الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فهذه بعض وقفات مع "رسالة العقائد" للأستاذ حسن البنَّا ، وأسأل الله أن ينفع بها .
كتاب "العقائد" للأستاذ حسن البنا
أ. المصنَّف
هو الأستاذ حسن البنا مؤسِّسُ جماعةِ "الإخوان المسلمين" (توفي سنة 1949م)، وقد تربى في أحضان الطريقة "الحصافية" وهي طريقةٌ صوفيَّةٌ، وقد ظلَّ ملتزماً بها حتى بعد ما أسَّس الجماعة. قال أبو الحسن الندوي: وقد حدثني كبارُ رجاله وخواصُّ أصحابِه أنه بقِيَ -( أي: حسن البنا ) - متمسكاً بهذه الأشغال والأوراد إلى آخر عهده وفي زحمة أعماله. أ.ه . "التفسير السياسي للإسلام" (ص83). بل وصّرح هو - رحمه الله - أنه كان يزور قبور الأولياء! ويحضر الموالد والاحتفالات البدعيَّةَ. انظر "مذكرات الدعوة والداعية" ( ص 54، 200)
ب. الكتاب
نسب فيه – رحمه الله – للسلف ما ليس من اعتقادهم ، ونبيِّنُ ذلك - إن شاء الله - في المباحث التالية - وهي كلها في الرد عليه إلا النقطة الخامسة فعلى محقق رسالته.
1. قوله إن آيات وأحاديث الصفات من المتشابه وذلك في (ص 392 ) "مجموعة الرسائل".
ويرد عليه بما يلي:
أ. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما إدخالُ أسماءِ الله وصفاته، أو بعضِ ذلك في المتشابه. الذي استأثر الله بعلم تأويله، فنقول: ما الدليل على ذلك؟ فإني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة لا أحمد بن حنبل ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية وهي قوله تعالى { هوَ الذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ... } [ آل عمران /7 ]. ونفى أن يعلم أحد معناه، وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنـزلة الكلام الأعجمي الذي لا يُفهم، وإنما قالوا كلمات لها معانٍ صحيحة، قالوا في أحاديث الصفات: تُمَرُّ كما جاءت، ونهوا عن تأويلات الجهمية - وردُّوها وأبطلوها - التي مضمونها تعطيل النصوص عمّا دلت عليه. ونصوص " أحمد " والأئمة قبله بيِّنةٌ في أنهم كانوا يُبطلون تأويلات الجهمية ، ويُقرُّون النصوصَ على ما دلَّتْ عليه من معناها... - إلى أن قالرحمه الله - فهذا اتفاق مِن الأئمةِ على أنَّهم يعلمون معنى هذا المتشابه، وأن لا يُسكت عن بيانه وتفسيره، بل يُبيَّنُ ويفسَّرُ باتفاق الأئمة مِن غيرِ تحريفٍ له عن مواضعه أو إلحادٍ في أسماء الله وآياته. أ.ه " مجموع الفتاوى" ( 13/294-305).
ب. وقال شيخنا عمر الأشقر حفظه الله: ومرادُ السلفِ بإجرائها على ظاهرها: الجزمُ بأنَّ لها معنى حقيقياً يليق بجلال الله وكماله، وهو المعنى الذي يظهر من اللفظ وفق ما تفقهه العرب من كلامها. أ.ه " أسماء الله وصفاته" ( ص 121).
2. ذكر في كتابه ( ص 421)" ضمن مجموعة الرسائل "أسماءً لله تعالى غيرَ ثابتةٍ، وذلك اعتماداً منه على حديث " الترمذي " والذي فيه عدُّ أسماء الله.
لكنَّ هذا الحديثَ ضعيفٌ لا يصحُّ. قال الترمذي رحمه الله في "السنن"( 5/530-532): هذا حديث غريب -(أي: ضعيف كما هو اصطلاحه ) - حدثنا به غيرُ واحدٍ عن صفوان بن صالح ولا نعرفه إلا من حديث صفوان بن صالح وهو ثقةٌ عند أهل الحديث. وقد روي هذا الحديث من غير وجهٍ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعلمُ في كثيرِ شيءٍ من الروايات له إسنادٌ صحيح ذَكَرَ الأسماءَ إلا في هذا الحديث.وقد روى"آدم بن أبي إياس" هذا الحديث بإسنادٍ غير هذا عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام -وذكر فيه الأسماء- وليس له إسنادٌ صحيحٌ. أ.ه.
قلت: وقد ضعَّفه - كذلك - الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير" ( 4/172)، ونقل تضعيفه عن ابنِ حزمٍ والبيهقى وغيرِهما. وضعَّفه كذلك " شيخُ الإسلامِ " رحمه الله في " مجموع الفتاوى " ( 22/482).
3. ذَكَرَ - رحمه الله - في ( ص 422) أسماءَ زيادةً على ما في الحديث الضعيف، قائلاً إنَّها من أسماء الله مثل " ذو الطول " و" ذو المعارج " و " ذو الفضل ".
قال شيخُنا عمر الأشقر حفظه الله: الوارِدُ في الكتاب والسنَّةِ من الأسماء المبدوءة بـ " ذو" المضافة إلى صفةٍ مِن صفات الله أو فعلٍ من أفعاله أو خلقٍ من مخلوقاته: من أعظم ما يُمدح به ربُّ العزَّةِ، ويدعى به، ولكنَّها لا تدخل في أسمائه الحسنى التسعة والتسعين على الأرجح… أ.ه " أسماء الله وصفاته " (ص64) . 4. قال في ( ص 444): وردتْ في القرآن الكريم آياتٌ، وفي السنَّةِ المطهَّرةِ أحاديث توهم بظاهرها مشابهة الحق تبارك وتعالى لخلقه في بعض صفاتهم، نورد بعضها على سبيل المثال... أ.ه ثم ذكر صفة "الوجه" و "العين" و "اليد" و "النفس" و "الاستواء".
قلت: ذكر الأستاذُ البنَّا بعضَ صفاتِ الله تبارك وتعالى، وسمَّاها "الواجبة والتي يقتضيها كمال الألوهية "، وذكر منها: الوجود والقدم والبقاء والقدرة والسمع والبصر والعلم... الخ - وهي الصفات التي يثبتها الأشاعرة بمقتضى العقل، لا بمقتضى النص - وإليه الإشارة في قول الأستاذ " الواجبة " ! ولم نرَهُ ذَكَرَ عبارةَ " توهم بظاهرها التشبيه " مع أنها كذلك - على حدِّ قولهم وقاعدتهم- فالله تعالى - مثلا - قال ]إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ... فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا[ [الإنسان/2]. وقال ]حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ[ [ يس/39] أي القمر. وقال ]إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ[ [ المائدة/34] وقال ]يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ[ [ الروم / 19]... الخ. فَلِمَ كانت هذه الصفات لا توهِمُ في ظاهرها التشبيه بينما الصفات الأخرى كاليد والوجه توهم التشبيه في ظاهرها؟.
والجواب عند أهل السنَّةِ: أنَّ كلَّ صفةٍ نثبتها لله تعالى، إنما نثبتها بنصٍّ من كتابِ الله أو سنَّةِ نبيِّهِ عليه السلام مع قطعِ النَّظَرِ عن المشابهة -والأصح أن يقال " المماثلة "، والتمثيل بدلا من " المشابهة " و " التشبيه " لأنه لفظ القرآن {ليس كمثله شيء}، ولأنه ما من شيئين إلا ويتشابهان من بعض الوجوه، ومنه صفات الله وصفات الخلق، وأما المماثلة من كل وجه فلا، قطعا. انظر " مجموع الفتاوى " ( 3/165-168) فهو تلخيص كلامه رحمه الله- لقوله تعالى: ]لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[وهو ردٌّ على " المشبهة " أو " الممثلة". ]وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[ [ الشورى/11] وهو ردٌّ على نفاة الصفات الذين ظنوا أن الاشتراك في الاسم يوجب المماثلة.
والعجيب أن الأستاذ البنا، قرَّر هذا، لكن في " الصفات الواجبة " - على حدِّ تقسيمه - فقال: والذي يجب أن يَتفطن له المؤمنُ أن المعنى الذي يُقصد باللفظ في صفات الله تبارك وتعالى يختلف اختلافاً كليّاً عن المعنى الذي يُقصد بهذا اللفظِ عينِه في صفاتِ المخلوقين. فأنتَ تقول: الله عالم، والعلم صفةٌ لله تعالى وتقول: فلانٌ عالم ، والعلم صفةٌ لفلان من الناس. فهل يقصد بلفظة " العلم " في التركيبين واحد؟ حاشا أن تكون كذلك وإنما علم الله تبارك وتعالى علمٌ لا يتناهى كماله ولا يُعدُّ علمُ المخلوقين شيئاً إلى جانبه وكذلك السمع وكذلك البصر وكذلك الكلام وكذلك القدرة والإرادة. فهذه كلها مدلولاتٌ، الألفاظ فيها تختلف عن مدلولاتها في حق المخلوق مِن حيث الكمال والكيفية اختلافاً كليّاً، لأنه تبارك وتعالى لا يشبه أحداً من خلقه. فتفطَّن لهذا المعنى فإنَّه دقيقٌ. أ.ه.
قلت: ومثل هذا الكلام والتقرير الدقيق! كان ينبغي أن يقال في صفات الله تعالى الأخرى التي قال " إن ظاهرها يوهم التشبيه ". ورحم الله الإمام مالكاً حين قرر ذلك في قوله "الاستواء معلومٌ " - أي: معناه في لغة العرب. ومن ظن أن معنى " معلوم " أي: موجود مذكور في القرآن فهو جاهل كما قال شيخ الإسلام رحمه الله " مجموع الفتاوى" ( 5/149) و (13/309)-
والكيف مجهولٌ والإيمان بـــه - أي: بالكيف - واجبٌ، والسؤال عنه - أي: عن الكيف - بدعةٌ "- رواه اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " (3/441) والبيهقي في "الأسماء والصفات " (ص 408) وصححه الذهبي وشيخ الإسلام والحافظ ابن حجر. " مختصر العلو" (ص 141). " مجموع الفتاوى(5/365). " فتح الباري " (13/501) بألفاظ متقاربة ومعنى متحد.
قال الإمام الذهبي رحمه الله: قد صار الظاهرُ اليومَ ظاهرين، أحدهما حقٌّ والثاني باطلٌ. فالحق أن يقول: إنه سميع بصير، مريد، متكلم، حي، عليم، كلُّ شيءٍ هالكٌ إلا وجهه، خلق آدم بيده، وكلَّم موسى تكليماً، واتخذ إبراهيم خليلاً، وأمثال ذلك، فنمره على ما جاء ونفهم منه دلالة الخطاب كما يليق به تعالى، ولا نقول: له تأويلٌ يخالف ذلك.
والظاهر الآخر - وهو الباطل والضلال -: أن نعتقد قياس الغائب على الشاهد، ونمثل البارئ بخلقه، تعالى الله عن ذلك، بل صفاته كذاته، فلا عدل له ولا ضدَّ له، ولا نظير له، ولا مثل له، ولا شبيه له، وليس كمثله شيء ولا في ذاته، ولا في صفاته. وهذا أمر يستوي فيه الفقيه والعامي. والله أعلم" سير أعلام النبلاء " ( 19/449).
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله - رادّاً على " البوطي " وقد جاء بمثل ما جاء به "البنا " -: نقول له: ليس الأمر كما ذكرت، فليس ظاهرها يدل على مشابهة صفات المخلوقين، وإنما هذا وهمٌ توهمتَه أنتَ، وتوهَّمه غيرُك، وليس هو ظاهرها، لأن ظاهرها هو ما يليق بجلال الله، وصفات الخالق تختص به، وصفات المخلوق تختص به. أ.ه " تعقيبات على كتاب السلفية ليست مذهباً " (ص32 ). وانظر " مجموع الفتاوى " ( 6/355-358 ) و (20/218 ).
كتبه
إحسان بن محمد بن عايش العتيبـي
أبو طارق
من طلبة العلم الفلسطينين بأربد
فهذه بعض وقفات مع "رسالة العقائد" للأستاذ حسن البنَّا ، وأسأل الله أن ينفع بها .
كتاب "العقائد" للأستاذ حسن البنا
أ. المصنَّف
هو الأستاذ حسن البنا مؤسِّسُ جماعةِ "الإخوان المسلمين" (توفي سنة 1949م)، وقد تربى في أحضان الطريقة "الحصافية" وهي طريقةٌ صوفيَّةٌ، وقد ظلَّ ملتزماً بها حتى بعد ما أسَّس الجماعة. قال أبو الحسن الندوي: وقد حدثني كبارُ رجاله وخواصُّ أصحابِه أنه بقِيَ -( أي: حسن البنا ) - متمسكاً بهذه الأشغال والأوراد إلى آخر عهده وفي زحمة أعماله. أ.ه . "التفسير السياسي للإسلام" (ص83). بل وصّرح هو - رحمه الله - أنه كان يزور قبور الأولياء! ويحضر الموالد والاحتفالات البدعيَّةَ. انظر "مذكرات الدعوة والداعية" ( ص 54، 200)
ب. الكتاب
نسب فيه – رحمه الله – للسلف ما ليس من اعتقادهم ، ونبيِّنُ ذلك - إن شاء الله - في المباحث التالية - وهي كلها في الرد عليه إلا النقطة الخامسة فعلى محقق رسالته.
1. قوله إن آيات وأحاديث الصفات من المتشابه وذلك في (ص 392 ) "مجموعة الرسائل".
ويرد عليه بما يلي:
أ. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما إدخالُ أسماءِ الله وصفاته، أو بعضِ ذلك في المتشابه. الذي استأثر الله بعلم تأويله، فنقول: ما الدليل على ذلك؟ فإني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة لا أحمد بن حنبل ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية وهي قوله تعالى { هوَ الذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ... } [ آل عمران /7 ]. ونفى أن يعلم أحد معناه، وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنـزلة الكلام الأعجمي الذي لا يُفهم، وإنما قالوا كلمات لها معانٍ صحيحة، قالوا في أحاديث الصفات: تُمَرُّ كما جاءت، ونهوا عن تأويلات الجهمية - وردُّوها وأبطلوها - التي مضمونها تعطيل النصوص عمّا دلت عليه. ونصوص " أحمد " والأئمة قبله بيِّنةٌ في أنهم كانوا يُبطلون تأويلات الجهمية ، ويُقرُّون النصوصَ على ما دلَّتْ عليه من معناها... - إلى أن قالرحمه الله - فهذا اتفاق مِن الأئمةِ على أنَّهم يعلمون معنى هذا المتشابه، وأن لا يُسكت عن بيانه وتفسيره، بل يُبيَّنُ ويفسَّرُ باتفاق الأئمة مِن غيرِ تحريفٍ له عن مواضعه أو إلحادٍ في أسماء الله وآياته. أ.ه " مجموع الفتاوى" ( 13/294-305).
ب. وقال شيخنا عمر الأشقر حفظه الله: ومرادُ السلفِ بإجرائها على ظاهرها: الجزمُ بأنَّ لها معنى حقيقياً يليق بجلال الله وكماله، وهو المعنى الذي يظهر من اللفظ وفق ما تفقهه العرب من كلامها. أ.ه " أسماء الله وصفاته" ( ص 121).
2. ذكر في كتابه ( ص 421)" ضمن مجموعة الرسائل "أسماءً لله تعالى غيرَ ثابتةٍ، وذلك اعتماداً منه على حديث " الترمذي " والذي فيه عدُّ أسماء الله.
لكنَّ هذا الحديثَ ضعيفٌ لا يصحُّ. قال الترمذي رحمه الله في "السنن"( 5/530-532): هذا حديث غريب -(أي: ضعيف كما هو اصطلاحه ) - حدثنا به غيرُ واحدٍ عن صفوان بن صالح ولا نعرفه إلا من حديث صفوان بن صالح وهو ثقةٌ عند أهل الحديث. وقد روي هذا الحديث من غير وجهٍ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعلمُ في كثيرِ شيءٍ من الروايات له إسنادٌ صحيح ذَكَرَ الأسماءَ إلا في هذا الحديث.وقد روى"آدم بن أبي إياس" هذا الحديث بإسنادٍ غير هذا عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام -وذكر فيه الأسماء- وليس له إسنادٌ صحيحٌ. أ.ه.
قلت: وقد ضعَّفه - كذلك - الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير" ( 4/172)، ونقل تضعيفه عن ابنِ حزمٍ والبيهقى وغيرِهما. وضعَّفه كذلك " شيخُ الإسلامِ " رحمه الله في " مجموع الفتاوى " ( 22/482).
3. ذَكَرَ - رحمه الله - في ( ص 422) أسماءَ زيادةً على ما في الحديث الضعيف، قائلاً إنَّها من أسماء الله مثل " ذو الطول " و" ذو المعارج " و " ذو الفضل ".
قال شيخُنا عمر الأشقر حفظه الله: الوارِدُ في الكتاب والسنَّةِ من الأسماء المبدوءة بـ " ذو" المضافة إلى صفةٍ مِن صفات الله أو فعلٍ من أفعاله أو خلقٍ من مخلوقاته: من أعظم ما يُمدح به ربُّ العزَّةِ، ويدعى به، ولكنَّها لا تدخل في أسمائه الحسنى التسعة والتسعين على الأرجح… أ.ه " أسماء الله وصفاته " (ص64) . 4. قال في ( ص 444): وردتْ في القرآن الكريم آياتٌ، وفي السنَّةِ المطهَّرةِ أحاديث توهم بظاهرها مشابهة الحق تبارك وتعالى لخلقه في بعض صفاتهم، نورد بعضها على سبيل المثال... أ.ه ثم ذكر صفة "الوجه" و "العين" و "اليد" و "النفس" و "الاستواء".
قلت: ذكر الأستاذُ البنَّا بعضَ صفاتِ الله تبارك وتعالى، وسمَّاها "الواجبة والتي يقتضيها كمال الألوهية "، وذكر منها: الوجود والقدم والبقاء والقدرة والسمع والبصر والعلم... الخ - وهي الصفات التي يثبتها الأشاعرة بمقتضى العقل، لا بمقتضى النص - وإليه الإشارة في قول الأستاذ " الواجبة " ! ولم نرَهُ ذَكَرَ عبارةَ " توهم بظاهرها التشبيه " مع أنها كذلك - على حدِّ قولهم وقاعدتهم- فالله تعالى - مثلا - قال ]إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ... فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا[ [الإنسان/2]. وقال ]حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ[ [ يس/39] أي القمر. وقال ]إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ[ [ المائدة/34] وقال ]يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ[ [ الروم / 19]... الخ. فَلِمَ كانت هذه الصفات لا توهِمُ في ظاهرها التشبيه بينما الصفات الأخرى كاليد والوجه توهم التشبيه في ظاهرها؟.
والجواب عند أهل السنَّةِ: أنَّ كلَّ صفةٍ نثبتها لله تعالى، إنما نثبتها بنصٍّ من كتابِ الله أو سنَّةِ نبيِّهِ عليه السلام مع قطعِ النَّظَرِ عن المشابهة -والأصح أن يقال " المماثلة "، والتمثيل بدلا من " المشابهة " و " التشبيه " لأنه لفظ القرآن {ليس كمثله شيء}، ولأنه ما من شيئين إلا ويتشابهان من بعض الوجوه، ومنه صفات الله وصفات الخلق، وأما المماثلة من كل وجه فلا، قطعا. انظر " مجموع الفتاوى " ( 3/165-168) فهو تلخيص كلامه رحمه الله- لقوله تعالى: ]لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[وهو ردٌّ على " المشبهة " أو " الممثلة". ]وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[ [ الشورى/11] وهو ردٌّ على نفاة الصفات الذين ظنوا أن الاشتراك في الاسم يوجب المماثلة.
والعجيب أن الأستاذ البنا، قرَّر هذا، لكن في " الصفات الواجبة " - على حدِّ تقسيمه - فقال: والذي يجب أن يَتفطن له المؤمنُ أن المعنى الذي يُقصد باللفظ في صفات الله تبارك وتعالى يختلف اختلافاً كليّاً عن المعنى الذي يُقصد بهذا اللفظِ عينِه في صفاتِ المخلوقين. فأنتَ تقول: الله عالم، والعلم صفةٌ لله تعالى وتقول: فلانٌ عالم ، والعلم صفةٌ لفلان من الناس. فهل يقصد بلفظة " العلم " في التركيبين واحد؟ حاشا أن تكون كذلك وإنما علم الله تبارك وتعالى علمٌ لا يتناهى كماله ولا يُعدُّ علمُ المخلوقين شيئاً إلى جانبه وكذلك السمع وكذلك البصر وكذلك الكلام وكذلك القدرة والإرادة. فهذه كلها مدلولاتٌ، الألفاظ فيها تختلف عن مدلولاتها في حق المخلوق مِن حيث الكمال والكيفية اختلافاً كليّاً، لأنه تبارك وتعالى لا يشبه أحداً من خلقه. فتفطَّن لهذا المعنى فإنَّه دقيقٌ. أ.ه.
قلت: ومثل هذا الكلام والتقرير الدقيق! كان ينبغي أن يقال في صفات الله تعالى الأخرى التي قال " إن ظاهرها يوهم التشبيه ". ورحم الله الإمام مالكاً حين قرر ذلك في قوله "الاستواء معلومٌ " - أي: معناه في لغة العرب. ومن ظن أن معنى " معلوم " أي: موجود مذكور في القرآن فهو جاهل كما قال شيخ الإسلام رحمه الله " مجموع الفتاوى" ( 5/149) و (13/309)-
والكيف مجهولٌ والإيمان بـــه - أي: بالكيف - واجبٌ، والسؤال عنه - أي: عن الكيف - بدعةٌ "- رواه اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " (3/441) والبيهقي في "الأسماء والصفات " (ص 408) وصححه الذهبي وشيخ الإسلام والحافظ ابن حجر. " مختصر العلو" (ص 141). " مجموع الفتاوى(5/365). " فتح الباري " (13/501) بألفاظ متقاربة ومعنى متحد.
قال الإمام الذهبي رحمه الله: قد صار الظاهرُ اليومَ ظاهرين، أحدهما حقٌّ والثاني باطلٌ. فالحق أن يقول: إنه سميع بصير، مريد، متكلم، حي، عليم، كلُّ شيءٍ هالكٌ إلا وجهه، خلق آدم بيده، وكلَّم موسى تكليماً، واتخذ إبراهيم خليلاً، وأمثال ذلك، فنمره على ما جاء ونفهم منه دلالة الخطاب كما يليق به تعالى، ولا نقول: له تأويلٌ يخالف ذلك.
والظاهر الآخر - وهو الباطل والضلال -: أن نعتقد قياس الغائب على الشاهد، ونمثل البارئ بخلقه، تعالى الله عن ذلك، بل صفاته كذاته، فلا عدل له ولا ضدَّ له، ولا نظير له، ولا مثل له، ولا شبيه له، وليس كمثله شيء ولا في ذاته، ولا في صفاته. وهذا أمر يستوي فيه الفقيه والعامي. والله أعلم" سير أعلام النبلاء " ( 19/449).
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله - رادّاً على " البوطي " وقد جاء بمثل ما جاء به "البنا " -: نقول له: ليس الأمر كما ذكرت، فليس ظاهرها يدل على مشابهة صفات المخلوقين، وإنما هذا وهمٌ توهمتَه أنتَ، وتوهَّمه غيرُك، وليس هو ظاهرها، لأن ظاهرها هو ما يليق بجلال الله، وصفات الخالق تختص به، وصفات المخلوق تختص به. أ.ه " تعقيبات على كتاب السلفية ليست مذهباً " (ص32 ). وانظر " مجموع الفتاوى " ( 6/355-358 ) و (20/218 ).
كتبه
إحسان بن محمد بن عايش العتيبـي
أبو طارق
من طلبة العلم الفلسطينين بأربد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..