو تتعدى على حقوق ضرتها، كما منع الشيخ زواج صغيرات السن واشترط موافقة المرأة على الزواج في كل الحالات بغض النظر عن سنها أو كونها بكرا أو محصنة·

وهذه التعاليم مهمة جدا لأنها تصلح بعض الممارسات الاجتماعية التي نشأت تاريخيا وثقافيا والتي تنكر حقوق النساء حتى يومنا هذا، ومن ثم فإن ما كتبه الشيخ عن النساء يقدم سوابق تاريخية قوية على الإصلاحات الجادة والضرورية في العالم الإسلامي المعاصر·

المنطقية والتوازن

* ما هو أهم ما وصلت إليه من استنتاجات؟ وهل أذيعت في وسائل الإعلام وفي الدوائر الجامعية؟

ـ دون شك فإن أهم ما وصلت إليه ولا سيما بعد أحداث 11/9 هو ما يتصل بالجهاد والنساء، لم يكن الشيخ محمد بن عبدالوهاب متعصبا أو عنيفا أو متحيزا ضد النساء، لقد كان متوازنا ومنطقيا في مناقشاته وكان عالما كبيرا، لقد قبلت رسالتي من جامعة جورج تاون في 13/ديسمبر 2002م ولدي عروض من مؤسستين صحفيتين لنشر الكتاب وطلب بحقوق الترجمة قبل اعتماد الرسالة، وسوف تقوم مطبعة جامعة أوكسفورد بطباعة الكتاب باللغة الإنجليزية في وقت لاحق من هذا العام تحت عنوان: " الإسلام على الطريقة الوهابية " : من مرحلة الإحياء والإصلاح إلى مرحلة الجهاد العالمي·

ولقد تلقيت الكثير من الطلبات بالحصول على نسخ من الرسالة وأجريت معي مقابلات من قبل وسائل الإعلام للرد على كتاب ستيفن شوارتز وقدمت بحثا حول ما توصلت إليه بالنسبة للجهاد· لقد كانت ردود الفعل على عملي هذا إيجابية حتى الآن، وأتوقع أن يزداد عدد المطلعين على الكتاب حال نشره·

* في الختام هل هناك رسالة تودين أن تنقليها لقراء هذه المقابلة أو لمن يكتبون أو يتحدثون عن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب سواء كانوا من الغربيين أو من خصومه؟

ـ نعم، من المهم للغاية أن نحكم على الشخص أو الحركة بالاستناد إلى الدليل وليس الأقاويل، بالنسبة للشيخ محمد بن عبدالوهاب، تظهر الأدلة أنه كان عالما جل هدفه في الحياة هو توعية المسلمين بعقيدتهم وتكوين مجتمع عادل لكل من الرجال والنساء وليس خوض جهاد لا ينتهي مع العالم غير الوهابي، فكما أنه لا يمكن القول إن جميع الوهابيين يمثلون تهديدا للعالم الغربي فإنه لا يمكن القول إن السعوديين كلهم صورة من أسامة بن لادن·

المصدر :
مجلة الدعوة





هناك تعليق واحد:

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..