الجمعة، 18 ديسمبر 2015

قصة فيها موعظة وعبرة فهل من معتبر ؟!!

القصة التالية بمناسبة مقطع غسل اليدين بدهن العودالملكي  ، ومقاطع صب السمن على اليدين، والاستعراض بكثرة الذبائح وأحجامها، ونحوها من مظاهر الاستخفاف بالنعم التي تستشري هذه الأيام
..  قال الراوي   .. وأطلت السيدة أم الأمراء (اعتماد) من قصرها الإشبيلي فرأت - عن بعد - نسوةً بدوياتٍ يخضن في الوحل والطين، فأعجبها منظرهنُّ، وأرادت تجريبه، فاستأذنت زوجها ملك إشبيلية الشاعر العاشق (المعتمد بن عباد) في أن تخرج إلى ظاهر إشبيلية لتتمتع بالخوض في الطين مع بناتها...!!
        فمنعته رسوم السلطنة وهيبتها من أن يأذن لها في ذلك، غير أنه تعود أن لا يرفض لها طلبا، فمن فرط شغفه بها أصدر مرسوما إلى كل (عطار) بإشبيلية بأن يسوق كل ما لديه من عطر ومسك وأعواد طيب إلى قصر الملك بثمن يسيل له اللعاب، وقام الخدم بعجن المسك والأعواد بالعطور في باحة القصر الواسعة، فكانت أشبه بالطين والوحل إلا أن ماءه عطر ذو رائحة نفاذة.
ثم نزلت (اعتماد) مع بناتها يخضنَ في الطين المُعطر جيئة وذهابا، وكان يوما مشهودا ...
تسرب خبره من القصر إلى بيوتات الخاصة فالعامة بإشبيلية والأندلس ..
وعلم الناس أي مكانة لاعتماد في قلب المعتمد ...
قال الراوي:
ولم يكن هذا السرف ليذهب دون عقوبة إلهية، فقد جاء (ابن تاشفين) والمرابطون وخلصوا الأندلس من تهديد النصارى القشتاليين ومن (ملوك الطوائف)، ثم أخذوا (المعتمد) و(اعتماد) وبناتهما إلى الإقامة الجبرية في (أغمات) بالمغرب في ذل وهوان  ..  و رأى فيه أصناف البؤس والتعاسة، حتى قيل:
(أخبار ابن عباد تذيب الأكباد)..
ولم تستسغ اعتماد حياة الفاقة، ورأت (الطين الحقيقي)... وحصل أن تجادلت مع الملك الأسير (المعتمد) يوما .. وتشاحنا حتى قالت له: " منذ عرفتك ما رأيت منك خيرا قط !!!!،" 
فقال لها - بدهشة وألم - : " ولا يوم الطين ؟!!"  فخجلت .. وسكتت  .
دخلن عليه بناته _ وهو في السجن في قبو قذر ينضح ماء مع برودة شديدة سببت له المرض _ في يوم عيد بأسمالٍ بالية رثة، وكن يغزلن للناس بأجور زهيدة حتى أن إحداهن غزلت لبيت صاحب الشرطة الذي كان في خدمة أبيها وهو في سلطانه، ولما رآهن أبوهن في أطمار رثة قال هذه الأبيات:

فيما مضى كنت بالأعياد مســرورا
             فجاءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطـمار جـائـعـــــة
           يغزلـن للناس لا يمـلـكـن قـطميـرا
برزن نحوك للتـسليـــم خاشعـــــة
           أبصارهــن حـسيـــرات مـكاسيـــرا
يطأن في الطين والأقدام حافيــــة
             كأنهـا لم تطـأ مســكـا وكـافــــورا
لا خد إلا ويشكو الجدب ظـاهـــــره
            وليس إلا مع الأنفـاس مـمـطـــورا
أفطرت في العيد لا عادت إساءته
            فعــاد فطــرك للأكباد تفطيــــــــرا
قد كان دهرك إن تأمره مـمـتـثــلا
          فـردك الدهـــر منـــهيا ومــأمـــورا
من بات بعدك في ملـك يسر بــه
          فإنما بات في الأحـــلام مغــــرورا

وبعد حياة صاخبة ماتت اعتماد .. ومات المعتمد .. ومن عجائب الدهر أنه نودي على جنازته عندما مات: (الصلاة على الغريب) ..
فسبحان من لا يزول ملكه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..