الثلاثاء، 15 مارس 2016

أوباما وقنصله في البصرة!

قريبا ستصبح الأوبامية حادثة عرضية في تاريخ الولايات المتحدة.

ميدل ايست أونلاين
في مؤتمر صحفي جمعه ونظيره الروسي سيرغي لافروف، تناول وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان مسألة كيفية مقاربة الإرهاب والتصدي له، معتبراً أنه "لا يوجد إرهاب جيد وإرهاب
ضار، ولا يمكن لنا أن نفرّق بين داعش والنصرة من جهة، والجماعات المدعومه من قبل إيران في سوريا". ورأى الوزير الإماراتي أنه "إذا كنا نريد أن نقضي على داعش والنصرة، وننتهي من ذلك، لا يمكن أن نرى كتائب أبو فضل العباس وجماعات بدر والحشد الشعبي وحزب الله يفعلون ما يفعلونه في سوريا والعراق(..)"، مضيفاً أنه "لنقضي على داعش والنصرة علينا أن نقضي على الطرف الآخر أيضاً".

بناء على هذا التصريح استدعت وزارة الخارجية العراقية سفير الإمارات في بغداد احتجاجاً. في ذلك السلوك منطق يتّسق مع طبيعة النظام السياسي في العراق ومع حقيقة النفوذ الذي تمتلكه طهران في بغداد، كما يتّسق مع واقع دفاع الحكومة ومراجعها الشيعية عن "الحشد الشعبي" وإنجازاته، علماً أن شخصيات عراقية برلمانية ووزارية وسياسية، هي جزء من العملية السياسية في العراق، كانت اتهمت "الحشد" بالطائفية وممارسة الإرهاب، بمعنى أن الشكوى هي إنتاج محليّ صرف وليست مستوردة من خارج مغرض.

في المقابل تطلّ الولايات المتحدة بظل ثقيل على هذا الجدل العراقي - العراقي والعراقي - الخليجي لتعكس ذلك الإنقلاب الذي تفرضه "الأوبامية" على الحلفاء قبل الخصوم، والذي تباهى الصحفي الأميركي جيفري غولدبرغ في تسميته بـ "عقيدة أوباما" في مقاله المثير للجدل هذه الأيام، والذي نشرته "أتلانتيك" الأميركية مؤخراً.

فقد قام القنصل الأميركي العام في البصرة ستيف ووكر منذ أيام بزيارة جرحى "الحشد الشعبي" في مستشفى الصدر التعليمي في المدينة، مشيداً بما حققه "الحشد" من مساهمة في تحرير مناطق في العراق من تنظيم داعش.

أتى الرجل يعود الجرحى موزّعاً الهدايا، متباهياً بسُبحة يحملها، هي من أصول "الشغل" في تلك المنطقة، معلناً بالفم الملآن أن "الولايات المتحدة تعترفُ بالمساهمة المهمة التي يقدمها الحشد الشعبي تحت قيادة رئيس الوزراء". ثم يمعن أكثر في رسائله منوهاً بأن "أغلب عناصر الحشد الشعبي جاؤوا من الجنوب، ولهذا أودُّ أن أبعث بالتعازي لكل أهل البصرة والجنوب الذين فقدوا أحباءهم أو أصدقاءهم في الحرب ضد داعش". ثم تنقل قناة "الحرة" الأميركية توجهه للجرحى بالقول إن "الشعب الأميركي والشعب العراقي فخورون جداً جداً بكم".

لا يمكن وضع هذا الموقف إلا ضمن تصنيف عبث الهواة الذي ما فتئت الإدارة الأميركية تمارسُه وفق "عقيدة أوباما" الرائجة هذه الأيام. ناهيك عن أن موقفَ واشنطن يتناقضُ مع موقف واشنطن نفسها في إدانة الممارسات الطائفية التي صدرت عن بغداد والتي تقف، حسب واشنطن، وعلى لسان الرئيس الأميركي، وراء ظهور التطرف المتحوّل إلى داعش في العراق.

في بغداد من اعتبر زيارة القنصل الأميركي تحوّلاً لافتاً في موقف واشنطن، وهي تأتي، وفق "المغبوطين"، وكأنها ردّ على مناورات "رعد الشمال" التي كان ضجيها غير بعيد عن الحدود السعودية العراقية، كما أنها ردّ على حلفاء واشنطن في المنطقة الذين يتهمون "الحشد الشعبي" بالطائفية والإرهاب، وهي ردّ، حتى، على الأصوات العراقية المحلية التي تدين "الحشد" وتستنكر سلوكه، لا سيما حين تنقل القناة الأميركية الناطقة باللغة العربية عن قنصل البصرة أن بلاده لا تضع أي فيتو على مشاركة "الحشد الشعبي" في معركة الموصل، وأن الأمر متروك للحكومة العراقية.

كذبَ الرئيس الأميركي حين قال إن بلاده لا تستطيع أن تقف مع طرف ضد طرف في السجال الحاصل بين إيران والسعودية. وكذب حين إدعى الحياد وراح يغمزُ من قناة الخليجيين مدافعاً عن وجاهة خياراته إزاء إيران. وكذب حين إعتبر أن التوترَ بين إيران والسعودية محليّ يستدعي تشارك البلدين على تقاسم النفوذ في المنطقة مبرّئا بلاده وإدارته و"عقيدته" من إثم التلاعب بالتوازنات التي أطلقت أخطر ظواهر الإرهاب في التاريخ الحديث.

لا يمكن لعين المراقب إلا أن تلحظٓ لغة تبريرية دفاعاً عن عجز أراده أوباما أن يكون عقيدة تُدرّس في العلوم السياسية. وفيما تسرّع كثيرون في اعتبار "الأوبامية" متّسقة مع مدرسة "الواقعية" في تاريخ الولايات المتحدة، يذهبُ الخبراء الأميركيون هذه الأيام إلى إنكار صفة "الواقعية" عن سلوك أوباما، ويرون أنها، بالأحرى، أقرب إلى "الإنعزالية" الأميركية الشهيرة، وهي أيضاً مدرسة من مدارس السياسة الخارجية الأميركية في عهود سابقة.

لا يمكن إنكار أن باراك أوباما يدين للعراق سبباً لإنتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأميركية. وإذا ما أتى خطابه منتقداً لفلسفة جورج بوش الإبن، لا سيما في العراق، فإن إرسال قنصلِه لعيادة جرحى "الحشد" هو من صلب الـ "بوشية" وخطاياها. ثم أن استخلاص العبر من التدخل الأميركي في العراق بعدم التدخل في سوريا، ينمّ عن تبسيط يخلطُ ما بين مبدأ التدخل وطبيعة التدخل. فإذا ما أدى تدخل بوش إلى كل هذا العبث العراقي، فإن عدم تدخل أوباما في سوريا أدى إلى كارثة ستبقى لصيقة تاريخياً بعهديّ أوباما في البيت الأبيض.

لكن اللافت في استنتاجات غولدبرغ التي حصدها من عدة مقابلات متفرّقة خصّه بها سيّد البيت الأبيض، أن باراك أوباما يمعن في تحليق، يشبه الغرور، في الدفاع عن "عقيدته" المرتجلة على عجل، ويلقي باللائمة على حلفاء بلاده التقليديين، ليس في الشرق الأوسط فقط، بل حتى الأوروبيين الذين يأخذ عليهم مسؤوليتهم عن تلك الفوضى في ليبيا. في ذلك صبيانية لا تليق بزعيم الدولة الأولى في العالم، بحيث يصار إلى تطهير الذات من خلال الوشاية بالآخرين.

على أن في مضمون نصوص أوباما عبق خيبة يتحرى استغراقاً في التفسير والتأويل والإجتهاد. تكفي مقارنة خطاب الرجل في الشهور الأولى له داخل البيت، بخطابه الحالي على مسافة أشهر من مغادرته البيت والموقع، لإستنتاج صلابة قناعاته التي كان يبشّر بها في البدايات، بوهن استنتاجاته التي يعتب بها على منتقديه في داخل أميركا وخارجها في النهايات. فإذا ما فشل في تحقيق مضمون خطابه في جامعة القاهرة، فذلك لا يعود، برأيه، إلا لعلّة في متن الآخر لا إلى ارتباك بنيوي في الأوبامية نفسها. والحقيقة أنه إذا ما فشل في مقاربته السورية، فذلك لسوء إدارة ارتكبها جعلته أسير الأجندة الروسية مواكباً لطموحات فلاديمير بوتين الصاعدة.

ربما يختصرُ ستيف ووكر، قنصل واشنطن في البصرة، الأوبامية أكثر مما حاول جيفري غولدبرغ، الصحفي المقرب من الرئيس، التوسّع في شرحها في مقاله الشهير. ذلك أن الرواية العراقية تفصح عما خفي في حشايا الاتفاق النووي مع إيران من رفع لشأن "الشريك" الإيراني وترويج لخياراته، على حساب "الحلفاء" وهواجسهم. لكن الرواية الأميركية تكشف عن سقوط "العقيدة" التي يجري ترويجها، ذلك أن صعودَ ظاهرة دونالد ترامب يعني أن التغيّر الأميركي الذي عُبِر عنه بانتخاب أول رئيس أسود لولايتين، قد يسقط وتصبح الأوبامية حادثة عرضية في تاريخ الولايات المتحدة، لا سيما إذا ما تمّ انتخاب ترامب رئيساً، بما قد يعكس رغبة الأميركيين باستبدال رئيس أسود برئيس شديد البياض.



محمد قواص
صحافي وكاتب سياسي
First Published: 2016-03-15   
المصدر
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ذى أتلانتيك| عقيدة أوباما..الرئيس الأمريكى يتحدث عن سياسته الخارجية حول العالم

«عقيدة أوباما» تكشف وجهه الحقيقي تجاه المنطقة

"تركي الفيصل" يُفحم "أوباما" بالحقائق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..