الأربعاء، 24 أغسطس 2016

لا تشيطنوا جماعة غولن

        الذي ظهر لي من صراع إردوغان وغولن أنه لا يعدو أن يكون صراعًا بين منتمين إلى التيار الإسلامي على السلطة. أدرك جيدًا أن أطرافًا دولية وإقليمية تريد، أو في أقل الأحوال لا يسوءها الإطاحة بالزعيم
التاريخي إردوغان، فاخترقت الصف التركي وساندت فريقًا ضد فريق، وأدرك أيضًا أن الانقلاب، إذا ثبت يقينًا أنه بتدبير من الرمز المؤثر غولن، يعتبر جريمة وعملاً منكرًا وخيانة وطنية كبرى وتعريضًا للوطن التركي لفتنة لا تبقي ولا تذر في منطقة لا تحتمل سقوط دولة إسلامية أخرى وكبرى في حجم تركيا وأهميتها، في أتون الفتنة والدمار، لكن هذا أيضًا لا يعني الحيف في الحكم العدل في هذا الصراع وفرز خيوطه وألوانه، فهو بالتأكيد ليس صراعًا بين قديس وإبليس، وليس نزاعًا بين جماعة إسلامية وجماعة إجرامية، وهو ما يؤمن به كثيرون في طول العالم العربي وعرضه، بل يحصر التجريم والحساب والعقاب في الدائرة الضيقة التي خططت للانقلاب ونفذته ودعمته ومولته وسهلته.

جماعة غولن تجمع إسلامي كبير ومظلة دعوية وتربوية وتعليمية ضخمة، مثلهم مثل إردوغان وحزبه وأتباعه وجماهيره؛ منهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات، ولسنا من السذاجة بأن نصدق أن تركيا اكتشفت فجأة أن «كل» جماعة غولن بمؤسساتها الكثيرة والكبيرة مشبوهة ارتهنت لأعداء الشعب التركي وهي التي تدير آلاف المساجد والمؤسسات التعليمية والتربوية والدعوية والأكاديمية في تركيا وأوروبا وأفريقيا، بل كانت جماعة غولن الكفة المرجحة في السباق الانتخابي لحزب إردوغان في صراعه السياسي الشرس مع بقية الأحزاب العلمانية التركية.
 ومع إيماني بحتمية إنزال العقاب الصارم على من يثبت تورطه في التخطيط وتنفيذ الانقلاب، إلا أنه في تقديري لم يكن قرارًا موفقًا ذلك الذي اتخذته حكومة إردوغان بإلغاء عدد كبير من مؤسسات جماعة غولن وأكاديمياتها وجمعياتها الدعوية والتربوية وفصل الآلاف من المنتمين من أتباعه من وظائفهم ممن لم تكن لهم علاقة بالانقلاب، أو فصلوا أو سجنوا لمجرد الشبهة، فهذه الإجراءات القاسية هي نوع من «الشيطنة» التي نقدناها في بعض الدول العربية، وما كنا ننهى عنه من شيطنة لعدد من توجهاتها الإسلامية، وما أكدناه مرارًا وتكرارًا من أن سجنهم وفصلهم من وظائفهم وتعذيبهم وإعدامهم ومصادرة أموالهم وإقفال معاهدهم وإلغاء مدارسهم ومؤسساتهم الخيرية لن يلغي فكرتهم، صرنا نخشى أن يقع فيه إردوغان مع جماعة غولن الإسلامية، ونقول مرة أخرى إن إردوغان لن يستطيع بكل هذه الإجراءات أن يلغي فكرتهم.
ولو ثبت يقينًا تورط غولن في التخطيط لهذا الانقلاب الغبي الفاشل، فهذا لا يعني تجريد توجه إسلامي يدير آلاف المدارس والمنظمات الإغاثية والتعليمية والتربوية من صفة الإسلامية ومن صفة الخير، بل يعاقب على جريمة الانقلاب من خطط ونفذ، لا أن يكون العقاب كالريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم.

نتيجة بحث الصور عن حمد الماجد
حمد الماجد - الشرق الأوسط
الثلاثاء - 20 ذو القعدة 1437 هـ - 23 أغسطس 2016 مـ  العدد [13783]


مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

إسلاميو الخليج ووقفة مع أردوغان


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..