الجمعة، 4 ديسمبر 2015

الحزبية : ما هي ؟ وما أضرارها ؟ وما قيودها على أتباعها ؟ وما حكمها ؟

- درس أكثر من رائع فلا تفوته

الحزبية
الحمد لله رب العالمين والصلاةُ والسلامُ علي رسول الله ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد،،
مقدّمة :
عن حذيفة بن اليمان ( قال : كانَ الناسُ يسألون رسول الله عن الخير ، وكنتُ أسألُه عن الشرِّ مخافة أن
يدركني ،
فقلتُ : يا رسول الله إنّا كنّا في جاهلية وشرٍّ ، وجاء اللهُ بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير شرٌّ ؟
قال : نعم ،
قلتُ : وهل بعد هذا الشرِّ من خير ؟
قال : نعم وفيه دخنٌ ،
قلتُ وما دخنُه ؟
قال : قومٌ يستنُّون بغير سنَّتي ويهدون بغير هديي ، تعرفُ منهم وتنكر ،
قلتُ : فهل بعد ذلك الخيَرِ من شرِّ ،
قال : نعم ، دعاةٌ على أبواب جهنَّم ، من أجابهم إليها قذفوهُ فيها ،
قلتُ : يا رسول الله ، صفهُم لنا ،
قال : هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا ،
قلتُ : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟
قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامَهُم ،
قلتُ : فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمام ؟
قال : فأعتزل تلك الفرقَ كلَّها ، ولو تعضُّ بأصلِ شجرةٍ ، حتى يدرككَ الموتُ وأنت على ذلك )
له طرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما .
وفي روايه لمسلم ( يكون بعدُ أئمةٌ لا يهتدون بهداي ولا يستنُّون بسنَّتي ، وسيقومُ فيهم رجالٌ قلوبُ الشياطين في جثمانَ إنس ،

قال : قلتُ : كيف أصنعُ يا رسول الله إن أدركنى ذلك ؟
قال :( تسمعْ وتطيعَ للأميرٍ وإن ضربَ ظهركَ وأخذ مالك فاسمع وأطمع)

فوائد من الحديث :
* حذيفةُ يسأل عن الشرِّ مخافة أن يدركه – ومعرفةُ الحزبية ومضارها من هذا الباب .
* فنتّبع سبيل المؤمنين ونجتنب سبيل المجرمين ولابد من معرفة السبيلين ، ونتتبع السنّة ونجتنب البدعة ولابد من معرفة الأمرين ( فعليكم بسنَّتي .... وإيّاكمُ ومحدثات الأمور ) أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرُهم .

* تلزم جماعة المسلمين وإمامهم :
رجَّح ابن حجر ( فتح /37) ( أن المراد من الخبر لزومُ الجماعة الذين في طاعةِ من اجتمعوا على تأميره ، فمن نكث بيعتَه خرج عن الجماعة ).
ثم قال ابنُ حجر ( وفي الحديث أنه متى لم يكن للنّاس إمامٌ فافترق الناسُ أحزاباً ، فلا يتبع أحداً في الفرقة ، ويعتزل الجميعَ إن استطاع ذلك خشيةً من الوقوع في الشرِّ ).

فاعتزل تلك الفرقَ كلَّها : أي الفرق التي تدعوا إلى ضلالة ، وتجمعت على منكر من القول أو الفعل أو الهواء أو تجمعت على أساس أفكار الكفر كالاشتراكية والديمقراطية والقومية وغيرها.

قال سليمُ الهلالي في القول المبين في جماعة المسلمين صـ53 ( أما الجماعات التي تحمل الإسلام ، وتدعوا إليه وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، فحكمُها غيرُ ذلك ، إذ أمر اللهُ بوجودها ومناصرتِها في الحقِّ ، ويجب علي المسلم أن يتولاّها نصحاً وإرشاداً فيما خالفت فيه الحقَّ أو قصَّرت فيه من الحقِّ ، ثم قال : وهذه الجماعات يجب أن تغذَِي أتباعها بالحقِّ والحبِّ لجميع المسلمين ، فتُحطّمُ حواجز الحزبية التي فرقت شملها وأضعفت قوَّتها وذهبت بريحها ).

قال الألباني ( في الحديث أن المسلم إذا أدرك مثل هذا الوضع ، فعليه ألا يتحزّب ، وألاّ يتكتِّل مع أيِّ جماعة أو مع أي فرقةٍ ، ما دام أنَّه لا توجد الجماعة التي عليها إمامٌ مبايعٌ من المسلمين ) من الهدى والنور شريط (200) .

فما هي الحزبيَّة ؟

وما هي آثارها وأضرارها ؟

وما هي قيودها على أتباعها ؟

وما هو حكم الحزبية وماذا قال فيها أهلُ العلم ؟

وما هي شبهات الحزبيين والردُّ عليها ؟

وما هو موقف المسلم من الحزبية ؟

وأخيراً من هي الجماعة الحقيقية ؟

وما هو طريق النجاة ؟


الحزبيةُ عبر التاريخ :

* كانت الحزبية في العرب قبل الإسلام تقوم على النظام القبلي والعصبية القبلية ووحدهُ الدم ، وكانت كلُّ قبيلة عبارة عن حزب من الأحزاب ، والحزبُ الأم لهذه التجمُّعات القبلية قريش.

فجاء الإسلام وحثَّ على الاجتماع وأخوَّةِ الإيمان وقامت الدولة الإسلامية تحت لواء الإسلام ، عليه يعقدُ الولاءُ والبراء ، وتحت سلطة شرعية واحدة ، تُعقدُ لها البيعة ويُدانُ لها بالسمع والطاعة ، وكلَّما بدا مظهرٌ من مظاهر التحزُّب والعصبية كَبَتَهُ النبيُّ r ، حتى لحقَ بالرفيق الأعلى ، ولا حزبيةَ ولا طائفيَّة ، كلُّ مسلم يحتضنُ الإسلام ويحتضنُ المسلمين .

* قال البغداديُّ رحمه الله ( كانَ المسلمون عند وفاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم على منهاجٍ واحدٍ في أصول الدين وفروعه ، غيرَ من أظهرَ وفاقاً وأضمرَ نفاقاً ) الفرق بين الفرق صـ12.

* وهكذا كانَ الأمرُ حتى مقتلُ أمير المؤمنين عمر عام 23هـ ، وبايع الناسُ عثمانَ بنَ عفان رضي الله عنه، وظهرت الدعوات السرِّية التي كانت تُّظهرُ الوفاق وتُضمرُ النفاق ، حتى مقتل عثمان ، وتمت البيعةُ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه إلاّ أنه واجه انقساماً حزبياً في الأمّة إلى فرقتين حتى قُتل عام 40هـ .

ثم أخذت الأحزابُ والجماعاتُ والطوائفُ في الظهور علناً وبمذاهبَ عقدَّيةٍ تحت ألقابٍ أربعة : القدريةِ والشيعةِ والخوارجِ والمرجئةِ ، ثم تشعبت هي نفسهُا إلى فرقٍ وهذا مصداقُ نبوّةِ محمد r في قوله ( إن هذه الأمة ستفترقُ على ثلاثٍ وسبعين ملَّة ، كلُّها في النارِ إلاّ واحدةً وهي الجماعة ، وإنه سيخرجُ في أمَّتي أقوامٌ تَجارَى بهم تلك الأهواء كما يَتجارى الكلَبُ بصاحبة ، لا يبقى منهُ عرقٌ ولا مفصل إلإ دخله ) أحمد وأبو داود والحاكم .

وما كلُّ واحدةٍ من هذه الفرق إلاَّ شوكةٌ في عُرضِ الدولة الإسلامية تهدُّ من كيانها وتُصدّعُ تماسكها .

* قال الإمام الشاطبيُّ رحمه الله ( استمر تزايدُ الإسلام واستقام طريقُه على مدَّةِ حياة النبي r ، ومن بعد موته وأكثر قرن الصحابة ، إلى أن نبغت فيهم نوابغُ الخروج على السنّةِ ، وأصغَوا إلى البدع المضلّةِ كبدعة القدر وبدعة الخوارج ) الاعتصام (1/17-18) .

* ثم قال رحمه الله ( فتكالبت على سواد السنّةِ البدعُ والأهواءُ فتفرَّق أكثرُ المسلمين شيعاً ، وهذه سنّةُ اللهِ في الخلقِ ، ويأبى اللهُ أن تجتمع حتى تقومَ الساعة ، فلا تجتمُع الفرقُ كلُّها على مخالفةِ السنّةِ ، بل لابدَّ أن تثبُت جماعةُ أهل السنّةِ حتى يأتي أمرُ الله ،غير أنها لكثرةِ تناوشُهُمُ الفرقُ الضالَّةُ وتناصبُهُم العداوةَ والبغضاءَ – لا يزالون في جهادٍ ونزاعٍ آناءِ الليل والنهار وبذلك يضاعفُ اللهُ لهم الأجرَ والثوابَ العظيم ) الاعتصام (1/18) .

وبعد أن ظهرت الفرق الأولى الخوارجُ والشيعةُ والقدريةُ والمرجئةُ وفرَّقت الأمّة الإسلامية ،

ازدادت الفتن وظهرت المعتزلةُ والأشاعرةُ والماتريديةُ والصوفيةُ بفرقها وطوائفها ،
ثم متعصِّبةُ الفروعية مثل متعصبةِ والحنفَّيةِ والمالكيَّة والشافعية والحنبلية والظاهرية ، التى عملت على سبيل الحميَّة والعصبيةِ ، والأئمةُ بريئُون من ذلك التفرُّقِ ، والفتن التى وقعت والحروب الكلاميَّةِ بين متعصِّبةِ المذاهب ، بل أدخلوا في دين الله ما ليس منه من التكافرُ والتقاطع والقولِ مثلاً بتحريم التزاوج بين الشافعي والحنفية وغيرها ، بل نشبت حروبٌ ومعاركُ دمويَّةٌ في أصبهانَ وغيرها . والأئمةُ والسلفُ من هذا التمذهبِ أبرياءُ .
* قال ابنُ عبد الَبرِّ ( لا يجوزُ لأحدٍ أن يمتحنَ الناسَ بها ، ولا يوالي بهذه الأسماءَ ، ولا يعادي عليها ، بل أكرمُ الخلقِ عند الله أتقاهُم ، من أي طائفةٍ كانت ) الأنتقاء صـ35.

* وهذه الفرقُ والأحزابُ والجماعات والمذاهبُ تساقطت أمام جماعة المسلمين أهل السنَّةِ والجماعةِ ، الذين درجوا على منهاج النبوّةِ ، فليس لهم شخصٌ ينتمون إليه سوى النبيُّ r ومن قضى أثره ، وليس لهم جماعةٌ من المسلمين بل جماعتُهُمُ المسلمون ، ولمَّا جاء رجلٌ إلى الإمام مالك رحمه الله فقال : يا أبا عبد الله : مَنْ أهل السنّة ؟
فقال مالك ( أهلُ السنّةِ الذين ليس لهم لقبٌ يعُرفُونَ به ، لا جهمي ولا قدري ولا رافضي ) الانتقاء لابن عبد الَبرِّ صـ35 .

* وقال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية ( وكذلك التفريقُ بين الأمّةِ، وامتحانُها بما لم يأمر اللهُ به ورسولُه ،مثل أن يقال للرجل : أنت شكيلي أو قرقندي ؟ فإن هذه أسماءٌ باطلةٌ ما أنزل اللهُ بها من سلطان ، والواجبُ على المسلم إذا سُئل عن ذلك أن يقول : أنا مسلمٌ متَّبعٌ لكتابِ الله وسنَّةِ رسوله ، وقدُ روِّينا عن معاوية أنه سأل ابنَ عباسٍ : أنت على ملَّةِ علي أو ملَّةِ عثمانَ ؟ فقال ( لستُ على ملّةِ علي ولا على ملّةِ عثمان ، بل أنا على ملَّةِ رسول الله صلى الله عليه و سلم ) الفتاوى لابن تيميه (3/415) .

جماعةُ المسلمين واحدةٌ وألقابُها شرعيةٌ تُمّيزُها عن غيرِها من الفرق والمذاهب :

لما حصلت تلك الفرقُ منتسبةٌ إلى الإسلام ، ظهرت ألقابُ جماعةِ المسلمين لتُمّيزَها عن غيرها من الفرق والأحزاب والمذاهب :
وهذه الألقابُ لجماعة المسلمين منها ما كانَ ثابتاً لهم بأدلّةِ الشرع مثل :
الجماعة
جماعة المسلمين
الفرقةُ الناجية
الطائفةُ المنصورة

أو بواسطة التزامهم بالسنن أمام أهل البدع ولهذا حصل الربطُ لهم بالصدر الأول فقيل لهم :
السلف
أهل الحديث
أهل الأثر
أهل السنّة والجماعة

قال الشيخ بكرُ بن عبد الله أبو زيد ( حكم الإنتماء صـ41 ) :
وهذه الألقابُ الشريفةُ تخالفُ أيَّ لقبٍ كانَ لأي فرقة أو مذهبٍ أو جماعة كانت من وجوهٍ :

1- أنها نسَبٌ لم تنفصلْ ولا لحظةً عن الأمّةِ الإسلامية منذ تكوُّنها على منهاج النبوَّة ،
فهذه الألقاب تحوي جميع المسلمين على طريقة الصحابةِ ومن اقتدى بهم إلى آخر الحياة قال صلى الله عليه و سلم " لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي منصورين على الحق ، لا يضرُّهم من خالفهم ولا من خذلهم " متفق عليه .

2- أن هذه الألقاب تحوي كلَّ الإسلام : الكتابَ والسنّةَ ،
فهي لا تحتصُّ برسمٍ يخالفهما زيادةً أو نقصاً .

3- أنها القابٌ منها ما هو ثابتٌ بالسنّةِ الصحيحة ، ومنها ما لم يبرز إلا في مواجهة مناهج الأهواء و الفرقِ الضالَّة ،
لردِّ بدعتِهم والتميُّز عنهم ، فلمَّا ظهرت البدعةُ تميزُّوا بالسنّة ، ولما حُكِّم الرأيُ تمّيزوا بالحديث والأثر ولما فشت البدع والأهواء تمّيزوا بهدي السلف ، ولو كانت الأمَّةُ خاليةً من البدع والأهواء كما كانَ في عهد الصحابةِ لغابت هذه الألقابُ الممّيزةُ .

4- أن عقد الولاءِ والبراء لديهم هو على الإسلامِ لا غير ،
لا على رسمٍ باسمٍ معيَّن ، إنما هو الكتابُ والسنّةُ .

5- أن هذه الألقاب لم تكن داعيةً لهم للتعصُّب لشخصٍ دونَ رسول الله صلى الله عليه و سلم
فعندهم أن كلَّ شخصٍ يؤخذُ قوله ويُردُّ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

* قال ابنُ تيمية ( إنَّ أهلَ الحقِّ والسنّةِ لا يكونُ متبوعهُم إلا رسوُل الله صلى الله عليه و سلم الذي لا ينطقُ عن الهوى ، فهو الذي يجبُ تصديقُه في كلِّ ما أخبر ، وطاعتُه في كلِّ ما أمر ، وليست هذه المنزلةُ لغيره من الأئمة ، فمن جعل شخصاً غيرَ رسول الله ، مَنْ أحبَّهُ ووافقهُ ، كانَ من أهل السنّة ، ومن خالفه كانَ من أهل البدعة ، كانَ من أهل البدع والضلال والفرقِ ... وبهذا يتبينُ أن أحقَّ الناس بأن تكون هي الفرقةُ الناجيةُ ( أهل الحديثِ والسنّةِ ) الذين ليس لهم متبوعٌ يتعصَّبون له إلا رسولُ الله وهم أعلمُ الناس بأقواله وأحواله ) الفتاوى (3/346-347) .

6- إنّ هذه الألقاب لا تُفضي إلى بدعةٍ ولا معصيةٍ ولا عصبية لشخص معيَّنٍ ولا لطائفةٍ معيَّنةٍ ،

وهذا لا يكونُ لأحدٍ من أهل الفرقِ بأسمائهم التى انشقُّوا بها عن جماعة المسلمين .
فقيل لهم: أهلُ السنّةِ مقابل أهل البدعةِ،
وقيل لهم: الجماعة باعتبار أنهم الأصل، والمنشقُّ بهوى وبدعة مفارقٌ لهم ، وقد سمَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم المسلمين بالجماعة
وقيل لهم : السلف أو السلفيون ، نسبةً إلى السلفِ الصالحِ الصحابةِ ومن تبعهم بإحسانٍ ،
وقيل لهم : أهلُ الحديث وأهل الأثر لأنَّهم يعتنُون بالحديث روايةً ودرايةً وأنَّهم يقدّمونه على الرأي وقد كانَ الأئمة الأربعة من رؤوس أهل الحديث لقولهم " إذا صحَّ الحديثُ فهو مذهبي "

* فهؤلاء همُ الذين يمثِّلون الخطَّ المستقيمَ الذي خطَّهُ النبي صلى الله عليه و سلم ، فمن درج على الصراط المستقيم كان هو جماعةُ المسلمين ، كانَ هو الذي يمثل الإسلامَ ، ومن كان دون ذلك ففرقٌ وأحزابٌ وخطوطٌ متناثرةٌ على جنَبَي الصراط وأحكامهُم متباينةٌ بقدرِ القُرْبِ و البعْدِ من الخطِّ المستقيم .

ما هي الحزبيةُ ؟
صورٌ ومظاهرُ :

قال في اللسان (1/299) :( الحزبُ : جماعةُ الناس
والجمعُ أحزاب ...
وحزبُ الرجل أصحابُه وجندُه الذين على رأيه ..
وكلُّ قومٍ تشاكلت قلوبُهُم وأعمالُهُم فهم أحزابٌ وإن لم يلق بعضُهم بعضاً ،
وكلُّ طائفةٍ هواهُم واحدٌ ،
والحزبُ الصنفُ من الناس )

فإنَّ الحزبيَّةَ إذا كانت على ما أمرِ اللهُ به ورسولُه فهي حزبيةٌ ممدوحهٌ – وهذا هو الولاء والبراءُ في الإسلام .
قال تعالى ( ومن يتولَّ اللهَ ورسولَه والذين آمنوا فإنَّ حزب الله هم الغالبون ) المائدة 56.

وإن كانت الحزبيةُ على خلافِ أمر الله ورسوله فهي حزبيةٌ مذموَمَةٌ
قال الله تعالى( استحوذَ عليهم الشيطانُ فأنساهُم ذكرَ الله أولئك حزبُ الشيطان . ألا إنَّ حزبَ الشيطانِ هم الخاسرون) .

* قال شيخُ الإسلام (11/92) :( أما رأسُ الحزب فإنه رأسُ الطائفة التي تتحزب أي تصيرُ حزباً ، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر اللهُ به ورسولُه من غير زيادة ولا نقصان ، فهم مؤمنون ، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ،
وإن كانوا قد زادوا في ذلك أو نقصوا ، مثلُ التعصُّبُ لمن دخل في حزبهم بالحقِّ والباطل والإعراضُ عمَّن لم يدخل في حزبهم سواءٌ كانَ على حقٍّ أو باطل ، فهذا من التفرّق الذي ذمَّه اللهُ ورسولُه ،فإنَّ الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف ، ونهيا عن التفرّق والاختلاف ، وأمرا بالتعاون على البرِّ والتقوى ، ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان
)

الخلاصةُ :

أن التحزُّبَ إلى ما أمر اللهُ ورسولُه ، والولاءَ والبراءَ لأجلهما ، هو من الحزبيةِ الممدوحةِ ، بل يجبُ على كل مسلم أن يكون من حزبِ الله تعالى ، وهم رسولُ الله صلى الله عليه و سلم وصحابتُه وما كانوا عليه من الدين .

* ( ما التحزُّبُ إلى غير ما أمر اللهُ ورسولُه من الفرِقِ والطوائفِ والأحزابِ والجماعاتِ والمذاهبِ والأشخاصِ .... إلخ ، فهو التحزُّب المذمومُ المحرَّم ) .

* وموضوعُ حديثنِا هو القسمُ الثاني وهو التحزُّبُ المذمومُ ،، حتى نحذرَهُ ونبتعدَ عنه .

- ولا نقصدُ الأحزابَ السياسيةَ الديمقراطية والإشتراكية والعلمانية والقومية والوطنية والصوفية ، فحكمُها واضحٌ وضررها معروفٌ . ولا نقصد الحزبية للمذاهب الفقهية المعروفة والتعصُّب المذهبي . ولكنّا نَعني الحزبية للجماعات والأحزابِ الدعويةِ المنتشرةِ في العالم ، التي تمتحنُ الناسَ بمناهجها وأساليبها ، وتوالي الناسَ بأسمائِها ، وتعادي الناسَ على مبادئِها وأفكارِها ومناهجهِا ورجالها .

* قال الشيخُ علُّى حسن الحلبي( وليس يخفى على أحدٍ من العقلاء أنَّ لكلِّ حزبٍ مبادىءَ وأفكاراً ولوائح داخليةٍ ، ونظريات تُشكّلُ بمجموعها دستوراً للحزب وإن لم يُسمَّ عند بعضهم كذلك ) الدعوة إلى الله صـ54.

بدايةُالحزبيةِ للجماعات

( متى ظهرت الجماعات الإسلامَّية ) :

* لمَّا قضي على الخلافةِ الإسلاميةِ العثمانيةِ، فكَّر بعضُ المصلحين بإنشاء وتكوين أحزاب دعويةِ أو جماعات ، لإعادة الخلافة الإسلامية . ولكن !!!؟

تفرَّق المسلمون فيما بينهم إلى أحزاب شتيَّ ، عليها يوالون وبها يعادون ، والمعيار عندهم هو الولاءُ الحزبي ، فلا يأخذون الحقَّ إذا جاء من غير حزبهم .

وينادي العقلاءُ بتجميع هذه الأحزابِ وتوحيدِ هذه الجماعاتِ ، ونسُوا أن أهم أسباب فشل محاولات توحيد الصفِّ (غيابُ وحدةِ المعتقدِ والمنهج ، والاختلافُ المذموم ، والتعصُّبُ للجماعةِ ، والتحزُّبُ ) .

قال الشيخُ على حسن الحلبي ( إنَّ أقلَّ حقوقِ المسلم على أخيه تفتقدها بين ذوي الحزبيَّات المعاصرة الله أكبرُ ... كيف يسمحُ المسلمُ لنفسِه أن يمرَّ على أخيه المسلم من غيرِ جماعتهِ فلا يسلِّم عليه !!! الله أكبرُ ... كيف يترُكُ المسلمُ درسَ الفقيهِ ، فلا يجلسُ إليهِ ، لأنه ليس من فقهاءِ جماعته !! ) راجع كتابه (الدعوة إلى الله ) صـ25

* قال الشيخ بكرُ أبو زيد صـ145 ( ففي الوقت الذي بدأ المسلمون فيه يتخلَّصونَ من العصبيَّةِ المذهبيَّة الفروعَّيةِ ، أخذت الأحزابُ تنفُخُ في التعصُّب من وجه آخر هو أشدُّ تأثيراً وأثراً ) راجع كتابه حكم الأنتماء .

وقال الشيخ صالح الفوزان ( وجب على كلِّ من عنده علمٌ وبصيرةٌ أن يُبَيِّن خطر هذه الجماعات والأحزاب التى ظهرت على الساحة باسم الدعوة إلى الإسلام ، وكثيرٌ من أفرادها لا يعرفون حقيقة الإسلام ) راجع مقدّمة تنبيه أولي الأبصار للسحيمي .

* لذا فإن تعدّد القيادات والجماعات الإسلامية اليومَ حالةٌ مَرَضيَّةٌ ، وكلُّ مسلمٍ مسؤولٌ عن علاج هذه الظاهرة ، ليعود المسلمون كما كانوا خيرَ أمّةٍ أخرجت للناس ، ويجبُ على كلَّ مسلم نبذُ الحزبية التى تضعفُ وحزبَ الله تعالى ليكون الدينُ كلَّه لله .
* قال ابنُ تيمية ( كلّ ما أوجبَ فتنةً وفرقةً ، فليس من الدين سواءٌ كانَ قولاً أو فعلاً ) الإستقامة (1/37) .

* ولا يخفى على أحدٍ من العقلاءِ أنّ لكلِّ حزبٍ مبادىءَ وأفكاراً ولوائحَ داخليةً ونظرياتِ تُشكِّلُ بمجموعها دستوراً للحزب ، وإن لم يُسَمَّ عند بعضهم كذلك ، فمن آمن به واعتقده حقًّا أي اعترفَ به واتخذَهُ أساسَ التحرُّك والعمل ، انتظَم في ذلك الحزب ، وصارَ فرداً من أفراده ، ومن لا فلا ، إذا فالدستورُ هو أساسُ الولاءِ والعداءِ ، والإتحادِ والافتراقِ ،
فما هي قيودُ الحزبية ؟
وما هي أضرارُها ؟

قيودُ الحزبية :

1- الحزبيون يمنعون أتباعَهُم من مجالسةِ غَيرِهم ممَّن ليس معهُم أو ليس مؤازراً لهم ،
يريدون بها حجبَ عقولهم عن سماعَ ما يناقضُ طريَقَتَهم ويَردُّ بدعتَهُم . وهذا من أخطر قيود الحزبية .

2- ومن قيود الحزبية : التقليلُ من أهميَّةِ العلم الشرعيَّ ،
بحجَّةِ معرفةِ الواقع ، أو الدعوةِ إلى الله ، وغيرها .
*قال بكرُ أبو زيد في حلية طالب العلم صـ65 ( إنَّ الحزبية ذاتُ المسارات والقوالب المستحدثةِ التى لم يعهدها السلفُ تُعدُّ من أعظم العوائق عن العلم والتفريق عن الجماعة ، فكم أوهنت حبل الإتحاد الإسلامي ) .
*وأورد ابنُ الجوزي في تلبيس ابليس عن أبي عبد الله بن خفيف قال ( اشتغلوا بتعلّم العلم ولا يغُرنّكم كلامُ الصوفية فإني كنتُ أذهبُ خِفيةً إلى أهلِ العلم فإذا علموا بي،خاصموني ، وقالوا:لا تُفلح ) المنتقي النفبس صـ443
* قال علي حسن عبد الحميد صـ62( ومن أخطر الأمور التي أفرزتها الحزبية ودُعاتُها : اصطلاحٌ جديدٌ : علماءُ الحركة وعلماءُ والواقع ، والمفكرُِّ ، والحركيُّ ، حتى يعزلوا الأمَّة عن علمائها الحقيقيين عُلماءِ الشريعة).

3- ومن قيود الحزبيةِ الظاهرةِ الجليَّةِ : السرِّيةُ :
أهلُ السنّة والجماعة السلف الصالح يظهرون دينَهم وعقيدتَهم ومنهجّهم لأنه الحقُّ الذي عليه الدليلُ ، أما أهل البدع قديماً وحديثاً يسترون ويُسرُّون ببدعهم لأنهم على باطلٍ وليس معهم دليلٌ على بدعهم .
* كذلك الحزبية تفرضُ على صاحبها السرِّيَّة في الدعوة والتنظيم .
* قال عمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله ( إذا رأيت قوماً يتناجون في دينهم بشيءً دون العامَّة فاعلم أنَّهم على تأسيس ضلالة ) أحمد في الزهد والدارمي في السنن .
*قال علي حسن بن عبد الحميد ( فدينُنا جليٌّ ظاهرٌ ، لا خفاءَ فيه ولا دسَّ ولا كتمان ولا أسرار، فما يفعله الحزبيون من ذلك إنما هو بابُ ضلالة والعياذُ بالله تعالى ) كتاب الدعوة إلى الله صـ67.

4- ومن قيود الحزبية : الولاءُ والبراء للحزب والجماعة والأشخاص والمذاهب وغيرها ، وليس للإسلام .
* في صحيح البخاري (3518) تنازع الأنصاريُّ والمها جري ، فقال الأنصاريُّ : يا للأنصار ، قال المهاجرىُّ يا للمهاجرين ، فخرج النبيُّ صلى الله عليه و سلم فقال : " ما بالُ دعوى الجاهليَّة " " دعُوها فإنَّها خبيثةٌ " .
*قال ابنُ القيمّ في معنىَ الدعاءِ بدعوى الجاهلية أنه ( كالدعاءِ إلى القبائلِ ، والعصبيةِ للإنسان ، ومثلُه التعصُّبُ للمذاهب ، والطوائفِ ، والمشايخ ، وتفضيل بعضٍ على بعض في الهوى والعصبية ، وكونُه منتسباً إليه ، يدعو إلى ذلك ،ويُوالي عليه ويُعادي،ويزنُ الناسَ به،فكلُّ هذا من دعوى الجاهلية)نقله صاحب تيسير العزيز الحميد صـ515 .

آثارُ الحزبية
( مضارُ الأحزابِ على جماعةِ المسلمين )
من كتاب حكم الانتماء من صـ135.

1- ليس يخفى على أهلِ العلمِ وطَلاَّبه أن العلاقة بين الافتراق والحزبيةِ علاقةٌ حميمةٌ ، فحيثُ وجدت الحزبيةُ ، كانَ الافتراقُ ، وحيثُ حلَّ الافتراقُ ، أقيمت الحزبيةُ ، فالمجتمعُ الذي توجد فيه الحزبياتُ ، توجد فيه الإختلافاتُ والفرُقةُ والأسرةُ الواحدةُ أيضاً ، والشركةُ الواحدةُ كذلك ... إلخ ، فأينما وُجدت الحزبيَّةُ وُجدَت الفرقةُ ، وفي الحديث ( الجماعةُ رحمةٌ والفُرقةُ عذابٌ ) أحمد وابن أبي عاصم بسند حسن قاله علي حسن في الدعوه إلى الله صـ96.

2- الإسلامُ يَعُدُ المنتمي إلى الدعوةِ إلى الله تعالى : كلُّ من جاء بالشهادتين بحقهما ، جاعلاً الإسلام محورَ حياته ونقطةَ إنطلاقه ، أما الحزبيةُ فجعلت سبيل الدعوة إلى الله بحمل بطاقةِ الحزب ومنهجِ الحزبِ وأساليب الحزب في الدعوة ، بل أن الحزبيةَ جعلت أصحابَها يعتقدون بأنه لا عمل للإسلام إلا بحزبٍ ، فإلى أي حزبٍ ينتمي المسلم ؟ ! .

3- القولُ بجوازِ الأحزابِ في الإسلام ، فيه فتحُ بابٍ لايردُّ ، بدخولِ أحزابٍ تحمل شعار الإسلام وهي حربٌ عليه مثلُ القاديانية والبريلوية وغيرها ، وكم التفَّ حولَها من المسلمين ؟؟
فليس أمامنا إلا لزوم جماعةِ المسلمين السائرين على منهاج النبوّة. إذا أردنا النجاة

4- في الحزبَّيةِ تحجيمٌ للإسلام ، فلا يُنظر إليه إلاّ من خلالها ، فهو تجمُّع حول شخصٍ ، وقيادةٍ معينةٍ ، في أطرِ مخصوصةٍ .

5- هذه الجماعاتُ متعدّدةٌ ، بل الجماعةُ في نفسها متعددةٌ إلى جماعات غالباً ، والتعدَّدُ دليلٌ على الاختلاف ، والاختلافُ نتيجةٌ حتميَّةٌ لاضطراب الأصول التى تنفرد بها جماعة ، وتدعو إليها وتقيمُ جماعتَها ، وهذا يزيدُ في الفُرقةِ و تمزيقِ الجماعةِ المسلمةِ .

6- الحزبياتُ تُفتِّتُُ الإخاءَ الإسلاميَّ وتبني حجاباً أمامه ، فتؤدِّي إلى التناكرِ في القلوب ، وتبادلِ الطرفِ الحسيرِ بين مسلمَيْنِ في حزبين قلبُ كلِّ منهما معمَّقٌ وفق تخطيطٍ ومنهجِ لا يلقي مع الاخر ، فيتبدّدُ الاخاءُ الإسلاميُّ ، وانظر إلى التنازع بين الجماعاتِ على ضمِّ فردٍ أو أفراد ، حتى ولو أدّى إلى تزكية جماعةٍ والقدحِ في أخرى

7- ومن مضار الحزبية : التنابُز بالألقاب بين الجماعات : ومن هذا تسميةُ بعضِ الجماعات المعاصرةِ لمن ينتمي إليهم : (أخاً ) أو (فاهم) أو (ملتزم) ، ومن لم ينتمِ إلى جماعتهم بإسم (الأخرين )، والعالم الذي لم ينتمِ إليهم ( ليس واعياً ) (ليس فقهياً ) ( لا يفهم الواقع ) ، وإلصاقُ التهم الكاذبةِ بالعلماء والتنفيرُ منهم .

8- الحزبيَّةُ تقومُ على التسليم بأراء الجماعة ، وتوزيعها ، ونشرها ، وسدِّ منافذ النظر والنقدِ لها .

9-الأحزابُ لا تُعنى بترسيخِ العقيدة ، ولا التفقُّةِ في الدين ، ولا نشرِ اللغةِ العربيةِ ، ولذلك لا ترى لهم علماءَ جهابذةَ ، يُرجع إليهم في الفتوى والإجتهاد .

10- ومن أضرارها : إضفاءُ هالةٍ من المدح والثناء على زعماءِ تلك الجماعات حتى ولو كانوا جهَّالاً أو ليسوا من الرّاسخين في العلم .

11- ومن آثارها السيئةِ : منحُ اعداءِ الإسلام العُذرَ في الطعنِ على الإسلام في عقيدتهِ وأحكامِه ، لأن العقيدة تجمِّعُ ولا تفرِّقُ ، فكيف صار أهلُ العقيدة الواحدة متفرقين متباغضين؟! بل أن من المسلمين من لا يتمسكُ بالإسلام الصحيح عندما يرى ما عليه الأحزابُ والجماعات .

12-ومن آثار الحزبية : عند بعض من ينْتمُون إلى الأحزاب والجماعات : أن من انتظم في حزبهم أو جماعتهم يستحقُّ العونَ والنصرةَ والإخاءَ وغيرَها من الحقوق ، ومن لم ينتظم معهم لا يستحقُّ تلك الحقوق ، مع أن الإسلام أعطى للمسلم جميع هذه الحقوق لمجرّدِ كونِه مسلماً ، لا لسببٍ أخر .

13- الخلطُ بين السنن والبدع ، وإختفاءُ معالم السنن لدى هذه الأحزاب والجماعات فعقائدهم مختلفةٌ ، وعباداتُهُم مختلفةٌ ، ومذاهبهم مُختلفةٌ .

14-ومن مضار الأحزاب : استقطابُ كلِّ الفرقِ التى تدَّعي الإسلام بدونِ تمييز بين سُنيِّ وباطني وصوفي وخارجي وغيرها من الفرق.

حكمُ تعدُّدِ الأحزابِ والجماعاتِ :

*قال الشيخُ بكرُ بنُ عبد الله أبو زيد ( في ظل وحدانيةِ الإسلام ، وقواعدهِ ، وأصولهِ الضابطةِ العامَّة ، يحصلُ بكل اطمئنان : المنعُ شرعاً لتحزُّب أيِّ جماعةٍ تحت مظلةِ الإسلامِ ، في وسيلةٍ أو غايةٍ ، بأمرٍ كلِّي أو جزئيٍ ، إذا الحقُّ لا يتعدَّد ، والوحدانيةُ لا تقتضي الافتراقَ ولا التبدّدَ والإنقسام ، وعليه فإن انشاءَ أيِّ حزبٍ في الإسلام لا يجوز ، ويترتب عليه عدمُ جواز الانتماءِ إليه حكم الانتماء صـ153.
ثم قال : ( بدعيتها : ولو لم يكن من أمر الحزبيةِ التى تنفردُ باسم أو رسم عن منهاج النبوّة إلاّ أنها عملٌ مستحدث ، لم يعهدْ في الصدر الأول ، فليسعَنا ما وسعهُم ) حكم الانتماء صـ140.

* قال الشيخُ عليّ بنُ حسن ( المبحث الحادي عشر : تحريمُ الحزبيةِ :
ثم ذكر حديثَ ( لا حلَف في الإسلام ) مسلم (2530) ،
قال : ان الإسلام لمَّا قضى على جميع المواد التى كانت أساس الولاء والبراء في الجاهلية ، وجعل الإسلامَ نفسَه مادَّةَ الولاءِ والبراء وجعل جميع المسلمين سواسيةً في الحقوق ، لم يبق عنده مجالٌ لتعدّد الجماعات ، بحيث لا يكونُ لإحداها حقوقٌ وعلاقاتٌ بالأخرى حتى تحتاجَ إلى عقدِ التحالُفِ بينها ، فالحديثُ يفيدُ أنّ التحزُّبَ والافتراقَ إلى جماعات وأحزابٍ أمرٌ لايُطابقُ معنى الإسلام ولا يتصوَّرُ فيه ) كتاب الدعوة إلى الله صـ103،
ثم قال صـ106( بذا ، يكونُ قد ظهر الحكمُ ، وبانَ القولُ، واستقرَّ المنعُ ، مؤيداً ذلك كلَّه بوجوهٍ كثيرةٍ ، عقليةٍ ونقليةٍ ، والفتوى الصادرةُ من اللجنةِ الدائمةِ للبحوثِ العلمية والافتاءِ لهيئةِ كبار العلماءِ رقم (1674) برئاسة ابن باز تؤكدُ هذا المنعَ وتتبنىَّ القولَ بالتحريم ، وكتابُ حكم الانتماء إلى الجماعات للشيخ بكر أبو زيد ، فيه تجليةٌ واضحةٌ لهذه القضيَّةِ بالدلائل المنيرةِ والحُجَج الوفيرةِ )

** قال الشيخُ سعدُ بنُ عبد الرحمن الحصين ( حكمُ الشرع في وجود الجماعات الإسلامية : في فتوى اللجنة الدائمة من هيئةِ كبار العلماء رقم (1674) في 7/10/1397 هـ – مجلّة البحوث 33/96 :
حكمٌ صريحٌ بعدم شرعية وجود هذه الجماعات ما لم يستند وجودُها إلى قرارٍ من لي الأمر لخيرِ الأمّةِ كافةً …. ثم ذكر صـ71 : تحذيرَ مجلسِ هيئةِ كبارِ العلماء من أنواع الارتباطاتِ الفكرية المنحرفةِ والالتزامِ بمبادىءِ الجماعاتِ والأحزابِ
) كتاب حقيقة الدعوة إلى الله تعالى .

حكمُ الانتماءِ إلى الفرقِ والأحزابِ والجماعاتِ الإسلامية :

بعد أن علمنا حكم وجود الأحزاب والجماعات ، نعلم حكم الانتماء والانضمام إليها ، والحقَّ أن مادبَّ بين صفوف تلك الجماعات الحالية من فُرقةٍ وتنازع لهو من أعظم الفتن التي يجبُ اعتزاَّلها للأدلّة التالية :

1-ما ورد في وجوب اعتزال الشرِّ وفتنةِ الاختلاف مثل :
( فاعتزل تلك الفرقَ كلَّها ) (خ م)
( يفرُّ بدينهِ من الفتن )" (خ)
( واتقوا فتنةً لا تُصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصَّة) الأنفال (25)
وجميع الآثار التي تأمر باعتزال الشر بأنواعه .

2- ما ورد في وجوب لزوم الجماعة وتركِ التفرُّقِ مثل :
قال تعالى( وإعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقُوا ) آل عمران 102.
وقال تعالى ( ولا تكونوا كالذين تفرّقُوا واختلفوا ) آل عمران 105 .
وقال تعالى ( أن أقيموا الدينَ ولا تتفرَّقوا فيه ) الشورى13 .
حديث " وستفترق أمّتي إلى ثلاثٍ وسبعين فرقة "
* والعملُ بهذه النصوص يقتضي عدم الدخول في شيءً من هذه الجماعات بأوصافها الحالية ، لأن الدخولَ فيها مشاركةٌ في الفُرقةِ الحاصلة بينهم ، ويجبُ لزوم جماعة المسلمين التى لا تختصُّ بجماعةٍ دون جماعة ، ويتحقق ذلك بموالاة جميع المسلمين وبلزوم أصول أهل السنّةِ والجماعة .
* وليس المقصود هو اعتزالهم عُزلةً تامّةً في كل شيءً ، بل المقصودُ هو اعتزالهم في العصبية والاختلاف والتفرَّق فقط .

3- حديث " فاعتزل تلك الفرقَ كلَّها :
حديث حذيفة المتفق عليه .
اتفق شرّاح الحديث كإبن حجر والعيني والكرماني والشنقيطي وغيرُهم على أن معنى الحديث هو كما قال الطبريُّ " وفي الحديثِ أنه متى لم يكن للناسِ إمامٌ فافترقوا أحزاباً فلا يتبع أحداً في الفُرقةِ ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشيةً من الوقوع في الشرِّ " فتح الباري 13/39-41.
* وهذا يقتضي ترك الدخول في هذه الأحزاب والجماعات الإسلامية الحالية بسبب مادبَّ بين صفوفها من عصبيةٍ وشحناءَ ولما تُسِّببهُ من تفريق جماعة المسلمين .
*وليس معنى هذا أن هذه الجماعات فرقٌ ضالةٌ خارجةٌ على جماعةِ المسلمين ،حاشا لله لأنها وافقت جماعة المسلمين في أصولها العقديّة والنظرية ، ثم شابهت الفرق في صفة التعصُّب والاختلاف والافتراق .

4- كلُّ حلفٍ قام على عصيبةٍ وتفريق لأمر المسلمين فهو باطل :
قال الشيخ بكر أبو زيد ( وقد قرر الفقهاءُ أنه لا حلف في الإسلام ، ولا يجوز أن يتحالف بعضُ المسلمين من دون بعضهم الآخر ، إذ أن تلك يميزُ الحلفاءَ على سائر المسلمين ويجعل لهم حقوقاً ليست لسائرهم ) حكم الانتماء صـ98 .
وقال ( وهكذا الانتماء إلى الفرق المعاصرة يجعلُ المنتسب إليها في مكان فوق غيره في نظرهم ) حكم الانتماء صـ99 ،
فكلُّ تحالف يقوم على التعصُّب لشيخ أو أميرٍ أو طائفةٍ أو فكرةٍ أو رأيٍ ، لم يجتمع عليه أهل الحل والعقد من المسلمين فهو حلفٌ جاهليُّ مفرقٌ لكلمة المسلمين .

5- ومن الأدلّة على عدم جواز الانتماء إلي الجماعات الإسلامية : الدعوة إلى الجماعات من دعوى الجاهلية :
في الصحيحين أن الأنصاري قال : يا للأنْصار ، والمهاجريَّ قال : يا للمهاجرين ،
فقال رسول الله : " ما بال دعوى الجاهلية" " دعوها فإنها منتنة " خ 4/223 – م 5/445 كتاب البر والصلة باب 16.
قال ابنُ القيمّ ( الدعاءُ بدعوى الجاهلية ، كالدعاءِ إلى القبائل والعصبية للإنسان ، ومثلُه التعصبُ للمذاهب و الطوائف ، والمشايخ ، وتفضيل بعضٍ على بعضٍ في الهوى والعصبية ، وكونُه منتسباً إليه يدعو إلى ذلك ، ويوالي عليه ويعادي ، ويزنُ الناسَ به ، فكلُّ هذا من دعوى الجاهلية ) ذكره في تيسير العزيز الحميد صـ94 .
* ولذا فإنّ تميَّز كلِّ جماعة عن غيرها باسم أو شعارٍ إنما هو للدلالة على مفارقةِ الأمّة وذلك لا يجوز ، ومن ثمَّ لا يجوزُ الدخولُ في جماعة تتميزُ عن الأمّة باسم أو شعار تفارق عليه الأمّة ، أما ما تميزّت به جماعة المسلمين من أسماء وشعارات فكانت لتميّز الأمّة عن أهل البدع والأهواء .

6- الداخلُ في جماعة من هذه الجماعات إنما هو في الحقيقةِ مشاركٌ في تفريق كلمة الأمّة .

7- الالتزام بالجماعات الحالية معناه الالتزام بكل ما عليه الجماعة وفيه الحقَّ والباطل وهذا لا يجوز .

8- كلُّ جماعة تنصّبُ لها شخصاً توجد له الطاعة وهذا لا يجوز بإجماع المسلمين .

9- كلَّ جماعة قد تميزّت عن الأمّةِ بعمل من الأعمال وترى أن غيرها مقصرةٌ مع اعترافها أنه من الدين ،
والاقتصارُ على عمل دون عمل يعتبر نقصٌ في العبودية كما قال ابن القيمّ في مدارج السالكين 3/172.

10- تحزيبُ الأُمَّةِ إلى جماعات مختلفة فيما بينها
ليس فيه مصلحة إلا لأعداء الأمّةِ ، إذ يسهل عليهم بذلك ضربُ جماعةٍ بأخرى .

أقوال العلماء في اعتزال الأحزاب والجماعات :

* قال الشيخ بكر أبو زيد ( إن إنشاء أي حزب في الإسلام يخالفه بأمر كلِّي أو بجزئيات لا يجوز ، ويترتب عليه عدم جواز الانتماء إليه ) حكم الانتماء صــ153.

* قال الشيخ الألباني ( في الحديث أي حديث حذيفة المتقدم -أن المسلم إذا أدرك مثل هذا الوضع ، فعليه ألا يتحزّب، وألا يتكتّل مع أيِّ جماعةٍ أو مع أي فرقةٍ مادام أنه لا توجدِ الجماعةُ التي عليها إمامٌ مبايعٌ) شريط(200)

* قال الشيخ صالح الفوزان ( وجب على كلِّ من عنده علمٌ وبصيرةٌ أن يُبيِّن خطر هذه الجماعات والأحزاب التي ظهرت على الساحةِ باسم الدعوةِ إلى الإسلام ، وكثيرٌ من أفرادها لا يعرفون حقيقة الإسلام ) مقدّمة كتاب تنبيه أولي الأبصار .

موقف المسلم من الأحزاب والجماعات :
( ملخص من كتاب حكم الانتماء إلى الجماعات ) لبكر أبو زيد

المسلم أمّا أن يكون منضماً إلي جماعةٍ من هذه الجماعات وإمّا إلا يكون كذلك .
* فإن كانَ المسلمُ غير منضمٍّ لجماعةٍ من تلك الجماعات فليكن موقعُه منها هو موقف الولاء والمحبَّة لهم بقدر ما تتمسك به كلُّ جماعةٍ من هذه الجماعات من الحقِّ ، ويتبرأ ممَّا عليه من الباطل والتعصُّب والتحُّزب ، وينصح لهم ويؤدي لهم حقوق المسلم على المسلم وحق الولاء في الإسلام . ويتعاون معهم في عمل لا يفرق أمر المسلمين كالاجتماع على دراسة علم نافع أو تلاوة قرآن ويكون تعاونه معهم تحت مظلة الإسلام العامة لا تحت مظلَّة حزب من الأحزاب . وعليه أن يعتزلهم فيما اختلفوا وتفرّقوا فيه وفرَّقوا فيه جماعة المسلمين .

* أما المسلم المنتمي إلى جماعة ٍ من هذه الجماعات ، فالواجبُ عليه هو :

- النصحُ لشيخه أو أميره ولأفراد جماعته في ترك التعصُّب والتحزّب والتفريق بين المسلمين والتسمِّى بأسماءَ وألقابٍ ما أنزل الله بها من سلطان .
- عليه أن يعتزل تلك الجماعةِ فيما تعصبت فيه وفارقت المسلمين عليه .
- ثم عليه بطلب المنهج الحق ومعرفة أصول أهل السنّةِ والجماعة أهل الحديث جماعة المسلمين وعليه بطلب العلم النافع ونشره بلا تعصُّب لحزب ولا لمذهب ولا لشيخٍ .


قال الطبريُّ ( متى لم يكن للناس إمامٌ فافترق الناسُ أحزاباً ، فلا يتبع أحداً في الفُرقةِ ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية الوقوع في الشرِّ ) فتح الباري 13/37 .

قال الشيخ صالح فوزان ( وجب على كل مسلم أن يبينّ خطر هذه الجماعات والأحزاب التي ظهرت على الساحة باسم الدعوة إلى الإسلام ) مقدمة تنبيه أولي الأبصار .

وأخيراً:

ما هو سبيلُ النجاة ؟

قال الشيخ بكر أبو زيد صـ166: يا أيُّها المسلم !
التزم منهاج النبوّة في الكتاب والسنّة علماً وعملاً ودعوةً ،
والزم جماعة المسلمين ، مَنْ كان كذلك " على مثل ما أنا عليه وأصحابي
والزم إمامهُم المسلم في أي بلد بالسمع والطاعة في المعروف ، ما لم تر كفراً بواحاً عندك عليه من الله برهان ،
و العملَ على الجهرِ بحكمةٍ ودرايةٍ بإعادة الحياة الإسلامية في المسلمين صافيةً من شوائب الشبهات والشّهوات
" حكمالانتماءًـ166

قال الإمامُ ابنُ القيمّ رحمه الله ( ومن صفاتِ الغرباء :
(1) التمسُّكُ بالسنّةِ إذا رغبَ عنها الناس ،
(2) وتركُ ما أحدثُوه وإن كانَ هو المعروفُ عندهم ،
(3) وتجريدُ التوحيد وإن أنكر ذلك أكثرُ الناس ، وتركُ الانتساب إلى أحدٍ غيرَ الله ورسوله ، ولا شيخٍ ، ولا طريقةٍ ، ولا مذهبٍ ، ولا طائفةٍ ، بل هؤلاء الغرباءَ منتسبون إلى الله بالعبودَّية له وحده ، وإلى رسوله بالاتِّباع لما جاء به وحده ، وهؤلاء همُ القابضُون على الجمرِ حقَّا ، وأكثرُ الناسِ لائمٌ لهُم ، فلغُربَتِهم بين هذا الخلقِ يعدُّونهم أهلَ شذوذ وبدعةٍ ومفارقةٍ للسواد الأعظم ... )

والحمدُ لله ربِّ العلمين

درس ألقاه
الشيخ : أبو عبد الله إبراهيم المزروعي الإماراتي

و قام بنقله من سلسلته إلى الشبكة
الطبيب أبو عمران أسعد بن أسامة آل أحمد عمر
المشرف الدعوي على مؤسسة رياض السكينة
(مؤسسة السنة الخيرية سابقا ) في جمهورية ملدوفا
إحدى جمهوريات الإتحاد السوفييتي الملحد لا رده الله


مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :


أضرار الحزبية على الأمة الإسلامية

الْحِزْبِيَّةُ هِيَ الْفِتنَةُ(تعريف الحزبية في الإسلام)

الصوفية ماهي ما حكمها في الإسلام (شاهد خرافات الصوفية)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..