الثلاثاء، 23 مايو 2017

هل استحق ترامب كل حفاوتنا هذه ؟!

          إنه لمشهد رائع.. أحصنة سوداء وبيضاء برفقة موكب رئيسنا رافعين العلم السعودي والأمريكي، وهو في طريقه للديوان الملكي، حيث سيتم تكريمه بوسام الملك عبدالعزيز، وهذا تقدير عال جدا، حيث أن هذا الوسام هو أرفع الأوسمة في المملكة..".
كان هذا جزءا من تقرير متلفز لمراسل محطة "فوكس نيوز" الأمريكية، الذي مضى يصف بانبهار كيفية الحفاوة بالرئيس ترامب، وساق ما قاله كلونويل أمريكي بأن الاحترام في الشرق الأوسط شيء مهم للغاية عبر الطريقة التي يتم بها استقبالك والترحيب بك، فهي التي تعبر عن مدى قيمتك لديهم، واحترامهم لك.
تذكرت الرئيس السابق باراك أوباما، وقتما استقبل في آخر زياراته للرياض بوفد سعودي صغير بدون أية احتفالات، وكتبت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية وقتها أن التليفزيون السعودي غطى عن كثب وصول قادة دول مجلس التعاون الخليجي الذين استقبلهم الملك سلمان في المطار بالأحضان والقبلات، في حين أن أوباما استقبله وفد صغير يقوده أمير منطقة الرياض، ولم تظهر لحظة وصوله على التليفزيون الرسمي.
مراسل فوكس نيوز الآنف قال منبهرا بأنه لا يعلم إن كان رأى في حياته كلها مثل هذا الاستقبال المبهر، مضيفا: "لاحظوا عدد الكاميرات التي وضعت لهذا الاستقبال، وكم ساهمت بتوفير لقطات هائلة للصحافة و الإعلام .. كل هذا يدل على حرص فريق المراسم الملكية بأن يتم توثيق مراسم استقبال ترامب من كل زاوية.. غالبا ما نشاهد مراسم الاستقبال بكاميرا واحدة وبلقطة ثابتة، واضح جدا بأن المملكة أرادت أن تلفت نظر الجميع بهذا الاستقبال".
بالطبع لم تفت مظاهر الحفاوة على الرئيس ترامب ولا مرافقيه، فقد بدأ كلمته التي ألقاها في القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالتنويه وشكر مليكنا الكبير سلمان، وقال: "لقد سمعت دائماً عن روعة بلدكم ولطف مواطنيكم، ولكن الكلمات لا تنصف عظمة هذا المكان الرائع والضيافة المذهلة التي أظهرتموها لنا منذ لحظة وصولنا".
المراسل الأمريكي أجاب عن سبب الحفاوة التي قال بأنه تأثر جدا بها، بقوله: "لقد فرشوا للرئيس ترامب السجادة الحمراء، ووضعوا صورته على لُوح الإعلانات بكل مكان في الرياض، لأنهم يشعرون بالفخر والاعتزاز، بسبب أن الرئيس ترامب اختار المملكة العربية السعودية كأول رحلة خارجية له، فمعظم رؤساء أمريكا اختاروا دولا مثل بريطانيا وكندا..".
بعيدا عن المكاسب الإعلامية الكبيرة التي كسبناها من هذه الحفاوة بالرئيس الأمريكي ترامب، إلا أنني -وكثير غيري- توجسنا بأن الرجل أتانا ليعلمنا ديننا، والإسلام الذي يريده، واستحضرنا ما قاله عن المسلمين في خطاباته إبان الانتخابات الرئاسية، بيد أن الرجل فاجأنا بحصافته، وكلامه العميق عن حضارة الشرق الأوسط، بل قال بأن الولايات المتحدة لن تسعى لفرض طريقة حياتها على الآخرين، وإنما ستمد يدها بروح التعاون والثقة.
الحقيقة ذلك ما نتوسمه، لأن تدخل أمثال الولايات المتحدة لفرض رؤيتها على المسلمين سيرتد عليها، ويقوّي الخطاب المتطرف الذي تتبناه داعش والقاعدة، بينما لدينا إسلامنا  المتسامح والمنفتح على كل الحضارات، وكل الدول الإسلامية تنخرط في هذه العولمة التي تقربنا من بعضنا، وتجعلنا نساهم بفعالية في سلم الحضارة الإنسانية، وأمامه نموذجي ماليزيا وتركيا، ونحن سائرون في ذات الدرب، بانفتاحنا المتدرج على الحداثة، دون أن نتخلى عن مبادئ عقيدتنا وديننا.
ما حدث خلال الأسبوع الماضي في الرياض، انتصار كبير ولافت للسياسة السعودية، وقواعد اللعبة مع إيران تحديدا تغيرت، فترامب يمحو الآن كل سوءات سلفه الغابر أوباما، ويعيد القواعد –التي أخلّ بها ذلك الرئيس الضعيف- لما كانت عليه، وبتنا ثقل المنطقة ومركزها اليوم، وعندما يشير الرئيس الأمريكي ويخاطب العالم صراحة بأن أكبر ضحايا النظام الإيراني هو شعبه، بسبب أن قادته يسعون بتهور للصراع والإرهاب، بل ويطالب العالم كله بعزل إيران، ومنعها من تمويل الإرهاب، ويدعو لتغييرها بالحكومة العادلة التي يستحقها الشعب الإيراني؛ فإن مثل هذا الخطاب منسجم تماما مع رؤية المملكة لهذا الجار الفاسد الداعم للإرهاب، وهو انتصار كبير لنا، تهون معه كل ما يلمزنا به الكائدون في مقالاتهم وأغلوطاتهم الإعلامية، من أن ترامب أتى لجمع المال من دول الخليج.
برأيي أن العقود التي أبرمت -34 عقدا في مجالات الدفاع والنفط والنقل الجوي- والتي قاربت قيمتها الإجمالية على 380 مليار دولار، هي قيمة عادلة ندفع بها غوائل ما يحصل حولنا من دمار وإرهاب وفتن داخلية، فضلا على أنها ليست هبة مجانية، بل عقود تسليح نحتاجها لمواجهة هذا الصفوي المتربص الذي لا يرتدع سوى بلغة الحزم والقوة.
الجميل في أن ترامب لم يكن كسابقيه ممن حملونا وزر الإرهاب والتطرف، واكتفوا بتحميلنا المسؤولية في كل حادثة بل قرأ جيدا -عندما وصل لكرسي الرئاسة- تفاصيل هذا الملف الشائك جدا، وانتقل لخطوة المشاركة معنا في حربنا على الإرهاب، وبارك مشروع المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف، في خطوة تجعل منهم شركاء حقيقيين في الحرب على هذا الداء الذي يعصف بالعالم.
حفاوتنا الكبيرة بترامب كانت مستحقة، بل ضربة معلم بتعبيرنا الشعبي، والسعودية كسبت كثيرا من هذه الزيارة، ونحن على أعتاب حقبة جديدة في تاريخ المنطقة، نحن من يقودها.

مقالتي اليوم من وحي زيارة ترامب للرياض..
   بقلم :عبدالعزيز قاسم
 
"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..