الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

رسالة مواطن مجنون .. إلى ملك عاقل

               إسمح لي يامولاي الملك .. فبعد أن أفقدني عبث الحكومة ورفث الوزراء في الإعلام شيء من رشدي، على ما أظن، وأمسيت لا أُحسن التمييز بين المعقول واللامعقول في السياسة السعودية الداخلية والخارجية، قررت أن أتوجه إليك بكل إحترام وولاء وصدق وأمانة، وجنون أيضاً، لأقول أن الدولة السعودية في خطر بسبب توجه بعض وزراء الحكومة وتحديداً وزارة الإقتصاد والتخطيط أدى ويؤدي إلى الإخلال بالتماسك الإجتماعي السياسي Socio-Political Cohesion وسيقود إلى الهاوية، لا سمح الله، في عملية تبدو لي وكأنها ممنهجة منذ العام 2010 من وزراء ومسئولين إداريين ومستشارين أجانب. ولا أعلم يامولاي .. إن كان ذلك بقصد أو من دون قصد، لكن الشاعر يقول: إن كنت تدري فتلك مصيبة … وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم. ولا أعلم، أيضاً، يامولاي .. فيما إذا كان المستشار الأجنبي بقيادة “ماكينزي وشركاه” وبقية المستشارين الأجانب، يخططون من تلقاء أنفسهم، أو هو مشروع كونداليزا رايس والفوضى الخلاقة الذي لم يصلنا شره حتى الآن. لم يعد يهمني مايجري دولياً أو إقليميا من الناحية السياسية، ولم أعد مهتماً لإرتفاع أو إنخفاض سعر النفط من الناحية الإقتصادية، ولم أعد أكترث للصندوق السيادي كونه بحجم الكرة الأرضية أو كرة القدم من الناحية المستقبلية. ما يهمني، ويقلق صحوي، ويؤرق منامي، هو ذلك الأسلوب الممنهج منذ سنوات لتهميش المواطن وهز ثقته في نفسه وفي الحكومة مما قد يشكل خطر وجودي بسبب إختلال العلاقة بين المواطن والدولة، فالحذر كل الحذر.

يامولاي الملك سلمان .. العبث هو: صرف الجهد والوقت والمال في أمر لا يحقق الأهداف المرجوّة، أما الرفث فهو: القبيح والمستهجن من القول. فقد ألقت وزارة العمل بإستراتيجية التوظيف السعودية جانباً في العام 2010 وبدأت مرحلة من العبث والتضليل بمعلومات وبيانات لا تقل عن كذبة الجنرال الأسمر كولن باول في مجلس الأمن قبيل إحتلال العراق. النتيجة أنه تم تهميش المواطن في وظائف القطاع الخاص بعد أن وصف بالكسل وعدم الإنضباط ونقص المسئولية، وأوصاف أخرى أشبه ماتكون بما وصف به مواطن جنوب أفريقيا قبيل مجيء نيلسون مانديلا، مما أدى إلى هز ثقة المواطن في نفسه. المثير والمحزن يا مولاي الملك .. أنه في العام 2015 أصدرت وزارة الإقتصاد والتخطيط تقريرها الذي يشير إلى فشل وزارة العمل في السنوات التي سبقت التقرير بتوقيع وزيرها الجديد الذي هو ذاته كان وزيراً للعمل. إستمرت وزارة الإقتصاد ووزيرها في ذات المنهج مع ذات الطاقم الإداري والإستشاري، فأنشأت “هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة” وسحبت جزء من مداخيل صندوق تنمية الموارد البشرية، بالإضافة إلى تولي إدارة بيانات هيئة الإحصاء، لتكمل وزارة الإقتصاد والتخطيط في العام 2016 ما بدأته وزارة العمل في إستهداف ثقة الموظف الحكومي في نفسه والذي ظهر مؤخراً على لسان وزير الخدمة المدنية بأن إنتاجيته لا تقل عن ساعة عبر دراسات غير دقيقة ومعلومات مغلوطة. النتيجة أن ثقة المواطن إهتزت في نفسه وفي حكومته سواء في القطاع الخاص أو العام، مما أدى ويؤدي إلى خلل في التماسك الإجتماعي السياسي.

ظن الوزراء يامولاي الملك .. أن تعظيم الخوف من الإفلاس، وتضخيم النقص في إنتاجية الموظف الحكومي، والتلويح بإفلاس صندوق معاشات التقاعد، سيؤدي إلى ثلاث نتائج: (1) إحداث الصدمة للمواطن لكي يتم القبول بما تم وما سيتم في المستقبل حسب شطر البيت القائل “حنانيك بعض الشر أهون من بعض”؛ (2) منح الحكومة مزيد من الثقة والمصداقية على الصراحة والشفافية، وأن المواطن سينسى مع تلاحق وتكاثر وتسارع الأحداث؛ (3) التهيئة لمكاسب وهمية مستقبلاً بأن وزارة الإقتصاد والتخطيط عبر تخطيطها المُحكم ومستشارها الأجنبي المُـلهم، أنقذت الدولة من إفلاس محقق، ورفعت من إنتاجية الموظف الكسول، وحسّنت الأداء الحكومي، وهي لعبة غبية وقديمة يستخدمها بعض مدراء المبيعات الفاشلين في منشآت القطاع الخاص تحت مسمى “Window Dressing”. النتيجة يامولاي الملك .. أن شعبك الوفي الذكي إستنتج غير ذلك تماماً: (أ) لم يصدق الشعب كل الدعاوى التي ذكرها الوزراء وفهم المغزى؛ (ب) تزايدت الإتهامات للحكومات السابقة بالفساد والتضليل وسوء الإدارة والتخطيط؛ والأخطر (ج) تناقص الثقة في الحكومة الحالية وأي إجراءات أو سياسات قد تتخذها مستقبلاً، تحت مظلة سؤال واحد: مالذي يضمن أن لا ترتكب الحكومة الحالية في القادم من الأيام ما إرتكبته الحكومات في الماضي؟ الثقة يامولاي الملك .. هي أساس كل العلاقات في الدين والدنيا، إن إختلت أو إرتبكت أو تلاشت تدهورت العلاقة، ومنها العلاقة بين المواطن والدولة. إتهام المواطن بالتقصير والكسل والإتكالية وانعدام ثقافة العمل وعدم موائمة مخرجات التعليم وعدم الإنضباط، هو إمعان في كسر المواطن وإنقاص ثقته بنفسه. كما أن التعميم والتضخيم والتضليل في الأسباب هو إنقاص لثقته بالحكومة. وكلا الإثنين ينعكسان سلباً على التماسك الإجتماعي السياسي ويؤثر على العلاقة بين المواطن والدولة.

المواطن يا مولاي الملك .. هو حائط الصد الأخير في منظومة الدولة، إن ضعُف ضعفت الدولة، وإن إنكسر وإهتز وطاح سقطت الدولة، لا قدر الله. الأمر جلل والخطب عظيم، فقد كتب الكتاب حتى جفت الأحبار عن أمور كثيرة لم يُلتفت لها لتعزيز العلاقة والثقة بين المواطن والدولة، وظن الجميع أن الوزراء الصامتون لديهم علم من الكتاب، ويعلمون ما يفعلون. حتى خرج بعض الوزراء قبل أيام عن صمتهم فتبين عكس ذلك تماماً. لن يفيد السعودية أمن وإستقرار في اليمن، أو البحرين، أو العراق، أو سوريا، أو لبنان، أو مصر، أو ليبيا، مادام أمننا الوطني القائم على حسن العلاقة بين المواطن والدولة، يعبث به وزراء في الحكومة من سماتهم: سوء المعرفة؛ وسوء الإدارة؛ وسوء التقدير.اليوم يأتي الدور على الموظف الحكومي ليبرز وزراء من الحكومة ويطعنوا في أمانة الموظف المواطن بشكل أدى إلى الإحباط وزعزعة الثقة. عندما نسترجع ما يواجهه المواطن في الداخل جراء سياسات وإجراءات تهميش وإنتقاص، نتذكر مقابلات الرئيس الأمريكي بأن الخطر على السعودية ليس من إيران أو الخارج، بل من الداخل. فلم يُسقط الدول إلا الحكومات وسوء الإدارة وسوء فهم وزراء تلك الحكومات لتفكير وحاجات الشعوب. المواطن السعودي وفي جداً، وذكي جداً، ويملك ولاء وإنتماء غير مسبوق وغير محدود للقيادة والوطن، فلا تتركوه يامولاي الملك .. فريسة لوزراء يؤكد البعض أنهم لم يقوموا بأعمالهم بالأمانة والصدق والإخلاص، إمتثالاً للقسم الذي أدوه عند تعيينهم.

المواطن يامولاي الملك .. يريد وطن طبيعياً على قده وعلى مقاسه وبمواصفاته، وليس بمقاس ومواصفات “ماكينزي” والمستشار الأجنبي ومتطلبات صندوق النقد والبنك الدولي، أو تخريجات وزير الإقتصاد والتخطيط، وبيانات وزير المالية، ودراسات وزير الخدمة المدنية، وخرائط وزير الإسكان، ونطاقات وزير العمل، وتقلبات وزير التعليم، وتضليل وزير الإعلام. المواطن يريد ممن أعطى لهم البيعة: الملك وولي العهد وولي ولي العهد، أن لا يتركوه فريسة وزراء لا يعرفونه أو يفهمونه أو يقدرونه حق قدره. فبإسم الإدارة الحديثة لم يعد المواطن قادر على التحدث لولاة الأمر وجهاً لوجه كما جرت العادة منذ تأسيس هذه البلاد. وبات كل شيء من وراء باب وحجاب، وتحولت تلك العلاقة الحقيقية بين ولاة الأمر والشعب إلى علاقة أشبه بالواقع الإفتراضي، وإنتفت تلك الحميمية بين ملك وشعبه. نظرة فاحصة واحدة على وثيقة برنامج التحوّل الوطني تكفي لمعرفة التهميش المحتمل للمواطن والإعتماد المحتمل على الوافد بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا أمر خطير جداً.

يا مولاي الملك .. في ظل صمت وعدم فاعلية وغياب مجلس يسمى “شورى” عن الصورة تماماً، إلا من مبنى جميل؛ وفي ظل إنعدام نشاط حقيقي وغياب مركز “الحوار” الوطني عن الأذهان، إلا من مبنى جميل؛ وفي ظل عدم وجود مشاركة سياسية تقوم على الإنتخابات وتعتمد المراقبة والمسائلة؛ وفي ظل تحريم ومنع الإحتجاجات والمظاهرات التي تعبر عن رأي الشعب في معظم دول العالم، أدعوك يا مولاي الملك وبصحبتك ولي العهد وولي ولي العهد، أن تزوروا ساحات وميادين وشوارع وأنفاق وسائل التواصل الإجتماعي بأنفسكم لكي تروا بأم أعينكم المظاهرات والإحتجاجات وسخرية وسخط الشعب. لم يبق للمواطن، للإنصاف والأمانة، إلا سقف هش من حرية التعبير يحاول رقيب الإعلام الخفي أحياناً خدشها وخفضها. الذين أعدوا وأخرجوا وخرجوا للمواطن في حلقة “الصدمة” مع داود الشريان كانوا يقدمون مسرحية من الكوميديا السوداء فيها من الكذب والتضليل والتخويف والتخوين للمواطن الشيء الكثير، مما أدى إلى هز ثقته بنفسه وبالحكومة، مما ينعكس سلبا على علاقة المواطن مع الدولة..فهل يرضيكم ذلك يا مولاي الملك وولاة الأمر؟

إسمحوا لي يا مولاي الملك .. أن أطرح بين يديكم مثال مؤلم لكن فائدة التعلم منه عظيمة. فقبل أيام وردت “معلومة مغلوطة” لقوات التحالف بقيادة السعودية نتج عنها كارثة، كان لدى قيادة التحالف الشجاعة الأخلاقية أن تعترف وتعتذر وتتحمل مسئولياتها كاملة. حسناً، لو أخذنا ذلك المثال للتعلم وإحتمال ورود “معلومة مغلوطة” في كثير من ممارساتنا السياسية الداخلية والخارجية لتمكنا بحول الله وقوته من درء كثير من الكوارث. إحتمال ورود “معلومة مغلوطة” من دراسة، أو بحث، أو إستشارة، أو وزارة، أو وزير، أمر وارد وطبيعي، لكن التأكد والمراجعة والتثبت والتبيّن أمر مطلوب وضروري، ضمن إجراءات وسياسات ومعايير ومحاذير تقلل نسبة الخطأ وبالتالي الكوارث. يقول الحق سبحانه وتعالى في التنزيل الحكيم ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِن جاءَكُم فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنوا أَن تُصيبوا قَومًا بِجَهالَةٍ فَتُصبِحوا عَلى ما فَعَلتُم نادِمينَ﴾. ولا نعلم يامولاي الملك .. من سبيل أو وسيلة أفضل للتبيّن والتثبت في ممارسات الدول والحكومات، من أسلوب وسياسات الحوكمة المستقلة عن الحكومة التي ينتفي فيها الذاتية ويتزايد فيها الموضوعية.

أخيراً. المواطن يدرك يامولاي الملك .. حرصكم عليه وعلى علاقة الدولة معه، وأنكم ستتخذون إجراءات، وربما عاجلة لمحاولة طمئنة المواطن والمجتمع، ولكننا نؤكد هنا أن الأمر أعقد وأكبر من تغيير وزراء فقط، أو تعديل سياسات وإجراءات فقط، أو صرف حزمة من النقود فقط. إعادة الثقة بشكل عاجل ومستدام يتطلب في حده الأدنى تنفيذ الإستراتيجية ذات الأركان الأربعة التي ذكرناها في مقالنا الماضي، وأهم مافيها الركن الثالث وهو: تشكيل مجلس حوكمة مستقل عن الحكومة من الكفاءات الوطنية (رجال ونساء) يتكون من (50) عضو من خمس فئات: مجلس الشورى (10)؛ الغرف التجارية (10)؛ الجامعات والمعاهد والكليات (10)؛ المجالس البلدية في المحافظات والمناطق (10)؛ المستقلين من الشباب (25 -35 ) ومؤسسات المجتمع المدني (10). من دون ذلك يامولاي الملك .. سيعود الشك وأزمة الثقة في وقت نحن أحوج ما نكون فيه للتماسك الإجتماعي السياسي. هل لمولاي الملك وولاة الأمر .. أن يتخيلوا عدد (50) من الكفاءات الوطنية كالأربعة الذين شاهدناهم في حلقة “فك الإشتباك” مع الشريان مساء الأحد 23 أكتوبر 2016 وهم يدحضون إدعاءات نائب وزير الإقتصاد والتخطيط على الهواء، ويفندون حجج وزير الخدمة المدنية بكل وطنية وحب وإحترام وإقتدار؟ ختاماً، عندما يدرك وزراء الحكومة أن مجلس حوكمة مستقل سيوافق أو يرفض، وسيجادل ويدحض، عندها، وعندها فقط، ستزداد ثقة المواطن في نفسه وفي الحكومة وفي الدولة على حد سواء، وسيزداد التماسك الإجتماعي السياسي قوة. حفظ الله الوطن.

كاتب سعودي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst
02:00 مساءً EET

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..