أديب يقرض الشعر الشعبي والفصيح ولا تفارقه الدعابة
الأديب الفكه المشهور القاضي الحصيف ذو الطرائف المليحة والدعابة الدائمة التي لا تجرح شعوراً ولا
تقدح في مروءة بل تضفي وتبث في الروح انشراح الصدر وانبساط النفس إنه الشيخ محمد بن إبراهيم البواردي ت - 1404ه رحمه الله تعالى أحد القضاة المشهورين في بلادنا رزقه الله تعالى الرأي الحكيم والعمق والخبرة بالناس وحسن التخلصمن المأزق وحضور بديهة عجيب وفائق وسرعة الخاطر ويأتي بكلمات ومفرادت معماة لها معنى ظاهر ولكنه لا يقصده ومعنى باطن وهو الذي أراده في سبكه لهذه الجملة أو تلك، أصبحت كلماته وطرائفه وقصصه ومواقفه مشهورة لدى الناس عامتهم وخاصتهم وهو كذلك شاعر شعبي وفصيح، وله معارضات لبعض القصائد الفصحى.
يحدثني الأستاذ الأديب عبدالرحمن بن محمد بن هليل شفاه الله وعافاه وهو صديق للشيخ محمد البواردي وصديق لأبيه الشيخ محمد بن هليل ت 1400ه رحمه الله، قائلاَ: كان الشيخ محمد البواردي رحمه الله يزورني كثيرا في منزلي وازوره أنا في منزله فكان قمة في المرح والطرفة والنكتة يصور أشياء كثيرة في الحياة بأبيات طريفة وحكيمة وصداقتي استمرت معه حتى وفاته وكنت ارتاح أليه كثيراً وربما ارتاح إلي رحمه الله وكان يفضي إلي ببعض همومه الحياتية محسنا الظن فيني ونجلس الساعات الطوال في منزلي كلها في أحاديث متشعبة في الأدب الفصيح والشعبي والكثير من شريط ذكرياته يسردها أبان توليه القضاء في الجبيل والصرار.
ويقول الأستاذ عبدالرحمن الهليل شفاه الله وعافاه ولما بلغ عمره ثمانين سنة ولعل تلك السنة عام "1400ه" أنشدني صديقي الشيخ محمد البواردي هذين البيتين وهما من الدعابة الشعرية حيث ان الشيخ البواردي يعرض على الشباب صفقة العمر ويود منهم شراءها بأرخص الأثمان ومع هذا الثمن القليل الذي سوف أتقاضاه سوف أزيد المشتري مالاً من عندي أو هبة ثمينة يقول البواردي - رحمه الله -:
يا من يبدلني بعمري وأزيده
ان كان عمره في حدود الثلاثين
ياخذ خلق عمري وأنا آخذ جديدة
وشلي بعمر طاعن في الثمانين
انه عرضه قدمه البواردي للشباب ولكن الطالب لهذا العرض يعد شيئا من المستحيل وكأني بالشيخ البواردي يبكي شبابه الذي مضى وأيامه الخوالي سن القوة والحيوية والطموح وصدق الشاعر أبو الحسن التهامي ت - 1416ه رحمه الله حيث قال في قصيدته التي تدون حقيقة بماء النور في رثائه لابنه فقد تعرض التهامي للشباب وسرعة زواله كأنه البرق:
يقول التهامي:
شيئان ينقشعان أول وهلة
ظل الشباب وخلة الأشرار
ويقول الأستاذ العالي المعمر سعيد الكرمي في كتابه قول على قول: ما بكت العرب في اشعارها أكثر من بكائها على الشباب.
ويورد الأستاذ عبدالرحمن الهليل في حديثه لي عن الشيخ البواردي قائلاً: ان الشيخ كان إماماً لمسجد وجامع الجبيل فتأخر في منزله بعضاً من الوقت فخرج من منزله مسرعاً ليؤم المصلين فجرى هذا البيت على لسانه :
قال الجماعة من زمان مذنين
موسى بن حرشان عجل بالصلاة
وموسى بن حرشان هو مؤذن المسجد ويذكر الأستاذ إبراهيم السيف في كتابه المبتدأ والخبر في تراجم علماء القرن الرابع عشر الهجري ج 64/5ما معناه أن الشيخ محمد البواردي كان ساكناً في احد الفنادق في جدة أو مكة أيام موسم الحج ولما قدم الطعام كان من ضمن المائدة لحم مشوي وكان الشيخ البواردي قد ركب أسنانا فخلع أسنانه المركبة ووضعها جانب المائدة وبعد أن ذهب الشيخ لغسل يديه وعاد لهم وجد الضرس المركب حيث رماه الخادم في برميل الزبالة فطلب الشيخ أن يرثي هذا الضرس فحضرت هذه الأبيات على لسانه:
ضيع الحضروط ضرسي
ضيع الله حلاله
شاله من فوق كرسي
ورماه في الزبالة
اوسعوا الحضروط ضرباً
واخنقوه بالحبالة
لن يجح اليون ضرسي
أحصر الضرس وغاله
الحضروط الشخص الأبله والذي فيه شيء من الحمق والغفلة.
وهكذا كان هذا الشيخ - رحمه الله - دائم النكتة في مجالسه ولديه مغناطيس وسحر في جذب الناس إلى أحاديثه وقصصه ونوادره الكثيره التي لا تخدش حياء ولا تؤثر في مكانته كقاض وطالب علم وله كذلك - رحمه الله - أجوبة مسكتة ومفحمة وهذه كذلك موهبة أخرى تحسب لهذا الشيخ الذي أعده أنا من من أدباء الفكاهة وكان منزله بشارع الخزان بالرياض يرتاده الكثير من أهل الأدب العربي والشعبي من أهالي شقراء ومن زملائه في سلك القضاء وغيرهم من وجي أحاديثه الرائعة والممتعة وتمنيت أني رأيته وجالسته وأخذت عنه - رحمه الله تعالى - واسكنه فسيح جناته وله كذلك قصص وحكايات أبان توليه القضاء في الصرار والجبيل تدل على فراسة وحصافة وقوة في معرفة المحق والمبطل ذكرها الأستاذ أحمد الدعجاني في كتابه عن الشيخ وذكر جزءا منها الأستاذ الأديب محمد الشويعر في كتابه من أعلامنا، والشيخ كذلك راوية شعبي ومرجع ومصدر كذلك من مصادر الأدب العربي ووصفه الشيخ عبدالله بن خميس في كتابه الشوارد أنه أحد شيوخ الأدب هو والشيخ حمد الحقيل فحينما كان الشيخ ابن خميس يعد كتابه الشوارد بأجزائه الثلاثة كان يستعين بالشيخين الشيخ محمد البواردي وشيخنا الحقيل في معرفة شوارد الأبيات ومن هم قائلوها فيجد الجواب عند هذين الشيخين.
ومن أبيات الشيخ محمد البواردي - رحمه الله - ما ذكره الأستاذ أحمد الدعجاني في كتابه عن الشيخ قائلاً: ويقول الشيخ ابن بحيش.. ودخل على الشيخ البواردي ابن عم له وكان بينه وبين ابن عمه ممازحات فسلم عليه الداخل بحرارة فقال: الشيخ هذه الأبيات
يا مرحباً بك عد ما ينفس الميت
وعداد وسط الليل ما تطلع الشمس
وعداد خرفت سوار بها البيت
وعداد ما كنز الحصى وظهر الدبس
ويذكر أيضاً الأستاذ الدعجاني طرفة أخرى من مئات الطرائف التي تروى عن الشيخ البواردي - رحمه الله - وهي أن الأديب المؤرخ والراوية صالح بن مطلق ت 1385ه زار الشيخ البواردي في منزله وعند تقديم العشاء قال الشيخ البواردي لابن مطلق أجيب لك رشوف "مرقه" فقلت بيتاً قديماً من الشعر العامي: والقائل ابن مطلق:
إن عطاني صاحبي شفت معروفة
وإن فهقني صاحبي مثلا حقيني
ولم أشعر إلا وهو يسعى إلي "أي الشيخ البواردي".
بمرقة في إناء ويقول:
ما عطاك صويحبك كود الرشوفة
من المودة مد هالك باليميني"
حقاً أن الشيخ البواردي فاكهة المجالس وسيد الرواة وعميدهم - رحمه الله -.
الثلاثاء 9صَفر 1428هـ - 27فبراير 2007م - العدد 14127
------------------------
السبت 16 صفر 1437 هـ - 28 نوفمبر 2015م - العدد 17323
هذه هي الحلقة الرابعة من حلقات العلماء والقضاة الذين نظموا في
الشعر النبطي ومن هؤلاء النخبة الشيخ القاضي المعروف بالفكاهة والأدب
الساخر محمد البواردي الذي كانت مجالسه لا تخلو من الطرفة والنكتة فهو سلوة
الحزين والمتكدر مع حضور البديهة في الشعر والنثر والأجوبة الحاضرة
المسكتة وسرعة خاطرة مذهلة في التحدث، لذلك كانت جلساته طريفة وممتعة
ومواقف حدثت له وهي كثيرة في حياته حينما كان قاضياً، ولو كتب الشيخ
مذكراته لأضاف إلى المكتبة السعودية تحفة ثمينة مليئة بنوادر القصص والملح
والمواقف الفكاهية فضلاً عن الجانب القضائي وطرح خبرته فيه وكيفية كشف
الحقائق في القضايا المعضلة فهي تجربة جيّدة من قاضي عرف بالفراسة وحدة
الذكاء ومن أبياته المشهورة ما حدثني به الأستاذ الأديب عبدالرحمن بن هليل
وكان صديقاً للشيخ البواردي وهي:
يا من يبدلني بعمري وأزيده
ان كان عمره في حدود الثلاثين
يأخذ خلق عمري وأنا آخذ جديدة
وشلي بعمر طاعن في الثمانين
صلاح الزامل
عبدالرحمن السعدي
حمد الجاسر
ولا يزال الناس يتحدثون عن طرائف الشيخ البواردي ومثله الشيخ عبدالله بن
صالح الخليفي فهو شخصية مرحة ويملك ناصية الفكاهة البريئة المضحكة وله
مواقف كثيرة في القضاء والتدريس وكان لا يعجزه الجواب متى ما سأل في أمور
الحياة العامة فالبديهة حاضرة وقصصه فيها الطابع الشعبي النجدي لكن لم اسمع
أنه نظم شعراً شعبياً إنما كان ينظم الشعر الفصيح ونوادره الشعبية لم تدون
وللأسف مثل الشيخ البواردي، ويقول لي ابنه عبدالكريم أنه عاكف على ترجمة
والده وهذا الكلام قبل 7 سنوات ومثله الشيخ صالح بن مطلق الذي تكلمت عنه لم
تدون طرائفه الشعبية وأشعاره وكل هؤلاء الثلاثة تولوا القضاء ولهم فيه
أحاديث وأخبار.
ومن طرائف الشيخ محمد البواردي أن الشيخ الأديب المؤرخ والراوية المشهور صالح بن مطلق زار البواردي في منزله، وكانت بينهما صداقة فقال الشيخ البواردي لابن مطلق اجيب لك رشوف أي مرقه، فقال الشيخ صالح بن مطلق هذا البيت متمثلاً به:
ان عطاني صاحبي شفت معروفه
وان فهقني صاحبي فحنا متلاحقيني
فسمعه الشيخ البواردي وكان معه المرق وقال على البديهة:
ما عطاك صويحبك كود الروشفة
من المودة مدهالك باليمنى
وكما قلت أن الشيخ الصالح بن مطلق في المقالة السابقة يحفظ مقامات الحريري ولعله من القلائل من مشايخ وعلماء نجد الذين حفظوا مقامات الحريري، وكان يكررها في مجالس العلماء وطلبة العلم وقد وهبه الله صوتاً رقيقاً جميلاً فيه ترانيم حلوة ويقف عند أسجاع الحريري، حيث يحسن الوقف ويستمر حيث الأولى السرد ودائماً يتلو قصيدة الحريري الوعظية التي ختم بها الحريري مقاماته ومطلعها:
خل ادكار الأربع
والمعهد الأربع
والظاعن المودع
وعد عنه ودع
واندب زماناً سلفا
سودت فيه الصحفا
ومن طلبة العلم الذين اهتموا بالشعر الشعبي وحفظوه الشيخ القاضي سعود بن رشود فقد روى الشيخ الجغرافي والمؤرخ المعروف حمد الجاسر في ذكرياته "السوانح" أنه التقى بالشيخ سعود بن رشود في الخرج وسمع منه شواهد شعرية شعبية تحدد أماكن ومواضع في الافلاج، وصحح الأستاذ الجاسر هذه المواضع في كلام الشيخ سعود وشواهده الشعرية في كتاب "صفة جزيرة العرب" لعلامة اليمن بل جزيرة العرب الحسن الهمداني وحتى الشيخ المؤرخ والجغرافي حمد الجاسر كان يحفظ من الشعر الشعبي ويفهمه ويعرفه وقد ذكر في سوانح الذكريات جملة من الأبيات والشيخ حمد الجاسر طالب علم تتلمذ على مدرسة الشيخ محمد بن ابراهيم في شبابه بالرياض وتولى القضاء وقد كتب مقدمة ديوان الشاعر المشهورة ذائع الصيت عبدالله بن لويحان وهي أول مقدمة لشاعر شعبي يكتبها الشيخ حمد الجاسر وكتب مقدمة لصاحب كتاب "شاعرات من البادية" عبدالله بن رداس الجزء الأول، ومن العلماء الذين اهتموا بالشعر الشعبي وحفظوه الشيخ المؤرخ محمد العسافي ذاك الرجل الذي درس في بغداد على يد العلامة محمود شكري الألوسي فقد تتبع الشعر الشعبي وكتب فيه مدونة أو مجموعاً ضم أشعاراً قديمة لأهالي نجد وقد نشرها زميلنا الباحث قاسم الرويس، والشيخ العسافي مؤرخ وراصد جيد للتاريخ المحلي وهو من مواليد بغداد واصله من عنيزة وأما القاضي حمد الحقيل الذي قرض الشعر الشعبي وحفظه ونشره في مؤلفاته فقد عشق الشعر الشعبي وحفظ نصوصاً كثيرة منه ونظم قصائد طويلة فيه لمناسبات كانت جميلة وسعيدة في حياته، فضلاً أنه يحب الفكاهة والنكتة والطرفة ويروي النكت والطرائف المضحكة والمسلية والأبيات الشاردة والنادرة سواء من الشعر الشعبي أو الشعر العربي الفصيح كان سيد مجلس ونديم أنيس لديه جاذبية مغناطيسية في الحديث والكلام فهو من أدباء الفكاهة الشعبية وأستاذ في الرواية الشعبية والقصص والحكايات النجدية وقد بيّنت هذه الجوانب كلها في كتابي الذي ألفته عنه في حياته وقبل وفاته بسنة وثلاثة أشهر (شيخ الأدباء وأديب الشيوخ) ومن قصائده التي نشر بعضها في كتابه "كنز الأنساب" لما كان في الطائف نازلاً في فندق الشرق:
وش جاب لك نقل المفاتيح يا شيخ
واقفاي واقبال على فندق الشرق
ومنها:
القلب له بين المعاليق تكفيخ
والعين لذة نومها تسرق سرق
قلت التجي للباب وأجوِّد السيخ
نبي نختل النوم لو ندرقه درق
وهذه القصيدة لها مناسبة لما كان في الطائف بصحبة أحد أصدقائه وتذكر اياماً خلت قبل مجيئة إلى الطائف كانت ذكريات لا تمحى من ذاكرته ويعيد شريط الأيام فترجع كما كانت في حلاوتها وأنسها، وله ديوان مخطوط كله شعر شعبي رأيت بعضه عندما كنت أزوره وله ديوان شعر عربي فصيح لكن شعره الشعبي أقوى، وله قصائد غزلية رائعة وجيّدة وهي موجودة في ديوانه المخطوط وللشيخ العالم عبدالرحمن السعدي أبيات شعرية شعبية رواها عنه الراوية والأستاذ دغيثر الدغيثر في كتابه "مكارم الأخلاق" وقد نشرتها في عدد مضى قبل أحد عشر سنة وقد قالها الشيخ أثناء ذهابه إلى الحج مع مجموعة من أهلي عنزه - رحمه الله وغفر له.
عبدالله بن لويحان
عبدالله بن رداس
حمد الحقيل
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
الأديب الفكه المشهور القاضي الحصيف ذو الطرائف المليحة والدعابة الدائمة التي لا تجرح شعوراً ولا
تقدح في مروءة بل تضفي وتبث في الروح انشراح الصدر وانبساط النفس إنه الشيخ محمد بن إبراهيم البواردي ت - 1404ه رحمه الله تعالى أحد القضاة المشهورين في بلادنا رزقه الله تعالى الرأي الحكيم والعمق والخبرة بالناس وحسن التخلصمن المأزق وحضور بديهة عجيب وفائق وسرعة الخاطر ويأتي بكلمات ومفرادت معماة لها معنى ظاهر ولكنه لا يقصده ومعنى باطن وهو الذي أراده في سبكه لهذه الجملة أو تلك، أصبحت كلماته وطرائفه وقصصه ومواقفه مشهورة لدى الناس عامتهم وخاصتهم وهو كذلك شاعر شعبي وفصيح، وله معارضات لبعض القصائد الفصحى.
يحدثني الأستاذ الأديب عبدالرحمن بن محمد بن هليل شفاه الله وعافاه وهو صديق للشيخ محمد البواردي وصديق لأبيه الشيخ محمد بن هليل ت 1400ه رحمه الله، قائلاَ: كان الشيخ محمد البواردي رحمه الله يزورني كثيرا في منزلي وازوره أنا في منزله فكان قمة في المرح والطرفة والنكتة يصور أشياء كثيرة في الحياة بأبيات طريفة وحكيمة وصداقتي استمرت معه حتى وفاته وكنت ارتاح أليه كثيراً وربما ارتاح إلي رحمه الله وكان يفضي إلي ببعض همومه الحياتية محسنا الظن فيني ونجلس الساعات الطوال في منزلي كلها في أحاديث متشعبة في الأدب الفصيح والشعبي والكثير من شريط ذكرياته يسردها أبان توليه القضاء في الجبيل والصرار.
ويقول الأستاذ عبدالرحمن الهليل شفاه الله وعافاه ولما بلغ عمره ثمانين سنة ولعل تلك السنة عام "1400ه" أنشدني صديقي الشيخ محمد البواردي هذين البيتين وهما من الدعابة الشعرية حيث ان الشيخ البواردي يعرض على الشباب صفقة العمر ويود منهم شراءها بأرخص الأثمان ومع هذا الثمن القليل الذي سوف أتقاضاه سوف أزيد المشتري مالاً من عندي أو هبة ثمينة يقول البواردي - رحمه الله -:
يا من يبدلني بعمري وأزيده
ان كان عمره في حدود الثلاثين
ياخذ خلق عمري وأنا آخذ جديدة
وشلي بعمر طاعن في الثمانين
انه عرضه قدمه البواردي للشباب ولكن الطالب لهذا العرض يعد شيئا من المستحيل وكأني بالشيخ البواردي يبكي شبابه الذي مضى وأيامه الخوالي سن القوة والحيوية والطموح وصدق الشاعر أبو الحسن التهامي ت - 1416ه رحمه الله حيث قال في قصيدته التي تدون حقيقة بماء النور في رثائه لابنه فقد تعرض التهامي للشباب وسرعة زواله كأنه البرق:
يقول التهامي:
شيئان ينقشعان أول وهلة
ظل الشباب وخلة الأشرار
ويقول الأستاذ العالي المعمر سعيد الكرمي في كتابه قول على قول: ما بكت العرب في اشعارها أكثر من بكائها على الشباب.
ويورد الأستاذ عبدالرحمن الهليل في حديثه لي عن الشيخ البواردي قائلاً: ان الشيخ كان إماماً لمسجد وجامع الجبيل فتأخر في منزله بعضاً من الوقت فخرج من منزله مسرعاً ليؤم المصلين فجرى هذا البيت على لسانه :
قال الجماعة من زمان مذنين
موسى بن حرشان عجل بالصلاة
وموسى بن حرشان هو مؤذن المسجد ويذكر الأستاذ إبراهيم السيف في كتابه المبتدأ والخبر في تراجم علماء القرن الرابع عشر الهجري ج 64/5ما معناه أن الشيخ محمد البواردي كان ساكناً في احد الفنادق في جدة أو مكة أيام موسم الحج ولما قدم الطعام كان من ضمن المائدة لحم مشوي وكان الشيخ البواردي قد ركب أسنانا فخلع أسنانه المركبة ووضعها جانب المائدة وبعد أن ذهب الشيخ لغسل يديه وعاد لهم وجد الضرس المركب حيث رماه الخادم في برميل الزبالة فطلب الشيخ أن يرثي هذا الضرس فحضرت هذه الأبيات على لسانه:
ضيع الحضروط ضرسي
ضيع الله حلاله
شاله من فوق كرسي
ورماه في الزبالة
اوسعوا الحضروط ضرباً
واخنقوه بالحبالة
لن يجح اليون ضرسي
أحصر الضرس وغاله
الحضروط الشخص الأبله والذي فيه شيء من الحمق والغفلة.
وهكذا كان هذا الشيخ - رحمه الله - دائم النكتة في مجالسه ولديه مغناطيس وسحر في جذب الناس إلى أحاديثه وقصصه ونوادره الكثيره التي لا تخدش حياء ولا تؤثر في مكانته كقاض وطالب علم وله كذلك - رحمه الله - أجوبة مسكتة ومفحمة وهذه كذلك موهبة أخرى تحسب لهذا الشيخ الذي أعده أنا من من أدباء الفكاهة وكان منزله بشارع الخزان بالرياض يرتاده الكثير من أهل الأدب العربي والشعبي من أهالي شقراء ومن زملائه في سلك القضاء وغيرهم من وجي أحاديثه الرائعة والممتعة وتمنيت أني رأيته وجالسته وأخذت عنه - رحمه الله تعالى - واسكنه فسيح جناته وله كذلك قصص وحكايات أبان توليه القضاء في الصرار والجبيل تدل على فراسة وحصافة وقوة في معرفة المحق والمبطل ذكرها الأستاذ أحمد الدعجاني في كتابه عن الشيخ وذكر جزءا منها الأستاذ الأديب محمد الشويعر في كتابه من أعلامنا، والشيخ كذلك راوية شعبي ومرجع ومصدر كذلك من مصادر الأدب العربي ووصفه الشيخ عبدالله بن خميس في كتابه الشوارد أنه أحد شيوخ الأدب هو والشيخ حمد الحقيل فحينما كان الشيخ ابن خميس يعد كتابه الشوارد بأجزائه الثلاثة كان يستعين بالشيخين الشيخ محمد البواردي وشيخنا الحقيل في معرفة شوارد الأبيات ومن هم قائلوها فيجد الجواب عند هذين الشيخين.
ومن أبيات الشيخ محمد البواردي - رحمه الله - ما ذكره الأستاذ أحمد الدعجاني في كتابه عن الشيخ قائلاً: ويقول الشيخ ابن بحيش.. ودخل على الشيخ البواردي ابن عم له وكان بينه وبين ابن عمه ممازحات فسلم عليه الداخل بحرارة فقال: الشيخ هذه الأبيات
يا مرحباً بك عد ما ينفس الميت
وعداد وسط الليل ما تطلع الشمس
وعداد خرفت سوار بها البيت
وعداد ما كنز الحصى وظهر الدبس
ويذكر أيضاً الأستاذ الدعجاني طرفة أخرى من مئات الطرائف التي تروى عن الشيخ البواردي - رحمه الله - وهي أن الأديب المؤرخ والراوية صالح بن مطلق ت 1385ه زار الشيخ البواردي في منزله وعند تقديم العشاء قال الشيخ البواردي لابن مطلق أجيب لك رشوف "مرقه" فقلت بيتاً قديماً من الشعر العامي: والقائل ابن مطلق:
إن عطاني صاحبي شفت معروفة
وإن فهقني صاحبي مثلا حقيني
ولم أشعر إلا وهو يسعى إلي "أي الشيخ البواردي".
بمرقة في إناء ويقول:
ما عطاك صويحبك كود الرشوفة
من المودة مد هالك باليميني"
حقاً أن الشيخ البواردي فاكهة المجالس وسيد الرواة وعميدهم - رحمه الله -.
الثلاثاء 9صَفر 1428هـ - 27فبراير 2007م - العدد 14127
------------------------
السبت 16 صفر 1437 هـ - 28 نوفمبر 2015م - العدد 17323
قضاة وطلبة علم قرضوا الشعر النبطي«4 – 4»
البواردي اشتهر بقصائده الطريفة وابن رشود بشعره الجغرافي
صلاح الزامل
الجاسر أشاد بشاعرية بن رشود في سوانح الذكريات
يا من يبدلني بعمري وأزيده
ان كان عمره في حدود الثلاثين
يأخذ خلق عمري وأنا آخذ جديدة
وشلي بعمر طاعن في الثمانين
صلاح الزامل
عبدالرحمن السعدي
حمد الجاسر
ومن طرائف الشيخ محمد البواردي أن الشيخ الأديب المؤرخ والراوية المشهور صالح بن مطلق زار البواردي في منزله، وكانت بينهما صداقة فقال الشيخ البواردي لابن مطلق اجيب لك رشوف أي مرقه، فقال الشيخ صالح بن مطلق هذا البيت متمثلاً به:
ان عطاني صاحبي شفت معروفه
وان فهقني صاحبي فحنا متلاحقيني
فسمعه الشيخ البواردي وكان معه المرق وقال على البديهة:
ما عطاك صويحبك كود الروشفة
من المودة مدهالك باليمنى
وكما قلت أن الشيخ الصالح بن مطلق في المقالة السابقة يحفظ مقامات الحريري ولعله من القلائل من مشايخ وعلماء نجد الذين حفظوا مقامات الحريري، وكان يكررها في مجالس العلماء وطلبة العلم وقد وهبه الله صوتاً رقيقاً جميلاً فيه ترانيم حلوة ويقف عند أسجاع الحريري، حيث يحسن الوقف ويستمر حيث الأولى السرد ودائماً يتلو قصيدة الحريري الوعظية التي ختم بها الحريري مقاماته ومطلعها:
خل ادكار الأربع
والمعهد الأربع
والظاعن المودع
وعد عنه ودع
واندب زماناً سلفا
سودت فيه الصحفا
ومن طلبة العلم الذين اهتموا بالشعر الشعبي وحفظوه الشيخ القاضي سعود بن رشود فقد روى الشيخ الجغرافي والمؤرخ المعروف حمد الجاسر في ذكرياته "السوانح" أنه التقى بالشيخ سعود بن رشود في الخرج وسمع منه شواهد شعرية شعبية تحدد أماكن ومواضع في الافلاج، وصحح الأستاذ الجاسر هذه المواضع في كلام الشيخ سعود وشواهده الشعرية في كتاب "صفة جزيرة العرب" لعلامة اليمن بل جزيرة العرب الحسن الهمداني وحتى الشيخ المؤرخ والجغرافي حمد الجاسر كان يحفظ من الشعر الشعبي ويفهمه ويعرفه وقد ذكر في سوانح الذكريات جملة من الأبيات والشيخ حمد الجاسر طالب علم تتلمذ على مدرسة الشيخ محمد بن ابراهيم في شبابه بالرياض وتولى القضاء وقد كتب مقدمة ديوان الشاعر المشهورة ذائع الصيت عبدالله بن لويحان وهي أول مقدمة لشاعر شعبي يكتبها الشيخ حمد الجاسر وكتب مقدمة لصاحب كتاب "شاعرات من البادية" عبدالله بن رداس الجزء الأول، ومن العلماء الذين اهتموا بالشعر الشعبي وحفظوه الشيخ المؤرخ محمد العسافي ذاك الرجل الذي درس في بغداد على يد العلامة محمود شكري الألوسي فقد تتبع الشعر الشعبي وكتب فيه مدونة أو مجموعاً ضم أشعاراً قديمة لأهالي نجد وقد نشرها زميلنا الباحث قاسم الرويس، والشيخ العسافي مؤرخ وراصد جيد للتاريخ المحلي وهو من مواليد بغداد واصله من عنيزة وأما القاضي حمد الحقيل الذي قرض الشعر الشعبي وحفظه ونشره في مؤلفاته فقد عشق الشعر الشعبي وحفظ نصوصاً كثيرة منه ونظم قصائد طويلة فيه لمناسبات كانت جميلة وسعيدة في حياته، فضلاً أنه يحب الفكاهة والنكتة والطرفة ويروي النكت والطرائف المضحكة والمسلية والأبيات الشاردة والنادرة سواء من الشعر الشعبي أو الشعر العربي الفصيح كان سيد مجلس ونديم أنيس لديه جاذبية مغناطيسية في الحديث والكلام فهو من أدباء الفكاهة الشعبية وأستاذ في الرواية الشعبية والقصص والحكايات النجدية وقد بيّنت هذه الجوانب كلها في كتابي الذي ألفته عنه في حياته وقبل وفاته بسنة وثلاثة أشهر (شيخ الأدباء وأديب الشيوخ) ومن قصائده التي نشر بعضها في كتابه "كنز الأنساب" لما كان في الطائف نازلاً في فندق الشرق:
وش جاب لك نقل المفاتيح يا شيخ
واقفاي واقبال على فندق الشرق
ومنها:
القلب له بين المعاليق تكفيخ
والعين لذة نومها تسرق سرق
قلت التجي للباب وأجوِّد السيخ
نبي نختل النوم لو ندرقه درق
وهذه القصيدة لها مناسبة لما كان في الطائف بصحبة أحد أصدقائه وتذكر اياماً خلت قبل مجيئة إلى الطائف كانت ذكريات لا تمحى من ذاكرته ويعيد شريط الأيام فترجع كما كانت في حلاوتها وأنسها، وله ديوان مخطوط كله شعر شعبي رأيت بعضه عندما كنت أزوره وله ديوان شعر عربي فصيح لكن شعره الشعبي أقوى، وله قصائد غزلية رائعة وجيّدة وهي موجودة في ديوانه المخطوط وللشيخ العالم عبدالرحمن السعدي أبيات شعرية شعبية رواها عنه الراوية والأستاذ دغيثر الدغيثر في كتابه "مكارم الأخلاق" وقد نشرتها في عدد مضى قبل أحد عشر سنة وقد قالها الشيخ أثناء ذهابه إلى الحج مع مجموعة من أهلي عنزه - رحمه الله وغفر له.
عبدالله بن لويحان
عبدالله بن رداس
حمد الحقيل
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..