هذه الكُليمة مكونة من هامش ،ومتن،وسنبدأ بالمتن :
ليس خافيا أن هيبة المعلم أخذت في التآكل،متزامنة مع منع العقاب البدني،وهذا لا يخص مجتمعنا
وحده. وقد شاهدت فيلما تسجيليا،عن قيام بعض
المدارس – في بريطانيا وأمريكا – بتأهيل بعض العسكريين السابقين، لإدارة
بعض المدارس،لضبطها !!ليس خافيا أن هيبة المعلم أخذت في التآكل،متزامنة مع منع العقاب البدني،وهذا لا يخص مجتمعنا
وفي بريطانيا،ومن نص سننقله في الهامش – إذا أذن الله – نجد هذه الشكوى من أحد المعلمين،وهو يقدم استقالته :
("إنني لا أستطيع التدريس لمجموعة من الوحوش يعتمدون إهانتي وإثارتي طول الوقت"){ جريدة الشرق الأوسط عدد يوم 28 /10 / 1415هـ}.
إذا أردنا أن نصنع مقارنة بين زمنين .. فسنجد التالي،كانت توجد مقولة شائعة .. أو"بيانا"يصدره الأب لمعلم ابنه .. "لكم اللحم .. ولنا العظم"!!!
ثم أصبحت العقوبة البدنية ممنوعة .. وقد استمعت إلى مدير إحدى المدارس،يشتكي مر الشكوى – في اجتماع مع آباء الطلاب – من طالب – في المرحلة الابتدائية – يقول للمعلم .. لا تستطيع أن تضربني – نقلا عن والديه – جات في الجريدة!!
وهكذا،انتقلنا ،فجأة،من "لكم اللحم .."إلى تحريض الطالب ضد معلمه .. ومن قبل الأب الذي كان بالأمس يقول تلك المقولة!!
لا أعتقد أننا في توجهنا الجديد،نحو منع العقوبة البدنية،قد صدرنا عن مقولة ابن خلدون :
(أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم) .. بل صدرنا – غالبا – عن تقليد للغرب .. والذي،يغير آراءه .. ويستبدلها .. كلما دعت الضرورة ..
كتب الأستاذ سمير عطا الله – وسأنقل ذلك في الهامش،إن شاء الله – عن الثورة التي قام بها"سبوك"في التعليم،والتي رفضت كل أنواع العقوبات .. إلخ.
في آخر حياته،تمنى "سبوك"لو أنه أحرق كل كتبه!!
بالعودة إلى غياب هيبة المعلم،نذكر بأن الوالد،معلم بشكل ما .. والمعلم،والد بشكل ما .. وسقوط هيبة المعلم،تعني ضمنيا،بدأ سقوط هيبة الوالد.
وقد لاحظت ذلك،إحدى أكثر المسرحيات،تأثيرا – سلبيا – أي مسرحية"مدرسة المشاغبين" .. فأبرزت الدورالمزدوج لـ"الناظر" .. كوالد .. ومعلم .. فسخرت منهما معا.
فكرتان :
أعتقد أننا لم نمر بفترة وسيطة،أو تمهيدية،بين "لكم اللحم .. ولنا العظم" .. ومرحلة التحريض على المعلم،أنه لا يستطيع أن "يؤدب" .. وأقصد بالتمهيد،التوعية ضد المبالغة في "التأديب" .. إلخ.
الفكرة الأولى : كان يمكن لـ"تأديب"من يستق ذلك من الطلاب .. أن يحال إلى "شخص"غير المعلم،الذي سيكون غاضبا،في الغالب .. وقد قيل :
إذا غضبت فضربت .. فقد انتقمت .. ولم تؤدب .. فوجود "شخص"آخر يؤدب،ينفي فكرة الانتقام تلك.
الفكرة الثانية : تشخيص .. قامت به إحدى الطالبات .. وعلاج .. قدمته مديرة نفس المدرسة.
في المرحلة المتوسطة،قالت تلميذة،للمتدربة .. "من أمن العقوبة أساء الأدب"!!
أما مديرة نفس المدرسة،فقد جربت لفترة،أن تتصل بولي أمر كل طالبة تستحق التأديب .. ولكنها توقفت عن ذلك .. ربما بسبب المضايقات ..
فلو أن كل مَدرسة .. حُرمت من تأديب طلابها .. استبدلت ذلك .. بإحضار ولي أمر الطالب ليقوم هو بالاطلاع على ما جنى ولده .. - أو الأم على ما جنت ابنتها - .. ثم تأديبه .. فيسجد في النهاية،أنه يفضل لو قامت المدرسة بتأديب الابن،بدلا من ذلك الحضور المتكرر .. ثم كان الأب سيقدر معاناة المدرسة مع ولده .. وسيقدر الابن معاناة والده .. من الزيارات المتكررة للمدرسة،حياء .. أو أدبا!
إلى الهامش ..
أولا : كتب الأديب إبراهيم طوقان،معارضا أمير الشعراء،أحمد شوقي :
شوقي يقول وما درى بمصيبتي : قف للمعلم وفه التبجيلا
أُقعد فديتك هل يكون مبجلا من كان للنشئ الصغار خليلا
ويكاد "يُفلقني"الأمير بقوله : كاد المعلم أن يكون رسولا
لو جرب التعليم"شوقي"ساعة لقضى الحياة شقاوة وخُمولا
حسب المعلم غُمة وكآبة مرأى الدفاتر بكرة وأصيلا
****
وأغوص في الشعر القديم فأنتقي ما ليس مُلتبسا ولا مبذولا
وأكاد أبعث "سيبويه"من البلى وذويه من أهل القرون الأولى
فأرى حمارا بعد ذلك كله رفع المضاف إليه والمفعولا
لا تعجبوا إن صحت يوما صيحة ووقعت ما بين "البنود"قتيلا
يا من تريد الجنونَ وجدتَه إن المعلم لا يعيش طويلا
نلاحظ هنا أن الشكوى من ضعف التعلم،ولا ذكر لسوء السلوك .. والذي نجده في معارضة عبد اللطيف الزبيدي لقصيدة أمير الشعراء :
قل للمعلم لا تكن منفوخا فكفاك فخرا لم تبت مسلوخا
زمن به أكل المعلم علقة جعلت صوابه يسبق الصاروخا
لم تبق ثمة للمعلم حرمة فاهرب بجلدك واسكن المريخا
لو جرب التعليم شوقي ساعة لرأى بعينيْ رأسه التكفيخا.
هنا من الطبيعي أن نتذكر المدرس الإنجليزي .. الهارب بجلده!!
ثانيا : ( نيويورك – أ.ش.أ
طالب أحد أساتذة القانون في أمريكا بالعودة إلى العقاب الجسماني في مكان عام بدلا من السجن في بعض الحالات من غير جرائم العنف){ جريدة الجزيرة العدد 8532 في 18 / 9 / 1416هـ = 7 / 2 / 1996}.
ثالثا : جاء في مجلة الثقافة النفسية :
(يوما بعد يوم تثبت الحضارة الغربية أنها ليست مثالا يحتذى به.
ولكن الواقع،حتى الآن،يثبت العكس،حتى أننا نكاد نترحم على عهد الأجداد البسطاء الطيبين. نقول هذا وفي ذهننا كل تلك الآفات الاجتماعية والانحرافات النفسية التي تسود الغرب،فإذا كان لبلدان العالم الثالث ما قد يبرر العنف الذي يهزها من فترة لأخرى،لفقرها وبؤسها وحرمانها من حرياتها الأساسية،فما الذي يجعل إنسانا وفرت له دولته سبل الراحة ووسائل العيش،يضيع وينحرف ويعتدي على الأبرياء؟
نعرف أن الإنسان الغربي غير مكبوت على الصعيد الجنسي،فما إن يبلغ أحدهم سن المراهقة حتى يصبح بإمكانه إشباع جميع غرائزه.لماذا إذن أصبح بعضهم لا يجد لذته إلا باغتصاب الأطفال وقتلهم؟
نقول إنه الخواء الروحي. ونقول إنه الحرمان من الحب والعطف والرعاية ودفء العلاقات الإنسانية ...إلخ. لكننا مهما قلنا،فإننا نجد صعوبة في فهم نفسية رجل متوسط العمر،ناجح في عمله،زوج وأب،يعيش بين الناس،يجاملهم ويبتسم لهم. وما إن يصادف طفلتين في الشارع حتى يحتال عليهما ليخطفهما ويغتصبهما قبل القتل وبعده ..
وقد أثارت هذه الجريمة الرأي العام الفرنسي،وتظاهر العشرات قرب منزل الضحيتين مطالبين الدولة بإعادة حكم الإعدام،خصوصا،وأن هذه كانت عاشر حادثة اعتداء على الأطفال منذ بداية العام الحالي.
ويلجأ القضاة والمسؤولون عادة إلى طمأنة الناس بقولهم إن المجرم ما هو إلا إنسان يشكو من أمراض وتشوهات نفسية.
إنه مجنون يقولون. مسكين فهو مريض إذن وبالتالي غير مسؤول . من يتحمل المسؤولية إذن؟
وهل صار الناس مجبرين على سجن أولادهم ليضمنوا بقاءهم على قيد الحياة؟!
يقولون إن المجتمع هو المسؤول عن انحراف هذا الرجل. حاكموا المجتمع إذن! أعيدوا تأهيله ليستطيع بدوره خلق أناس أسوياء.){ مجلة الثقافة النفسية العدد التاسع ،المجلد الثالث / كانون الثاني 1992}.
رابعا : (في بريطانيا العظمى – سابقا – قرانا الصرخة التي أطلقتها صحيفة "الصنداي تايمز"- سنة 1995- ونقلها لنا الأستاذ عبد الله با جبير :
) التلاميذ يقولون عن مدرسيهم أنهم"زبالة" .. والمدرسون يقولون عن التلاميذ أنهم سفلة . عديمو التربية
وقد نشرت صحيفة"الصنداي تايمز"تحقيقا كبيرا عن الأزمة وقالت أن سن المجرم والعنيف،تنخفض باستمرار. الحكومة البريطانية قامت بدراسة حول المشكلة الخطيرة التي تهدد المجتمع البريطاني،وقد أوضحت هذه الدراسة أن نسبة الأطفال الذين يقومون بأعمال العنف .. اغتصاب،قتل،سرقة،إدمان .. في ازدياد مستمر
.
غلام عمره 12 سنة يغتصب فتاة عمرها 11 سنة،غلام عمره 13 سنة في مدينة يورك شير يغتصب فتاة عمرها 8 أعوام،غلام عمره 13 سنة يطلق الرصاص على مدرسه ويقتله.
يقول أحد المشتركين في الدراسة لقد بدأت هذه الظاهرة منذ عام 1987 وقد نبهنا السلطة والأسرة معا لخطورة الظاهرة ولكن أحدا لم يهتم.. وعلينا الآن دفع الثمن.
وقد تزايد عدد المدرسين الهاربين من مهنة التدريس خوفا من عنف الطلبة. وقال أحد المدرسين وهو يقدم استقالته : "إنني لا أستطيع التدريس لمجموعة من الوحوش يتعمدون إهانتي وإثارتي طول الوقت".
والأسباب : انخفاض المستوى الاقتصادي،ألعاب الفيديو،أفلام العنف،ضعف الأسرة،غياب الآباء والأمهات عن البيت .. انتشار المخدرات){ جريدة الشرق الأوسط العدد 5965 في 28/10/1415هـ = 29/3/1995م)
خامسا : كتب الأستاذ سمير عطا الله :
( عرفت الولايات المتحدة (ومعها العالم) في الستينيات "ثورة تربوية"تزعمها الدكتور سبوك. فقد فعل سبوك في تربية الأطفال ما فعله فرويد في علم النفس. وقامت "ثورته"على أن جميع أساليب التربية المعروفة خاطئة وبائدة. فالتربية الصحيحة ليس فيها غضب ولا عقاب ولا ضر ب(..) إذا بكى الطفل أعطه حلوى وإذا رفض أن يدرس قبل يده وإذا ضرب شقيقه بكتاب قدم له حجرا ولكن لا عقاب. إياك والعقاب! إنه يخرب النفس وينشئ جيلا سيئا){ جريدة الشرق الأوسط العدد 6906 في 24/6/1418هـ)
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..