الاثنين، 5 ديسمبر 2016

حيرةُ مُتقاعد

        تعليمه عالي وصحته جيدة ، زُرته في استراحته فاشتكى الفراغ وتمنى لو استمر في وظيفته الحكومية ولو بالمجان ، وذكر أنه توسط وترجى التمديد ولكن لم يجد استجابة ولقيتُه حائراً يضرب أخماساً بأسداس ، ضاقت به الدنيا ولا يدري ماذا يعمل ، حالته المادية ميسورة ، لديه سكنٌ ومزرعة وسيارة وأسرة وتقاعدٌ يكفيه العيش بقية عمره ، يقضى وقته في المزرعة يتفقد شؤونها وشجونها . رثيتُ لحاله وعجبتُ منه وهو العالم الفاضل كيف يقضي بقية عمره خلف الشاة والبعير ومع الشجرة والنخلة ، وتبسمتُ من حيرته وقلقه ، وبادرتُه بالحديث عن أشخاصٍ أعرفهم بدأوا مشاريع جديدة ، وعن آخرين فرحوا بالتقاعد ونشطوا في مشاريع سابقة كانت على هامش فراغهم يومَ كانوا في الوظيفة الحكومية وأخبرتُه بسعادة أولئك الرجال وتلذذهم بعملهم الجديد ، فأصغى الرجل سمعَه واقترب بركبتيه ورغبَ التعريف بنشاطهم وتشوَّق لسماع تجربتهم ، فأخبرته أن نشاط أولئك الرجال مضمون الخسارة مأمون الخطورة ، وأنه تجارةٌ رابحة وسُوقه مفتوح ومكانه متاح وعليه أن يُقرر ويبدأ ، فكاد الرجل أن يقف ويردد هيّا دُلني جُزيت خيراً ولكني زِدتُه شوقاً فأنبأته أن العمل الذي أندبه إليه خاصٌ به ، وأن فائدته له فقط ولا يشاركه أحد في الأرباح ، فازداد شوقه وتساؤله فعجبت أن لم يفهم ، فأنبأته أن أرباح بضاعة تلك الوظيفة جزلة لا تبقى خلفه كما هي وظيفته الحكومية التي يندبها وإنما هي وظيفةٌ تسبق أجرتها لآخرته ، وهنا أدرك وعَرفَ أنني أقصد العمل الخيري التطوعي فتساءل كيف الطريق ! فأخبرتُه أنه يَسير وعرضتُ له نماذج لرجالٍ عرفتُهم وتعلمتُ منهم ؛ فذاك الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بعد أن تقاعد هبَّ في مجال الدعوة إلى الله يزور المراكز الإسلامية بدول أفريقيا يتعرف على نشاطها ويُزكي رجالها ويشاركهم في الدعم وحضور مناشطهم ، وذاك عبدالله بن محمد أنشأ معهد دعوة في إندونسيا وصار يرعاه ويتردد عليه ويطرب بنتائجه ، يتخرج منه حفاظٌ لكتاب الله دعاةٌ لدين الله ، وذاك محمد بن عبدالرحمن ندب نفسه لتعليم العربية لغير الناطقين بها في هذه الدولة وتلك ، وذاك سعد بن ناصر تفرغ لقريته فأسس بها جمعية خيرية ترعى محتاجي القرية وتتفقد الأيتام والأرامل وتساعد الشباب في الزواج ، وذلك اسماعيل بن العباس أسّس مع آخرين جمعية خيرية لرعاية المرضى الفقراء وتوفير الخدمات العلاجية لهم ، وذلك زيد بن عمرو تفرغ لجامع قريته وبات يتابع حلقات تحفيظ القرآن الكريم لأبناء القرية ويساهم في حفظهم ورعايتهم ، وذاك حمد بن ناصر انضم لمكتب الدعوة وتوعية الجاليات فساهم في إسلام الكثير وتوفيرخدمات العمرة والحج للمسلمين الجدد  وأخبرتُه أن جميع مكاتب الدعوة ميدان رَحب للمتطوعين ، فالجاليات الوافدة على بلادنا كثيرة وتثقيفهم وتبصيرهم بدين الله واجب . كان الأوائل من الصحابة والتابعين رضوان الله عنهم يمتطون الجمال ويذهبون إليهم في ديارهم ، فكيف وهم بين أظهرنا ! ألا يجب العناية بهم وأن يروا منا خُلُق المسلم القدوة ، وقلت له : ذلك على بن خالد نظر في الشباب التائهين في ملاعب الأحياء فاقترب منهم وأسس مؤسسة خيرية لخدمة أولئك وترفق في التواصل معهم واستطاع جذبهم للخير وتنظيم مبارياتهم وتوفير جوائز لهم وتزويدهم ببعض الإرشادات ، فاستطاع حفظهم من الانحرافات الفكرية والسلوكية  وذاك عبدالله بن راشد شارك مع آخرين في العناية بضيوف الوطن من طلاب المنح ليعودوا لأوطانهم خدمةً لدين الله وبصورة مشرقة عن بلادنا الغالية . إن العمل الخيري التطوعي ميدانٌ واسع ومجالٌ متنوع لأعمالٍ منفعتها مُتعدية وأجرُها محفوظ ، فطوبى للعاملين .

‼‼  ** ‼‼
بقلم د عبدالعزيز الثنيان
05-12-2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..