الثلاثاء، 22 ديسمبر 2015

عن سمير القنطار بأسف

 ذهب القنطار إلى مغامرته مراهقا فلسطينيا وخرج منها بطلا طائفيا.
ميدل ايست أونلاين
 ها هو سمير القنطار يحقق مأربه أخيرا. لقد مات "كما وصفه البعض" شهيدا.  لقد عاش الرجل ثلاثين
سنة في الاسر، لم يتعرف أثناءها على الحياة الحقة.
وحين أطلق سراحه بموجب صفقة بين حزب الله واسرائيل لم يذهب إلى الحياة الطبيعية. كان بطلا، والابطال لا يعيشون مثلما يعيش الناس العاديون.

لقد صنع منه حزب الله ايقونة للمقاومة، كان السجن الاسرائيلي قد مهد لها، فكان على القنطار أن يتماهى مع منزلته، رمزا مقاوما، يعز عليه أن يغادر الصورة التي ظهر فيها مع سيد المقاومة حسن نصرالله ليذهب إلى حياته الشخصية.

لم تعد له حياة شخصية. بالنسبة للابطال ما من حياة شخصية.

سيكون عليه أن يكون شبحا ليتخفى. مقتله في جرمانا الدمشقية يؤكد أنه اختار أن يقيم في المكان الذي لا يسال فيه أحد عن أحد. البطولة الحقيقة في أن تكون مجهولا، وهو ما حاوله القنطار. غير أن حجم الخيانة أكبر مما نتوقع. أكبر من النظام الأمني لحزب الله.

ربما كان القنطار ضحية لعمل تلك النظام.

غير أن القنطار كان في الاساس ضحية النظر إليه بإعتباره بطلا.

فالشاب الذي ذهب لتنفيذ عملية فدائية في اسرائيل لم يكن مشروع زعيم سياسي.
كان من الممكن أن يبقى في حجمه الطبيعي لينال حصته من الحياة، وهي الحصة التي حُرم منها بسبب سنوات الاسر.

غير أن حسن نصرالله كانت له وجهة نظر آخرى.
فلأن حزب الله كان في حاجة إلى أبطال أقتيد القنطار إلى الموقع الذي سيكون من خلاله بطلا. لا أعتقد أن شخصا من نوعه سيرفض تلك الهالة التي اسبغت عليه. القنطار الذي حُرم من كل أنواع الحياة وجد في تلك البطولة نوعا من التعويض. المكافأة التي انتظرها ثلاثين سنة، هي عمره في الاسر.

خضع القنطار لمراسيم رمزيته وهو ما يمكن أن يفعله أي شخص يحل محله. في لحظة مخاتلة يظن المرء أن التاريخ قد أنصفه من خلال المعاني التي تلحق بعذاباته وشقائه.

ذهب القنطار إلى مغامرته مراهقا فلسطينيا وخرج منها بطلا طائفيا.

"أعود إلى فلسطين" قال في خطابه الأول. هل كان يفكر في استعادة مغامرته الاولى؟ قبل حزب الله وقعت مغامرته غير أن خروجه من الاسر ما كان يتم لولا أن حزب الله كان موجودا.

ربما لم يكن القنطار يتوقع حين خروجه من الاسر أن يكون بطلا، غير أن حزب الله وهو راعي الصفقة كان قد قرر أن تكون البطولة مصيرا للقنطاري.

لم يكن القنطاري مخيرا في أن يكون بطلا.

لا أحد في إمكانه اليوم أن يفكر في ما كان يمكن أن يكون عليه مصير القنطار لو أنه لم يكن بطلا بالمعايير الذي يتبعها حزب الله، وهي المعايير التي استجاب لها حين فرضت عليه. هل كان من الممكن أن يذهب إلى حياته؟ ولكن أين تقع تلك الحياة؟

أعتقد أن القنطار نفسه لن يهتدي إليها.

كان الرجل ضحية مغامرته الاولى التي اتسمت بالكثير من الانصاف، غير أنه حين وقع بين براثن حزب الله لم يكن قادرا على الفصل بين ذاته المنصفة وبين شعبوية، صارت تغطي على ذاته بشعاراتها القطيعية.

بإعتباره بطلا مات سمير القنطار وهو ما كان يحلم فيه.

اما عن القنطار الذي لم يعش حياته الحقة فقد لا يحق لنا الحديث، من وجهة نظر سارقي حق البشر في العيش بإسم المقاومة، وهي مقاومة دفع القنطار حياته ثمنا لها في المكان الخطأ.

مات القنطار في جرمانا بدلا من أن يموت في فلسطين.

 

فاروق يوسف
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..