صديق من الأحواز العربية يراسلني – بحسب ظروف المنع والحجب في إيران –
يسأل عن حقيقة أكل الضب عند العرب. بدا لي أنه مستغرب، وسبب سؤاله أنه في
نقاشاته مع الفرس المعاصرين هناك في إيران، وحين تظهر العنصرية الفارسية
ينتقص الفرس العرب، لأنهم يأكلون أو أكلوا لحم الضب! وفي الأدبيات الفارسية
الشهيرة بعض من ذلك الانتقاص والتحقير، مثل كتاب «الشاهنامه» وغيره، ويراد
منه تصوير انحطاط العرب. فهم البدو الرحل ساكنو الصحارى الفقيرة وما إلى
ذلك، فحتى شرب حليب الإبل مضر في عرفهم، ومن دلائل الانحطاط!
ولهذا سببٌ ثأريّ قوميّ، جاء نتيجة ورد فعل على الفتح الإسلامي الذي تم على يد العرب لبلاد فارس، لكن هناك ما هو أعمق منه، ومن الاستخدام السياسي الشعوبي له، حول هذا الموضوع هنا ورقة فريدة لأستاذ «التاريخ الإيراني والعالم الفارسي» في جامعة كاليفورنيا «توراج داريائي»، ترجمها للعربية مشكوراً الأستاذ حسام عيتاني، ونشرها موقع «كلمن». يخلص فيها إلى ما يمكن اعتباره الجذر العميق لانشغال العقل الفارسي بالضب وأكله عند العرب، وقبل الكشف عن هذه الجذور، يشير أستاذ التاريخ الفارسي إلى استخدامها السياسي كالتالي: «وردت إشارات إلى غذاء العرب البدو عند شعراء وكتاب القرون الوسطى الفرس، واستخدمت لاحقاً في الحقبة القاجارية، كجزء من الحملة الدعائية القومية ضد العرب، وظلت مستخدمة لفترة طويلة في القرن الـ20. وجعل الباحثون والمتأدبون في العهدين القاجاري والبهلوي من «العرب» و«آكلي الجراد» كلمتين مترادفتين، وحفروا ذلك في أذهان الشعب». انتهى الاقتباس.
وهذا من ضعف الحيلة وقلة الذخيرة لديهم، فإذا لم يكن هناك من عيب أو نقص لدى العرب سوى أنهم أكلوا الجراد أو الضب في أوقات فقرهم أو أنهم قدموا من الصحراء فهذا لا يقلل من قيمتهم، بل هو دليل على أنه مع هذه «الإمكانات» البسيطة استطاعوا تحقيق إنجاز فريد غيّر وجه العالم لسبب غير خفي، لكن تغيبه عمداً عنصرية الذهنية الفارسية، وهو أن العرب حملوا بكل إيمان رسالة سماوية، هي سبب تمكينهم من أرض فارس وغيرها. ولسنا بحاجة إلى الدفاع عن الضب ولا الترغيب بأكله، مع أن ذلك اندثر تقريباً اللهم إلا من قلة نادرة «يتفكهون» بتناوله، بعض منهم يعتقد بفوائد لم تثبت علمياً، كما أنه ليس وجبة من وجبات المائدة العربية، لا البادية منها ولا الحاضرة، ولي في ذلك مقالات تدعو لحمايته من الانقراض، والعرب لا يختلفون عن شعوب الأرض الأخرى، فرضت عليها البيئة التي يعيشون وسطها عادات وتقاليد ونظاماً غذائياً تغير بتغيرها. وللموضوع تتمة غداً، إن شاء الله.
....
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ولهذا سببٌ ثأريّ قوميّ، جاء نتيجة ورد فعل على الفتح الإسلامي الذي تم على يد العرب لبلاد فارس، لكن هناك ما هو أعمق منه، ومن الاستخدام السياسي الشعوبي له، حول هذا الموضوع هنا ورقة فريدة لأستاذ «التاريخ الإيراني والعالم الفارسي» في جامعة كاليفورنيا «توراج داريائي»، ترجمها للعربية مشكوراً الأستاذ حسام عيتاني، ونشرها موقع «كلمن». يخلص فيها إلى ما يمكن اعتباره الجذر العميق لانشغال العقل الفارسي بالضب وأكله عند العرب، وقبل الكشف عن هذه الجذور، يشير أستاذ التاريخ الفارسي إلى استخدامها السياسي كالتالي: «وردت إشارات إلى غذاء العرب البدو عند شعراء وكتاب القرون الوسطى الفرس، واستخدمت لاحقاً في الحقبة القاجارية، كجزء من الحملة الدعائية القومية ضد العرب، وظلت مستخدمة لفترة طويلة في القرن الـ20. وجعل الباحثون والمتأدبون في العهدين القاجاري والبهلوي من «العرب» و«آكلي الجراد» كلمتين مترادفتين، وحفروا ذلك في أذهان الشعب». انتهى الاقتباس.
وهذا من ضعف الحيلة وقلة الذخيرة لديهم، فإذا لم يكن هناك من عيب أو نقص لدى العرب سوى أنهم أكلوا الجراد أو الضب في أوقات فقرهم أو أنهم قدموا من الصحراء فهذا لا يقلل من قيمتهم، بل هو دليل على أنه مع هذه «الإمكانات» البسيطة استطاعوا تحقيق إنجاز فريد غيّر وجه العالم لسبب غير خفي، لكن تغيبه عمداً عنصرية الذهنية الفارسية، وهو أن العرب حملوا بكل إيمان رسالة سماوية، هي سبب تمكينهم من أرض فارس وغيرها. ولسنا بحاجة إلى الدفاع عن الضب ولا الترغيب بأكله، مع أن ذلك اندثر تقريباً اللهم إلا من قلة نادرة «يتفكهون» بتناوله، بعض منهم يعتقد بفوائد لم تثبت علمياً، كما أنه ليس وجبة من وجبات المائدة العربية، لا البادية منها ولا الحاضرة، ولي في ذلك مقالات تدعو لحمايته من الانقراض، والعرب لا يختلفون عن شعوب الأرض الأخرى، فرضت عليها البيئة التي يعيشون وسطها عادات وتقاليد ونظاماً غذائياً تغير بتغيرها. وللموضوع تتمة غداً، إن شاء الله.
Posted: 20 Jan 2017 10:19 PM PST
أستكمل مقالة أمس عن انشغال العنصري الفارسي بأكل العرب الضب والجراد
وغيرهما في زمن ماضٍ. يشير أستاذ التاريخ الفارسي توراج داريائي إلى جذور
ذلك، فيأتي بنصوص من كتاب فارسي قديم اسمه «كتاب نامباغ»،
يحتوي على «حوار بين الملك ويشتاسب، الراعي للنبي زرادشت، وبين مستشاره جماسب، الذي كان موهوباً في التعرف إلى المستقبل». يجيب المستشار الملك على أسئلة عن البلدان وشعوبها كالتالي. «قال له الفلكي جماسب: الهند بلد عظيم. إنه بارد وحار، رطب وجاف. فيه أخشاب وأشجار لأن فيه صحراء شاسعة. وليس لديهم أي طموح، لأنهم يعيشون على الرز وحليب البقر الذي يتغذى بالحبوب. عاداتهم وتقاليدهم راقية جداً». ويقدّم جماسب لائحة أطول بطعام العرب والبربر «أقطار شبه الجزيرة العربية وبلاد البربر حارة وجافة. طعامهم – أي العرب – هو الفاكهة والماء والديدان والنمور والمخلوقات المؤذية والفئران والأفاعي والقطط والثعالب والضباع وغيرها من الحيوانات المشابهة». يستنتج أستاذ التاريخ الفارسي من ذلك أثر الديانة الزرادشتية وتصنيفها لما يؤكل وما لا يؤكل، وبالتالي تصنيف الشعوب بحسب مأكولاتها «صحيحة كانت أو مكذوبة»، ويختصر لنا ذلك في ما بين قوسين
«الديانة الزرادشتية تصف البشر والحيوانات في فئتين كبيرتين: المنتمين إلى أوهرمازد والمنتمين إلى أهرمان. أوهرمازد هو الخالق الصالح الذي تأتي منه كل الأشياء الطيبة، والذي لا يستطيع، بفضل طبيعته، خلق الشر. في المقابل، أهرمان هو الروح الشريرة، الذي لا يستطيع بطبيعته أيضاً القيام بأي شيء غير تشويه وتدمير ما يخلقه أوهرمازد». انتهى الاقتباس. والمعنى أن من يأكل من هذا الصنف هو شرير أو أقرب إلى الشر وربما النجاسة، ومن يأكل من الصنف الآخر من أهل الخير و«الطهارة» بحسب الزرادشتية. فبقايا الديانة القديمة هي الراسخة في وجدان العنصري الفارسي، فمنها يستمد الفوقية لتميّز يبحث عنه، لفك الارتباط والاختلاط الذي فرضه الفتح العربي الإسلامي، وهنا تحضرني رؤية دقيقة التحليل، وهي أن الفرس لديهم قدرة على امتصاص عقائد الشعوب التي فرضت سيطرتها على بلادهم، وإعادة صياغة هذه العقائد لمصلحتهم بعد تفريغها من مضامينها، وهذا ما نراه ماثلاً أمامنا في سياسة نظام الملالي في طهران، واستخدامهم الدين الإسلامي المفصّل على مقاس طموحاتهم التوسعية.
وأختم بفقرة لا تخلو من الطرافة، وربما تقضّ مضجع العنصري من الفرس، وهي أن موقع «ناشيونال جغرافيك» نشر أخيراً خريطة جينية للشعوب، اعتمدت على تحليل بيانات ضخمة من الـ DNA، من أجل تحديد أصول الشعوب بحسب كل دولة، المفاجأة في النتيجة أن 56% من سكان إيران من أصول عربية، و24% أصولهم من جنوب آسيا، أما النسبة القليلة الباقية فهم من أقليات أصول مختلفة. بقي أن تتم معرفة الـ DNA الخاص بالضب لتحليل نسبة وجود أثره في الـ 56% من سكان إيران.
عبد العزيز احمد السويديحتوي على «حوار بين الملك ويشتاسب، الراعي للنبي زرادشت، وبين مستشاره جماسب، الذي كان موهوباً في التعرف إلى المستقبل». يجيب المستشار الملك على أسئلة عن البلدان وشعوبها كالتالي. «قال له الفلكي جماسب: الهند بلد عظيم. إنه بارد وحار، رطب وجاف. فيه أخشاب وأشجار لأن فيه صحراء شاسعة. وليس لديهم أي طموح، لأنهم يعيشون على الرز وحليب البقر الذي يتغذى بالحبوب. عاداتهم وتقاليدهم راقية جداً». ويقدّم جماسب لائحة أطول بطعام العرب والبربر «أقطار شبه الجزيرة العربية وبلاد البربر حارة وجافة. طعامهم – أي العرب – هو الفاكهة والماء والديدان والنمور والمخلوقات المؤذية والفئران والأفاعي والقطط والثعالب والضباع وغيرها من الحيوانات المشابهة». يستنتج أستاذ التاريخ الفارسي من ذلك أثر الديانة الزرادشتية وتصنيفها لما يؤكل وما لا يؤكل، وبالتالي تصنيف الشعوب بحسب مأكولاتها «صحيحة كانت أو مكذوبة»، ويختصر لنا ذلك في ما بين قوسين
«الديانة الزرادشتية تصف البشر والحيوانات في فئتين كبيرتين: المنتمين إلى أوهرمازد والمنتمين إلى أهرمان. أوهرمازد هو الخالق الصالح الذي تأتي منه كل الأشياء الطيبة، والذي لا يستطيع، بفضل طبيعته، خلق الشر. في المقابل، أهرمان هو الروح الشريرة، الذي لا يستطيع بطبيعته أيضاً القيام بأي شيء غير تشويه وتدمير ما يخلقه أوهرمازد». انتهى الاقتباس. والمعنى أن من يأكل من هذا الصنف هو شرير أو أقرب إلى الشر وربما النجاسة، ومن يأكل من الصنف الآخر من أهل الخير و«الطهارة» بحسب الزرادشتية. فبقايا الديانة القديمة هي الراسخة في وجدان العنصري الفارسي، فمنها يستمد الفوقية لتميّز يبحث عنه، لفك الارتباط والاختلاط الذي فرضه الفتح العربي الإسلامي، وهنا تحضرني رؤية دقيقة التحليل، وهي أن الفرس لديهم قدرة على امتصاص عقائد الشعوب التي فرضت سيطرتها على بلادهم، وإعادة صياغة هذه العقائد لمصلحتهم بعد تفريغها من مضامينها، وهذا ما نراه ماثلاً أمامنا في سياسة نظام الملالي في طهران، واستخدامهم الدين الإسلامي المفصّل على مقاس طموحاتهم التوسعية.
وأختم بفقرة لا تخلو من الطرافة، وربما تقضّ مضجع العنصري من الفرس، وهي أن موقع «ناشيونال جغرافيك» نشر أخيراً خريطة جينية للشعوب، اعتمدت على تحليل بيانات ضخمة من الـ DNA، من أجل تحديد أصول الشعوب بحسب كل دولة، المفاجأة في النتيجة أن 56% من سكان إيران من أصول عربية، و24% أصولهم من جنوب آسيا، أما النسبة القليلة الباقية فهم من أقليات أصول مختلفة. بقي أن تتم معرفة الـ DNA الخاص بالضب لتحليل نسبة وجود أثره في الـ 56% من سكان إيران.
Posted: 21 Jan 2017 10:19 PM PST
....
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..