الخميس، 10 مارس 2016

السعوديون وتضخم “الأنا”

     يصف البعض المجتمع السعودي بأنه يعاني من مرض نفسي خطير يطلق عليه تضخم “الأنا”، يظهر من خلال سلوكيات المجتمع وأفراده في الداخل والخارج. هذا التوصيف إستفز فينا محاولة التعرف على هذا المرض وأسبابه وأعراضه، فبحثنا في مصادر البحث الألكترونية، وطرحنا سؤال في ساحة تويتر كالتالي:”هل يعاني الخليجيون من تضخم الأنا؟”، وبالرغم من الردود بالإيجاب في تويتر، إلا اننا طرحنا نفس السؤال على الأخ والصديق أ.د طارق الحبيب بحكم تخصصه. وسنعرض لذلك كله في هذا المقال. وبالرغم من إعترافنا بصعوبة إثبات الحالة، لكننا نظن أن كل أو معظم الأعراض الواردة في علم النفس تنطبق على المجتمع السعودي. هنا يظهر أهمية الحل الذي نعتقد أنه من مسئولية الدولة والمجتمع ومؤسساته، من خلال التثقيف، والتوعية، والتعليم، والإعلام الرسمي، والتوجيه والإرشاد الديني، والصحافة، للخروج من هذه المِحنة النفسية. فليس من العيب أو المشين أن يصاب مجتمع ما بمرض أو أمراض، فذلك يحدث لكافة المجتمعات من دون إستثناء نتيجة التطور. فالعيب أن نستنكف من الإعتراف، والمشين أن تختطفنا حالة “الإنكار” فيزداد الأمر سوءاً. والأهم والأفضل والأجدى، أن نواجه عيوبنا وأمراضنا بثقة بشجاعة ونتعاون على التخلص منها. 

أولاً، ماهو تضخم “الأنا” وماهي أسبابه؟ يقول علم النفس: “الأنا” عند الإنسان العادي، تمارس ما يُعرف بآليات أو حيل دفاعية، وهي إستراتيجيات لا شعورية مشوهة للواقع يعتمدها “الأنا” لحمايته من القلق أو خفض القلق لديه، عندما يرفض الإعتراف بواقع، سواء كان خارجيا أم داخليا. وهي تكتيكات يمكن أن نمارسها جميعا، إلا أن الفرق بين الفرد السوي والفرد المصاب بتضخم “ألأنا”، أن السوي يمارسها بمرونة في المواقف التي تستدعي ذلك، أما المصاب بتضخم “الأنا”، فيمارسها بتصلب. ويرى بعض علماء النفس أن “تضخم الأنا”: سلوك نفسي ومرض بغيض له عوارضه وله مسبباته منها الكبرياء والعنجهية التي لا يخرج منها الا أسوء السلوك، لتظهر “الأنا” الفردية فيها كِبر وإستعلاء، وشعور بالتميز، وتفضيل لكينونتها عن البشر، لتكون أذى وشر على الآخرين.  أما أسباب تضخم “الأنا” فهي عديدة من أهمها: تراكم الشعور بالإضطهاد والإغتراب. 

 ثانياً، يذكر علم النفس، أنه مع تضخم “الأنا” تتكون توليفة من شخصيات مختلفة من أهمها أربع هي: النرجسية؛ والتسلطية؛ والإحتوائية؛ والإقصائية. (١) الشخصية النرجسية: تاخذ حاجتها القسرية إلى الإعجاب، أي أنها تريد من الآخرين أن يعجبوا بها بالصورة التي هي تريدها، وأن لا يتوقفوا عن المديح والإطراء. (٢) الشخصية التسلطية : ذات إنفعالات غاضبة وإندفاعية، وتصنف الأخرين بثنائيات، وفي مقدمتها ثنائية الأصدقاء مقابل الأعداء: أي من كان معي فهو صديقي، وما عداه فهو عدّوي. كما تتصرف بشيء من التعالي والعجرفة نحو من تنظر إليهم تلك الشخصية كأقل منزلة – المفارقة أن تلك الشخصية تتصرف بتواضع شديد وانصياع وتملّق لأصحاب القوة والمال -. (٣) الشخصية الاحتوائية : التي تسعى إلى السيطرة على الآخرين وإحتواء وجودهم المعنوي وأفكارهم، سواء بالإبهار أو بأساليب درامية، فيها إلتواء وإنحراف عن كل ما هو طبيعي وعادي. (٤) الشخصية الإقصائية: التي تستبعد الآخرين بذرائع شتى وحجج مختلفة لإسكاتهم أو الخوف من تأثيرهم، إذا ما تعذر عليها السيطرة عليهم أو إحتوائهم بالإغراء أو التهديد.

ثالثا، يتولد لدى المصاب بتضخم “الأنا” عدد من الحالات منها: (١) الإسقاط : ويعني ترحيل عيوب الأنا ورميها على الآخـر، فإذا كان “س” حسود أو طائفي أو عنصري، مثلاً، فإن تلك الشخصية تنفي عن نفسها ذلك، وتتهم “ص” بممارسة الحسد أو الطائفية أو العنصرية. (٢) الحذلقة الفكرية : وتعني التلاعب بالأفكار والغموض السريالي والتمويه وإجادة صناعة الكلام وقِلّة النتائج. (٣) العدوان : لدى المصاب بتضخم “الأنا” نزعة عدوانية صريحة أو ضمنية، فإذا إنتقده أحد في أفكاره أو سلوكه بحق، أو بدونه، فأنه يشهر بوجهه كل أسلحته، حتى لو كان صديقاً له، وغالبا ما تشيع تهم التخوين والتصنيف والتكفير، وقد تتعداها إلى النيل من السمعة والشرف.

رابعاً، طرحنا سؤال تويتر: “هل يعاني الخليجيون من تضخم “الأنا”؟ على أ. د طارق الحبيب العالم النفسي المتخصص، فأجاب بالنفي، ويضيف: “لا .. ماعندهم تضخم “الأنا” .. إنما عندهم الوراثة القبلية .. السلوك القبلي .. يجعل من الإنسان يلتزم “بالسلوم” والعادات أكثر من إلتزامه بالقيّم والمباديء والأديان .. فيجعله يتشكل بهذه الطريقة .. فقط”. بعد ذلك طرحنا على البروفسور طارق سؤال: هل ماذكر أعلاه من أعراض وسلوكيات موجودة في المجتمع السعودي، أو المجتمع الخليجي، بصرف النظر عما إذا كان مرض أو عرض، وما إذا كان سلبي أو إيجابي، فأجاب: “كل هذا ممكن، لكن ممكن أيضاً مايجتمع. فليس شرطاً لتعريف الشخصية الخليجية أن تكون بهذه الطريقة، قد يجتمع بعض هذا، أو كله، أو لا يوجد”. ويضيف البروفسور: ” لا يوجد سيكيولوجية خليجية” فهناك “سيكيولوجية سعودية، كويتية، بحرينية .. وهكذا .. مختلفين تماماً”.

خامساً، من الطبيعي أن رأي القاريء، أو رد أي شخص مختص عند توصيف المجتمع بمرض “تضخم الأنا” هو النفي. ولذلك عمدنا إلى ذكر أعراض المرض قصداً لجعلها مؤشرات يستدل بها على وجود هذه العلة النفسية. فإن كانت تلك الأعراض واضحة في من نعرف أو نشاهد أو نسمع، فلابد أن هذه العلة موجودة. الأمر الآخر أن “الإنكار” حالة دفاعية تلقائية لدى المجتمعات البدائية لإبعاد التهم والأمراض الغير مريحة. فعلم النفس يعرّف الإنكار (Deniel) وأنواعه بأنه آلية الدفاع النفسي القائمة على الرفض وعدم القبول، يستخدمها الشخص ليواجه حقيقة غير مريحة أو مؤلمة، وقد تكون (١) حالة إنكار بسيطة، مثل الإنكار لواقعة أو لمعتقد أو لحقيقة معينة؛ وقد تكون (٢) إنكار تَصْغِيْري عندما يعترف بالحقيقة وينكر خطورتها؛ أو قد تكون (٣) إنكار إِنْقالي حين يعترف بالحقيقة والخطورة ولكن ينفي المسؤولية.

سادساً، إذا قبلنا، جدلاً، أن المجتمع السعودي مصاب بمرض “تضخم الأنا”، فهل هذا يفسر كثير من المظاهر والظواهر السلبية التي نشاهدها في المجتمع السعودي. نحن لا نتحدث هنا عن مايصفه البعض  بـ”المهايط” الذي هو نوع من التفاخر الكاذب والمزيف، بل عن الأثر الذي يتركه سلوكيات أو ممارسات لدى الأخرين. فقد لا يعلم الشخص أن تلك السلوكيات والممارسات هي دلائل علل نفسية تراكمت عبر الزمن ثم أنبئت عن نفسها في أشكال مختلفة. وقد يظهر واضحاً في كتب التعليم، وأدبيات الإعلام، وسلوكيات المجتمع، ومقالات الكتّاب، وتوجيهات الدعاة، وحوارات وسائل التواصل الإجتماعي، وحتى أسلوب “السواليف” في المجالس أو المقاهي، شيء من تلك السلوكيات، والتي يغلب عليه مظهرين رئيسيين: (١) إنعدام ثقافة الحوار وتقبل الرأي الآخر؛ (٢) أننا أفضل المجتمعات، وأطهر التجمعات، والأكثر مال وثراء، والأصح منهج وعقيدة. 

سابعاً، إذا إستخلصنا من التعريف النفسي لـتضخم “الأنا”، الذي ذكرناه أعلاه، أن هذه المِحنة النفسية هي بسبب “تراكم الشعور بالإضطهاد والإغتراب” .. وأنها “استراتيجيات لا شعورية مشوهة للواقع يعتمدها الأنا لحمايته من القلق أو خفض القلق لديه”. هنا نسأل: عن أي إضطهاد وإغتراب وقلق نتحدث؟ وهل تحليل البروفسور طارق الحبيب عن “الوراثة القبلية والسلوك القبلي” الذي يجعل من الإنسان يلتزم بالسلوك والعادات أكثر من إلتزامه بالقيّم والمباديء والأديان .. فيجعله يتشكل بهذه الطريقة” يدلنا على الفهم؟ أم أن الأمر مزدوج فذوبان القبيلة والقبائلية مع عاداتها وسلوكها وسلومها يتناقض مع مفهوم الدولة الحديثة بأنظمتها وقوانينها للوصول إلى المجتمع المدني ومفهوم المواطنة الوطن للجميع، مما خلق ذلك الشعور بالإضطهاد والإغتراب ورفع من مستوى القلق، وهنا تتضخم “الأنا”. وهل الأمر يقتصر على الداخل، أم يندرج على الخارج في أن عدم تقبل المجتمعات المجاورة للمجتمع السعودي أو العكس، ساهم في تفاقم تضخم “الأنا”؟

ثامناً، يمكننا في سياق ما ذكرناه أن نتساءل: أين الدولة ومؤسساتها من كل هذا؟ هل شارك الإعلام الرسمي في تأصيل وخلق تضخم “الأنا”؟ هل محاولة الدولة صنع الهوية السعودية وتأصيل الشعور بالإنتماء كان مبالغ فيه أو خاطئاً أو إرتد عكسياً على المجتمع؟ هل الرغبة الصادقة لدى الفقهاء والوعاظ والدعاة لجعل المجتمع السعودي أقرب إلى مجتمع الفضيلة، فُهمت على أن المجتمع السعودي “ملائكي” بالفطرة ويجب أن يكون كذلك؟ هل تضمنت مناهج التعليم أو أسلوب المعلمين في شرح مضمون تلك المناهج شيء يعظّم من “تضخم الأنا” لدى الطلاب في مراحلهم الدراسية المختلفة؟. في ظننا، أن المِحنة النفسية المتمثّلة في تضخم “الأنا”، إن ثبت وجودها في المجتمع السعودي، فهي خليط من كل ماسبق ذكره وأن كافة الجهات الرسمية والشعبية ساهمت بشكل وقدر ما في تعميق الحالة.

تاسعاً، لفهم هذه الحركة التبادلية بين الأفراد والمجتمع والدولة، ذهبنا في صحبة “بيب لاتان Bibb Latane لنستطلع “نظرية التأثير الإجتماعي” Social Impact Theory ١٩٨١م التي تضم (٣) عناصر توضح كيف يكون الأفراد، مصادر وأهداف للتأثير الإجتماعي، في نفس الوقت. هنا يتضح لنا الأمر بشكل أكبر، فيمكن إعتبار “تضخم الأنا” في المجتمع السعودي مزيج من: (١) تعريفات علم النفس حول أسباب وعوامل “تضخم الأنا”؛ (٢) رأي البروفسور طارق الحبيب حول السلوك القبلي النابع من العادات و “السلوم”؛ (٣) التكرار الذي ينتج من وسائل الثقافة والتعليم والإعلام. ألم نجادل في مقالات سابقة أن الدول بحاجة اليوم إلى خبراء في علم النفس و علم الإجتماع أكثر من حاجة تلك الدول للخبراء في العسكرية والسياسة والإقتصاد والهندسة والإدارة والمال؟

أخيراً، لاشك أن المجتمع السعودي يعاني من إضطرابات نفسية تنبيء عن نفسها في مظاهر متعددة في أماكن مختلفة بواسطة أفراد ومجموعات متغيرة، تجتمع لتبرز سلوكيات سلبية. وهنا نرى أن كثير من النقائص والنقائض الإجتماعية مثل: الإرهاب، والإلحاد، والمخدرات، والإستهتار، والعطالة، والرغبة في البذخ، تأتي بسبب علل نفسية منها تضخم “الأنا”. لكن المثير أنها لا تلبث أن تصطدم بحالة من “الإنكار” في أحد حالاته: البسيط، أو التصغيري، أو الإنقالي. هنا يتوجب علينا جمع أكبر حد من الثقة بالنفس والإعتراف بهذه المِحنة النفسية، ثم التعمق في التشخيص، تمهيداً لإيجاد الحلول والتكاتف بين الدولة والحكومة والمجتمع للتخلص أو التخفيف من تضخم “الأنا”. ختاماً، يصاب الإنسان بالعديد من أنواع التضخم مثل: تضخم القلب، والكبد، وغيرها، لكن أخطرها على الإطلاق هو “تضخم الأنا”. حمانا الله وأياكم من كل أنواع التضخم. حفظ الله الوطن.

طراد بن سعيد العمري
طراد بن سعيد العمري

كاتب، ومحلل إستراتيجي



مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..