السبت، 17 ديسمبر 2016

التدين الشكلي..وصناعة النفاق!

      أصابني الدوار عندما وجدت أحدهم يرى أن زنا المحارم أهون من ترك صلاة الفجر..وبغض النظر عن استشهاده بقول ابن تيمية بأن ترك الصلاة أعظم من الزنا وشرب الخمر وقتل النفس التي حرم
الله..وبغض النظر عن تبريره بأن ابن باز وابن عثيمين يريان بأن تارك الصلاة متعمداً لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين عكس الزاني بالمحارم الذي يصلي فإنه يصلى عليه ويقبر في مقابر المسلمين..وبغض النظر عن تلك القضايا الخلافية بين علماء المسلمين..وبغض النظر عن أخذ بعضهم بتلك(الآراء)المتشددة التي لم تزد الناس إلا هلاكاً ونفوراً عن الدين..والتي أصبحت مبرراً وأدلة يتكئ عليها التكفيريون والإرهابيون المنتسبون ظلماً وبهتاناً للدين من ناحية..ويفرح بها أعداء هذا الوطن من كل مكان من ناحية أخرى.
بغض النظر عن ذلك كله..فإنني سأتساءل:
هل الدين عبادات فقط..أم أنه عبادات ومعاملات؟!
ثم..أيهما يتعدى أثره إلى الناس والمجتمع وأيهما يكون خاصاً بفاعله؟! المعاملة أم العبادة؟!
وبمعنى آخر..من حيث الثواب والعقاب..هل سأثاب أنا (محاكيك) بصلاتك وصيامك وزكاتك وحجك مثلما تثاب أنت؟!وهل سأعاقب أنا مثلما تعاقب إن أنت قصرت في إحدى عباداتك؟!
الإجابة ستكون حتماً لا..وعندئذ سأقول لك(وبالفم المليان): بما أنني لست مطلعاً على سريرتك ونيتك..وبما أن عباداتك بينك وبين ربك..فإنها لا تهمني كثيراً..وما يهمني منك هو المعاملة..والمعاملة فقط.
إن كنت ملتحياً أو حليقاً..مسبلاً أم مقصراً..محافظاً على صلواتك في المسجد أو مقصراً فيها..تستاك أو تستعمل فرشة الأسنان..تستمع للشيلات أو تستمع للموسيقى..تصوم الدهر أو تفطر رمضان..تلزم ديار المسلمين أو تسافر لبلاد الكفار..ناسكاً كنت أو عربيداً..إلخ..فإن كل ذلك لا يهمني..وليس لك على الناس ولا عليَّ فضل بفعل عبادتك..وليس على الناس ولا عليَّ إثم بتركك لها..ولا تتوقع أنني سأحترمك فقط لأنك هكذا.
ما يهمني منك وما سأحترمك لأجله هو الصدق والأمانة والإخلاص والمعاملة الحسنة والوجه البشوش..وحرصك على نفع الناس وعدم الإضرار بهم..والتزامك بالقوانين والآداب العامة.
ما يهمني منك هو نقاء سريرتك وحفظك للسانك وبعدك عن فحش القول والغيبة والنميمة والقذف والحسد وإشاعة البغضاء.
ما فائدتي أنا إن كنت تصلي وتقبل الرشوة وتضر بي وبمجتمعي..وتصوم وتكذب علي وعلى الناس..وتحج وتخلف مواعيدك؟!
ما فائدتي أنا حين تتصدق وتختلس أموال الدولة..وتسبل لحيتك وتأكل الصدقات وأموال اليتامى والمساكين..وما فائدتي أنا حين تصلي في المسجد وتغلق الشارع بسيارتك على العابرين..وما فائدة الناس منك حين تقوم الليل وتحتكر السلع والأراضي وتغالي في ثمنها..وأي قيمة لحفظك القرآن وأنت تقتل الأبرياء في المساجد..وكيف يمكن لي أن أثق في تدينك وأنت تغتابني كل يوم..وما قيمة التزامك بسنة السواك وهو لم يطهر فمك من القبح والسب والشتم والقذف.
وما قيمة دعوتك الناس للزهد وأنت تسكن القصور.
لقد ركزت ما تسمى بالصحوة بمنابرها ومناهجها ودعاتها سنين طويلة على الشكليات أكثر من تركيزها على الجوهر..ركزت على المظهر وأهملت المخبر..ركزت على العبادة وجعلت الأخلاق والمعاملات كخيار ثانوي..بل إن الأمر تعدى ذلك إلى تقديم العادات على العبادات في بعض المسائل..فنشأ غالبية الناس منفصمين..يعانون من شيزوفرينيا أخلاقية..وانقطاع تام بين المنهج والسلوك..وبين الاعتقاد والفعل..وبين المثال والواقع..وأصبحنا نجيد ارتداء الأقنعة حسب المواقف وحسب الزمان والمكان..وأصبحنا نجيد التمثيل في أكبر مسرح عرفته البشرية.
ولذلك لن أستغرب وجود التشوهات والتناقضات التي تنبئ عن خلل خطير..وكأمثلة على ذلك..نجد من يرى أن عملاً شنيعاً كزنا المحارم الذي يطال أخلاق المجتمع برمته ويطال الأنساب ويطال نفساً بشرية أخرى بأضرار نفسية وبدنية لا يمكن محوها مهما تاب المعتدي هو أهون من التقصير في عبادة بين المرء وربه..ويمكن للمقصر أن يعود عن تقصيره في أي وقت دون ضرر أو نفع للآخرين.
ومن ذلك أيضاً التفريق بين الزوجين لعدم تكافؤ النسب.. والاختلاط بالأجنبيات هنا وفي الخارج والتطهر والتحذير منه مع السعوديات في الداخل.. وخلوة السائق الأجنبي بالمرأة وتحريم قيادتها لسيارتها.. وإتيان أمور كثيرة سلوكاً وتجريمها وتحريمها قولاً.. وهو باب واسع للنفاق لا يمكن حصره..وأكثر من يقترفه جماعة(أحب الصالحين ولست منهم)..وكمثال أخير ونكتة أخيرة أتذكر ذلك التاجر الذي يذهب للصين ويكون شديد الحرص والتحرز أن يخالط طعامه الحرام ثم يطلب في نفس الوقت أردأ البضاعة ويطلب من المصنعين والموردين أن يكتبوا عليها(صنعت في ألمانيا)..أو ذلك الذي حين يسافر يكون سؤاله الأول عن القبلة وسؤاله الثاني عن البار. 
أخيراً..سأتساءل بحجم الأخلاق التي بعث ليتممها محمد صلى الله عليه وسلم:
من الذين فعلوا ذلك بنا..وكيف الخلاص من كل هذا التناقض والنفاق؟!

صالح جريبيع الزهراني

مرجع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..