الخميس 11 رمضان 1437 هـ- 16 يونيو 2016م
موائد إفطار صائم تخرج عن هدفها النبيل إذا صاحبها إسراف ورمي للنعم
تحقيق - راشد السكران
في كل عام ومع بدء شهر رمضان المبارك تمتد الموائد قبيل أذان المغرب، طوال الشهر تحت مسمى "مشروع إفطار صائم" ويتنافس القائمون عليها في كافة المناطق والمحافظات لتقديم وجبات الإفطار المتنوعة، وهذا مايميز مجتمعنا عن غيره، ولكن هناك من يرى أن هذا المشروع جمع بين الهدر والأجر، لأن من يلتف حول موائده، قد يكونون ليسوا بحاجة لتناول تلك الوجبات بالمجان، وقد يكون بعضهم غير مسلمين، فيتحول هذا المشروع بالرغم من أنه مشروع خيري إلى مشروع مباهاة وتبذير فيخرجه عن إطاره الأساس، لأنه يفتقد الآلية التي تضبطه فلا يحقق هدفه المنشود من وراء إقامته.
"الرياض" في هذا التحقيق تطرح عدداً من وجهات النظر حول هذه القضية بين مؤيد ومعارض، فهناك من يأمل تقنينه ليؤدي دوره المأمول دون هدر ليتحقق به الأجر المنشود، أو تحويل جزء من الأموال التي تصرف على موائد افطار صائم لمساعدة المحتاجين من أبناء الوطن كمساعدة الشباب غير القادرين على الزواج أو الباحثين عن العمل، أو المساهمة في تفريج كرب المعسرين.
بذخ وهدر
تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قضية "إفطار صائم" مطالبين بضرورة تقنينيها من خلال قنوات رسمية تمنع العشوائية في عملها، وتصريف الفائض من تكاليفها لدعم المشاريع الخيرية الأخرى، وقد قام الإعلامي أيمن الغبيوي، بتحليل عدد من المقاطع المتداولة، فقال: أن "إفطار صائم" في مدينة واحدة فقط، تكلف قيمة الوجبة فيه يومياً 10 ريالات، وعدد العمالة في حدود 150 ألف عامل، فينتج عنه شهرياً ما يعادل 45,000,000 مليون ريال هذا في مدينة واحدة فقط، وفي جميع مدن المملكة سيتجاوز المبلغ لمئات الملايين وربما المليار، بينما هناك فقراء ومرضى من أفراد المجتمع يحتاجون للمساعدة، وهم أولى من العمالة التي تجاوزت تحويلاتها المالية لخارج البلاد إلي بلايين الريالات.
وطالب الغبيوي بإعادة النظر فـي بذخ مشاريع الصائمين فـفقراء الوطن والمرضى أولى، وقال: نستطيع بهذه المبالغ توفير وشراء "كلى" لمرضى الفشل الكلوي وأدوية لمرضى السرطان وغيرهم ممن يعانون من قسوة الانتظار لسرير شاغر، كما نستطيع من توفير ولو جزء من تكاليف "إفطار صائم" لتوفير سكن لأسر فقيرة، كما نستطيع مساعدة للمطلقات والأرامل والأيتام، يقول الله سبحانه وتعالى (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ).
التكفل بالإفطار
وللمخالفين لمقترحه قال الغبيوي: من يقول بأن رواتب عمال النظافة لا تتجاوز800 ريال، وجلهم يستفيدون من إفطار صائم" أقول لهم: الحل بأن تتكفل الشركات المشغلة لهم بإفطارهم في مقر سكنهم ولن يكلفهم هذا شيئا بل سنستغني عن كلفة المخيمات وأماكن تجمعهم، بدلاً من صرف الملايين التي تصرف على الجمعيات الخيرية - كما يقول- ولا تحسن التصرف بها بما فيه خدمة المواطن (الفقير والمريض والعاطل وغيرهم وهم منهم في حاجة وهم كثر ) وأقول أيضا للمخالفين إذا كنت تريد احتساب الآجر، أقول ضع سفرة إفطارك في ساحة المسجد وبمشاركة أبناء الحي ويأتي من يحتاج الإفطار المجاني ليفطر معكم حينها ستؤجرون على هذا لأنه لا كلفه ولا ملايين ستذهب سدى.
التقنين
من جهته يرى د.عبدالرحمن الصبيحي أنه ضد إفطار صائم بوضعه الحالي، ففيه هدر ومبالغة بل أصبح مجالاً للتفاخر بين المساجد والتسابق لمن يقوم بالأفضل والأكثر دون أي اعتبار للكلفة التي يدفعها فاعل خير قد يكون بعيداً عن واقع تلك المخيمات التابعة لإفطار الصائمين، ولا يعلم بما يصير إليه تبرعه، وإلا لن يقبل في ذلك، ثم أن بعض من يحضرون لإفطار الصائم هم عمالة متستر عليها ومداخيلها عالية لأنها لا تستفيد الدولة من دخولهم وتحويلاتهم المخفية.
واقترح الصبيحي أن لايتعدى إفطار الصائم بضع تمرات وعلب ماء فقط، وعلى العامل بعدها أن يعد لنفسه ما يشبعه، وقال: أنا مع هذا المشروع الخيري والإنساني لو تم تقنينه ليؤدي دوره المأمول دون هدر ليتحقق به الأجر المنشود، وتحويل جزء منه لمساعدة المحتاجين من أبناء الوطن كمساعدة الشباب غير القادرين على الزواج أو الباحثين عن العمل، أو المساهمة في تفريج كرب المعسرين.
وعن الرقابة على مشروع إفطار صائم قال د. الصبيحي: بالرغم من الجهود المشكورة التي يقوم بها القائمين على مخيمات التفطير إلا أننا نجد قصوراً كبيراً في مسألة الرقابة على هذه المخيمات، وترك كل الامور للعمالة، فنجد انه في الغالب من يتولى الاشراف هو حارس المسجد، والكثير منهم يتعاطف مع أبناء جلدته ويعطيهم ما لا يعطي غيرهم من المستحقين من مختلف الجنسيات.
إسراف وتبذير وفائض
ويشير وهيب الوهيبي أن من المظاهر الجليلة اللافتة للانتباه في شهر رمضان من كل عام تسابق أهل الخير والموسورين في المشاركة في مشاريع تفطير الصائمين في الجوامع والمساجد وعلى الطرق السريعة طمعاً في الحصول على الأجر والثواب من الله عز وجل في هذا الشهر الكريم ورغم أهمية مثل هذه الأعمال التي حث عليها ديننا الحنيف إلا أن هناك ثمة مايستدعي في إعادة النظر في العمل الخيري في الشهر الكريم وحصره في مشروع تفطير الصائمين فحسب والذي قد يتحول في بعض المواقع إلى إسراف وتبذير وفائضا عن مقدار الحاجة لكثرة المقبلين عليه وهنا قد تنتفي الحاجة إليه ومن هنا نتساءل ما الذي يمنع من توسيع دائرة العمل الخيري في رمضان إلى أبعد من ذلك وصرف تلك الأموال في مشاريع أخرى قد تكون الحاجة إليها أكثر أهمية ومن ذلك على سبيل المثال التعاون مع جهات حكومية أو خيرية لتأهيل الشّباب وتدريبهم على سوق العمل من خلال تنظيم دورات وبرامج تدريبية مكثفة وهادفة في مخلف التخصصات لصقل قدراتهم ومواهبهم الذاتية تساهم في فتح الفرص لهم في مستقبلهم الوظيفي وتخفف الأعباء على أسرهم خاصة وأن الشهر الكريم يتزامن مع إجازتهم الدراسية ووجود متسع في الوقت للانخراط في تلك البرامج والدورات التدريبية.
دور الجمعيات
من جهته ألقى محمد العبيد باللوم على الجمعيات الخيرية معتبرا انها لم تقم بدورها المأمول في وضع آلية لهذا المشروع الإنساني والخيري وقال: في مناقشاتي مع زملائي وأصدقائي دائماً نتطرق لهذا الأمر، ومن المفترض أن تصرف كرت للعامل بمبلغ محدود لأحد المطاعم لكي يستفيد الكل دون وضع المخيمات والتكاليف الباهظة واستغلال فاعلي الخير بالتبرعات وما قد يتخللها باسم إفطار صائم، وللأسف فبعض من يأتون للإفطار بالمساجد قد لا يصلون وقد يكون جزء منهم غير مسلمين.
ويؤيده في ذلك عبدالله الفهد الذي يرى أن مفهوم إفطار الصائم يختلف بين أوساط المجتمع باختلاف ثقافاتهم، فالأصل في إفطار الصائم تقديم شيء يسير مثل حبات رطب وقليل من الماء يكفي ان الصائم قد افطر ولو بشربة ماء، ولكن للأسف بعض أماكن التفطير تبالغ في تقديم وجبات متنوعه تدخل في عالم الأسراف والتبذير، بل ربما الإثم نظير ما يرمى في براميل النفايات من النعم.
وقال خالد الغامدي: مشروع إفطار صائم بوضعه الحالي أرى أنه لايحقق المأمول منه بالرغم من أنه مشروع خيري، ويجب أن يقنن، وأشاد الغامدي بمشروع تفطير الصائمين في سياراتهم، الذي يجب التركيز عليه لأنه لا يستفيد منه إلا المحتاج، ومن قد يفوته الإفطار في منزله أو للجهة التي يقصدها، ولكنه يحتاج أيضا أن يكون تحت مظله تنظيمية.
توحيد جهة الاشراف
المقيم محمد مصباح يرى أن إفطار الصائم يكون أجراً عندما لا يكون هنالك هدر بالطعام والمبالغة فيه، والأفضل أن يكون هناك جهة واحدة مسؤولة عن تنظيمه وفق خطط تنظيمية محاسبية دقيقة، لأن أحياناً نشاهد هدراً كبيراً في موائد الإفطار بسبب تنافس المساجد من يقدم الأفضل لإفطار الصائم.
وعن الإسراف والمبالغة في إفطار صائم يقول فايز الشهري: لا ننسى أن نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام قد حثنا على تفطير الصائم، أي بعض من حبات التمر والماء أو اللبن، على عكس مانراه اليوم من الإسراف في المساجد بما يسمى( تفطير صائم)، حيث أصبحت وجبه متنوعه أشبه ماتكون بالبوفيه المفتوح، فوجبة الصائم المثالية هي تلك التي يقدمها أبنائنا المتطوعين في الشوارع العامة وعند الإشارات، المكون من علبة ماء ولبن وحبات يسيره من التمر، لكننا في مشروع إفطار صائم وصلنا إلى مرحلة من الإسراف، وتناسينا تلك الأسر المتعففة المحتاجة، وأسر السجناء، وكذلك أسر الشهداء، ودور الأيتام ورعاية الموهوبين، ودعم الشباب المقبلين على الزواج من ذوي الدخل المحدود، أليسوا هم أولى بتلك الأموال التي تصرف في هذا الشهر الفضيل.
أهداف سامية
وأكد مشاري الدوسري -مدير إداره العلاقات العامة والإعلام بمكتب الدعوة والإرشاد وتوعيه الجاليات بالصناعية الجديدة ومدير مشروع المليون صائم الدعوي التابع للمكتب-، أن تفطير الصائمين يحمل أهدافا سامية فهو وسيلة جاذبة للجاليات ليتيسر للدعاة دعوتهم إلى الله وتصحيح عقائدهم وعباداتهم، ودعوة غير المسلمين ممن تأسره الأجواء الروحانية التي تخيم على اجتماع المسلمين للإفطار مما يكون سبباً في هدايتهم ودخولهم في دين الله كما هو الواقع المشاهد والملموس، لذا فالمكتب لايكتفي بالدعاة المتوفرين لديه بل يستقطب عددا من الدعاة من الكليات الشرعية في مختلف جامعات المملكة ليغطي الاحتياج الدعوي الذي يفرضه التفطير.
وأضاف: إقبال الناس على التبرع لمشاريع التفطير هي رغبتهم في الحصول على الأجر العظيم المترتب على تفطير الصائم خصوصاً في هذا الشهر الكريم، فالكل يسعى للأجر الذي وعد به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (من فطر صائماً كان له مثل أجره)، والمشاريع التنموية والمجتمعية لا يوجد فيها نص صريح وواضح كوضوح هذا النص في الأجر المترتب على التبرع لها، إضافة إلى أن من يساهم فيها فهو شريك في الأجر فيها لأن آحاد الناس لايستطيعون التكفل بكامل تكاليفها، بخلاف التفطير الذي يمكن لمن فطر صائما ولو بمبلغ زهيد أن يحصل على كامل الأجر الذي وعده به النبي صلى الله عليه وسلم.
الأسر المنتجة
وقال الدوسري: لو فرضنا جدلاً تحويل أموال التفطير لمشاريع أخرى فإن ذلك متعذر لتفرق أموال التفطير بين مختلف الجهات التي تقوم به وليست مجموعة في جهة أو مكان واحد حتى يمكن الاستفادة منها جميعا، ومشاريع التفطير لايقتصر الانتفاع منها على من يتناول الإفطار، بل هي موسم وفرصة ينتفع منها أبناء البلد، فوجبات التفطير وموادها الأساسية يتم شراؤها من أبناء البلد الذين يذهب لهم الجزء الأكبر من تكلفة التفطير، وبالتالي تعود عليهم الأموال التي دفعت للتفطير بالنفع والفائدة، ويقول: إن عدداً من مشاريع التفطير مؤخراً تقوم على الوجبات المعدة من قبل الأسر المنتجة، وبالتالي يكون التفطير مساهماً في تنمية الأسر المنتجة من جهة، ودعم أبناء البلد من جهة أخرى، وكل فرد من أفراد المجتمع له الخيار أن يساهم في أي باب من أبواب الخير الذي يريد، والدولة حفظها الله لم تقصر في هذا المجال، فالجهات التي تهتم بتزويج الشباب، والجهات التي تدعم الشباب والمشاريع الناشئة متوفرة، ومشاريع الإطعام ومساعدة المحتاجين قائمة، وكل يعمل في باب من أبواب الخير وقد علم كل أناس مشربهم، وليس لأحد أن يفرض على أحد باباً من أبواب الخير دون غيره فالأبواب مشرعة أمام الجميع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..