الأسبوع
الماضي تساءل الأستاذ حمد الماجد: لماذا تتحد مواقف إيران وحلفائها دائما
ولا نرى بينهم اختلافا مؤثرا منذ خمس وثلاثين سنة بالرغم من الاختلاف
الكبير بينهم مذهبيا وأيديولوجيا ولغويا وعنصريا، ولماذا تضطرب باستمرار
مواقف حلفائنا حتى أصبح من المنطقي ألا نعود نثق بأحد ولو كان ذا قربى
لكثرة ما علمتنا إياه الأيام الخوالي من دروس، بالرغم من وحدة الانتماء
المذهبي واللغوي والعنصري في الغالب الأعم؟
سوف
أُدلي باجتهادي للإجابة عن هذا السؤال الكبير مع يقيني بوجوب جعله مادة
بحث لمركز الدراسات الاستراتيجية لأثره البالغ في تقييم نشاطاتنا الماضية،
وتقويم خططنا المستقبلية سياسية وإعلامية وتعليمية وتنموية.
فأقول:
إن إيران منذ الثورة الخمينية عام 1399 وهي دولة ذات مشروع تتوافق عليه
معظم مكوناتها النخبوية والشعبية، وهو مشروع الهيمنة الإيرانية على المنطقة
بأسرها، واعتبار الدولة الصفوية -تأسست أواخر القرن التاسع الهجري-
أنموذجا يحتذى، فاقتبسوا تجربة الشاه طهماسب في استيراد نظرية ولاية الفقيه
من جبل عامل في لبنان، وذلك لحل المعضلة الدينية في المذهب الإثني عشري
والتي تَحُول دون بناء دولة على أساس مذهبي، واقتبسوا تجربة عباس الصفوي في
دعم الدولة للتبشير بالمذهب الشيعي خارج إيران لتكوين قواعد شعبية من غير
الفُرس يمكنهم العمل لصالح إيران ولكن على أسس طائفية.
فمعظم
النخب الإيرانية في الداخل الإيراني اليوم تتبنى هذا المشروع ولا تختلف
فيه سواء أكانوا معممين أو مبنطلين متدينين أو ليبراليين، نعم إن
الليبراليين في إيران قد يختلفون مع الحكومة في طريقة إدارة الدولة وتوزيع
المؤسسات والمناصب ومصارف المال العام، إلا أنهم لا يختلفون معها في
المشروع القومي التوسعي، وربما تغاضوا عن الخطاب الديني الإيراني والإنفاق
العظيم على التبشير بالتشيع على اعتبار ذلك أداة براجماتية محضة لتحقيق
الحُلم الفارسي. فهناك وحدة داخل إيران باتجاه مشروع الدولة، لكن: ماذا عن
حلفاء إيران؟
حلفاء
إيران ليسوا فُرسا ولا يؤمنون بالقومية الفارسية، لكنهم يؤمنون بأن إيران
هي عمقهم الاستراتيجي وأن بقاءهم أو نجاحهم لا يمكن أن يتم دون أن تكون
إيران هي المرجعية له، وكل منهم له اعتباراته المختلفة عن الآخر، فالنظام
الطائفي النصيري في سورية لديه قناعة بأن بقاءه على سدة الحكم كأقلية تحكم
أكثرية غير ممكن دون هذا الحلف الاستراتيجي الذي كونه حافظ الأسد والخميني
واستمر حتى اليوم، وما يسمى بحزب الله في لبنان، بل والطائفة الشيعية في
لبنان بأكملها على يقين أنهم دون إيران لن يستطيعوا أن يأخذوا من الحقوق
إلا ما يقدمه لهم الدستور وليس بمقدورهم أبدا تجاوز ذلك، بل لو استمرت
أحوال لبنان كما كانت عليه قبل الثورة الخمينية لربما فقد الشيعة بعض
الامتيازات التي يحققها لهم الدستور اللبناني كرئاسة مجلس النواب.
والصورة
فيما يتعلق بالحكومة العراقية والمعممين في العراق والطائفة الشيعية هناك
واضحة جدا، فجميعهم يؤمن بمرجعية المشروع الإيراني لاعتبارات في غالبها
دينية وخرافية، وكثير منهم -لا سيما السياسيين- له اعتباراته المصلحية
الشخصية.
أما
الحوثيون في اليمن فهم أدوات في الأصابع الفارسية تلعب بها كيف تشاء وليس
لديهم القدرة في أن يكون لهم أي رأي فضلا عن أن يكون لهم رأي يختلف مع
إيران.
أما
علي صالح فموقفه من إيران يذكرني بقوله عز وجل: (وقال أولياؤهم من الإنس
ربنا استمتع بَعضُنَا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا). إذاً، فالالتفاف
حول مشروع واحد داخل إيران وبين حلفائها هو السر وراء توحد مواقف
الإيرانيين في الداخل وحلفائهم في الخارج، فهل نملك نحن مثل هذا الاتحاد
خلف مشروع واحد أم أننا وحلفاءنا يحمل كل فريق مشروعه على كاهله غير عابئ
بما يؤدي إليه اختلاف المشاريع من فشل وتنازع وضعف حيلة على المدى الطويل
حتى لو آتى ثمارا طيبة على المدى القصير؟
الجواب
عندي هو الثاني، فعلى الصعيد الداخلي نجد أن النظام الأساسي للحكم في
الدولة ينطق بأن مشروعها إسلامي في كل جوانبه السياسية والاقتصادية
والتربوية والاجتماعية، ولا يتعارض مع الوطنية باعتبارها عاطفة وانتماء
طبيعيين، لكنه يتعارض معها كأيديولوجيا تعزلها عن قضيتها ومحيطها ومصدر
شرعيتها.
ومع
ذلك نجد الخطاب الإعلامي الأكثر شيوعا، لا سيما في صحافتنا، يدعو إلى
مشروع وطني ليبرالي، أما الخطاب الإعلامي الذي تديره وسائل الإعلام
المحسوبة على السعودية والناطقة من خارجها فيغلب عليه المشروع القومي
الليبرالي الذي يكاد يكون بعثيا في كثير من جوانبه.
أما
حلفاؤنا فليس منهم حليف واحد يتفق مع المشروع السعودي إلا بشكل تقاطعي
آنِي، وأعني المشروع الذي ينص عليه نظام الحكم الأساسي في بلادنا، وأبدأ
بدول الخليج الخمس، فأين من هذه الدول الخمس من تعترف عمليا بأن السعودية
عمقها الاستراتيجي وتشترك مع المملكة في مشروع عالمي واحد تكون بلادنا هي
الرأس والمحور فيه كما هو حال إيران مع حلفائها؟
نعم
أجد بين هذه الدول وبلادنا نقاط توافق كثيرة جدا لكنها جميعها دون استثناء
نقاط تتقاطع عندها الخطوط ثم يتجه كل خط في أفق مستقل، والشواهد التفصيلية
على ذلك كثيرة جدا، أبرزها فشل المشروع الكونفيدرالي بالرغم من مسيس
الحاجة إليه وأيضا بالرغم من كونه توصية نصت عليها قمم خليجية بمختلف
المستويات.
هذه
دول الخليج والأمر مع الحلفاء الآخرين: الأردن، تركيا، مصر، السودان،
المغرب، أكثر وضوحا، بل يصل في بعض النقاط إلى مناقضة المشروع السعودي
والإضرار به. لكن السؤال الذي قد يُطرح: هل من المفروض على الدول الحليفة
ألا تكون لها مشاريع أخرى مخالفة للمشروع السعودي؟ أليس من حق كل دولة أن
يكون لها مشروعها الخاص بها واستراتيجيتها بعيدة المدى التي تحقق لها ما
تطمح إليه شعوبها وإن كان مغايرا لمشروعنا؟ الجواب بلى: لكن الشرط في نجاح
أي تحالف إقليمي ألا تعود مشاريع الحلفاء على بعضها بالنقض، كما هو حال
أكثر حلفاء المملكة إن لم نقل كلهم.
إن
أكبر الأخطار التي يجب الاستيقاظ لها هو تعارض الاستراتيجيات بين الحلفاء
بل تناقضها، وإذا أرادت المملكة أن تستيقظ حقا لمثل هذا الخطر فعليها أولا
فرض رؤية الدولة التي يؤكدها نظام الحكم الأساسي على جميع مؤسسات الدولة
السياسية والاستراتيجية والإعلامية والتربوية والتنظيمية، لأن الاختلاف في
الرؤية داخليا جزء مما يتسبب فيما نشاهده اليوم من صراع فكري طاحن داخل
بلادنا بين النخب وبعضهم، وبين بعض النخب وبعض مؤسسات الدولة، بعد ذلك
تتحتم دراسة استراتيجيات الحلفاء والدخول معهم في حوار جوهري لتصحيح كثير
من نقاط التناقض بيننا وبينهم. دون ذلك سيبقى أي تحالف في وضع ما يسمى
بالتكتيكات، أي الموقت، وليس الاستراتيجي الدائم.
د.محمد بن إبراهيم السعيدي
- 21 أكتوبر 15
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..