بين اليابان والصين لدراسة الهندسة الصناعية... وتفاجأت بأستاذي يشير إلى لعبة بلاستيكية صغيرة وبسيطة قائلا: "الصين؟ هذا ما تصنعه الصين!". بعد عشرين عاماً من تلك الحادثة أتساءل ما الذي تبقى على كوكبنا من المنتجات التقنية والتي لم يتم صناعتها في الصين بعد؟ مقالة اليوم تناقش كيف نقل الصينيون التقنية لبلادهم وأصبحوا مصنع العالم الأول بلا منازع. كما تناقش هل يمكن تطبيق هذا المنهج الصيني في السعودية؟ استفادت الصين من عدد من الأدوات لنقل التكنولوجيا من ضمنها ابتعاث الطلاب الصينيين للدراسة في الدول المتقدمة، استقطاب الكفاءات الوطنية من الخارج ناهيك عن مراكز الأبحاث والتطوير الأجنبية بالإضافة إلى الاستحواذات والاندماجات. لكن وفي رأيي المتواضع أن أهم أداة طبقتها الصين كان ما يعرف بنقل التقنية عبر الاستثمارات الخارجية المباشرة (Technology Transfer Through Foreign Direct Investment).
ارتبطت التنمية في الصين بالاستثمارات الأجنبية المباشرة وإسهاماتها في نقل التقنية وارتفعت قيمة الاستثمارات الخارجية المباشرة إلى الصين من 57 مليار دولار أميركي عام 1980م إلى 95 تريليون دولار أميركي عام 2009م. وفي العام 1995م مثلت الشركات الأجنبية في الصين القائمة على العامل التقني حوالي 27% من إجمالي الشركات، بينما مثلت الشركات القائمة على اليد العاملة حوالي 50% والشركات القائمة على رأس المال حوالي 23% مما يدل على عامل رخص اليد العاملة كعامل جذب للاستثمار الخارجي إلى الصين. الجدير بالذكر أن التقنيات والخبرات الإدارية التي نقلتها الاستثمارات الخارجية المباشرة إلى الصين لم تقتصر على فروع تلك الشركات والمصانع الأجنبية بل انتقلت كذلك إلى المؤسسات والصناعات المحلية الصينية وأسهمت في بناء قدراتها التقنية.
وننتقل للسؤال الأهم: هل نستطيع استنساخ هذه التجربة الصينية لنقل التقنية عبر الاستثمار الخارجي في السعودية؟ الإجابة هي لا!! هنالك اختلافات جذرية بيننا وبين الصين تجعل من الصعب تطبيق المنهج الصيني. ومن أهمها:
أولا) سعر الأيدي العاملة والتي تعتبر منخفضة في الصين مقارنة بالمملكة وكان انخفاض سعر اليد العاملة وما يزال أحد أهم عوامل نقل الكثير من مصانع العالم من مختلف الشركات إلى الصين.
ثانيا) حجم السوق الكبير في الصين قياساً على عدد السكان مقارنة بالسعودية. هذا السوق الضخم يعتبر عامل جذب كبير للشركات لتقوم ببناء المصانع وإعادة تصميم وإنتاج البضائع والتقنيات بما يتناسب مع المستهلك الصيني.
ثالثا) طبيعة الصناعات التي قامت عليها المصانع الصينية كانت تجميعية للمعدات والآليات وغيرها مما يسهل نقل المعرفة والتكنولوجيا. وبالمقابل فمعظم الاستثمارات الصناعية في السعودية كانت في قطاعات البترول والغاز والبتروكيماويات والتي تعد صناعات تحويلية أشبه بما يكون الصندوق الأسود في التعامل معها مقارنة بالصناعات التجميعية. هذا بحد ذاته أسهم في أن يكون مستوى نقل التقنية الذي وصل للمملكة ودول الخليج (مستوى تشغيلي للتقنية) بينما كان المستوى في الصين والدول الآسيوية التي استقبلت الاستثمارات الأجنبية في الصناعات التجميعية (مستوى تحسيني).
ومع ذلك فنعتز جميعا بعملية نقل التقنية الناجحة لشركاتنا مثل أرامكو وسابك وغيرها عبر الشراكات والاستثمارات الخارجية خلال العقود الماضية. والأهم هو الاستفادة من رؤية 2030 لتفعيل توطين صناعات التقنية العالية ونقل المعرفة للمملكة. يجب أن تكون التقنية حاضرة في جميع مفاوضاتنا مع الصين واليابان وبقية الدول المتقدمة.
وباختصار شديد.. التنمية الاقتصادية هي في النجاح العالمي لمنتجاتنا المكتوب عليها (صنع في السعودية).
الأربعاء 28 ذو القعدة 1437 هـ - 31 أغسطس 2016م
عصام أمان الله بخاري
-----------------------------------------------
التعليق :
في العام 1421 هـ كنت نائبا للأمين العام لهيئة استثمار المال الأجنبي في وزارة الصناعة والكهرباء ..مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
وفي احدى اجتماعات لجنة الترخيص للإستثمار
لاحظت مشروعا لتعبئة الملح
هذا المشروع ليست له اية قيمة سوى انه وافد باكستاني يعبىء المله من الصحراء بأكياس
فأنتقدت الموافقة وقلت اننا بحاجة لنقل التقنية والأبحاث والتطوير
فقال وكيل الوزارة "آنذاك " المهم يجيب المستثمر فلوسه
فقلت : الفلوس تملأ بنوكنا
فغضب !!
ايه : دنيا !!
استثماراتنا مطاعم وتجارة تأشيرات
بدلا من معاهد تدريب ومستشفيات ومصانع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..