- لم يتصور أن أحداً سيعرف جريمته العلمية الفجة، لم يكلف نفسه عناء تغيير أى شىء فى البحث أو حتى إعادة ترتيب فصوله أو حتى ربطه بالواقع المصرى.
- لقد أمن العقاب فأساء الأدب لأنه رأى أمامه سرقات علمية كثيرة فى جامعته وغيرها لم تتمخض عن شىء أو يُعاقب أصحابها، أرسل البحث المسروق للجنة الترقية التى منحته درجة الأستاذية.
- وكاد الموضوع يمر مرور الكرام لولا شكوى أحد أصدقائه لنائب رئيس الجامعة للدراسات العليا، كان النائب نظيفاً شريفاً وعالماً كبيراً حاصلاً على أعلى درجة علمية فى تخصصه من ألمانيا، وهو لا يقبل الرشاوى الظاهرة والباطنة.
- قارن الرجل بين البحث الأصلى والمسروق، تعجب لهذه الجرأة على العلم، والكذب على الناس، وتصوير البحث الأصلى دون حياء أو حتى تغيير أى شىء.
- وقّع على ورقة سريعة أعدها بنفسه «تحويل الأستاذ إلى الشئون القانونية بالجامعة»، كان ينبغى على المحقق أن يحيل البحث إلى لجنة علمية متخصصة تبت فى الأمر.
- علم الأستاذ وهو فى الخليج بالتطورات فنزل سريعاً، وبدأت الرشاوى الظاهرة والباطنة تأخذ طريقها إلى الشئون القانونية التى ظلت تماطل فى الأمر، ولم تحول الأستاذ إلى مجلس تأديب أو لجنة علمية متخصصة، أو ترسل لجامعة بنسلفانيا البحث ليحسموا الأمر، حتى أحيل نائب رئيس الجامعة إلى المعاش لتغلق صفحة هذه السرقة العلمية الفجة.
- لم تكن هذه السرقة العلمية الفجة هى الوحيدة فى الجامعة بل سبقتها ولحقتها أخوات كثيرة.
- كان هناك عضو هيئة تدريس فى الجامعة سيسافر إلى مؤتمر علمى كبير على نفقة الجامعة وقدم البحث الذى سيقدمه فى المؤتمر، نظر فيه أحد أساتذته الكبار، فوجده أعلى بكثير من مستواه العلمى، ودقته العلمية أرفع من أن يخطه قلمه وعلمه.
- بحث عنه على شبكة الإنترنت فوجده «منقول بالمسطرة» ومصوراً كاملاً من بحث علمى لأستاذ من جامعة ميتشيجن الأمريكية، حزن حزناً شديداً على أن هذا الأستاذ لم يكلف نفسه تغيير عنوانه فضلاً عن محتواه مما سهل عليه التعرف على جريمته.
- نقر كلمات على إيميله لبريد هذا الأستاذ: «لن أقبل منك سوى كلمة آسف مع عدم الذهاب للمؤتمر»، ولا تكررها مرة أخرى، بعد عدة دقائق وجد رداً من الأستاذ فى كلمات: «آسف جداً، ولن أفعل ذلك مرة أخرى».
- أعد الطالب رسالة الماجستير مع أستاذه المشرف عليه حتى انتهى من الرسالة، وفى آخرها اختلف الطالب والمشرف على شىء ما بعد أن طُبعت الرسالة وتكونت لجنة المناقشة وصدّقت الجامعة على كل شىء.
- جاء المشرف بالرسالة الأصلية والأخرى المسروقة، والأخيرة منقولة حرفياً دون أى تغيير أو تبديل، حتى عناوين الفصول كما هى.
- ظل نائب رئيس الجامعة يقرأ للطالب وآخرين من الرسالة الأصلية والمسروقة، إنهم أغبياء حتى فى السرقة، لم يكلفوا أنفسهم أن يضيفوا أو يحذفوا أو يغيروا شيئاً.
- كانت الرسالة الأصلية من جامعة دمشق، ظن الطالب أن لن يعرفها أحد وهو صادق الفراسة فى ذلك، ولولا اختلافه مع شريكه ما ظهرت الجريمة، كان هذا الطالب ابن أحد الأساتذة، وقد أرسلت جامعة دمشق نسخة من الرسالة الأصلية التى كانت بمثابة فضيحة علمية.
- فى كل مرة يتم ضبط السرقات فيها تلعب الشئون القانونية ألعابها كالحواة، أو يكرر البعض مقالات بائسة «ده غلبان»، «لا تضيع مستقبله»، «خليه ياكل عيش من ورا الرسالة»، «إنه سيسافر بها إلى الخارج ولن يدرس فى مصر»، «ياعم هى جت عليه وحده».. وهكذا.
- لقد كانت سرقة أو كتابة الرسائل الجامعية للآخرين سبباً من أسباب انهيار سمعة الكثير من الجامعات المصرية، لأنها جريمة مخلة بالشرف، فهل هناك أعظم من الأمانة العلمية، لقد أضحت بعض جامعاتنا مثل جامعات شرق أوروبا ورومانيا أيام الاتحاد السوفيتى، حيث كانت الشهادات تباع، ولعل حديث مرجان أحمد مرجان مع سكرتيره عن أسعار الشهادات فى مثل هذه البلاد تردد صداه وفعله فى بعض جامعاتنا.
- لقد كان علماء الإسلام الأوائل ينسبون اللفظة لأصحابها، والكلمة الحكيمة لقائليها، وهم الذين أبدعوا ما يسمى «بالعنعنة» أى عن فلان وعن فلان لنسبة كل قولة إلى قائلها فى سلسلة معروفة يمكن فحصها وتدقيقها.
- إن أول خطوة فى إصلاح الدراسات العليا فى الجامعة وقف سرقة الرسائل الجامعية، ووقف كتابة الرسائل للطلاب العرب الوافدين الذين تكتب لهم الرسائل بعشرات الآلاف من الدولارات، وبعضهم لا يحسن قراءة مقدمة الرسالة، وهذا يحتاج لمقال آخر.

*نقلاً عن "الوطن" المصرية