هذا المقال نشرته قبل سُنٓيّٓات في مجموعة عبدالعزيز قاسم تعقيباً على اتهامه لعلماء السعودية بالجهل بالسياسة ، وللإحاطة : كان نشر هذا المقال قبل إعلان القرضاوي أن علماء السعودية كانوا أبصر منه بحال الشيعة ، وهو وإن كان إعلانه ذاك يُحمد له فلا زال لم يعلن سبق علماء السعودية له في القضايا الأخرى ، وإليكم المقال:
أخي الكريم عبد العزيز قاسم وفقه الله :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجهنشرتم فيما مضى مقالة أخينا المفضال الشيخ سليمان الخراشي والتي تَعَقَّب فيها كلمةً قالها فضيلة العلامة الدكتور القرضاوي في مذكراته الثانية ، وأحببت هنا أن أشير إلى قضية مهمة لم يتطرق إليها الشيخ الخراشي . وحتى يكون ما أقوله واضحاً أعيد نص كلمة الشيخ العلامة القرضاوي والتي كانت موضع حديث أخينا الكريم الشيخ سليمان الخراشي .
يقول
الشيخ العلامة يوسف القرضاوي:(وهذه نقطة مهمة تُسجَّل لإخواننا من شباب
العلماء والدعاة في المملكة ، الذين جمعوا إلى العلم الشرعي : الفقه
السياسي ، ووقفوا موقف المعارضة لسياسة الحكومة ، وسياسة كبار المشايخ .
فحياهم الله وجزاهم خيرًا : الحوالي والعودة والقرني والعمر وإخوانهم ،
الذين وُضعوا في القائمة السوداء ، وجرى لهم بعد ذلك ما جرى من محن ، ندعو
الله أن تكون في ميزانهم حسنات ودرجات).
وصف
الشيخ القرضاوي لهؤلاء المشايخ بأنهم جمعوا إلى العلم الشرعي الفقه
السياسي ولمْزٌه هيئة كبار العلماء في وقت الأزمات بأنهم لم يكونوا يحملون
مثل تلك الرؤية السياسية التي يحملها هؤلاء المشايخ الذين أثنى عليهم ،
أقول : إنني لم أر في مواقف الشيخ القرضاوي السياسية في معظم المٌلِمَّات
التي حلَّت بالأمة ما يوحي بأنه مؤهل لتقييم العلماء في هذا الاتجاه أو
لتبيين صاحب الرؤية السياسية ممن ليس هو كذلك .
وحين
نراجع مواقف الشيخ السياسية في أعقد أزمات الأمة نجد أن معظمها مجانب
الصواب ، بل إن الشيخ القرضاوي رجع فيها إلى موقف هيئة كبار العلماء
السعودية ، لكن للأسف دون أن يشير ولو بكلمة لهم بفضل السابقة .
نضرب أمثلة لذلك:
موقف
الشيخ القرضاوي من الثورة الإيرانية ومن التقارب الشيعي السني ومن مؤتمرات
التقارب ، كان الشيخ مؤيداً لكل ذلك على خلاف علماء المملكة ولم يستبن له
الرشد في هذه المسألة إلا بعد عشرات السنين ، وللأسف حين تراجٌعِه عن
مواقفه القديمة لم يقدم كلمة ثناء واحدة على علماء المنهج السلفي الذين
سبقوه إلى هذا الرأي وكانوا أبعد منه نظراً وأعرف بعواقب الأمور.
موقفه
مما يعرف بحزب الله ، كان موقفاً مخدوعاً لم يكن الشيخ فيه عالماً أريباً
ولا سياسياً حصيفاً ولم تظهر له الحقيقة إلا قبل أيام قلائل فأرعد وأزبد
وكأنه أول من اكتشف هذه الحقيقة التي عرفها علماء المملكة منذ عشرين عاماً ،
وللأسف فقد كان له ردود قاسية على علماء المملكة لاسيما الشيخ عبدالله بن
جبرين ولم يتكلف الاعتذار منهم ولو ببيان فضل سبقهم في هذا الأمر.
موقف
الشيخ القرضاوي من حكم المصالحة اضطراراً بين الفلسطينيين والصهاينة فقد
عارض فيها الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ورد عليه في جريدة الشرق
الأوسط رداً قاسياً في حينه ، واليوم هو من مؤيدي حماس والتي أصبحت جزءاً
من هذه المصالحة ولم ينكر عليها كما لم يقل كلمة في فضل الشيخ عبدالعزيز بن
باز وسابقته ببعد النظر في هذه النازلة.وموقف الشيخ القرضاوي بعد غزو صدام حسين للكويت وتهديده للأراضي السعودية لم يكن واضحاً ولا قوياً في ذلك التاريخ كما أتذكر ، وهذا يحسب له فالورع محمود لاسيما في النوازل الكبيرة ، لكننا وجدناه مؤيداً تدخل الناتوا في ليبيا ومطالباً بالتدخل الدولي في سوريا مما يؤكد رجوعه للموقف الواضح الذي وقفه أعضاء هيئة كبار العلماء في السعودية من التدخل الأمريكي آنذاك.
وموقف القرضاوي في الحرب السادسة بين الدولة اليمنية والحوثيين والتي كانت السعودية طرفاً فيها لا يظهر لي أنه كان موفقاً أو ينم عن عمق سياسي ، فبالرغم من رفض الشيخ القرضاوي للدعاية الحوثية المذهبية إلا أنه ترأس وفداً من اتحاد علماء المسلمين للوساطة بين الحوثيين والحكومة اليمنية ، وذلك في الوقت الذي كان الحوثيون فيه في منتهى درجات العجز إثر الدخول السعودي القوي لحسم النزاع عسكرياً ، وقد أثمرت هذه الوساطة عن خذلان حكومة علي عبدالله صالح لحليفتها السعودية ، وإعطاء الحركة الحوثية إبرة الحياة ، مع العلم بأن الحركة الحوثية لم تنفذ في الوساطة العلمية أو الوساطة السياسية شيئاً من التزاماتها .
موقف فضيلة الشيخ العلامة القرضاوي من الثورات العربية كان موقفاً داعماً وبشدة ، ونحن مع اقتراب السنة الثالثة لبعض هذه الثورات نزداد كل يوم قناعة بأن داعميها من الإسلاميين والوطنيين الصادقين لم يكونوا سوى جماعة من المٌغَرَّرِ بهم .
ولا
أريد أن أعرض قدرات الشيخ القرضاوي السياسية على مواقفه من الزعيم الليبي
المقتول قبل الثورة وثنائه عليه وقطعه الكعكة بيده في احتفال السفارة
الليبية بالذكرى الثامنة والعشرين لتولي القذافي الحكم في ليبيا ، وكنت
أتعجب كيف لعالم أن يحتفل بذكرى أليمة على كل مسلم أطيح فيها بحكم ملك من
أهل التقوى والصلاح ليٌقام مكانه طاغية أفتى الشيخ القرضاوي نفسه بإهدار
دمه ، لكن ذلك كان بعد الثورة .
أقدِّم
هذا السرد مساهمة في رفع الظلم عن علمائنا الذين لازالت آلة الإعلام تصفهم
بما وصفهم به العلامة القرضاوي من عدم الفقه بالسياسة والبعد عن إدراك
الواقع ، مع أن المتأمل للأحداث ومجرياتها بإنصاف سيجد العكس تماماً ، ولو
أن الشيخ القرضاوي وغيره كانوا أكثر إنصافاً لوصفوهم بأصحاب رأي مخالف
لتوجهاتهم أما أن ينزعوا عنهم صفة الفقه بالسياسة والفهم للواقع فهذا منتهى
الحيف الذي أٌجل الشيخ وفقه الله للخير عن الوقوع فيه .
محمد بن إبراهيم السعيدي- 16 أبريل 16
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..