الأربعاء، 6 يناير 2016

ثمرات بر الوالدين

 1-3
قبــــول العمل الصالح:
قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ
شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)سورة  الأحقاف.
قال العلامة الشيخ محمد المختار الشنقيطي عند ذكره لثمرات بر الوالدين:
[من أعظمها وأجلها تقبل العمل؛ فإن الإنسان إذا كان باراً بوالديه كان مقبول العمل، وإذا تقبل الله العمل نفع الله به صاحبه في الدنيا والآخرة، وكان السلف الصالح رحمهم الله يحملون هم القبول، فكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: [لو أعلم لو أن لي صلاة مقبولة لاتكلت، فمن بر والديه فإن الله يتقبل عمله] قال الله تعالى في كتابه فيمن بر والديه: { أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ } [الأحقاف:16].
فجمع لمن بر والديه بين هاتين الثمرتين قبول العمل وتكفير الخطيئة، فيقبل عمل الإنسان وتكفر خطيئته.
قال بعض العلماء: إن البار إذا أصبح وفعل الطاعة وأمسى قبل عمل يومه، وإن العاق لو أطاع الله يومه فإن عقوقه قد يكون سبباً في حرمانه القبول للطاعة والعياذ بالله، فلو أصبح صائماً وبات قائماً وأغضب أباه وأمه لم يقبل الله عز وجل عمله، فإن الله تبارك وتعالى ذكر في قطيعة الرحم أنها تلحق بالإنسان العمى والصمم فقال جل وعلا: { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } [محمد:23] فإذا كان هذا فيمن قطع رحمه، فكيف بمن عق والديه والعياذ بالله، فخير ما يجنيه من بر الوالدين قبول العمل.(1)]




1437/3/25

 ثمرات بر الوالدين (2-3)

قبول التوبة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ فكلُّ من أصاب شيئاً من محارم الله، فقد أصابَ حدودَه، وركبها، وتعدَّاها . وعلى تقدير أنْ يكونَ الحدُّ الذي أصابه كبيرةً ، فهذا الرجل جاء نادماً تائباً ، وأسلم نفسه إلى إقامةِ الحدِّ عليه ، والنَّدمُ توبة ، والتوبةُ تُكفِّرُ الكبائرَ بغير تردُّدٍ ، وقد رُوي ما يُستدلُّ به على أنَّ الكبائر تكفرُ ببعض الأعمال الصالحة ، فخرَّجَ الإمامُ أحمد والترمذيُّ من حديث ابن عمر: أنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسولَ الله، إني أصبتُ ذنباً عظيماً، فهل لي من توبة؟ قالَ: ((هل لك مِنْ أمٍّ ؟)) قالَ: لا ، قالَ:((فهل لك من خالةٍ؟)) قال: نعم ، قال: (( فبِرَّها ))، وخرَّجه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم ، وقال : على شرط الشيخين ، لكن خرَّجه الترمذي من وجهٍ آخر مرسلاً ، وذكر أنَّ المرسلَ أصحُّ من الموصول ، وكذا قال عليُّ بنُ المديني و الدارقطني.
وروي عن عمرَ أنَّ رجلاً قال له : قتلتُ نفساً، قال: أمُّك حية؟ قال: لا، قال: فأبوك ؟ قال: نعم، قال: فبِرَّه وأحسن إليه، ثم قال عمر: لو كانت أمُّه حيَّةً فبرَّها، وأحسن إليها، رجوتُ أنْ لا تطعَمه النارُ أبداً . وعن ابن عباس معناه أيضاً .
وكذلك المرأة التي عَمِلَت بالسحر بدُومَة الجندلِ ، وقدمت المدينةَ تسألُ عن توبتها ، فوجدت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم  قد توفي، فقال لها أصحابُه: لو كان أبواك حَيَّيْنِ أو أحدهما كانا يكفيانك. خرَّجه الحاكم وقال: فيه إجماعُ الصحابة حِدْثَان وفاةِ الرسول صلى الله عليه وسلم  على أنَّ برَّ الأبوين يكفيانها.
وقال مكحول والإمام أحمد: بِرُّ الوالدين كفارةٌ للكبائر.
وهذه كلُّها لا دِلالةَ فيها على تكفير الكبائر بمجرَّد العمل ؛ لأنَّ كلَّ من ذكر فيها كان نادماً تائباً من ذنبه ، وإنَّما كان سؤاله عن عملٍ صالح يتقرَّب به إلى الله بعد التوبة حتّى يمحوَ به أثَرَ الذنب بالكلية ، فإنَّ الله شرط في قبول التوبة ومغفرةِ الذنوب بها العملَ الصالح ، كقوله: { إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً }، وقوله: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً }، وقوله: { فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ }.
وفي هذا متعلَّقٌ لمن يقول: إنَّ التائب بعد التوبة في المشيئة ، وكان هذا حال كثير مِنَ الخائفين مِنَ السَّلف .
وقال بعضهم لرجلٍ: هل أذنبت ذنباً؟ قال: نعم ، قال: فعلمتَ أنَّ الله كتبه عليك؟ قال: نعم، قال: فاعمل حتّى تعلمَ أنَّ الله قد محاه.
ومنه قولُ ابن مسعود: إنَّ المؤمن يرى ذنوبه كأنَّه في أصل جبل يخاف أنْ يقع عليه ، وإنَّ الفاجر يرى ذنوبَه كذُبابٍ طار على أنفه ، فقال به هكذا . خرَّجه البخاري.
وكانوا يتَّهمُون أعمالهم وتوباتهم ، ويخافون أنْ لا يكونَ قد قُبِلَ منهم ذلك، فكان ذلك يُوجِبُ لهم شدَّةَ الخوف ، وكثرةَ الاجتهاد في الأعمال الصالحة([1])] .






(1)  أسباب رفع العقوبة عن العبد لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق علي بن نايف الشحود ص14 .

مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..