الاثنين، 30 نوفمبر 2015

توماس فيردمان : ماذا أرسل من الرياض ؟

بين التعجب والإعجاب !
 
“المملكة العربية السعودية هي الدولة التي يسهل الكتابة عنها عن بعد، حينما تنظر إليها فقط كمصدر لأكثر اشكال الاسلام قسوةً و المضادة للتعددية”
  بهذه الكلمة صدَّر توماس فيردمان مقالته التي كتبها بعد زيارته للرياض والتي قابل فيها عدداً من المسؤولين كما التقى خلالها ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ، وكان المفترض بهذا المقال أن يكون استرضائياً يعبر فيه فريدمان عن اعتدال وجهة نظره المتطرفة وغير المحايدة أو الواعية تجاه المملكة العربية السعودية بعد المقالات العديدة التي كان الصحفي الصهيوني يصر فيها على تحميل السعودية حكومة وشعباً وديناً مسؤولية ما يمر بالعالم من أزمات، سِيَّما ما يتعلق منها بالتطرف وفكر القاعدة ومن بعدها داعش ، ويُصَوِّرُ إيران حملاً وديعاً مضطهداً وسنَّة العراق أقلية متسببة في كل ما يحصل اليوم في بلادهم حتى القتل والتهجير الذي يعانون منه لذلك يُعَنوِن إحدى مقالاته عن العراق بقوله” سنة العراق ماذا تريدون بحق السماء” .
ويعيد أفكاره السلبية نفسها في ذلك المقال الذي كتبه عشيةَ زيارة الملك سلمان الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية وكان تحت عنوان ” صديقتنا للأبد الرديكالية الإسلامية السعودية” والذي اعتبره البعض إهانة مقصودة لهذا الضيف الذي جاء ليصحح مسار العلاقات بين بلاده والبلد المُضيف ، خاصة وأن مدار المقال كان رداً موجهاً لخطاب جنرالات أمريكيين تحفظوا على التقارب بين بلادهم وإيران معتبرين الأخيرة مصدرَ الشرور والعاهات في الشرق الأوسط فجاء فريدمان بمقالته التي نشرتها النيويورك تايمز ليقلب الطاولة ويقول بل السعودية هي الجديرة بتلك الأوصاف وليست إيران . فهل غَيَّر فريدمان وجهة نظره تجاه المملكة ؟ وهل يستحق مقاله الجديد ” رسالة من الرياض ” كل هذه الحفاوة في وسائط الإعلام السعودية والتي اعتبرته نجاحاً لفكرة دعوة الرجل وتمكينه من المحاضرة في بلادنا؟
الجواب عن ذلك يمكن أن تدلنا عليه بعض المقارنات بين مقاله الأخير ومقاله السابق ، لكنني أبدأ بالتعليق على كلمته التي صدَّرتُ بها هذا المقال فهي في تقديري مفتاح فهم توماس فريدمان وحقيقةِ رأيه وشعوره تجاهنا وتجاه بلادنا ودولتنا. فهو يقول إن النظرة للسعودية على أنها فقط مَصْدَر للإسلام القاسي المتشدد المعادي للتعددية المُصَدِّر لداعش نظرة قاصرة فهناك أشياء أخرى أيضا غير كونها كذلك ، فهو لم يتراجع عن فكرته الأصيلة المتهمة للسعودية بتصدير الإرهاب لكنه يقول: أن هناك أناساً جيدين [ من وجهة نظره] غير هؤلاء الرعاة للفكر الداعشي. وهذا الكلام هو ماقاله في مقالته الأولى [صديقتنا الراديكالية] نفسه ، واقرأ له :”السعودية تحالفت مع الأمريكيين في عدد من القضايا، وهناك معتدلون ممن يمقتون السلطات الدينية، لكن الحقيقة باقية، وهي أن تصدير السعودية للإسلام الطهوري الوهابي كان من أسوأ ما حدث للتعددية العربية والإسلامية في القرن الماضي” فوجود أناس معتدلين في نظره ليست فكرة جديدة أضافتها له هذه الزيارة بل هو يعرف ذلك من قبل، ومع ذلك فعنده أن وجود جيدين لا يعني تغير موقفه من اتهام الدولة برعاية الإرهاب ، واستمع إليه يقول في مقاله رسالة من الرياض : “و لن اتظاهر بأني قمت باختراق المساجد التي تحتوي على الشباب الملتحين الذين لا يتحدثون الانجليزية و المنغمسين في الاسلام الوهابي/السلفي وهو المكان الذي تُجند فيه داعش هؤلاء الشبان. ولكن اعلم انه بالرغم من ان العلماء المتحفظين لا زالوا جزءً من صفقة الحكم هنا، حيث اكثر حسابات تويتر شعبيةً هي الشخصيات الدينية الحماسية، و ذات هذه الشخصيات الدينية القيادية تعمل في النظام القضائي و يحكمون على كتاب المدونات الليبراليون بالجلد، حيث لا زالوا في حالة نكران حول مدى استياء العالم بأيدولوجيتهم التي قاموا بتصديرها” فهذا النص من مقاله لا يحتمل أي تأويل ، فهو لا يقتصر على اتهام المساجد في المملكة قاطبة بتكوين داعش فكرياً بل يتهمها بأنها المكان الذي يتم فيه هذا التجنيد ، هذا مع أن الدراسات العلمية الموثقة تُثبت أن التجنيد إلى داعش من السعودية أو من سائر إنحاء العالم يتم غالباً عبر مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لشركات أمريكية كتوتر وفيس بوك وآن المساجد بريئة من كل ما يلصقه بها توماس فريدمان وغيره. كما يَتهم التحالف الذي نشأت عليه هذه الدولة بين الدعوة والإمارة والذي هو اليوم سر ما تتمتع به هذه البلاد المترامية الأطراف من سلام وأمن وانسجام بعد أن كانت قبل نشأة هذا التحالف على حال من الخوف والتفرق والاضطراب ، فكيف لتحالف صنع بتوفيق الله هذه القلعة الآمنة أن يكون فكرُ نشأته مبنياً على إشاعة القتل والدمار ، سبحانك هذا بهتان عظيم . إن هذه الدولة التي أوجدها هذا التحالف هي التي صانت شعبنا وأرضنا من ويلات الحربين العالميتين اللتين قتلت فيهما أوربا وأمريكا ما يقارب الخمسة وستين مليوناً فيما بين عامي ١٣٢٣ و١٣٤٤للهجرة أي أن ما قتلته الحضارة الغربية في هذه الحقبة اليسيرة من الزمن ربما يعادل من قُتِلُوا في حروب البشرية لخمسة آلاف سنة ماضية . كما يُصِر فريدمان على اتهام المؤسسة القضائية الحكومية بتصدير الإرهاب لا لشيء سوى حكمهم بالجلد على بعض من يُصَنِّفُهم فريدمان إرهابيين . إن كامل المقالة التي احتفى بها البعض لا يوجد فيها اعتذار واحد عن آراء فريدمان السابقة عن اتهامه للسعودية دولة وفكراً بإنتاج داعش فكرياً ونظاماً ، ولا يوجد فيه أي تراجع عن اعتبار النظام الإيراني المجرم هو الحمل الوديع الذي يجب على الولايات المتحدة الوقوف معه ضد الرديكالية السعودية. وقد ذمَّ السعوديةَ ذماً خطيراً حينما لم يجد ما يثني عليها به في مقاله سوى كونه رأى نساء في قاعة المحاضرة التي ألقاها ، وأنه سمع أوركسترا من التلفزيون الحكومي وشاهد رسومات لفنانين وفنانة واحدة ، فكل مظاهر التقدم والحضارة والثقافة والرفاة في بلادنا لم تكن تستحق كلمة منه ولم يلتفت لمجموعة نساء وموسيقى ورسومات، فلا أدري أي مدى من الانحطاط في فهم الحضارة وصل إليه توماس هذا ، وكأن المدنية لا تقاس إلا بلباس المرأة وأين تجلس وأين يمكن أن نراها . بعد أن روى فريدمان ما قاله الأمير محمد بن سلمان في مكتب سموه أطلق تعليقاً في منتهى الوقاحة تتضمن تكذيبا لكل ما قاله الأمير، واستمع إليه :”هل هذا مجرد سراب ام هي واحة بالفعل ؟ لا أعرف. هل سينتج عن ذلك دولة سعودية أكثر انفتاحاً أو دولة محافظة ذات فعالية أكبر؟ لا أعلم. إلا أنه أمراً جدير بالمراقبة” فالرجل لم يُثن على واقع الدولة أو ماضيها بل ولا حتى تفاءَل بمستقبلها ، بل هو متردد بين كون ما قاله له ولي ولي العهد سراب وحديث في الهواء أم هو أمر ممكن الحدوث ! ” إلى أي مدى ستؤول الأمور ؟ هو أمر غير واضح ” هذا ما قاله فريدمان بعد نقله بعض الأفكار لمعالجة المشاكل الاقتصادية التي صرح بها له الأمير محمد بن سلمان . وحين استمع من الأمير إلى رؤيته حول داعش والإرهاب عقَّب بقوله:”الا ان هذا ارث عدة عقود من دعم الحكومة السعودية الاسلام السلفي والجزء الآخر يعمل مع الغرب على كبح الجهاديين. وكما قلت اصبح العالم محبط من هذا التناقض” فالحكومة السعودية بالرغم من هذه الزيارة وشفافية ولي ولي العهد معه تظل في نظره تصدر الإرهاب من جهة وتحاربه من جهة فهي دولة متناقضة . بعد كل هذا أعود لأسأل على سبيل الاستنكار: لماذا أُعْجِبَ البعض بهذا المقال؟! د محمد السعيدي


مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..