الى المسيو :فرنسوا هولاند، تحيّة وبعد:
بداية... هذه ليستْ رسَالة عزاءٍ، يكفيكَ من العزاءِ ما جاءكَ، كما أنّي أحسبُ أنّ العزاءَ من فروضِ
الكِفايات، إذا قام به البعضُ سقط عن البعضِ الآخر، وقد عزّاك قومي في مُصابِكَ، من أكبر داعيةٍ حتى أرشق راقصة ! وبهذا سقط واجبُ العزاءِ عنّي ما لم يُقرر فقهاءُ مكافحة الإرهاب أنّ التّعزية بمصابكم الأليم من فروض الأعيان، وقتها سأتنّقُ وآتي إلى ساحة الشانزليزيه لأبكي على كتفك ! أمّا وما زال العزاء اختياراً فقد اخترتُ ألّا أُعزّيكَ !
لن أُعزّيكَ لا لأني مع القتل، معاذ الله، فنحنُ نحبُّ الحياة لغيرنا وإن لم نستطعْ نحنُ إليها سبيلاً ! ولكن في بلادي مأتم شغلني عن مأتمكَ، وعزاء شغلني عن عزائك، وإنّي إذا تركتُ مأتمي وضربتُ أكباد البوينغ إلى مأتمك سأبدو كالنّائحة المستأجرة، وقد قال أجدادي الذين كانوا يجوبون قارّتك دون فيزا شنغن: النّائحة الثكلى ليست كالنّائحة المستأجرة !
لو كانتْ حالنا غير الذي تعرف لكنتُ عزّيتك، ولكن كيف أعزّيك في «غزوة باريس» وبلادي لم تجفف نفسها من «غزوة السّماء» بعد؟! ساعة مطر أحالتْ مدننا إلى بحيرات، من بيروت إلى جدّة، ومن عمّان إلى الإسكندريّة، ولا سفينة نركبُ فيها، ولا جبل يعصمنا من الماء !
كنتُ لأعزّيك في القتلى الذين يفطرون الكرواسون والكورن فليكس لو حدث أنّك عزّيتني في أطفال غزّة الذين ماتوا جوعى في الحرب الأخيرة بسبب حصار الخَصيّ الذي نصّبتموه في القاهرة !
كنتُ لأعزّيك في قتلى مسرح باتاكلان لو أنّك عزّيتني في قتلى المساجد التي دُكّتْ فوق رؤوس المصلين في حماة وحلب !
كنتُ لأصرخَ ملء حنجرتي أنّي ضدّ الرصاص الذي أخاف أطفالكم لو أنكم لم تسكتوا عن البراميل المتفجّرة التي بعثرتْ أطفالنا !
ولكن لأنّ ذاك لم يحدث، فلن يحدث هذا، فلا عزاء !
فخامة الرّئيس:
لا تنتظر منّي أن أقول لكَ: إنّي أبرأ إليكَ مما فعل هؤلاء!
فهؤلاء ليسوا منا لأبرأ لكَ منهم! لقد قتلونا قبل أن يقتلوكم، وما فعلوه في باريس في ليلة يفعلونه في سوريا كلّ ليلة، وإن كانوا قد قتلوكم بالرّصاص فقد نحرونا من قبل بالسكاكين كالخراف! وإن قتلوا روّاد المسارح عندكم فلم يسلم منهم روّاد المساجد عندنا! وإن قتلوكم على عجالة من أمرهم فقد قتلونا على مهل، وصنعوا أفلاما هوليودية يعجز عنها هيتشكوك وأرسلوها إليكم! وإنّ الذي لم يُراعِ في ابن عمّه إلّاً ولا ذمة وهو يقول له: «تكفى يا سعد»، فليس لكم أن تحمّلونا وزر دمكم إن لم يرقب فيكم إلّاً ولا ذمة!
فخامة الرّئيس:
أنتم أوقدتم هذه النّار التي أحرقتنا قبلكم، لهذا ليس لكم أن تغضبوا إن أصابكم بعض شررها، طبّاخ السّم يذوقه، وهذه ليست إلا جرعة مما نتجرّعه كل يوم! خمسة عشر عاماً من طائفية المالكي الذي أحضرتموه على صهوات دباباتكم إلى بغداد، وتركتموه يُطلق كلاب الحشد تنهش هناك وهناك، هو الذي أنتج هذا! وأربع سنوات وجزّار الشام يسلخ لحومنا كالأغنام وأنتم تتفرجون هو الذي أنتج هذا !
فخامة الرّئيس:
عليكم أن تكونوا ممتنين لنا لأننا رغم صمتكم وتخاذلكم ومشاركتكم لم نصبح جميعاً مثل قتَلَتِكم، رغم أنّكم هيّأتم لنا الأسباب لنكون، فرفضنا! ما زلنا نرى شعوبكم ضحايا مثلنا! أمّا أنتم قادة الدّول العظمى بمقدّراتها، الصُّغرى بأخلاقها، فقد جررتم هذا علينا وعليكم، لهذا يا فخامة الرّئيس يصحّ فيك قول قائلنا: يداكَ أوكتا وفوك نفخ! ولا عزاء!
الكاتب المسرحي
ادهم الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..