أكتب
هذا المقال والخبر الذي يطالعني هو سيطرةُ الحشد المُسمى شعبياً في العراق
على مبنى قائمقامية الفلوجة ، التي هي دائرة حكومية يفترض أن تكون في وسط
المدينة، الأمر الذي يعني :أن إنهاء سيطرة داعش عليها بات أمراً وشيكاً –
هذا نظرياً وتحويل الأمور بيد الله تعالى- لتحل محله قوات الحشد الشعبي
المزعوم ، وربما يُنشر هذا المقال وقد تم إعلان هذا الانتصار رسمياً .
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ما
بين استيلاء داعش على الفلوجة وسقوطها بيد ميليشيات قاسم سليماني والجيش
العراقي الطائفي مدةٌ ليست بالقصيرة سقط خلالها آلاف من الأهالي المدنيين
وهُجِّر ما يقارب الستمائة ألف من أهالي المدينة وضواحيها التي يتجاوز
نفوسهم بقليل السبعمائة ألف نسمة .
في
كل المقاطع المُسَربة من قِبَل حشد قاسم سليماني لم نُشاهد أي قتلى أو
أسرى من داعش كما لم نُشاهد عرباتٍ مُدَمَّرَةً من تلك التي يُظْهِرُها
الإعلام الداعشي وجنوده يجوبون الأرض عليها ظاهرين بأعلامهم وألبستهم
الواضحة .
كل ما شاهدناه هو أسرى يُسَاقون ويًقتلون لا تظهر على وجوههم ولا يبدو من سيمائهم أو ألبستهم الانتماء لداعش.
هم
في حقيقة الأمر مواطنون بقوا في الفلوجة ولم يُهاجروا كما فعل غيرهم من
أبناء المدينة وقراها ، وكان بقاؤهم لأسباب مختلفة،منها: إجبار الدواعش لهم
على البقاء ليكونوا دروعاً بشرية أو رهائن من المدنيين يمنع وجودُهُم
التحالفَ الدوليَ أو الطيران العراقي من قصف المدينة ، ومنهم من بقي ليشترك
في المقاومة ضد الحشد الشعبي الذي يعتبرونه محتلاً لبلادهم لكونه الأداة
الإيرانية إلى التغيير الديمغرافي المُزمع إجراؤه في كل مدن السنة في سائر
أنحاء العراق ، ولم يستطيعوا الظهور كقوة منفصلة عن داعش وذلك بسبب قوة
داعش العسكرية والإعلامية التي لا تسمح لغيرها بالظهور.
إذاً أين الدواعش في مشهد الهزيمة الشنيع هذا؟
فلم
نُشاهِدهم ولا شيئاً من آلياتهم حين استولى هذا الحشد على ضاحية القرمة
قبل أيام ، ولم نشاهدهم اليوم في استيلاء الحشد الصفوي على الفلوجة.
الجواب
يمكن أن نتوصل إليه باستعراضنا مشاهدَ هزائمِ داعش السابقة من شمال العراق
في الحد الفاصل بين المناطق الكردية والعربية ، وحتى مدن الجنوب السني في
محافظة الأنبار.
ففي عام ٢٠١٤ استولت داعش على مدن خانقين وجلولاء والسعدية في محافظة
ديالى وبقيت فيها عدة أشهر عملت خلالها على إخضاع عناصر ما كان يعرف بجيش
الإسلام والذي كان من الفاعلين في المقاومة إبان الاحتلال الأمريكي ، بل
وقامت داعش أيضا بقتل بعض قادته ممن رفضوا تقديم البيعة لداعش والعمل ضمن
عناصرها ، وتعرضت المدن الثلاث والقرى المحيطة بها خلال سبعة أشهر لحملات
متكررة من الجيش العراقي الطائفي ثم من الحشد الشعبي والبشمركة الكردية
بُغيَة استعادتها ، وتعرض السكان خلال تلك الحملات والمواجهات مع داعش
لأنواع من الحصار والمجاعات ونقص الأموال والثمرات مما اضطر الأهالي للنزوح
من مدنهم وقراهم ، وفي النهاية انسحبت داعش ، ودخلت القوات الصفوية
المُسماة زوراً بالحشد الشعبي وبمساندة الجيش الطائفي والبيشمركة الكردية
إلى جميع المناطق التي كانت تسيطر عليها داعش وأوسعوا السكان انتقاما ، اما
داعش وعناصرها فخرجوا أو لِنقل أُتيح لهم الخروج ليُعِيدوا السيناريو نفسه
في مكان آخر .
وأما
الفراغ الذي تركه المُهَجَّرون فتمت تعبئته بمواطنين عراقيين شيعة جاءوا
من المناطق الأخرى وشيعة من إيران وباكستان وأفغانستان تم منحهم الجنسية
العراقية ليُنَفِّذُوا عملية التغيير السكاني لصالح المشروع الإيراني.
وفي
أواخر عام ٢٠١٤ وبعد خروجها من محافظة ديالى استولت داعش على مدينتي بيجي
والصينية ، وهما ضمن محافظة صلاح الدين ذات الغالبية السنية ، واستقرت
المدينتان وقراهما بيد داعش مدة سبعة أشهر تقريباً، بعد أن طالتهما يد
الدمار جراء القصف والاشتباكات بين داعش والجيش ،ثم انطلق الحشد الإيراني
المسمى شعبياَ تدعمه ميليشيات طائفية كثيرة من عصائب أهل الباطل وجيش
الضلال المسمى جيش السلام. وغيرها في عملية أسموها لبيك يارسول الله مارسوا
خلالها كل أنواع الفتك بمن بقي من الأهالي ، بل وتم على يد هذه الحشود
الصفوية الخبيثة هدم المساجد وحرق المنازل في عملية تهجير متعمدة كما قام
هؤلاء الصفويون المجرمون بنهب كل ما وصلت إليه أيديهم في المدينة ، بل
وقاموا بتفكيك مصفاة بيجي ونهب معداتها ، لتتولى الحشود الطائفية بعد ذلك
إحلال الإيرانيين الأفغان والباكستانيين المجنسين مكان أهل السنة المهجرين ،
أما عناصر داعش فهم في كل مكان ينسحبون ليتركوا قتال الحشود الصفوية
للمتبقين من أهالي المدينة كي يُقْتَلُوا باسم داعش .
كما
استولت داعش في أواسط عام ٢٠١٤أيضا على مدينة تكريت بشكل كان أشبه بتسليم
المدينة لهم ، وحين تقاطرت عليهم الحشود الصفوية في مارس ٢٠١٥بقيادة قاسم
سليماني ، مدعومة بالجيش العراقي وتم إحكام الحصار على المدينة تسللت عناصر
داعش خارج تكريت بصورة ليس لها معنى آخر غير كون سليماني ومجموعته هم من
أتاح الخروج لهذه العناصر بالرغم من إحكام الحصار ، وخلال أيام معدودة
اقتحم الحشد البربري هذه المدينة ومارس جرائم التطهير الطائفي ضد من بقي
ولم يهاجر من أهل هذه المدينة ، وتم نهب الأموال وهدم المساجد وحرق البيوت ،
أما داعش فترك لهم السبيل لتعزيز فصائلهم في بيجي التي تقدم الكلام عنها ،
وفي الرمادي التي شهدت المصير نفسه به ذلك.
فور
خروج داعش من تكريت وتركها من بقي فيها من أهلها لمصير القتل أو التشريد
على يد الحشد الوحشي الصفوي انتقلت غير عابئة بعار الهزيمة لتنفذ الخطة
الأيرانية نفسها والتي قامت داعش بتنفيذها عدة مرات كما مر قبل قليل ،
محافظة
الأنبار لها أهميتها العظمى عند أهل السنة في العراق ، فهي محاذية لعمقهم
الاستراتيجي سكانياً ومذهبياً أعني المملكة العربية السعودية ومحاذية
للمملكة الأردنية ، ومنها زعامات عديدة تاريخية ومعاصرة لأهل السنة علمية
دينية ووطنية .
والاستراتيجية
الإيرانية تهتم بها للأسباب نفسها أيضا ، فقطع أهل السنة في العراق عن
عمقهم الديني والنسبي مهم جداً ، كما أن إفراغ هذه المنطقة من أهل السنة
وإحلال عناصر غريبة موالية لإيران أمر أكثر أهمية .
وقد انتدبت إيرانُ داعشاً لتحقيق هذا الهدف بنجاح كما حققته فيما مضى في المحافظات السنية الكبيرة والمهمة أيضا : ديالى وصلاح الدين.
فما
إن تسللت عناصر داعش من تكريت ومن بعدها بيجي ، حتى ترك لها الجيش العراقي
والحشد الشعبي الباب مفتوحاً كي تستولي بسهولة ويسر على مدينة الرمادي
عاصمة الأنبار.
مما
تعودناه من طريقة التعامل بين القيادات الصفوية في العراق وبين القيادات
الداعشية : أن داعش تُتْركُ لها فرصةُ البقاء في أي مدينة سُنِّية تستولي
عليها مدةً تسمح بتهجير أكبر عدد ممكن من أبناء هذه المدينة عنها ، وهكذا
حصل في الرمادي ، فكانت الحرب بين داعش والحشد الصفوي أو الجيش اللاعراقي
_هو ليس عراقيا وإن انتسب للعراق_لا تتجاوز المناوشات غير الحاسمة ، ووجود
قتلى في هذه المناوشات لا يعني أبداً كونها حاسمة ، بل كان عدم الحسم فيها
متعمداً من قِبَل قيادة الحرس الثوري الأيراني للأسباب التي تقدمت ولسبب
آخر مهم جداً وهو : إعطاء الأهالي ثقة بداعش باعتبارها القوة الوحيدة التي
تقوم بنصرهم وتتحدث بمظلوميتهم ، وبالتالي تجد الدعايةُ الصفوية ضد أهالي
المنطقة من السنة موقعها وبالتالي يُبَرِّرُون قتلهم وامتهانهم بتهمة
الداعشية .
وحقاً
هكذا فعلوا في الرمادي ، فكانت نتيجة المناوشات هدم الرمادي بمساجدها
الكبار ، ومن أشهرها : مسجد الصديقة بنت الصديق من بين ثلاثين مسجداً تعرضت
للقصف وتضررت بأضرار متفاوتة ، وقتل العشرات من أبنائها المدنيين نتيجة
القصف الطائفي ، ومنهم عناصِر مقاوِمة لكن تمت تصفيتها لرفضها الدخول تحت
العباءة الداعشية التي يسمونها البيعة ، كما تحقق من هذه المناوشات غير
الحاسمة هجرة ما يمكن أن يقال كل أهالي الرمادي وهيت إما إلى مدن أخرى وإما
إلى العراء ، وتم منعهم من الهجرة إلى بغداد إلا بكفيل .
ثُم
لما رأى الحرس الثوري الإيراني أن أوان الحسم قد آن تمت هزيمة داعش
وتمكينها من التسلل من الرمادي التي عوقب من بقي من أهلها بتهمة الداعشية .
ودارت
الدائرة لتعود داعش لتبرر من جديد لنكبة الفلوجة ، التي قام قاسم سليماني
بنفسه بإدارة حصارها على منهج هولاكو فتمت إجاعة من بقي من أهلها ومنع دخول
أي مساعدات غذائية لهم ، وقامت داعش في المقابل باتخاذ الأهالي رهائن
ومنعهم من الخروج ، إلى آن جاء الحين المضروب وتسربت داعش واقتيد الأهالي
ليشهدوا مجازر وحشية لا يَصْدُق عليها إلا ما قاله ابن الأثير في تاريخه
حين وصف مجازر المغول بأهل السنة في بغداد عام٦٥٦هـ
ما
مضى حقائق لايمكن لداعشي أو حشدي إنكارها ، ولا يُمكن لمن لديه مُسْكَة
عقل وابتلاه الله زمنا بالتعاطف مع أحد هذين التنظيمين الإيرانيين -داعش
والحشد- أن يبقى على تعاطفه معهما إلا إن كان أعمى {ومن كان في هذه أعمى
فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا}
وأختم
هذا المقال بتساؤل :إلى أي مدينة سنية سيتجه داعش بعد الفلوجة ، أين
المدينة السنية التي لم تُفْرَغ من أهلها بعد ولم تتغير تركيبتها السكانية
بما يرضي إيران ؟
هناك سترى داعش قريباً ولا حول ولا قوة إلا بالله.
محمد بن إبراهيم السعيدي
- 21 يونيو 16
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..