الثلاثاء، 8 ديسمبر 2015

الإخوان .. جماعة إسلاميّة أم انتهازيّة؟

     مئات الكتب وآلاف المقالات التبجيلية والنقدية، التي كُتبت عن جماعة "الإخوان المسلمين" منذُ أن تأسست سنة 1928م، في الأسكندرية بمصر، على يد حسن البنا، منها ما كُتِبَ تأييدا للجماعة، وأن تأسيسها جاء ردا على قيام الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة الإسلامية رسميا سنة 1924، وأنها تهدف إلى إعادة بعث الإسلام من جديد في حياة المسلمين، كما قال حسن البنا في رسالة (إلى أي شيء ندعو الناس- ص 37، من مجموع رسائل حسن البنا): "إننا نناديكم والقرآن في يميننا والسنة في شمالنا، وعمل السلف الصالحين من أبناء هذه الأمة قدوتنا، وندعوكم إلى الإسلام، وتعاليم الإسلام، وأحكام الإسلام، وهدى الإسلام، فإن كان هذا من السياسة عندكم فهذه سياستنا"؛ ولكن تاريخ الجماعة منذ نشأتها وحتى اليوم لا يدل أنها تدعو إلى الإسلام وأحكام الإسلام؛ فالشعوب العربية في غالبيتها المطلقة مسلمة، وجميع الدساتير في الدول العربية تنص: أن دين الدولة: هو الإسلام، والشريعة الإسلامية: هي المصدر الرئيس للتشريع، فماذا يقصد الإخوان إذن من دعوة الناس إلى الإسلام وإلى أحكامه وهديه؟!.. إنها باختصار شديد؛ تريد الحكم، الحكم فقط؛ ولذلك قامت الجماعة طوال تاريخها بتحالفات مع مختلف الأنظمة -التي تدعي أنها تخالف الإسلام- التي حكمت مصر سواء في العهد الملكي أو الجمهوري إلى درجة الغلو في التحالف في أحيانا كثيرة، فقد كتب حسن البنا مقالا في مجلة الأخوان المسلمون سنة 1356 بعنوان: "حامي المصحف" قال فيه: "إن 300 مليون مسلم في العالم تهفو أرواحهم إلى الملك الفاضل، الذي يبايعهم على أن يكون حاميا للمصحف؛ فيبايعونه على أن يموتوا بين يديه جنودا للمصحف. وأكبر الظن أن الله قد اختار لهذه الهداية العامة الفاروق، فعلى بركة الله يا جلالة الملك ومن ورائك أخلص جنودك" (كتاب الإخوان المسلمون: قراءة في الأوراق السرية للباحث عبدالرحيم علي- ص 13).
كما كانت علاقة الإخوان مع الحكومات الوفديّة التي تشكلت في العهد الملكي جيدة جدا، ولكن ذلك لم يمنع الإخوان من اغتيال رئيس وزراء مصر الأسبق محمود فهمي النقراشي، في الثامن والعشرين من ديسمبر عام 1948، ولا من اغتيال القاضي الخازندار، في الثاني والعشرين من مارس سنة 1948.
وبعد ثورة 23 يوليو وسقوط النظام الملكي في مصر تحالف الأخوان مع الضباط الأحرارحتى كانت سقطتهم الشهيرة عام 1954 عندما أرادوا خطف الثورة، بمحاولتهم اغتيال قائدها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في حادثة المنشية الشهيرة بعد أن أعتقدوا أن الأجواء أصبحت ملائمة لهم للانقضاض على السلطة، بعد نشوب الخلاف بين قيادة الثورة واللواء محمد نجيب؛ ولكن محاولتهم باءت بالفشل، مما دفع بعبدالناصر إلى شن حملة شرسة ضد الإخوان وإعدام وسجن بعض قياداتهم؛ مما اضطر آخرين منهم إلى الخروج من مصر واللجوء إلى المملكة العربية السعودية، ودول أخرى، ويقول مارك كورتيس في كتابه: (التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين، ص 118): أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ساعدت على إجلائهم وأنه "بحلول أواخر الخمسينات كانت المخابرات المركزية قد بدأت هي أيضا في تمويل الإخوان "لمواجهة المشروع الناصري الذي كان يهدد المصالح الاستعمارية في المنطقة العربية وآسيا وإفريقيا، ومحاربة فكرة القومية العربية لصالح الإسلام الأصولي، كما قامت أيضا بتمويل الإخوان في سورية والأردن"، وقد استند المؤلف في ذلك إلى الوثائق الرسمية البريطانية التى رفعت عنها السرية، خاصة وثائق الخارجية والمخابرات.
ولكي نفهم الطبيعة الانتهازية في تحالفات الإخوان، أنقل هنا ما قاله الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه (أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة -طبعة مؤسسة الرسالة 1992): أنه يمكن التسلل إلى بعض الحكام الذين يمكن التأثير فيهم من أجل ترك الحرية للدعوة (يقصد الأخوانية طبعا) مقابل "طمأنتهم على كراسيهم وسلطانهم، في المرحلة الراهنة على الأقل"، وقال، في ص 174 : "لا مانع من عقد مثل الهدنة أو هذه الاتفاقية مع الحكام، وإن كانت الحركة لا ترضَ عن وجهتهم ولا سلوكهم، ولكن في ضوء فقه الموازنات؛ رأت أن هذا الموقف أولى من المقاطعة الصارمة أو المعاداة الدائمة، على أن ما يجب التحذير هو أن يؤدي ذلك إلى الممالأة لهؤلاء الحكام، وكيل المدائح لهم، ففرق كبير بين أن تهادنهم وأن تداهنهم".
ولذلك أيّد الإخوان الثورة في إيران، بعد انتصارها مباشرة سنة 1979، وذهبت وفود من الإخوان من مصر وتونس والأردن إلى طهران للالتقاء بقائد الثورة الخميني وتهنئته بالانتصار، بل أن مجلة المعرفة التي يصدرها الإخوان في تونس رشحت الخميني لإمامة المسلمين، أما مجلات الإخوان في مصر كالدعوة والاعتصام والمختار الإسلامي، فقد نشرت سلسلة مقالات تأييدا للثورة وقائدها، ودعا أبو الأعلى المودودي -زعيم الجماعة الإسلامية في باكستان- شباب الإخوان والحركات الإسلامية إلى تأييد الثورة ودعمها؛ ولكن بعد سنتين من نشوب الحرب العراقية الإيرانية سنة 1982 ساءت العلاقات بين الإخوان وإيران، وتحولت "الثورة الإسلامية" في الأدبيات الإخوانية إلى "ثورة طائفية وقومية فارسية"، وألّفَ القيادي الإخواني السوري سعيد حوى كتابا بعنوان "الفتنة الخمينية"، ومن الطريف أن الإخوان المسلمين في العراق تحالفوا مع النظام السوري البعثي ضد النظام العراقي البعثي، بينما تحالف إخوان سوريا مع النظام البعثي العراقي، وبذلك ضربوا بالمبادئ والقيم التي كانوا ينادون بها في سبيل تحقيق الدولة الإسلامية وحاكمية الله في الأرض عرض الجدار إرضاءً للمصالح الحزبية الضيقة، وأستثني هنا الإخواني السوري عصام العطار، الذي رفض التحالف مع النظام العراقي وفضل الذهاب إلى ألمانيا، تقول الباحثة هدى شامل أباظة في كتابها "النقراشي" ص 215: "أن تاريخ تحالفات الإخوان يقوم على "سلسلة من التحالفات يعقبها خصومة أو غدر بحليف الأمس، وربما يتزامن الموقفان فيظهر الإخوان التأييد بينما يضمرون غير ذلك، فهم وعلى رأسهم مرشدهم العام لم يخلصوا إلا لأنفسهم، وإلى حلمهم بالخلافة، وبالحزب الأوحد" (المصدر السابق).
وربما يقول قائل: أن تحالف جماعة الإخوان مع هذه الدولة أو تلك، أو تأييدها للاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2013 ودخولها في العملية السياسية في ظل الاحتلال، ودعوتها الولايات المتحدة للتدخل العسكري في سورية، وانتهاجها سياسة انتهازية في كثير من القضايا ينسجم مع اعتبارها حزبا سياسيا، والسياسة لا تعرف صداقة دائمة وإنما مصالح فقط، ولكن يُرد على هذا الكلام أن ذلك صحيح لو قدمت الجماعة نفسها بوصفها حزبا سياسيا فقط؛ ولكن عندما تحمل عنوانا دينيا وترفع شعارات إسلامية وتدعي أنها تملك رسالة سياسة أخلاقية وتربوية تقوم على منهج الله ورسوله فإن ذلك لا يليق بها ولا نستطيع أن نصفها إلا أنها توظف الدين من أجل مصالحها السياسية فقط.


صالح البلوشي

مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..