مُلَخَّص أحكام الأذان من : المختصر البسيط لكتاب تمام المنة
في فقه الكتاب وصحيح السنة لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله [1]
معنى الأذان:
الأذان في اللغة معناه: الإعلام، وفي الشرع معناه: الإعلام بوقتِ الصلاة بألفاظٍ مَخصوصة، أو يُقال: التعبُّد للهِ بالإعلام بوقتِ الصلاة، بألفاظٍ مخصوصة.
فضيلة الأذان والمؤذنين:
1- قال رَسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
((لو يَعْلمُ الناسُ ما في النِّداء - (أي: الأذان) - والصفِّ الأول ثم لم يَجدوا إلا أنْ يَستهِمُوا عليه، لاستَهَمُوا - (أي: ثم لم يَجدوا إلا أنْ يَعملوا عليه قرعة لاقترَعُوا) - ولو يعلمون ما في التَهْجِيرِِ - (أي: صلاة الظُّهر) - لاستَبَقُوا إليه، ولو يَعلمون ما في العَتَمةِ والصُّبح - (أي: لو يَعلمون ما في صلاة العشاء والفجر) -، لأَتَوْهُما ولو حَبوًا))[2]. والحَبْو:) أن يَمشي على يَدَيْهِ ورُكْبتَيْه).
2- عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صَعْصَعة أن أبا سعيدٍ الخُدريّ رضي الله عنه قال له:
"إنِّي أراك تُحبُّ الغنمَ والبَادِيَة - (الصحراء) -، فإذا كُنتَ في بادِيَتِك أو غنمِك فأذنْتَ للصلاة، فارفعْ صوتَك بالنداء؛ فإنَّه لا يَسمَعُ مَدَى صَوْتِ المؤذِّن جِنٌّ ولا إنسٌ إلا شَهِد له يومَ القيامة، قال أبو سعيد: سمعتُه من رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم"[3]، زاد في رواية ابن خُزَيْمَة: ((ولا يَسْمَعُ صوتَهُ شَجرٌ ولا مَدَرٌ ولا حجَرٌ ولا جِنٌّ ولا إنس)). والمَدَر هو: قِطَع الطِين اليابس.
3- قال النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم:
((إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يُصلُّون على الصفِّ المُقدََّم، والمؤذِِّن يُغفَرُ له مَدَى صوتِه، ويُصدِّقه مَن سَمِعَهُ مِن رَطبٍ ويابسٍ، وَلَهُ أجْرُ مَن صَلّى معه))[4].
4- قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
((الإمامُ ضامِنٌ، والمؤذِّن مُؤتَمَن، اللهمَّ أرْشِدِ الأئِمَّة، واغفِرْ للمؤذِّنين))[5]. ((والضمان هو)): الكفالة والحِفظ والرِّعاية، و((المؤتَمَن)): أي:الأمِين على مواقيتِ الصلاة.
5- قال رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
((المؤذِّنون أطولُ الناس أعناقًاً يومَ القِيامة))[6].
6- قال النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم:
((مَن أذَّن اثنَتَي عشرة سَنَة وجبَتْ له الجنة، وكُتِبَ له بتأذينه في كلِّ يوم سِتُّون حَسَنة، وبكلِّ إقامةٍ ثلاثون حَسَنة))[7].
بدْء مَشرُوعية الأذان:
شُرِعَ الأذان في السَّنة الأولى من الهِجرة، وكان سبب ذلك: أنَّهم كانوا يَتحَيَّنون للصلاة (أي: يُقدِّرون وقتَها) ليأتوا إليها، فتَكلَّموا في ذلك على النحوِ الآتي في الأحاديث:
1 - عن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما قال:
كان المسلِمون حين قدِمُوا المدينةَ يَجتمعون فيَتحيَّنون الصلواتِ، وليس يُنادِي بها أحدٌ، فتكلَّموا يومًا في ذلك، فقال بعضُهم: اتِّخِذوا ناقوسًا مِثل ناقوسِ النَّصارى، وقال بعضُهم: قَرْنًا مِثْل قرن اليهود، فقال عمر: أوَلاَ تَبعثون رجلاً يُنادِي بالصلاة، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يا بلالُ، قُمْ فنادِ بالصلاة))[8].
2 - وعن عبدِ الله بن زيدِ بن عبد ِربِّه رضي الله عنه قال:
"لَمَّا أمَر رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالناقوسِ ليَضرِبَ به الناسُ في الجَمْع للصلاة - وفي رواية: وهو كارهٌ؛ لموافقتِهِ للنصارَى - طاف بي وأنا نائمٌ رجل يحمل ناقوسًا في يدِه، فقلتُ له: يا عبدَ الله، أتبيع الناقوس؟ قال: ماذا تَصْنَع به؟ قال: قلتُ: ندعو بهِ إلى الصلاة، قال: أفلا أدلُّك على ما هو خيرٌ مِن ذلك؟ فقلتُ له: بلى، قال: تقول: اللهُ أكبر اللهُ أكبر، اللهُ أكبر اللهُ أكبر، أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، أشهد أنْ لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الفلاح، حَيَّ على الفلاح، اللهُ أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
ثم استأخَرَ غيرَ بعيد، ثم قال: تقول إذا أُقيمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أنْ لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله، حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الفلاح، قد قامتِ الصلاة، قد قامتِ الصلاة، اللهُ أكبر اللهُ أكبر، لا إله إلا الله.
فلمَّا أصبحتُ أتيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأخبرتُهُ بما رأيتُ، فقال: ((إنَّها لرؤيا حق إنْ شاء الله، فقُمْ مع بلال فأَلْقِ عليه ما رأيتَ، فليُؤذِّن به؛ فإنَّه أنْدَى صوتًا منك))، قال: فقمتُ مع بلالٍ، فجعلتُ ألقيه عليه، ويُؤذِّن به، قال: فسَمِعَ بذلك عمرُ، وهو في بيته فخرَج يَجرُّ رِداءَه، يقول: والذي بعثَك بالحقِّ لقدْ رأيتُ مثل الذي أُرِيَ، قال: فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فلله الحمد))"[9].
حُكم الأذان:
ذَهَب بعضُ العلماء إلى أنَّ الأذان سُنَّة مؤكَّدة، وذهَبَ آخرون إلى أنه واجب، وذهب فريقٌ ثالث إلى أنه فَرْض كفاية (يعني إذا قامَ بهِ البَعضُ سَقطَ عن الكُل)، وهو الراجِح، وهذا ما رجَّحه شيخُ الإسلام ابن تيْمِيَة[10].
أذان المسافرين:
يُشرَع في حقِّ المسافرين الأذانُ، كما هو في حقِّ المقيمين.
صِفة الأذان:
وَرَدَتْ ألفاظُ الأذان بكَيفيَّاتٍ مختلِفة، وكلُّها صحيحة، فبأيَّ صِيغة أذَّنَ أجْزأهُ:
الأولى: تربيعُ التكبيرِ الأوَّل - (يعني قوْل كلمة: (الله أكبر) 4مرات) -، وتَثنِيَة باقِي ألفاظ الأذان - (يعني باقِي ألفاظ الأذان تُكَرَّر مرتين) -، وهذا واردٌ في حديث عبدالله بن زيد المتقدِّم.
الثانية: تَربيعُ التكبير الأوَّل، وتَثنِيَة باقِي ألفاظِه، مع ترجيع الشهادتين (وذلك بأنْ يقول المؤذِّن الشهادتين أولاً بصوت منخفِض، ثم يَقولهما بعدَ ذلك بصوت مرتفِع).
الثالثة: تثنيةُ التكبير- (يعني قوْل كلمة: (الله أكبر) مرتين فقط ) - وتَثنِيَة باقي ألفاظِه، مع ترجيعِ الشهادتين.
قال الصَنعَاني رحمه الله: "فذَهب الأكثرُ إلى العمل بالتربيع (يعني قوْل كلمة: (الله أكبر) 4مرات)؛ لشُهرةِ روايته، ولأنَّها زيادةُ عدْل، فهي مقبولة"[11].
التثويب في أذان الفَجْر الأوَّل (يعني قوْل: الصلاةُ خيرٌ من النَوْم) بعد (حَيَّ على الفلاح):
المَشرُوع للفجْر أذانان: الأوَّل منهما قبلَ دخولِ الوقت، والثاني هو الأذان للإعلام بدُخولِ الوقت ولِدُعَاءِ السامعين لحضورِ الصلاة؛ فعن ابنِ عمرَ رَضِيَ الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ بلالاً يُؤذِّن بليْل، فكُلُوا واشْرَبوا حتى يُنادِي ابنُ أمِّ مَكتوم، وكان رجلاً أعْمَى لا يُنادِي (يعني لا يؤذِن) حتى يُقال له: أصْبحْتَ أصْبَحْتَ - (يعني طلعَ الصُبحُ عليك لتؤذن لصلاة الفجر) ))[12].
ويُشرَع في الأذان الأوَّل ((التثويب))، وهو أن يقول المؤذِّن بعد قوْلِهِ: حَيَّ على الفلاح: ((الصلاةُ خيرٌ مِن النوم))؛ وذلك لما ثبَت في حديثِ ابن عمرَ رضي الله عنهما أنه قال: ((كان الأذانُ الأوَّل بعدَ الفلاح: الصلاةُ خيرٌ مِن النوم - مرتين))[13].
صِفة الإقامة:
كما أنَّ للأذان صفاتٍ مختلفةً، فكذلك للإقامة صفات مختلفةً، وهي على النحوِ الآتي:
أولاً: تربيع التكبير الأوَّل- (يعني قوْل كلمة: (الله أكبر) 4مرات) -، وتَثنِيَة جميعِ كلماتها- (يعني باقِي كلمات الإقامة تُكَرَّر مرتين) -، ما عدَا الكلمةَ الأخيرةَ (وهي قول: (لا إله إلا الله) تقال مرة واحدة فقط).
ثانيًا: أنْ تكونَ الإقامة وترًا (يعني جميع ألفاظها تقال مرة واحدة فقط) عَدَا قوْلِهِ: (قد قامتِ الصلاةُ)، فتقال مرتين، وعدا التكبير في أوَّله وآخِره فيُقال مرتين أيضا (وهذه الصِيغة هي المشهورة).
أحكام وآداب تتعلق بالمؤذن:
1- إخلاص النية:
يَنبغي للمؤذِّن أنْ يُحسِنَ النِّية في أذانِهِ، وذلك بأنْ يَحتسِبَ أذانَهُ، ولا يتخِذ عليه أجْرًا.
قال الشيخُ ابن عُثَيْمِين رحمه الله: "وأمَّا الجُعَالَة - (يعني الذين يجعلون مكافأة للمؤذنين) -: بأنْ قال: مَن أذَّنَ في هذا المسجدِ، فله كذا وكذا، بدون عقْد وإلزام، فهذه جائزة؛ لأنَّه لا إلزامَ فيها، فهي كالمكافأةِ لِمَن أذَّن، ولا بأسَ بالمكافأة لمَن أذَّن"[14]، وقال: "لا يَحرُمُ أن يُعطَى المؤذِّن والمُقِيم عطاء مِن بيت المال، وهو ما يُعرَف في وقتنا بالرَّاتب؛ لأنَّ بيتَ المال إنَّما وُضِعَ لمصالح المسلمين، والأذان والإقامة مِن مصالح المسلمين"[15].
2- أنْ يكون مُسلِمًا عاقلاً ذكَرًا:
وعلى هذا فلا يَصِحّ الأذان مِن مُسَجِّل (مِذياع)، كما هو الحالُ في بعضِ الدِوَل، يَكتفون بوَضْعِ مُسَجِّل يسمعون الأذانَ مِن خلالِهِ دون أن يُؤذِّن بالمسجد مُؤذِّن.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وفي إجزاءِ الأذانِ مِن الفاسِق رِوايتان، أقواها عدمُه- (أي عدم إجزائه، فيُعَاد مرة أخرى من غيره) -؛ لمخالفتِه لأمرِ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم"[16].
3- يُشترَط مَعرفتُهُ بوقت الصلاة
ويَصِحّ أذان الأعْمَى، ولكنْ يُستحَبّ أنْ يكون معه مُبْصِرٌ يُعْلِمُهُ بدخولِ الوقت.
ولكنْ هناك مَسألة: هل يَصِحّ أذان الصَبيّ المُمَيِّز[17]؟
يَرَى بعضُ العلماء صِحَّةَ أذانه؛ لأنَّ الأذان ذِكْر، لا يَحتاج إلى بُلُوغ، ومَنَعَهُ آخرُون؛ لأنَّه لا يُعتمَد عليه ولا يُوثََق بقوْلِهِ، وقال بعضُهم: إذا كانَ معه غيرُه فلا بأسَ، وإنْ لم يَكُنْ معه غيرُه، فلا يُعتمَد عليه.
قال ابنُ تيْمِيَة رحمه الله:
"والأشبَهُ أنَّ الأذان الذي يُسْقِط الفرْضَ عن أهلِ القرية، ويُعتمَد - (عليه) - في وقتِ الصلاة والصيام: لا يَجُوز أنْ يُباشِرَهُ هو - (أي: الصَبيّ المُمَيِّز) - قولاً واحدًا، ولا يُسقِط الفرْض، ولا يُعتَدُّ بهِ في مَوَاقيتِ الصلاة، وأمَّا الأذان الذي يكونُ سُنَّة مؤكَّدَة في مِثل المساجد التي في المِصْر - (يعني المدينة) -، ونحو ذلك، فهذا فيه رِوايتان، والصحيح جوازُه - (أي: جواز أذان الصبي المميِّز) "[18].
ويُستفاد من ذلك أنَّه إذا كُثُُرَتِ المساجد، وأذَّنَ المؤذِّنون البالِغون فيها، وأذَّن صِبيَانٌ مُمَيِّزون في بعضها - أنَّ أذانهم صحيح.
4- يُستحَبُّ للمؤذن أن يكون صَيِّتًا (أي حَسَنُ الصوت، قويّ الصوت، حَسَنُ الأداء).
5- يُستحَبُّ رَفع الصوت بالأذان (ولو كان مُنفردًا في الصحراء).
6- أنْ يلتفِتَ برأسِهِ وعُنقِهِ يَمينًا وشِمالاً في الحَيْعَلتيْن (حَيَّ على الصلاة وحَيَّ على الفلاح):
وقد اختلَفَ العلماءُ: هل المقصود الاستدارة بالرأسِ فقط، أم الاستدارة بالجَسَدِ كلِّه، والراجح إدارةُ الرأس فقط. كما اختلفوا أيضاً: هل يستديرُ في الحَيْعَلتيْن الأُوليَيْن مرَّةً، وفي الثانيتيْن مرة؛ يعني يقول: ((حَيَّ على الصلاة)) (مرتين)، جهة اليمين، ثم ((حَيَّ على الفلاح)) (مرَّتين) جِهة الشمال، أو يقول: ((حَيَّ على الصلاة)) جِهة اليمين مرَّةً وجِهة الشمال مرَّة، ثم ((حَيَّ على الفلاح)) جِهة اليمين مرَّة وجِهة الشمال أخرى؟
أو يقول: ((حَيَّ على الصلاة)) ويلتفِت يمينًا وشِمالاً أثناءَ ترديدها، ثم يقولها مرَّةً ثانية كذلك، ثم يقول: ((حَيَّ على الفلاح))كذلك،ثميُكرِّرهاكذلك؟
قال الشيخ عادل العزّازي: والأرجَحُ في ذلك الصِّفةُ الأخيرة وذلك بأن يَحرِفَ رأسَهُ يمينًا وشِمالاً في كلِّ واحِدة.
7- يُستحَبُّ وَضْع أصْبعَيْهِ في أُذنيْه:
قال العلماء: وفي ذلك فائدتان:
إحداهُمَا: أنه قد يكون أرْفَعَ لصَوتِهِ (يعني أعلَى لصَوتِهِ).
ثانِيهما: أنَّه علامة لمَنْ يُؤذِّن؛ ليعرفَ مَن رآهُ على بُعْد، أو كانَ بهِ صَمَم أنَّه يؤذِّن.
8- أنْ يستقبل القِبلة:
فإنْ أخلَّ باستقبال القبلة، كُرِهَ له ذلك، وصَحَّ أذانُه.
9- يُستحَبُّ أنْ يكونَ المؤذِّن على طهارةٍ كاملة مِن الحَدَث والجَنَابة، لكنَّه إنْ أذَّنَ على غيرِ طهارة فأذانُه صحيح.
10- يُستحَبُّ أنْ يؤذن قائِمًا:
فإنْ كانَ له عُذرٌ، فلا بأسَ أنْ يُؤذِّن قاعدًا [19]، فإنْ لم يَكُنْ له عُذرٌ، كُرِهَ له ذلك، وَصَحَّ أذانُه، ويَجُوز للمسافرِ الأذانُ راكبًا، وقد ثبَتَ أنَّ ابن عمر كان يُؤذِّن على البَعيرِ، فيَنـزل فيُقيم[20].
11- يُستحَبُّ أنْ يؤذِّن على مكان مرتفِع:
قال الشيخُ ابنُ عُثَيْمِين رحمه الله: "ولا فرْقَ بين أن يكون العُلُوُّ بذاتِ المؤذِّن، أو بصَوْت المؤذِّن كما هو الموجودُ الآن بمكبِّرات الصوت - (الميكروفون)"[21].
الكلام أثناء الأذان:
يَجُوز للمؤذِّن أنْ يتكلَّم أثناءَ الأذان، خاصَّة إذا كانَ الكلامُ مَشروعًا، كَرَدِّ السلام وتشمِيتِ العاطِس؛ لأنَّه لم يَمنَع مِن ذلك قرآنٌ ولا سُنَّة.
أذان المرأة:
ليسَ على النِّساء أذانٌ ولا إقامة؛ لأنهُنَّ غيرُ مُخاطَبَات بالجماعة ولا بالأذان، لكنْ إنْ أذَّنَّ وأقمْنَ، فلا بأسَ (أي: في حُضور نساء فقط)، وممَّا ينبغي التنبيهُ عليه: أنَّها إذا أذَّنت فيكون صوتُها بحيث تُسْمِعُ مَن معها مِن النساء فقط، لا يتعدَّى ذلك فيَسمَعَهُ الرِّجال.
ترتيب الأذان:
لا يَصِحّ الأذانُ والإقامة إلا مُرتَّبًا، وكذلك لا يَصِحّ إلا بألفاظِه الواردة، فإنْ كانَ في لسانه لُثْغَة - (يعني ألْثَغ) - جازَ أذانُه، وإنْ كان الأفضل أن يُؤذِّن المُحسِنُ للألفاظ، ولا يَصِحّ إلا مُتوَاليًا، فإنْ فصَلَ بعضَه بزمنٍ طويل لم يُجزِئْ، لكنْ إنْ حصَلَ له عُذرٌ مِن عِطاسٍ وَنَحوَه، فإنَّه يَبني على ما سبَق(يعني يُكمِل أذانه).
الفصل بين الأذان والإقامة:
يُستحَبُّ أنْ يُفصَلَ بين الأذان والإقامة بقَدْر أنْ يَفرُغَ الإنسان مِن طعامِه وشرابه، وقضاء حاجَتِه، وصلاةِ ركعتَين على الأقلِّ في كلِّ الصلوات؛ وذلك للأدلة الآتية:
1- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال لبلال: ((اجعلْ بين أذانِك وإقامتِك قدرَ ما يَفرغ الآكِلُ مِن أكْلِه، والشارب مِن شُرْبه، والمعتصِرُ إذا دخَل لقضاءِ حاجتِه))[22].
2- قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((بيْن كلِّ أذانين صلاة))[23]، (والمراد بالأذانين: الأذان والإقامة)، وكذلك ما ثبَتَ من حديثِ أنس رضي الله عنه وغيرِه: ((كان أصحابُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أذَّن المؤذِّن، ابتدَرُوا السَوَاري - (أي أسرَعُوا إلى الأعمدة حتى يكونَ أمامَهُم سُترَة بحيثُ لا يَمُرّ مِن أمامهم أحد) - وَصَلَّوْا ركعتَيْن)) [24] والمقصود مِن ذلك تمَكُّن الناسِ مِن إدراك الصلاة، قال ابنُ بَطَّال: لا حَدَّ لذلك غير تمَكُّن دخولِ الوقت، واجتماع المصلِّين.
ولكنْ ينبغي أيضاً أن يُراعَى عُرْفَ الناس والمَصلحَة العامَّة للمسلمين، فإنّ منهم مَنْ قد ترَكَ عملَهُ وغير ذلك ليؤدي الصلاة.[25]
الفصل بين الإقامة وتكبيرة الإحرام:
يَجُوز الفصْل بيْن الإقامة وتكبيرة الإحرام إذا كانَ لِحاجَة، أمَّا إذا كانَ لغير حاجة، فهو مكروهٌ.
- هل يَلزَم أنْ يُقيمَ مَن أذَّن؟
الأَوْلى أنْ يُقيم مَن أذَّن؛ لأنَّ بلالاً كان هو الذي يُقيم الصلاة، ولكنْ يَجُوز أن يُقيمَ غيرُه، ولا دليلَ على استحباب الإقامة للمؤذِّن دونَ غيره خاصَّة إذا تأخَّر المؤذِّن لسببٍ ما، وممَّا يَنبغي أن يُراعَى أنه لا يُقيم المؤذِّن حتى يأذنَ له الإمامُ.
الأذان للفائِتةِ عن نَوْمٍ أو نِسيان:
يَجُوز الأذان والإقامة للصلاة المَقضيّة، وقد ثبتَ ذلك عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في أكثر مِن مَوْضِع.
قال ابنُ عُثَيْمِين رحمه الله: "ولكنْ إذا كانَ الإنسانُ في بَلَدٍ قد أُذِّن فيهِ للصلاة... فلا يَجب عليهم الأذانُ؛ اكتِفاءً بالأذان العام في البلَد؛ لأنَّ الأذان العام في البلد حصَل به الكفايةُ، وسقطتْ به الفريضة"[26].
قال ابن تيْمِيَة رحمه الله: "وليس الأذانُ بواجبٍ للصلاة الفائتة، وإذا صلَّى وحْدَه أداءً أو قضاءً وأذَّن وأقام، فقد أحْسَن، وإنِْ اكتفى بالإقامةِ أجزأه، وإنْ كانَ يَقضِي صلوات، فأذَّن أوَّل مرَّة، وأقام لبقية الصلوات، كانَ حَسَنًا أيضًا"[27].
وكذلك إذا جَمَعَ بين الصلاتين، أذَّن للصلاة الأولى وأقام لكلِّ صلاة.
متى يقومُ الناسُ إلى الصلاة؟
قال الإمامُ مالِك رحمه الله: (لم أسمعْ في قيام الناس حينَ تُقامُ الصلاة حَدًّا محدودًا، إنِّي أرى ذلك على طاقةِ الناس؛ فإنَّ منهم الثقيلَ والخفيف)، وقال الحافِظ رحمه الله: "وذَهَب الأكثرون إلى أنَّهم إذا كان الإمامُ معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرُغَ الإقامة"[28].
قال الشيخ عادل العزّازي: لكن الثابت عن أنسٍ رضي الله عنه أنَّه كانَ يقوم إذا قال المؤذِّن: قد قامتِ الصلاة.
الخروج من المسجد بعد الأذان:
مَن كانَ في المسجدِ، وأذَّن المؤذِّن، فلا يَخرُج من المسجدِ إلا لعُذر؛ لأنَّه قد وردتِ الأحاديث بنَهْيهِ عن الخروجِ من المسجد حتى يُصلِّي، فأما مَن كانَ له ضرورةٌ؛ كأنْ يكونُ مُحدِثًا أو حاقِنًا (يعني يُدافِعُهُ البول أو الغائِط أو الحَدَث)، أو إمامًا لمسجدٍ آخَرَ، جازَ له الخروج.
الدعاء بين الأذان والإقامة:
قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا يُرَدُّ الدعاءُ بين الأذان والإقامة))[29]، وعن عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما أنَّ رَجُلاً قال: يا رسولَ الله، إنَّ المؤذِّنين يَفْضُلوننا - (يعني أفضل منا في الأجر بسبب أذانهم) -، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((قلْ كما يقولون، فإذا انتهيتَ فسَلْ تُعْطَهْ))[30].(يعني فإذا انتهيت مِن ترديدِكَ فادعُ اللهَ يَستجب لك).
ملاحظات:
1- قال ابنُ قدَامَة رحمه الله: "مَن دخَلَ مسجدًا قد صُلِّيَ فيه، فإنْ شاءَ أذَّن وأقام، وإنْ شاءَ صَلَّى مِن غيرِ أذان ولا إقامة"[31]، لكنْ يُلاحَظ أنَّ الأفضل لكلِّ مصلٍّ أنْ يُؤذِّن ويُقيم، إلا إنَّه: إنْ كانَ يُصلِّي قضاءً، أو في غير وقتِ الأذان فإنه لا يَجهر بأذانِهِ لِئَلا يَغُرَّ الناس بالأذان في غيرِ مَحلِّه، ولهُ أنْ يُقيم فقط، أمَّا إنْ كانَ في وقت الصلاة وهو في بادية (صحراء) ونَحْوِِها، استُحبَّ له الجَهرُ بالأذان ورَفْع الصوت به.
2- يَجُوز أنْ يُقيمَ المؤذن في نفس المكان الذي أذَّن فيه، ويَجُوز أنْ يُقيم في مكانٍ غيره، لكنْ إنْ كانَ المؤذِّن يُؤذِّن خارجَ المسجد، فالسنَّة أنْ تكونَ الإقامةُ بالمسجد.
3- لا يُقيم المؤذِّن حتى يأذنَ له الإمام؛ لأنَّ بلالاً كان يستأذن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أما إذا لم يَكُنْ هناك إماماً راتباً للمسجد فالأفضل للمؤذن قبل أنْ يُقيم أنْ يَختارَ أحدَ المصلين ويُبلِغهُ أنه سيصلي بهم إماماً ثم يستأذنه، ويَجُوز له أيضا أنْ يُقيم بعد ربع ساعة تقريبا(أو حسب عُرف الناس)دونَ أنْ يستأذنَ أحداً لعدم وجود إمام راتب.
4- إذا صلَّوْا بلا أذانٍ ولا إقامة، صَحَّتْ صلاتُهم، ولكنْ كُرِهَ لهم ترْكُ الأذان بشرْط أنْ يكونَ الأذانُ قد أُذِّن به في البَلد الذي يقيمون فيه.
5- لا يُؤذِّن إلا المؤذِّن الراتِب، ولا يَتقدَّم عليه أحدٌ؛ لمَا ثبَت أنَّ بلالاً كان يؤذِّن لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يَتقدَّمْه أحدٌ مِن الصحابة بالأذان.
6- إذا تَشاحَّ اثنانِ في الأذان (يعني اختلفوا لأنّ كِلاهُمَا يريدُ أنْ يؤذن)، فيُقُدَّمُ أفضلُهما في الخِصال المعتبَرة، كأنْ يُقدََّمَ الأنْدَى صوتًا، فإنْ تساويَا مِن كلِّ الجهات أُقْرِع بينهم (أي عندئذٍ يعمل الناس بينهم قرعة).
7- لا يُؤذَّن ولا يُقام لشيء مِنَ النوافل ولا لصلاة العِيدَيْن، ولا لصلاة الاستسقاء والكسوف، ولا لصلاةِ الجنازة، إلا أنَّه يقول في الكسوف: ((الصلاةَ جامعةً))، وأمَّا العِيدان والتراويح ونحوهما، فلم يَردْ فيها شيءٌ من ذلك.
8- في البَرْد الشديد، أو المطر الشديد، يقول المؤذِّن بعدَ حَيَّ على الفلاح:((ألاَ صلُّوا في رِحالِكُم)) أي: في بيوتكم.
9- إذا تأخَّر المؤذِّن عن الأذان، فإنَّه يَجُوز له أن يُؤذِّن إذا كان وقتُ التأخير قليلاً - (خمس دقائق تقريبا أو حسب عُرف الناس) -، فإنْ طالَ الوقْتُ، وكانَ قد أُذِّن في البلد وعَلِم الناس بدخولِ الوقت، فالأَوْلى عدم الأذان؛ حتى لا يُشَوِّش على الناس (يعني حتى لا يَحدُثَ لهم(بَلبَلة))، إلا أنْ يكون هو المسجدَ الوحيد الذي يعتمد عليه الناسُ، ولم يَكُنْ قد أَذَّن فيه أحدٌ، فيشرع رَفع الأذان ولا بأسَ بذلك؛ لأنَّه ليس فيه تشويش[32] ويُلاحَظ أنه يَجُوز للمؤذن أنْ يتعمد تأخير أذانه إلى ما بعد انتهاء أذان المسجد المُجاور له مباشرة لعدم التشويش بأكثر مِن أذان على مَن يُردّد.
الذِكْر عند الأذان وبعده:
يُسَنُّ لمَن يَسمع الأذان هذه الأذكار:
1- أنْ يقول مِثلَ ما يقول المؤذِّن:
إلا في الحَيْعَلتيْن- (حَيَّ على الصلاة - حَيَّ على الفلاح) - فيقول: ((لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله))، فقد قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا سَمِعتُم النداء، فقُولوا مِثلَ ما يقول المؤذِّن))[33]، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم أيضاً: ((إذا قال المؤذِّن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدُكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله، قال: أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله، ثم قال: حَيَّ على الصلاة، قال: لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله، ثم قال: حَيَّ على الفلاح، قال: لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، مِنْ قَلْبِه، دَخَل الجَنَّة))[34].
ولا مُنافاةَ بيْن الحديثَيْن - أعنِي: في الحَيْعَلتيْن (حَيَّ على الصلاة - حَيَّ على الفلاح) - ففي الحديثِ الأوَّل ظاهرُهُ أنْ نقول خلْف المؤذن: (حَيَّ على الصلاة - حَيَّ على الفلاح) مثلما يقول، وفي الثاني نقول: لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله، فيُمكِن أنْ يُقال: (يَجُوز هذا، و يَجُوز هذا)، ويُمكِن أنْ يُقال: (يَجُوز الجَمْع بينهما، فتَقول أوّلاً: حَيَّ على الصلاة، ثم تقول: لا حولَ ولا قُوَّة إلا بالله)؛ جَمعًا بيْن الأحاديث، والله أعلم.
2- أنْ يدعُوَ بهذا الدُّعاء:
(وأنا أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحْدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، رضيتُ بالله رَبًّا، وبمحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم رسولاً، وبالإسلامِ دِينًا)، فقد قال رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن قال حين يسمع المؤذِّن: وأنا أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحْدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، رضيتُ بالله رَبًّا، وبمحمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - رسولاً، وبالإسلامِ دِينًا، غُفِر له ذَنبُه))[35]، ويَرَى الشيخ ابن عُثَيْمِين رحمه الله أنَّ هذا الدعاء مَحِلّهُ بعدَ قوْل المؤذن: ((أشهد أنَّ محمدًا رسول الله))[36].
3- أنْ يُصلِّي على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بإحدى الصِّيَغ الواردة[37]، ثم يسألُ اللهَ له الوَسِيلةَ، فقد قال النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا سمعتُمُ المؤذِّن، فقولوا مِثلَ ما يقول، ثم صَلُّوا عليَّ؛ فإنَّه مَن صلَّى عليَّ صلاةً، صلَّى اللهُ عليه بها عَشْرًا، ثم سَلُوا الله لِيَ الوَسِيلةَ، فإنَّها مَنـزلةٌ في الجنة لا تَنبغي إلا لِعَبدٍ مِن عباد الله، وأرْجو أن أكونَ أنا هو، فمَن سألَ لِيَ الوَسيلةَ حَلَّتْ له الشفاعة))[38].
ومعنى سؤاله الوَسِيلةَ أنْ يقول: (اللهمَّ ربَّ هذهِ الدَعوةِ التامَّة، والصلاةِ القائِمة، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلةَ والفضيلةَ، وابعثهُ مَقامًا مَحمودًا الذي وعَدْتَه)، لِمَا ثبَتَ في الحديث أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((مَن قال حين يَسْمعُ النِداء: اللهمَّ ربَّ هذه الدعوةِ التامَّة، والصلاةِ القائمة، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلةَ والفضيلةَ، وابعثهُ مَقامًا مَحمودًا الذي وعَدْتَه، إلا حَلَّتْ له الشفاعةُ يومَ القيامة))[39].
ملاحظات وتنبيهات:
1- قال النوويُّ رحمه الله:
"قال أصحابُنا: ويُستحبُّ متابعتُه - (أي: الأذان) - لكلِّ سامع، مِن طاهِر ومُحدِث، وجُنُب وحائِض، وكبير وصغير؛ لأنَّه ذِكْر، وكل هؤلاء مِن أهل الذِّكْر، ويُسْتثنَى مِن هذا المصلِّي، ومَن هُوَ على الخلاءِ والجِماع، فإذا فرَغ مِن الخلاء أجابَه، فإذا سَمِعه وهو في قراءةٍ أو ذِكْر، أو دَرْس، أو نحو ذلك، قطَعَهُ وتابَعَ المؤذِّن، ثم عاد إلى ما كانَ عليه - إنْ شاء - وإنْ كان في صلاةِ فَرْض أو نَفل، قال الشافعي والأصحاب: لا يُتابعه، فإذا فرَغ منها قالَه - (يعني كأنه سيقضي ترديد كلمات الأذان بعد انتهاء صلاته)"[40]، ويُلاحظ أنه إذا كانَ في الصلاة أو في الخَلاء، ثم لما انتهَى أدركَ المؤذن - مَثَلاً - وهو يقول: (حَيَّ على الصلاة) فإنه يَجُوز له أنْ يُرَدِّد كلمات الأذان التي فاتتهُ سريعاً، ثم يتابع ما تبقى مع المؤذن جُملة بجُملة.[41].
وأمَّا حُكم هذه المتابعة، فجمهورُ أهل العِلم على أنَّ ذلك سُنَّة(يعني: مُستحَبة، يؤجَرُ فاعِلُها ولا يَأثَمُ تاركُها)، وقال بعضُ أهل الظاهِر: إنَّ المتابعة واجبةٌ (يعني يأثمُ تاركُها) وإنَّه يَجِبُ على مَن سَمِعَ المؤذِّنَ أنْ يَقولَ مِثلَ ما يقول.
2- ترديدُ السامع عندَ قوْل المؤذِّن:
((الصلاة خيرٌ مِن النوم)): أنْ يقول مثلَ ما يقول المؤذِّن: ((الصلاة خيرٌ من النوم))؛ لعمومِ الحديث في ذلك: ((فقولوا مِثلَ ما يقول))، وأمَّا الأقوال الأخرى كقولهم: صَدَقْتَ وبَرِرْتَ ونحوها، فلم يَرِدْ فيها دليلٌ يُعتمَد عليه، والراجِح كذلك أنَّه يُتابِعه عندَ ترجيع المؤذن للشَهادتيْن؛ لعمومِ الحديث.
3- كذلك عندَ قوْله في الإقامة:
((قدْ قامتِ الصلاة)) أنْ يقول مثلَ ما يقول، وأما قولُهُم: (أقامَها الله وأدامَها)، فهو حَديثٌ ضعيف، والصحيح أنْ يقول مثلَ المؤذِّن إلا في الحَيْعَلتيْن فقط - كما تقدَّم.
4- ومِن الأخطاء سَبْقُ بعضِ السامعين للمؤذِّن ببعضِ العبارات في آخِرِ الأذان، وذلك عندما يقول:
(الله أكبر الله أكبر)، فيقولون: (لا إله إلا الله)، والصواب أنْ يُتابعوا المؤذِّن جُملةً بجُملة.
5- مِن البِدَع أنْ يقرأَ أحدُهُم قبلَ إقامةِ الصلاة بعضَ آياتٍ من القرآن؛ تنبيهًا للداخلين على أنَّ الصلاة ستُقام، أو نحو هذا.
6- صِيَغ الأذان توقيفيَّة، فلا يَصِحّ الزيادة فيها كقولهم: أشهدُ أنَّ (سيِّدنا) محمدًا رسولُ الله، فإنَّ إيراد مثل هذه الزِّيادة بِدْعة، وكذلك الحُكم في الصلاة على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في التشهُّد في الصلاة.
وكذلك صِِيَغ الدعاء، فلا يَصِحّ زيادة قولهم: (والدرجة العالية الرفيعة)، ولا قولهم في آخِرِ الدعاء: (إنَّك لا تُخلِف المِيعاد)؛ لأنَّ هذه الزياداتِ لم تردْ في أحاديثَ صحيحة، بل وردتْ في رواياتٍ ضعيفة.
7 - قال ابن قدامة:
"مَن دخَل المسجدَ فسَمِع المؤذِّنَ، استُحبَّ له انتظارُه؛ ليفرغَ ويقول مِثل ما يقول، جَمعًا بين الفضيلتَيْن - (ترديد الأذان وصلاة الركعتين) - وإنْ لم يَقلْ كقوله وافتتح الصلاة فلا بأسَ، نصَّ عليه أحمد"[42].
قال الشيخ عادل العزّازي: ولا يَعْني هذا أنَّه يُستحَبُّ الوقوفُ لكلِّ مَن سَمِِعَ الأذان وكانَ واقفًا، بمعنى أنَّه لو كان في المسجدِ، وقامَ لأمرٍ ما، ثم أذَّن المؤذِّن، فيَجُوز له الجلوس، وأمَّا الداخل إلى المسجد فيَقِف حتى ينتهيَ المؤذن ليُردِّد خلْف المؤذِّن، ثم يُصلِّي تحيةَ المسجد، أو السُّنَّة القَبليَّة للصلاة.
8- إذا سَمِع مؤذنًا بعدَ المؤذِّن الأوَّل فهل يُتابِعه؟ نَعم، يُتابعه؛ لعمومِ قْول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا سمعتُم النداء))[43].
9- لو رأى شخصٌ المؤذِّنَ وعَلِمَ أنَّه يُؤذِّن ولم يسمعْه لبُعْدٍ، أو صَمَم، فالظاهِر أنَّه لا تُشرَع له المتابعةُ؛ لأنَّها - أي: المتابعة - مُتعلِّقة بالسَّماع[44].
10- ومِن المُحْدَثات وَضْعُ تقويمٍ مُتفقٍ عليه بيْن الأذان والإقامة، كأنْ يُحدَّدَ بينهما رُبُع ساعة أو نحوها، وفي ذلك تفويتٌ للسُنَن: منها: تفويتُ التبكير إلى المساجِد؛ لتكاسُلِ الناس للحُضور انتظارًا للإقامة، ومنها: ضَياع السُنّة القَبليَّة للقادمين، ومنها: تفويت حقِّ الإمام في إذنِهِ بالإقامة، ومنها: تفويت مُرَاعَاةِ حال المصلِّين - (يعني أنَّهم إذا عَجَّلوا ينبغي له أنْ يُعَجّل بالصلاة، وإذا أبطؤوا أنْ يبطئ بالصلاة)- حتى إنَّ المؤذِّن ربَّما أقامَ الصلاة لانتهاءِ المدَّة المُحدَّدة، وما زالَ كثيرٌ مِن الناس يصلُّون النافلةَ، بل قد يكونُ الإمامُ أحدَهم!
11- أحْدَثَ الناسُ بِدَعًا أخرى - غير ما تَقدَّم - إلى الأذان: منها:
الجَهْر بالصلاةِ على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من المؤذِّن بعدَ الأذان، فذلك بدعةٌ مُنكَرة؛ ولكن السُّنَّة ما تَقدَّم مِن الصلاة والسلام على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم سِرًّا لا جَهرًا، ومنها: التسمية قبلَ الأذان، ومنها: التطريبُ والتلحين في الأذان الذي يَفْعَله كثيرٌ من المؤذِّنين ويُسمُّونه (الأذان السُلطاني)،، فإنَّ ذلك من البِدَع المنكَرة وقد قال عمرُ بن عبد العزيز رحمه الله لأحد المؤذنين: أذِّن أذانًا سَمْحًا، وإلا فاعتزلْ، وسبب قوله ذلك فيما رواه ابنُ أبي شَيْبَة: أنَّ مؤذنًا أذنَ فطرب في أذانه[45]، ومنها في بعض الدِوَل: الضَّرْب على الطُّبول قبلَ الأذان،ومنها: مَسْح العينَيْن بباطنِ السبابتيْن بعدَ تقبيلِهِمَا عِندَ قوْل المؤذِّن: (أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله)، وهذا عملٌ غيرُ مشروع، والحديثُ الوارد في ذلك لا يَصِحّ، ومنها: ما قاله الحافظ في "الفتح": "ما أُحْدِث مِن التسبيح قبلَ الصُبح وقبْل الجُمُعة، ومِن الصلاة على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليس مِن الأذان لا لُغةً ولا شرعًا".
"التلخيص على مسؤولية الكاتب"
[1] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري)، وقد تمَّ مراجعة المُلَخَّص من أحد تلاميذ الشيخ عادل.
[2] البخاري (615)، ومسلم (437)، والترمذي (225)، والنسائي (1/269).
[3] البخاري (609)، والنسائي (21/12)، وابن خزيمة (389).
[4] النسائي (2/13)، وأحمد (4/284)، والطبراني في الأوسط (8/136)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الجامع" (1841)، وصحيح الترغيب (235)، وصحَّحه الشيخُ شُعيب الأرناؤوط دون قوله: ((وله مِثلُ أجْر مَن صلَّى معَه)).
[5] صحيح: رواه أبو داود (517)، والترمذي (207)، وابن خزيمة (1531)، وصحَّحه الألباني في "صحيح الترغيب" (232).
[6] مسلم (387)، وابن ماجه (725)، وأحمد (4/95).
[7] صحَّحه الألباني: رواه ابن ماجه (728)، والدارقطني (1/240)، والحاكم (1/205)، وقال: صحيح على شرط البخاري، وصحَّحه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (42).
[8] البخاري (604)، ومسلم (377)، والترمذي (190)، والنسائي (1/102).
[9] رواه أبو داود (499)، والترمذي (189)، وابن ماجه (706)، وأحمد (4/42-43)، واللفظ له، وقال الترمذي: حسن صحيح.
[10] انظر "مجموع الفتاوى" (22/64)، وهو ترجيحُ الشيخ الألباني أيضًا "تمام المنَّة في التعليق على فِقه السنة" (ص: 144).
[11] سبل السلام (1/197).
[12] البخاري (617، 620)، ومسلم (1092)، والترمذي (203)، والنسائي (2/10).
[13] حسن: رواه البيهقي (1/423)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/82)، وحسَّنه الشيخُ الألبانيُّ في "تمام المنة" (147).
[14] "الشرح الممتع" (2/44)، ورجَّح نحوه ابنُ حَزْم في "المحلَّى" (3/193).
[15] ذَكَر ابنُ قُدامة ما يُفيد أنَّ الإمام يُجري رِزق المؤذِّن؛ لأنَّه قد لا يُوجد متطوِّع به، فإن وُجِد متطوِّع به لم يجر الرِّزق لغيرِه لعدمِ الحاجة إليه، وذَهَب الشوكانيُّ إلى تحريمِ الأُجْرة إذا كانتْ مشروطةً، أمَّا إذا أعطيتها بغير مسألة فجائِزة، وانظر "المجموع" للنووي (3/126)، و"المغني" (1/415).
[16] "الاختيارات الفقهية" (ص: 37).
[17] المميِّز: قيل: هو مَن بلَغ سبعَ سنين، وقيل: لا يَتقيَّد بسِنٍّ، فمتَى فهِم الخطابَ وردَّ الجواب، كان مُميِّزًا.
[18] " الاختيارات الفقهية "(37).
[19] عن الحسنِ العبدي: رأيتُ أبا زيد صاحب رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُؤذِّن قاعدًا، وكانت رِجْله أُصيبت في سبيلِ الله؛ رواه البيهقي (1/293)، وإسنادُه حسَن، وحسَّنه الألباني في "الإرواء" (225).
[20] حسن: رواه ابن أبي شيبة (1/193)، والبيهقي (1/392) من طريقين، وحسَّنه الألباني في "الإرواء " (226).
[21] "الشرح الممتع" (2/52).
[22] ثبَت ذلك من حديث أُبيِّ بن كعْب، وجابر بن عبدالله، وأبي هريرة، وسلمان الفارسي - رضي الله عنهم - ولا يخلو كلٌّ منها مِن مقال، لكنَّه يَثبُت بمجموع طُرُقه وشواهده، وقد حسَّنه الشيخ الألباني؛ انظر "السلسلة الصحيحة" (887).
[23] البخاري (624)، ومسلم (838)، وأبو داود (1283)، والترمذي (185)، والنسائي (1/28)، وابن ماجه (1162).
[24] البخاري (625)، ومسلم (837).
[25] مختصر من كلام الشيخ بن عُثَيْمِين رحمه الله في الشرح الممتع (2/70- 71) بتصرف.
[26] "الشرح الممتع" (2/41).
[27] "الاختيارات الفقهية" (ص: 70).
[28] فتح الباري (2/120).
[29] صحيح: رواه أبو داود (521)، والترمذي (212)، وقال: حسن صحيح.
[30] حسن صحيح: رواه أبو داود (524)، وأحمد (2/172)، وانظر "صحيح الترغيب" (256).
[31] "المغني" (1/422).
[32] راجع فتاوى اللجنة الدائمة.
[33] البخاري (611)، ومسلم (383)، وأبو داود (522)، والترمذي (208)، والنسائي (2/23)، وابن ماجه (720).
[34] مسلم (385)، وأبو داود (527)، وابن حبان (1685)، وابن خزيمة (417).
[35] مسلم (386)، وأبو داود (525)، والترمذي (210).
[36] "فتاوى كبار العلماء"، ط. المكتبة الإسلامية
[37] وسيأتي ذِكرُها في آخر أبوابِ صِفة الصلاة.
[38] مسلم (384)، وأبو داود (523)، والترمذي(3614)، والنسائي (2/25)
[39] البخاري(614)، وأبو داود (529)، والترمذي (211)، والنسائي (2/26)، وابن ماجه (722)
[40] المجموع(3/118).
[41] مختصرة من كتاب الفتاوى للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله المفتي الأسبق للمملكة العربية السعودية (2/136) بتصرف.، وقد ذكر هذه الفتوى الشيخ بن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (2/76)
[42] "المغني" (1/428 - 429).
[43] انظر "الشرح الممتع" (2/74)، و"المجموع" للنووي (3/119)
[44] "المجموع"(3/120).
[45] رواه البخاري تعليقًا (2/87)، ووصله ابن أبي شيبة (1/229).
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
في فقه الكتاب وصحيح السنة لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله [1]
معنى الأذان:
الأذان في اللغة معناه: الإعلام، وفي الشرع معناه: الإعلام بوقتِ الصلاة بألفاظٍ مَخصوصة، أو يُقال: التعبُّد للهِ بالإعلام بوقتِ الصلاة، بألفاظٍ مخصوصة.
فضيلة الأذان والمؤذنين:
1- قال رَسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
((لو يَعْلمُ الناسُ ما في النِّداء - (أي: الأذان) - والصفِّ الأول ثم لم يَجدوا إلا أنْ يَستهِمُوا عليه، لاستَهَمُوا - (أي: ثم لم يَجدوا إلا أنْ يَعملوا عليه قرعة لاقترَعُوا) - ولو يعلمون ما في التَهْجِيرِِ - (أي: صلاة الظُّهر) - لاستَبَقُوا إليه، ولو يَعلمون ما في العَتَمةِ والصُّبح - (أي: لو يَعلمون ما في صلاة العشاء والفجر) -، لأَتَوْهُما ولو حَبوًا))[2]. والحَبْو:) أن يَمشي على يَدَيْهِ ورُكْبتَيْه).
2- عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صَعْصَعة أن أبا سعيدٍ الخُدريّ رضي الله عنه قال له:
"إنِّي أراك تُحبُّ الغنمَ والبَادِيَة - (الصحراء) -، فإذا كُنتَ في بادِيَتِك أو غنمِك فأذنْتَ للصلاة، فارفعْ صوتَك بالنداء؛ فإنَّه لا يَسمَعُ مَدَى صَوْتِ المؤذِّن جِنٌّ ولا إنسٌ إلا شَهِد له يومَ القيامة، قال أبو سعيد: سمعتُه من رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم"[3]، زاد في رواية ابن خُزَيْمَة: ((ولا يَسْمَعُ صوتَهُ شَجرٌ ولا مَدَرٌ ولا حجَرٌ ولا جِنٌّ ولا إنس)). والمَدَر هو: قِطَع الطِين اليابس.
3- قال النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم:
((إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يُصلُّون على الصفِّ المُقدََّم، والمؤذِِّن يُغفَرُ له مَدَى صوتِه، ويُصدِّقه مَن سَمِعَهُ مِن رَطبٍ ويابسٍ، وَلَهُ أجْرُ مَن صَلّى معه))[4].
4- قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
((الإمامُ ضامِنٌ، والمؤذِّن مُؤتَمَن، اللهمَّ أرْشِدِ الأئِمَّة، واغفِرْ للمؤذِّنين))[5]. ((والضمان هو)): الكفالة والحِفظ والرِّعاية، و((المؤتَمَن)): أي:الأمِين على مواقيتِ الصلاة.
5- قال رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
((المؤذِّنون أطولُ الناس أعناقًاً يومَ القِيامة))[6].
6- قال النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم:
((مَن أذَّن اثنَتَي عشرة سَنَة وجبَتْ له الجنة، وكُتِبَ له بتأذينه في كلِّ يوم سِتُّون حَسَنة، وبكلِّ إقامةٍ ثلاثون حَسَنة))[7].
بدْء مَشرُوعية الأذان:
شُرِعَ الأذان في السَّنة الأولى من الهِجرة، وكان سبب ذلك: أنَّهم كانوا يَتحَيَّنون للصلاة (أي: يُقدِّرون وقتَها) ليأتوا إليها، فتَكلَّموا في ذلك على النحوِ الآتي في الأحاديث:
1 - عن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما قال:
كان المسلِمون حين قدِمُوا المدينةَ يَجتمعون فيَتحيَّنون الصلواتِ، وليس يُنادِي بها أحدٌ، فتكلَّموا يومًا في ذلك، فقال بعضُهم: اتِّخِذوا ناقوسًا مِثل ناقوسِ النَّصارى، وقال بعضُهم: قَرْنًا مِثْل قرن اليهود، فقال عمر: أوَلاَ تَبعثون رجلاً يُنادِي بالصلاة، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يا بلالُ، قُمْ فنادِ بالصلاة))[8].
2 - وعن عبدِ الله بن زيدِ بن عبد ِربِّه رضي الله عنه قال:
"لَمَّا أمَر رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالناقوسِ ليَضرِبَ به الناسُ في الجَمْع للصلاة - وفي رواية: وهو كارهٌ؛ لموافقتِهِ للنصارَى - طاف بي وأنا نائمٌ رجل يحمل ناقوسًا في يدِه، فقلتُ له: يا عبدَ الله، أتبيع الناقوس؟ قال: ماذا تَصْنَع به؟ قال: قلتُ: ندعو بهِ إلى الصلاة، قال: أفلا أدلُّك على ما هو خيرٌ مِن ذلك؟ فقلتُ له: بلى، قال: تقول: اللهُ أكبر اللهُ أكبر، اللهُ أكبر اللهُ أكبر، أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، أشهد أنْ لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الفلاح، حَيَّ على الفلاح، اللهُ أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
ثم استأخَرَ غيرَ بعيد، ثم قال: تقول إذا أُقيمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أنْ لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله، حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الفلاح، قد قامتِ الصلاة، قد قامتِ الصلاة، اللهُ أكبر اللهُ أكبر، لا إله إلا الله.
فلمَّا أصبحتُ أتيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأخبرتُهُ بما رأيتُ، فقال: ((إنَّها لرؤيا حق إنْ شاء الله، فقُمْ مع بلال فأَلْقِ عليه ما رأيتَ، فليُؤذِّن به؛ فإنَّه أنْدَى صوتًا منك))، قال: فقمتُ مع بلالٍ، فجعلتُ ألقيه عليه، ويُؤذِّن به، قال: فسَمِعَ بذلك عمرُ، وهو في بيته فخرَج يَجرُّ رِداءَه، يقول: والذي بعثَك بالحقِّ لقدْ رأيتُ مثل الذي أُرِيَ، قال: فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فلله الحمد))"[9].
حُكم الأذان:
ذَهَب بعضُ العلماء إلى أنَّ الأذان سُنَّة مؤكَّدة، وذهَبَ آخرون إلى أنه واجب، وذهب فريقٌ ثالث إلى أنه فَرْض كفاية (يعني إذا قامَ بهِ البَعضُ سَقطَ عن الكُل)، وهو الراجِح، وهذا ما رجَّحه شيخُ الإسلام ابن تيْمِيَة[10].
أذان المسافرين:
يُشرَع في حقِّ المسافرين الأذانُ، كما هو في حقِّ المقيمين.
صِفة الأذان:
وَرَدَتْ ألفاظُ الأذان بكَيفيَّاتٍ مختلِفة، وكلُّها صحيحة، فبأيَّ صِيغة أذَّنَ أجْزأهُ:
الأولى: تربيعُ التكبيرِ الأوَّل - (يعني قوْل كلمة: (الله أكبر) 4مرات) -، وتَثنِيَة باقِي ألفاظ الأذان - (يعني باقِي ألفاظ الأذان تُكَرَّر مرتين) -، وهذا واردٌ في حديث عبدالله بن زيد المتقدِّم.
الثانية: تَربيعُ التكبير الأوَّل، وتَثنِيَة باقِي ألفاظِه، مع ترجيع الشهادتين (وذلك بأنْ يقول المؤذِّن الشهادتين أولاً بصوت منخفِض، ثم يَقولهما بعدَ ذلك بصوت مرتفِع).
الثالثة: تثنيةُ التكبير- (يعني قوْل كلمة: (الله أكبر) مرتين فقط ) - وتَثنِيَة باقي ألفاظِه، مع ترجيعِ الشهادتين.
قال الصَنعَاني رحمه الله: "فذَهب الأكثرُ إلى العمل بالتربيع (يعني قوْل كلمة: (الله أكبر) 4مرات)؛ لشُهرةِ روايته، ولأنَّها زيادةُ عدْل، فهي مقبولة"[11].
التثويب في أذان الفَجْر الأوَّل (يعني قوْل: الصلاةُ خيرٌ من النَوْم) بعد (حَيَّ على الفلاح):
المَشرُوع للفجْر أذانان: الأوَّل منهما قبلَ دخولِ الوقت، والثاني هو الأذان للإعلام بدُخولِ الوقت ولِدُعَاءِ السامعين لحضورِ الصلاة؛ فعن ابنِ عمرَ رَضِيَ الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ بلالاً يُؤذِّن بليْل، فكُلُوا واشْرَبوا حتى يُنادِي ابنُ أمِّ مَكتوم، وكان رجلاً أعْمَى لا يُنادِي (يعني لا يؤذِن) حتى يُقال له: أصْبحْتَ أصْبَحْتَ - (يعني طلعَ الصُبحُ عليك لتؤذن لصلاة الفجر) ))[12].
ويُشرَع في الأذان الأوَّل ((التثويب))، وهو أن يقول المؤذِّن بعد قوْلِهِ: حَيَّ على الفلاح: ((الصلاةُ خيرٌ مِن النوم))؛ وذلك لما ثبَت في حديثِ ابن عمرَ رضي الله عنهما أنه قال: ((كان الأذانُ الأوَّل بعدَ الفلاح: الصلاةُ خيرٌ مِن النوم - مرتين))[13].
صِفة الإقامة:
كما أنَّ للأذان صفاتٍ مختلفةً، فكذلك للإقامة صفات مختلفةً، وهي على النحوِ الآتي:
أولاً: تربيع التكبير الأوَّل- (يعني قوْل كلمة: (الله أكبر) 4مرات) -، وتَثنِيَة جميعِ كلماتها- (يعني باقِي كلمات الإقامة تُكَرَّر مرتين) -، ما عدَا الكلمةَ الأخيرةَ (وهي قول: (لا إله إلا الله) تقال مرة واحدة فقط).
ثانيًا: أنْ تكونَ الإقامة وترًا (يعني جميع ألفاظها تقال مرة واحدة فقط) عَدَا قوْلِهِ: (قد قامتِ الصلاةُ)، فتقال مرتين، وعدا التكبير في أوَّله وآخِره فيُقال مرتين أيضا (وهذه الصِيغة هي المشهورة).
أحكام وآداب تتعلق بالمؤذن:
1- إخلاص النية:
يَنبغي للمؤذِّن أنْ يُحسِنَ النِّية في أذانِهِ، وذلك بأنْ يَحتسِبَ أذانَهُ، ولا يتخِذ عليه أجْرًا.
قال الشيخُ ابن عُثَيْمِين رحمه الله: "وأمَّا الجُعَالَة - (يعني الذين يجعلون مكافأة للمؤذنين) -: بأنْ قال: مَن أذَّنَ في هذا المسجدِ، فله كذا وكذا، بدون عقْد وإلزام، فهذه جائزة؛ لأنَّه لا إلزامَ فيها، فهي كالمكافأةِ لِمَن أذَّن، ولا بأسَ بالمكافأة لمَن أذَّن"[14]، وقال: "لا يَحرُمُ أن يُعطَى المؤذِّن والمُقِيم عطاء مِن بيت المال، وهو ما يُعرَف في وقتنا بالرَّاتب؛ لأنَّ بيتَ المال إنَّما وُضِعَ لمصالح المسلمين، والأذان والإقامة مِن مصالح المسلمين"[15].
2- أنْ يكون مُسلِمًا عاقلاً ذكَرًا:
وعلى هذا فلا يَصِحّ الأذان مِن مُسَجِّل (مِذياع)، كما هو الحالُ في بعضِ الدِوَل، يَكتفون بوَضْعِ مُسَجِّل يسمعون الأذانَ مِن خلالِهِ دون أن يُؤذِّن بالمسجد مُؤذِّن.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وفي إجزاءِ الأذانِ مِن الفاسِق رِوايتان، أقواها عدمُه- (أي عدم إجزائه، فيُعَاد مرة أخرى من غيره) -؛ لمخالفتِه لأمرِ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم"[16].
3- يُشترَط مَعرفتُهُ بوقت الصلاة
ويَصِحّ أذان الأعْمَى، ولكنْ يُستحَبّ أنْ يكون معه مُبْصِرٌ يُعْلِمُهُ بدخولِ الوقت.
ولكنْ هناك مَسألة: هل يَصِحّ أذان الصَبيّ المُمَيِّز[17]؟
يَرَى بعضُ العلماء صِحَّةَ أذانه؛ لأنَّ الأذان ذِكْر، لا يَحتاج إلى بُلُوغ، ومَنَعَهُ آخرُون؛ لأنَّه لا يُعتمَد عليه ولا يُوثََق بقوْلِهِ، وقال بعضُهم: إذا كانَ معه غيرُه فلا بأسَ، وإنْ لم يَكُنْ معه غيرُه، فلا يُعتمَد عليه.
قال ابنُ تيْمِيَة رحمه الله:
"والأشبَهُ أنَّ الأذان الذي يُسْقِط الفرْضَ عن أهلِ القرية، ويُعتمَد - (عليه) - في وقتِ الصلاة والصيام: لا يَجُوز أنْ يُباشِرَهُ هو - (أي: الصَبيّ المُمَيِّز) - قولاً واحدًا، ولا يُسقِط الفرْض، ولا يُعتَدُّ بهِ في مَوَاقيتِ الصلاة، وأمَّا الأذان الذي يكونُ سُنَّة مؤكَّدَة في مِثل المساجد التي في المِصْر - (يعني المدينة) -، ونحو ذلك، فهذا فيه رِوايتان، والصحيح جوازُه - (أي: جواز أذان الصبي المميِّز) "[18].
ويُستفاد من ذلك أنَّه إذا كُثُُرَتِ المساجد، وأذَّنَ المؤذِّنون البالِغون فيها، وأذَّن صِبيَانٌ مُمَيِّزون في بعضها - أنَّ أذانهم صحيح.
4- يُستحَبُّ للمؤذن أن يكون صَيِّتًا (أي حَسَنُ الصوت، قويّ الصوت، حَسَنُ الأداء).
5- يُستحَبُّ رَفع الصوت بالأذان (ولو كان مُنفردًا في الصحراء).
6- أنْ يلتفِتَ برأسِهِ وعُنقِهِ يَمينًا وشِمالاً في الحَيْعَلتيْن (حَيَّ على الصلاة وحَيَّ على الفلاح):
وقد اختلَفَ العلماءُ: هل المقصود الاستدارة بالرأسِ فقط، أم الاستدارة بالجَسَدِ كلِّه، والراجح إدارةُ الرأس فقط. كما اختلفوا أيضاً: هل يستديرُ في الحَيْعَلتيْن الأُوليَيْن مرَّةً، وفي الثانيتيْن مرة؛ يعني يقول: ((حَيَّ على الصلاة)) (مرتين)، جهة اليمين، ثم ((حَيَّ على الفلاح)) (مرَّتين) جِهة الشمال، أو يقول: ((حَيَّ على الصلاة)) جِهة اليمين مرَّةً وجِهة الشمال مرَّة، ثم ((حَيَّ على الفلاح)) جِهة اليمين مرَّة وجِهة الشمال أخرى؟
أو يقول: ((حَيَّ على الصلاة)) ويلتفِت يمينًا وشِمالاً أثناءَ ترديدها، ثم يقولها مرَّةً ثانية كذلك، ثم يقول: ((حَيَّ على الفلاح))كذلك،ثميُكرِّرهاكذلك؟
قال الشيخ عادل العزّازي: والأرجَحُ في ذلك الصِّفةُ الأخيرة وذلك بأن يَحرِفَ رأسَهُ يمينًا وشِمالاً في كلِّ واحِدة.
7- يُستحَبُّ وَضْع أصْبعَيْهِ في أُذنيْه:
قال العلماء: وفي ذلك فائدتان:
إحداهُمَا: أنه قد يكون أرْفَعَ لصَوتِهِ (يعني أعلَى لصَوتِهِ).
ثانِيهما: أنَّه علامة لمَنْ يُؤذِّن؛ ليعرفَ مَن رآهُ على بُعْد، أو كانَ بهِ صَمَم أنَّه يؤذِّن.
8- أنْ يستقبل القِبلة:
فإنْ أخلَّ باستقبال القبلة، كُرِهَ له ذلك، وصَحَّ أذانُه.
9- يُستحَبُّ أنْ يكونَ المؤذِّن على طهارةٍ كاملة مِن الحَدَث والجَنَابة، لكنَّه إنْ أذَّنَ على غيرِ طهارة فأذانُه صحيح.
10- يُستحَبُّ أنْ يؤذن قائِمًا:
فإنْ كانَ له عُذرٌ، فلا بأسَ أنْ يُؤذِّن قاعدًا [19]، فإنْ لم يَكُنْ له عُذرٌ، كُرِهَ له ذلك، وَصَحَّ أذانُه، ويَجُوز للمسافرِ الأذانُ راكبًا، وقد ثبَتَ أنَّ ابن عمر كان يُؤذِّن على البَعيرِ، فيَنـزل فيُقيم[20].
11- يُستحَبُّ أنْ يؤذِّن على مكان مرتفِع:
قال الشيخُ ابنُ عُثَيْمِين رحمه الله: "ولا فرْقَ بين أن يكون العُلُوُّ بذاتِ المؤذِّن، أو بصَوْت المؤذِّن كما هو الموجودُ الآن بمكبِّرات الصوت - (الميكروفون)"[21].
الكلام أثناء الأذان:
يَجُوز للمؤذِّن أنْ يتكلَّم أثناءَ الأذان، خاصَّة إذا كانَ الكلامُ مَشروعًا، كَرَدِّ السلام وتشمِيتِ العاطِس؛ لأنَّه لم يَمنَع مِن ذلك قرآنٌ ولا سُنَّة.
أذان المرأة:
ليسَ على النِّساء أذانٌ ولا إقامة؛ لأنهُنَّ غيرُ مُخاطَبَات بالجماعة ولا بالأذان، لكنْ إنْ أذَّنَّ وأقمْنَ، فلا بأسَ (أي: في حُضور نساء فقط)، وممَّا ينبغي التنبيهُ عليه: أنَّها إذا أذَّنت فيكون صوتُها بحيث تُسْمِعُ مَن معها مِن النساء فقط، لا يتعدَّى ذلك فيَسمَعَهُ الرِّجال.
ترتيب الأذان:
لا يَصِحّ الأذانُ والإقامة إلا مُرتَّبًا، وكذلك لا يَصِحّ إلا بألفاظِه الواردة، فإنْ كانَ في لسانه لُثْغَة - (يعني ألْثَغ) - جازَ أذانُه، وإنْ كان الأفضل أن يُؤذِّن المُحسِنُ للألفاظ، ولا يَصِحّ إلا مُتوَاليًا، فإنْ فصَلَ بعضَه بزمنٍ طويل لم يُجزِئْ، لكنْ إنْ حصَلَ له عُذرٌ مِن عِطاسٍ وَنَحوَه، فإنَّه يَبني على ما سبَق(يعني يُكمِل أذانه).
الفصل بين الأذان والإقامة:
يُستحَبُّ أنْ يُفصَلَ بين الأذان والإقامة بقَدْر أنْ يَفرُغَ الإنسان مِن طعامِه وشرابه، وقضاء حاجَتِه، وصلاةِ ركعتَين على الأقلِّ في كلِّ الصلوات؛ وذلك للأدلة الآتية:
1- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال لبلال: ((اجعلْ بين أذانِك وإقامتِك قدرَ ما يَفرغ الآكِلُ مِن أكْلِه، والشارب مِن شُرْبه، والمعتصِرُ إذا دخَل لقضاءِ حاجتِه))[22].
2- قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((بيْن كلِّ أذانين صلاة))[23]، (والمراد بالأذانين: الأذان والإقامة)، وكذلك ما ثبَتَ من حديثِ أنس رضي الله عنه وغيرِه: ((كان أصحابُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أذَّن المؤذِّن، ابتدَرُوا السَوَاري - (أي أسرَعُوا إلى الأعمدة حتى يكونَ أمامَهُم سُترَة بحيثُ لا يَمُرّ مِن أمامهم أحد) - وَصَلَّوْا ركعتَيْن)) [24] والمقصود مِن ذلك تمَكُّن الناسِ مِن إدراك الصلاة، قال ابنُ بَطَّال: لا حَدَّ لذلك غير تمَكُّن دخولِ الوقت، واجتماع المصلِّين.
ولكنْ ينبغي أيضاً أن يُراعَى عُرْفَ الناس والمَصلحَة العامَّة للمسلمين، فإنّ منهم مَنْ قد ترَكَ عملَهُ وغير ذلك ليؤدي الصلاة.[25]
الفصل بين الإقامة وتكبيرة الإحرام:
يَجُوز الفصْل بيْن الإقامة وتكبيرة الإحرام إذا كانَ لِحاجَة، أمَّا إذا كانَ لغير حاجة، فهو مكروهٌ.
- هل يَلزَم أنْ يُقيمَ مَن أذَّن؟
الأَوْلى أنْ يُقيم مَن أذَّن؛ لأنَّ بلالاً كان هو الذي يُقيم الصلاة، ولكنْ يَجُوز أن يُقيمَ غيرُه، ولا دليلَ على استحباب الإقامة للمؤذِّن دونَ غيره خاصَّة إذا تأخَّر المؤذِّن لسببٍ ما، وممَّا يَنبغي أن يُراعَى أنه لا يُقيم المؤذِّن حتى يأذنَ له الإمامُ.
الأذان للفائِتةِ عن نَوْمٍ أو نِسيان:
يَجُوز الأذان والإقامة للصلاة المَقضيّة، وقد ثبتَ ذلك عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في أكثر مِن مَوْضِع.
قال ابنُ عُثَيْمِين رحمه الله: "ولكنْ إذا كانَ الإنسانُ في بَلَدٍ قد أُذِّن فيهِ للصلاة... فلا يَجب عليهم الأذانُ؛ اكتِفاءً بالأذان العام في البلَد؛ لأنَّ الأذان العام في البلد حصَل به الكفايةُ، وسقطتْ به الفريضة"[26].
قال ابن تيْمِيَة رحمه الله: "وليس الأذانُ بواجبٍ للصلاة الفائتة، وإذا صلَّى وحْدَه أداءً أو قضاءً وأذَّن وأقام، فقد أحْسَن، وإنِْ اكتفى بالإقامةِ أجزأه، وإنْ كانَ يَقضِي صلوات، فأذَّن أوَّل مرَّة، وأقام لبقية الصلوات، كانَ حَسَنًا أيضًا"[27].
وكذلك إذا جَمَعَ بين الصلاتين، أذَّن للصلاة الأولى وأقام لكلِّ صلاة.
متى يقومُ الناسُ إلى الصلاة؟
قال الإمامُ مالِك رحمه الله: (لم أسمعْ في قيام الناس حينَ تُقامُ الصلاة حَدًّا محدودًا، إنِّي أرى ذلك على طاقةِ الناس؛ فإنَّ منهم الثقيلَ والخفيف)، وقال الحافِظ رحمه الله: "وذَهَب الأكثرون إلى أنَّهم إذا كان الإمامُ معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرُغَ الإقامة"[28].
قال الشيخ عادل العزّازي: لكن الثابت عن أنسٍ رضي الله عنه أنَّه كانَ يقوم إذا قال المؤذِّن: قد قامتِ الصلاة.
الخروج من المسجد بعد الأذان:
مَن كانَ في المسجدِ، وأذَّن المؤذِّن، فلا يَخرُج من المسجدِ إلا لعُذر؛ لأنَّه قد وردتِ الأحاديث بنَهْيهِ عن الخروجِ من المسجد حتى يُصلِّي، فأما مَن كانَ له ضرورةٌ؛ كأنْ يكونُ مُحدِثًا أو حاقِنًا (يعني يُدافِعُهُ البول أو الغائِط أو الحَدَث)، أو إمامًا لمسجدٍ آخَرَ، جازَ له الخروج.
الدعاء بين الأذان والإقامة:
قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا يُرَدُّ الدعاءُ بين الأذان والإقامة))[29]، وعن عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما أنَّ رَجُلاً قال: يا رسولَ الله، إنَّ المؤذِّنين يَفْضُلوننا - (يعني أفضل منا في الأجر بسبب أذانهم) -، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((قلْ كما يقولون، فإذا انتهيتَ فسَلْ تُعْطَهْ))[30].(يعني فإذا انتهيت مِن ترديدِكَ فادعُ اللهَ يَستجب لك).
ملاحظات:
1- قال ابنُ قدَامَة رحمه الله: "مَن دخَلَ مسجدًا قد صُلِّيَ فيه، فإنْ شاءَ أذَّن وأقام، وإنْ شاءَ صَلَّى مِن غيرِ أذان ولا إقامة"[31]، لكنْ يُلاحَظ أنَّ الأفضل لكلِّ مصلٍّ أنْ يُؤذِّن ويُقيم، إلا إنَّه: إنْ كانَ يُصلِّي قضاءً، أو في غير وقتِ الأذان فإنه لا يَجهر بأذانِهِ لِئَلا يَغُرَّ الناس بالأذان في غيرِ مَحلِّه، ولهُ أنْ يُقيم فقط، أمَّا إنْ كانَ في وقت الصلاة وهو في بادية (صحراء) ونَحْوِِها، استُحبَّ له الجَهرُ بالأذان ورَفْع الصوت به.
2- يَجُوز أنْ يُقيمَ المؤذن في نفس المكان الذي أذَّن فيه، ويَجُوز أنْ يُقيم في مكانٍ غيره، لكنْ إنْ كانَ المؤذِّن يُؤذِّن خارجَ المسجد، فالسنَّة أنْ تكونَ الإقامةُ بالمسجد.
3- لا يُقيم المؤذِّن حتى يأذنَ له الإمام؛ لأنَّ بلالاً كان يستأذن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أما إذا لم يَكُنْ هناك إماماً راتباً للمسجد فالأفضل للمؤذن قبل أنْ يُقيم أنْ يَختارَ أحدَ المصلين ويُبلِغهُ أنه سيصلي بهم إماماً ثم يستأذنه، ويَجُوز له أيضا أنْ يُقيم بعد ربع ساعة تقريبا(أو حسب عُرف الناس)دونَ أنْ يستأذنَ أحداً لعدم وجود إمام راتب.
4- إذا صلَّوْا بلا أذانٍ ولا إقامة، صَحَّتْ صلاتُهم، ولكنْ كُرِهَ لهم ترْكُ الأذان بشرْط أنْ يكونَ الأذانُ قد أُذِّن به في البَلد الذي يقيمون فيه.
5- لا يُؤذِّن إلا المؤذِّن الراتِب، ولا يَتقدَّم عليه أحدٌ؛ لمَا ثبَت أنَّ بلالاً كان يؤذِّن لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يَتقدَّمْه أحدٌ مِن الصحابة بالأذان.
6- إذا تَشاحَّ اثنانِ في الأذان (يعني اختلفوا لأنّ كِلاهُمَا يريدُ أنْ يؤذن)، فيُقُدَّمُ أفضلُهما في الخِصال المعتبَرة، كأنْ يُقدََّمَ الأنْدَى صوتًا، فإنْ تساويَا مِن كلِّ الجهات أُقْرِع بينهم (أي عندئذٍ يعمل الناس بينهم قرعة).
7- لا يُؤذَّن ولا يُقام لشيء مِنَ النوافل ولا لصلاة العِيدَيْن، ولا لصلاة الاستسقاء والكسوف، ولا لصلاةِ الجنازة، إلا أنَّه يقول في الكسوف: ((الصلاةَ جامعةً))، وأمَّا العِيدان والتراويح ونحوهما، فلم يَردْ فيها شيءٌ من ذلك.
8- في البَرْد الشديد، أو المطر الشديد، يقول المؤذِّن بعدَ حَيَّ على الفلاح:((ألاَ صلُّوا في رِحالِكُم)) أي: في بيوتكم.
9- إذا تأخَّر المؤذِّن عن الأذان، فإنَّه يَجُوز له أن يُؤذِّن إذا كان وقتُ التأخير قليلاً - (خمس دقائق تقريبا أو حسب عُرف الناس) -، فإنْ طالَ الوقْتُ، وكانَ قد أُذِّن في البلد وعَلِم الناس بدخولِ الوقت، فالأَوْلى عدم الأذان؛ حتى لا يُشَوِّش على الناس (يعني حتى لا يَحدُثَ لهم(بَلبَلة))، إلا أنْ يكون هو المسجدَ الوحيد الذي يعتمد عليه الناسُ، ولم يَكُنْ قد أَذَّن فيه أحدٌ، فيشرع رَفع الأذان ولا بأسَ بذلك؛ لأنَّه ليس فيه تشويش[32] ويُلاحَظ أنه يَجُوز للمؤذن أنْ يتعمد تأخير أذانه إلى ما بعد انتهاء أذان المسجد المُجاور له مباشرة لعدم التشويش بأكثر مِن أذان على مَن يُردّد.
الذِكْر عند الأذان وبعده:
يُسَنُّ لمَن يَسمع الأذان هذه الأذكار:
1- أنْ يقول مِثلَ ما يقول المؤذِّن:
إلا في الحَيْعَلتيْن- (حَيَّ على الصلاة - حَيَّ على الفلاح) - فيقول: ((لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله))، فقد قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا سَمِعتُم النداء، فقُولوا مِثلَ ما يقول المؤذِّن))[33]، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم أيضاً: ((إذا قال المؤذِّن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدُكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله، قال: أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله، ثم قال: حَيَّ على الصلاة، قال: لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله، ثم قال: حَيَّ على الفلاح، قال: لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، مِنْ قَلْبِه، دَخَل الجَنَّة))[34].
ولا مُنافاةَ بيْن الحديثَيْن - أعنِي: في الحَيْعَلتيْن (حَيَّ على الصلاة - حَيَّ على الفلاح) - ففي الحديثِ الأوَّل ظاهرُهُ أنْ نقول خلْف المؤذن: (حَيَّ على الصلاة - حَيَّ على الفلاح) مثلما يقول، وفي الثاني نقول: لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله، فيُمكِن أنْ يُقال: (يَجُوز هذا، و يَجُوز هذا)، ويُمكِن أنْ يُقال: (يَجُوز الجَمْع بينهما، فتَقول أوّلاً: حَيَّ على الصلاة، ثم تقول: لا حولَ ولا قُوَّة إلا بالله)؛ جَمعًا بيْن الأحاديث، والله أعلم.
2- أنْ يدعُوَ بهذا الدُّعاء:
(وأنا أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحْدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، رضيتُ بالله رَبًّا، وبمحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم رسولاً، وبالإسلامِ دِينًا)، فقد قال رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن قال حين يسمع المؤذِّن: وأنا أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحْدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، رضيتُ بالله رَبًّا، وبمحمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - رسولاً، وبالإسلامِ دِينًا، غُفِر له ذَنبُه))[35]، ويَرَى الشيخ ابن عُثَيْمِين رحمه الله أنَّ هذا الدعاء مَحِلّهُ بعدَ قوْل المؤذن: ((أشهد أنَّ محمدًا رسول الله))[36].
3- أنْ يُصلِّي على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بإحدى الصِّيَغ الواردة[37]، ثم يسألُ اللهَ له الوَسِيلةَ، فقد قال النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا سمعتُمُ المؤذِّن، فقولوا مِثلَ ما يقول، ثم صَلُّوا عليَّ؛ فإنَّه مَن صلَّى عليَّ صلاةً، صلَّى اللهُ عليه بها عَشْرًا، ثم سَلُوا الله لِيَ الوَسِيلةَ، فإنَّها مَنـزلةٌ في الجنة لا تَنبغي إلا لِعَبدٍ مِن عباد الله، وأرْجو أن أكونَ أنا هو، فمَن سألَ لِيَ الوَسيلةَ حَلَّتْ له الشفاعة))[38].
ومعنى سؤاله الوَسِيلةَ أنْ يقول: (اللهمَّ ربَّ هذهِ الدَعوةِ التامَّة، والصلاةِ القائِمة، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلةَ والفضيلةَ، وابعثهُ مَقامًا مَحمودًا الذي وعَدْتَه)، لِمَا ثبَتَ في الحديث أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((مَن قال حين يَسْمعُ النِداء: اللهمَّ ربَّ هذه الدعوةِ التامَّة، والصلاةِ القائمة، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلةَ والفضيلةَ، وابعثهُ مَقامًا مَحمودًا الذي وعَدْتَه، إلا حَلَّتْ له الشفاعةُ يومَ القيامة))[39].
ملاحظات وتنبيهات:
1- قال النوويُّ رحمه الله:
"قال أصحابُنا: ويُستحبُّ متابعتُه - (أي: الأذان) - لكلِّ سامع، مِن طاهِر ومُحدِث، وجُنُب وحائِض، وكبير وصغير؛ لأنَّه ذِكْر، وكل هؤلاء مِن أهل الذِّكْر، ويُسْتثنَى مِن هذا المصلِّي، ومَن هُوَ على الخلاءِ والجِماع، فإذا فرَغ مِن الخلاء أجابَه، فإذا سَمِعه وهو في قراءةٍ أو ذِكْر، أو دَرْس، أو نحو ذلك، قطَعَهُ وتابَعَ المؤذِّن، ثم عاد إلى ما كانَ عليه - إنْ شاء - وإنْ كان في صلاةِ فَرْض أو نَفل، قال الشافعي والأصحاب: لا يُتابعه، فإذا فرَغ منها قالَه - (يعني كأنه سيقضي ترديد كلمات الأذان بعد انتهاء صلاته)"[40]، ويُلاحظ أنه إذا كانَ في الصلاة أو في الخَلاء، ثم لما انتهَى أدركَ المؤذن - مَثَلاً - وهو يقول: (حَيَّ على الصلاة) فإنه يَجُوز له أنْ يُرَدِّد كلمات الأذان التي فاتتهُ سريعاً، ثم يتابع ما تبقى مع المؤذن جُملة بجُملة.[41].
وأمَّا حُكم هذه المتابعة، فجمهورُ أهل العِلم على أنَّ ذلك سُنَّة(يعني: مُستحَبة، يؤجَرُ فاعِلُها ولا يَأثَمُ تاركُها)، وقال بعضُ أهل الظاهِر: إنَّ المتابعة واجبةٌ (يعني يأثمُ تاركُها) وإنَّه يَجِبُ على مَن سَمِعَ المؤذِّنَ أنْ يَقولَ مِثلَ ما يقول.
2- ترديدُ السامع عندَ قوْل المؤذِّن:
((الصلاة خيرٌ مِن النوم)): أنْ يقول مثلَ ما يقول المؤذِّن: ((الصلاة خيرٌ من النوم))؛ لعمومِ الحديث في ذلك: ((فقولوا مِثلَ ما يقول))، وأمَّا الأقوال الأخرى كقولهم: صَدَقْتَ وبَرِرْتَ ونحوها، فلم يَرِدْ فيها دليلٌ يُعتمَد عليه، والراجِح كذلك أنَّه يُتابِعه عندَ ترجيع المؤذن للشَهادتيْن؛ لعمومِ الحديث.
3- كذلك عندَ قوْله في الإقامة:
((قدْ قامتِ الصلاة)) أنْ يقول مثلَ ما يقول، وأما قولُهُم: (أقامَها الله وأدامَها)، فهو حَديثٌ ضعيف، والصحيح أنْ يقول مثلَ المؤذِّن إلا في الحَيْعَلتيْن فقط - كما تقدَّم.
4- ومِن الأخطاء سَبْقُ بعضِ السامعين للمؤذِّن ببعضِ العبارات في آخِرِ الأذان، وذلك عندما يقول:
(الله أكبر الله أكبر)، فيقولون: (لا إله إلا الله)، والصواب أنْ يُتابعوا المؤذِّن جُملةً بجُملة.
5- مِن البِدَع أنْ يقرأَ أحدُهُم قبلَ إقامةِ الصلاة بعضَ آياتٍ من القرآن؛ تنبيهًا للداخلين على أنَّ الصلاة ستُقام، أو نحو هذا.
6- صِيَغ الأذان توقيفيَّة، فلا يَصِحّ الزيادة فيها كقولهم: أشهدُ أنَّ (سيِّدنا) محمدًا رسولُ الله، فإنَّ إيراد مثل هذه الزِّيادة بِدْعة، وكذلك الحُكم في الصلاة على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في التشهُّد في الصلاة.
وكذلك صِِيَغ الدعاء، فلا يَصِحّ زيادة قولهم: (والدرجة العالية الرفيعة)، ولا قولهم في آخِرِ الدعاء: (إنَّك لا تُخلِف المِيعاد)؛ لأنَّ هذه الزياداتِ لم تردْ في أحاديثَ صحيحة، بل وردتْ في رواياتٍ ضعيفة.
7 - قال ابن قدامة:
"مَن دخَل المسجدَ فسَمِع المؤذِّنَ، استُحبَّ له انتظارُه؛ ليفرغَ ويقول مِثل ما يقول، جَمعًا بين الفضيلتَيْن - (ترديد الأذان وصلاة الركعتين) - وإنْ لم يَقلْ كقوله وافتتح الصلاة فلا بأسَ، نصَّ عليه أحمد"[42].
قال الشيخ عادل العزّازي: ولا يَعْني هذا أنَّه يُستحَبُّ الوقوفُ لكلِّ مَن سَمِِعَ الأذان وكانَ واقفًا، بمعنى أنَّه لو كان في المسجدِ، وقامَ لأمرٍ ما، ثم أذَّن المؤذِّن، فيَجُوز له الجلوس، وأمَّا الداخل إلى المسجد فيَقِف حتى ينتهيَ المؤذن ليُردِّد خلْف المؤذِّن، ثم يُصلِّي تحيةَ المسجد، أو السُّنَّة القَبليَّة للصلاة.
8- إذا سَمِع مؤذنًا بعدَ المؤذِّن الأوَّل فهل يُتابِعه؟ نَعم، يُتابعه؛ لعمومِ قْول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا سمعتُم النداء))[43].
9- لو رأى شخصٌ المؤذِّنَ وعَلِمَ أنَّه يُؤذِّن ولم يسمعْه لبُعْدٍ، أو صَمَم، فالظاهِر أنَّه لا تُشرَع له المتابعةُ؛ لأنَّها - أي: المتابعة - مُتعلِّقة بالسَّماع[44].
10- ومِن المُحْدَثات وَضْعُ تقويمٍ مُتفقٍ عليه بيْن الأذان والإقامة، كأنْ يُحدَّدَ بينهما رُبُع ساعة أو نحوها، وفي ذلك تفويتٌ للسُنَن: منها: تفويتُ التبكير إلى المساجِد؛ لتكاسُلِ الناس للحُضور انتظارًا للإقامة، ومنها: ضَياع السُنّة القَبليَّة للقادمين، ومنها: تفويت حقِّ الإمام في إذنِهِ بالإقامة، ومنها: تفويت مُرَاعَاةِ حال المصلِّين - (يعني أنَّهم إذا عَجَّلوا ينبغي له أنْ يُعَجّل بالصلاة، وإذا أبطؤوا أنْ يبطئ بالصلاة)- حتى إنَّ المؤذِّن ربَّما أقامَ الصلاة لانتهاءِ المدَّة المُحدَّدة، وما زالَ كثيرٌ مِن الناس يصلُّون النافلةَ، بل قد يكونُ الإمامُ أحدَهم!
11- أحْدَثَ الناسُ بِدَعًا أخرى - غير ما تَقدَّم - إلى الأذان: منها:
الجَهْر بالصلاةِ على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من المؤذِّن بعدَ الأذان، فذلك بدعةٌ مُنكَرة؛ ولكن السُّنَّة ما تَقدَّم مِن الصلاة والسلام على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم سِرًّا لا جَهرًا، ومنها: التسمية قبلَ الأذان، ومنها: التطريبُ والتلحين في الأذان الذي يَفْعَله كثيرٌ من المؤذِّنين ويُسمُّونه (الأذان السُلطاني)،، فإنَّ ذلك من البِدَع المنكَرة وقد قال عمرُ بن عبد العزيز رحمه الله لأحد المؤذنين: أذِّن أذانًا سَمْحًا، وإلا فاعتزلْ، وسبب قوله ذلك فيما رواه ابنُ أبي شَيْبَة: أنَّ مؤذنًا أذنَ فطرب في أذانه[45]، ومنها في بعض الدِوَل: الضَّرْب على الطُّبول قبلَ الأذان،ومنها: مَسْح العينَيْن بباطنِ السبابتيْن بعدَ تقبيلِهِمَا عِندَ قوْل المؤذِّن: (أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله)، وهذا عملٌ غيرُ مشروع، والحديثُ الوارد في ذلك لا يَصِحّ، ومنها: ما قاله الحافظ في "الفتح": "ما أُحْدِث مِن التسبيح قبلَ الصُبح وقبْل الجُمُعة، ومِن الصلاة على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليس مِن الأذان لا لُغةً ولا شرعًا".
"التلخيص على مسؤولية الكاتب"
[1] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري)، وقد تمَّ مراجعة المُلَخَّص من أحد تلاميذ الشيخ عادل.
[2] البخاري (615)، ومسلم (437)، والترمذي (225)، والنسائي (1/269).
[3] البخاري (609)، والنسائي (21/12)، وابن خزيمة (389).
[4] النسائي (2/13)، وأحمد (4/284)، والطبراني في الأوسط (8/136)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الجامع" (1841)، وصحيح الترغيب (235)، وصحَّحه الشيخُ شُعيب الأرناؤوط دون قوله: ((وله مِثلُ أجْر مَن صلَّى معَه)).
[5] صحيح: رواه أبو داود (517)، والترمذي (207)، وابن خزيمة (1531)، وصحَّحه الألباني في "صحيح الترغيب" (232).
[6] مسلم (387)، وابن ماجه (725)، وأحمد (4/95).
[7] صحَّحه الألباني: رواه ابن ماجه (728)، والدارقطني (1/240)، والحاكم (1/205)، وقال: صحيح على شرط البخاري، وصحَّحه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (42).
[8] البخاري (604)، ومسلم (377)، والترمذي (190)، والنسائي (1/102).
[9] رواه أبو داود (499)، والترمذي (189)، وابن ماجه (706)، وأحمد (4/42-43)، واللفظ له، وقال الترمذي: حسن صحيح.
[10] انظر "مجموع الفتاوى" (22/64)، وهو ترجيحُ الشيخ الألباني أيضًا "تمام المنَّة في التعليق على فِقه السنة" (ص: 144).
[11] سبل السلام (1/197).
[12] البخاري (617، 620)، ومسلم (1092)، والترمذي (203)، والنسائي (2/10).
[13] حسن: رواه البيهقي (1/423)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/82)، وحسَّنه الشيخُ الألبانيُّ في "تمام المنة" (147).
[14] "الشرح الممتع" (2/44)، ورجَّح نحوه ابنُ حَزْم في "المحلَّى" (3/193).
[15] ذَكَر ابنُ قُدامة ما يُفيد أنَّ الإمام يُجري رِزق المؤذِّن؛ لأنَّه قد لا يُوجد متطوِّع به، فإن وُجِد متطوِّع به لم يجر الرِّزق لغيرِه لعدمِ الحاجة إليه، وذَهَب الشوكانيُّ إلى تحريمِ الأُجْرة إذا كانتْ مشروطةً، أمَّا إذا أعطيتها بغير مسألة فجائِزة، وانظر "المجموع" للنووي (3/126)، و"المغني" (1/415).
[16] "الاختيارات الفقهية" (ص: 37).
[17] المميِّز: قيل: هو مَن بلَغ سبعَ سنين، وقيل: لا يَتقيَّد بسِنٍّ، فمتَى فهِم الخطابَ وردَّ الجواب، كان مُميِّزًا.
[18] " الاختيارات الفقهية "(37).
[19] عن الحسنِ العبدي: رأيتُ أبا زيد صاحب رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُؤذِّن قاعدًا، وكانت رِجْله أُصيبت في سبيلِ الله؛ رواه البيهقي (1/293)، وإسنادُه حسَن، وحسَّنه الألباني في "الإرواء" (225).
[20] حسن: رواه ابن أبي شيبة (1/193)، والبيهقي (1/392) من طريقين، وحسَّنه الألباني في "الإرواء " (226).
[21] "الشرح الممتع" (2/52).
[22] ثبَت ذلك من حديث أُبيِّ بن كعْب، وجابر بن عبدالله، وأبي هريرة، وسلمان الفارسي - رضي الله عنهم - ولا يخلو كلٌّ منها مِن مقال، لكنَّه يَثبُت بمجموع طُرُقه وشواهده، وقد حسَّنه الشيخ الألباني؛ انظر "السلسلة الصحيحة" (887).
[23] البخاري (624)، ومسلم (838)، وأبو داود (1283)، والترمذي (185)، والنسائي (1/28)، وابن ماجه (1162).
[24] البخاري (625)، ومسلم (837).
[25] مختصر من كلام الشيخ بن عُثَيْمِين رحمه الله في الشرح الممتع (2/70- 71) بتصرف.
[26] "الشرح الممتع" (2/41).
[27] "الاختيارات الفقهية" (ص: 70).
[28] فتح الباري (2/120).
[29] صحيح: رواه أبو داود (521)، والترمذي (212)، وقال: حسن صحيح.
[30] حسن صحيح: رواه أبو داود (524)، وأحمد (2/172)، وانظر "صحيح الترغيب" (256).
[31] "المغني" (1/422).
[32] راجع فتاوى اللجنة الدائمة.
[33] البخاري (611)، ومسلم (383)، وأبو داود (522)، والترمذي (208)، والنسائي (2/23)، وابن ماجه (720).
[34] مسلم (385)، وأبو داود (527)، وابن حبان (1685)، وابن خزيمة (417).
[35] مسلم (386)، وأبو داود (525)، والترمذي (210).
[36] "فتاوى كبار العلماء"، ط. المكتبة الإسلامية
[37] وسيأتي ذِكرُها في آخر أبوابِ صِفة الصلاة.
[38] مسلم (384)، وأبو داود (523)، والترمذي(3614)، والنسائي (2/25)
[39] البخاري(614)، وأبو داود (529)، والترمذي (211)، والنسائي (2/26)، وابن ماجه (722)
[40] المجموع(3/118).
[41] مختصرة من كتاب الفتاوى للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله المفتي الأسبق للمملكة العربية السعودية (2/136) بتصرف.، وقد ذكر هذه الفتوى الشيخ بن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (2/76)
[42] "المغني" (1/428 - 429).
[43] انظر "الشرح الممتع" (2/74)، و"المجموع" للنووي (3/119)
[44] "المجموع"(3/120).
[45] رواه البخاري تعليقًا (2/87)، ووصله ابن أبي شيبة (1/229).
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..