السبت، 7 يوليو 2018

قرار هيئة كبار العلماء رقم 8 بشأن تدوين الراجح من أقوال الفقهاء لإلزام القضاة العمل به

 (الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 231)
قرار هيئة كبار العلماء رقم (8) تدوين الراجح من أقوال الفقهاء لإلزام القضاة العمل به
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين لهم بإحسان السالكين لمنهجهم القويم .
وبعد : فبناء على أمر جلالة الملك - وفقه الله - بالنظر من قبل هيئة كبار العلماء في أمر جواز تدوين الراجح من أقوال الفقهاء لإلزام القضاة العمل به .
وقبل الدخول في صلب البحث وتقرير ما هو الحق الذي تشهد به قواعد الشريعة وعليه عمل السلف رحمهم الله نقول :
أولا : إنه مما لا شك فيه لدى كل عارف أن إمام المسلمين وفقه الله وثبته على الحق ونصره به - لم يكن له من هدف في هذا الأمر سوى الخير والحرص على جلب المصالح وتكثيرها ، ودرء المفاسد وتقليلها ، ولما بلغه - حفظه الله - أن فيما يصدر من بعض القضاة ما يلفت النظر ، ويدعو إلى البحث من صدور أحكام قد يظن بعض الناس أنها متناقضة ، مع أن قضاياها متماثلة ، وهي في الحقيقة ليست كذلك ، كما قد يدعو إلى اتهام القضاة باتباع الهوى ، أو رميهم بالقصور في تطبيق أحكام الشريعة على ما
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 232)
يرفع لهم من القضايا ، وأن ذلك ربما كان من أجل عدم وجود كتاب على قول واحد يحكم به القضاة ويتعرف الناس منه أحكام المعاملات ؛ ليوفقوا بينها وبين أعمالهم عند الإقدام على عمل ما حتى لا يقعوا فيما يعرضهم للحكم عليهم عند حدوث ترافع قضائي ، وأنه قد يدعو إلى تهرب بعض الناس من رفع قضاياهم للمحاكم الشرعية في المملكة والذهاب بها لمحاكم في دول أجنبية.
من أجل هذا ، وحرصا من جلالة الملك - وفقه الله - على صيانة الشريعة وبقاء الحكم بها بين الناس أمر - حفظه الله - بعرض موضوع التدوين المشار إليه لإلزام القضاة والحكم به على هيئة كبار العلماء ؛ ليبينوا حكم الشريعة في جواز ذلك أو عدمه.
ثانيا : يحسن أن نذكر شيئا مما من الله به على هذه البلاد من باب التحدث بنعمة الله التي غمرنا بها - فنقول : إنه غير خاف على أحد من أهل المعرفة ما كانت عليه بلادنا قبل تأسيس هذه الدولة المباركة من الفوضى والاضطراب ، واللصوصية المغرقة ، والخوف المتفاقم والفرقة المتمكنة ، حتى هيأ الله سليل بيت المجد والسؤدد : الملك عبد العزيز - رحمه الله - فقام بلم شعثها ، وجمع شملها المتفرق ، وبناء كيانها على أساس من منهج السلف الصالح الذي ورثه عن آبائه الكرام حماة الدعوة السلفية ، وبناة حصونها في هذه البلاد ، وهذه الدعوة وهي الدعوة التي دعا إليها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - فضرب الأمن في ربوع الجزيرة أطنابه بعد أن كان مفقودا ، وانتشر العدل بين الناس ، وأمنوا على أنفسهم وأموالهم ، واتصلوا بالعالم الخارجي اتصالا واسعا ، وعرفت حال البلاد عند سائر الدول،
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 233)
وتعامل أهلها مع أولئك منذ مدة طويلة والبلاد في تقدم مستمر ولله الحمد ، لم يضرها بقاؤها في منهاج القضاء على ما كان عليه السلف الصالح - رحمهم الله وفهم نظامها القضائي لدى سائر أمم الأرض المتحضرة ، واشتهر الأمن فيها حتى صار مضرب المثل ومثار العجب عند كل مصنف ، رغم اتساع رقعة البلاد وعدم تعلم غالبية أهلها ، وما ذاك إلا بفضل الله سبحانه ، ثم بفضل تمسك هذه الدولة بشريعة الإسلام وسيرها على محجة سلف الأمة الذين نشروا الإسلام وساسوا العباد بالعدل وحكموا فيهم الشرع ، وفوضوا إلى قضاتهم الحكم بما فهموه من كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما استنبطه العلماء منها فصلحت بذلك أحوالهم ، واستقامت أمورهم ، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها . وقد اشتهرت نزاهة القضاء في بلادنا ولله الحمد ، وعدالته وبساطته ، ومسايرته للفطرة ، وتمشيه مع مقتضى المصلحة الحقة ، حتى صار معلوما عند الموافق والمخالف ، ولا يسعنا إزاء هذه النعمة العظيمة التي من الله علينا بالتمسك بها حين تخلى عنها الأكثرون إلا أن نشكره جل وعلا ، ونسأله أن يثبتنا على ما نحن عليه من الحق ، ويرزقنا الإعانة والتوفيق.
ثالثا : نظرت الهيئة في الموضوع ، فرأت أن دواعي الإصلاح قائمة ، وأنه لا بد من إيجاد حل للمشكلة ، وإصلاح لما تخشى عواقبه ، غير أن الهيئة بأكثريتها ترى : أنه لا يجوز تدوين الأحكام على الوجه المقترح لإلزام القضاة الحكم به ؛ لأنه ليس طريقا للإصلاح ، ولا يحل المشكلة ، ولا يقضي على الخلاف في الأحكام ، أو على ظنون بعض الناس في القضاة ما دام هناك محكوم عليه ، لأن اتهام القاضي في حكمه لم يسلم منه
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 234)
أحد حتى خير الخلق صلى الله عليه وسلم ، فقد قال له بعض الناس : اعدل ، فإنك لم تعدل ، وفي رواية : إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله . ومع ذلك فإن التدوين المراد يفضي إلى ما لا تحمد عاقبته ؛ وذلك لأمور :
1 - إن إلزام القضاة أن يحكموا بما اختير لهم مما يسمى بالقول الراجح عند من اختاره يقتضي أن يحكم القاضي بخلاف ما يعتقد ، ولو في بعض المسائل ، وهذا غير جائز ، ومخالف لما جرى عليه العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وخلفائه الراشدين ، ومن بعدهم السلف الصالح ، ويسبب التحول عن سبيلهم ، ولقد سبق أن وجدت هذه الفكرة في خلافة بني العباس ، وعرضها أبو جعفر المنصور على الإمام مالك رضي الله عنه فردها وبين فسادها ، فهي فكرة مرفوضة لدى السلف ، ولا خير في شئ اعتبر في عهد السلف من المحدثات.
2 - إن إلزام القضاة أن يحكموا بما يدعى أنه القول الراجح فيه حجر عليهم ، وفصل لهم في قضائهم عن الكتاب والسنة وعن التراث الفقهي الإسلامي ، وتعطيل لهذه الثروة التي هي خير تراث ورثناه عن السلف الصالح ، وفي ذلك أيضا مخالفة صريحة لما دل عليه كتاب الله تعالى من وجوب الرجوع فيما اختلف فيه من الأحكام إلى الكتاب والسنة ، وإن عدم الرد إليهما عند الاختلاف ينافي الإيمان بالله تعالى ، قال سبحانه : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 235)
3 - إن الإلزام بما يدون يفضي إلى نفس النتيجة التي وصل إليها من سبقنا إلى هذه التجربة من الدول الإسلامية المتأخرة ، فقد جربوا هذا التقنين ، وألزموا القضاة العمل به ، فلم يأتهم بخير ، ولم يرفع اختلاف القضاة في الأحكام ، وإنما أدى بهم إلى الحكم بالقوانين الوضعية فيما عدا الأحوال الشخصية ، وبعض العقوبات ؛ فسدا لذريعة الفساد ، ومحافظة على البقاء في التحاكم إلى شريعة الله ، وإبقاء على إظهار شعار أمتنا الإسلامية - يجب علينا أن نفكر في طريق آخر للإصلاح سليم من العواقب الوخيمة.
4 - إن إيجاد كتاب يشتمل على قول واحد هو الراجح في نظر من اختاره يكون موحد الأرقام مسلسل المواد - لا يمكن أن يقضي على الخلاف ، ويوجد الاتفاق في الأحكام في كل القضايا ؛ لاختلاف القضاة في مداركهم وفي فهم المواد العلمية ، ومدى انطباقها على القضايا التي ترفع لهم ، ولاختلاف ظروف القضايا وما يحيط بها من أمارات ، ويحف بها من أحوال - فقد اختلف الناس في مدلول بعض النصوص الشرعية من الكتاب والسنة مع وضوحها وجلائها ، وعلم مصدرها الذي ليس علمه كعلم من يختار القول الراجح المراد.
5 - المحاكم المدنية في الدول التي تحكم بالقوانين الوضعية دونت قوانينها على هيئة مواد موحدة ، مسلسلة الأرقام ، ومع ذلك اختلفت أحكام قضاتها ، ووقع في بعضها التناقض والخطأ ، واستؤنفت بعض الأحكام ، فنقض في محاكم الاستئناف ، فلم يكن ذلك التنظيم والإلزام به مانعا من الخطأ والتناقض ، واتهام القضاة ، ونقض الأحكام
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 236)
ما دام القضاة متفاوتين في الأفكار والأفهام ، وبعد النظر والقدرة على تطبيق الأحكام على القضايا والوقائع.
6 - لا يصلح للتخلص من الآثار السيئة التي ترتبت على إلزام القضاة بما يدون لهم - إعطاؤهم حق الرفع فيما يخالف فيه اعتقادهم ما دون إلى مرجعهم ، فإن ذلك يعود إلى التواكل ، وتدافع القضايا والتهرب من المسئولية ، وتعويق المعاملات ، وتكديسها ، وفتح باب الاحتيال للتخلص من بعض القضايا ؛ لأمر ما ، ولا يعدم من أراد ذلك أن يجد في وجهة نظر المخالفين لما دون ما يسند رأيه ؛ لأن الرجحان أمر نسبي مختلف فيه ، ولكل قول وجهته.
7 - الواقع يشهد بأن معرفة الخصوم لما يرجع إليه القاضي تفصيلا ليس بضروري ، ولا شرط لقبول حكم القاضي ، ولا نفاذه لا من جهة الشرع ولا من جهة القانون ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يحكمون بين الناس في الخصومات ، ولم يكن الفقه مدونا وكثير من المتخاصمين لا يحفظ القرآن كله ، ولا كثيرا من السنة ، وإنما يعرفون إجمالا : أن القاضي سيحكم فيما يرفع إليه من القضايا مما فهمه من الكتاب والسنة ، كما أن الدول التي تحكم بقوانين وضعية لا يعرف السواد الأعظم فيها ما يرجع إليه القضاة من القوانين ؛ ولذلك يقيمون المحامين ليرافعوا عنهم في قضاياهم ، فلم يكن تدوين الأحكام على النهج المقترح ليوافق المتحاكمون أعمالهم معها ضروريا ، ومع ذلك فالأحكام الشرعية مدونة ، ومن أرادها أمكنه الوصول إليها ومعرفتها ، ومع معرفته لها فإنه لا يأمن أن يخالفه القاضي في فهمها وتطبيقها على
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 237)
قضيته ، سواء في ذلك من يرجع في تحاكمه إلى الشرع ومن يرجع إلى القانون الوضعي ؛ لأن الأحكام لو دونت لا يكون فيها ذكر جميع الجزئيات من القضايا ، وإنما يجتهد كل قاض في تطبيق النص على القضية التي ترفع إليه.
فيما سبق ذكره وغيره مما لم يذكر من الآثار السيئة التي تنشأ عن إلزام القضاة الحكم بما يختار لهم - يجب التماس طريق آخر لعلاج الوضع.
وحل المشكلة وهو ما يلي :
1 - إعداد القضاة ، والعناية بهم ، وتأهيلهم علميا ، وتدريبهم عمليا على أعمال القضاء ، ولو بدورات دراسية وتدريبية لمن يحتاج لذلك ممن على رأس العمل.
2 - تقليل المحاكم وتركيزها في المدن وعواصم المناطق ، ويكتفى بتعيين متعلمين في القرى ؛ ليقوموا بشئون المساجد ، وعقود الأنكحة ، والوعظ والإرشاد ، وكتابة الوثائق ، وتلقي استخلافات القضاة ونحو ذلك ، ويساعد على هذا سهولة المواصلات اليوم ووجود مرافق في المدن يستريح فيها الغريب ، ويرتفق بها ، ولو أقام أياما ، ويسهل ذلك على القضاة في المدن الاجتماع لدراسة القضايا وهضمها ، ويمنع من الترافع في الأمور التافهة البسيطة ، ويدعوا إلى الصلح بين الناس ، وهو أنفع من التمادي في الخصومات حتى البت في القضايا.
3 - حسن اختيار القضاة بمراعاة ما تحلوا به من قوة في العلم ، ورجاحة في العقل ، مع حلم وأناة ، وبعد نظر ، وصدق وأمانة ، وابتعاد عن مظان الريبة . . إلى غير ذلك من الصفات التي ينبغي أن تتوفر في القاضي،
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 238)
وسيساعد على سهولة الاختيار الاقتصار على تركيز المحاكم في المدن ، كما أشرنا إليه سابقا.
4 - تأليف لجنة من العلماء ؛ لبحث المسائل القضائية الهامة التي ربما يشتبه الحكم فيها على بعض القضاة ، فتبين بالأدلة وجه الحكم فيها ، وتوضح تطبيقها بأمثلة ، خاصة القضايا التي حدثت في عصرنا ، وليس هذا لإلزام القضاة بما انتهى إليه البحث ، بل ليكون عونا لهم في القيام بمهمتهم ، ونموذجا لهم في دراسة القضايا وحل مشكلها ، والدقة في تطبيق الأحكام فيها ، فبذلك تضيق شقة الخلاف ، وتتحقق المصلحة المرجوة.
أما ارتفاع أصل الخلاف فلا سبيل إليه ، ولو توحد المرجع العلمي للقضاة باختيار قول واحد وألزم القضاة الحكم به ؛ لما تقدم بيانه.
ومع ذلك فإن الحكومة - وفقها الله - قد بذلت مجهودا تشكر عليه ، فجعلت محاكم تمييز تدرس الأحكام الصادرة من المحاكم ، وتوجه القضاة فيما تراهم قد قصروا فيه ، وجعلت وراء ذلك هيئة قضائية عليا تدقق الأحكام التي يحصل حولها اختلاف بين القضاة وهيئات التمييز - كل ذلك حرصا من ولي الأمر - وفقه الله - على براءة الذمة ، وإراحة الناس ، وإيصال الحقوق إلى أصحابها.
5 - إن الاختلاف في الأحكام قد وجد في عهد الخلفاء الراشدين والسلف الصالح ، حتى من القاضي الواحد في قضيتين متماثلتين ظهر له في الثانية ما لم يظهر له في الأولى ، فحكم به ، ولم ينقض حكمه السابق ، ولم يكن ذلك داعيا إلى التفكير في مثل التدوين المقترح ، ولا إلزام
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 239)
القضاة لحكم بقول واحد ، وهم كانوا أحرص منا على حفظ الدين ، وعلى سمعته وسمعة المسلمين ما وسعهم ، ولا يجوز أن يكون هذا الاختلاف مثار ريبة وتهمة للقاضي ، فالأصل فيمن يختار للقضاء : أن يكون عالما أمينا على مستوى المسئولية.
6 - مما تقدم يعلم أن العلاج للمشكلة في غير التدوين المذكور الذي لا تؤمن عاقبته ، ونتيجته غير مضمونة ، ويفضي إلى فصل الناس عن مصادر شريعتهم وثروة أسلافهم الفقهية ، كما سبق بيانه ، فتعين سلوك الطريق السليم العاقبة ، المأمون النتيجة ، الذي استقامت عليه حياة الأمة الإسلامية وأحوالها في قرونها السالفة.
ونسأل الله أن يحفظ لأمتنا دينها ، ويتم عليها نعمة الأمن والاستقرار ، ويثبت إمام المسلمين ، ويسدده ويعينه بالبطانة الصالحة ، ويمد في أجله على عمل صالح ، إنه سميع مجيب ، وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
.     .     رئيس الدورة الثالثة
.     .     محمد الأمين الشنقيطي
عبد الله بن حميد                               صالح بن محمد اللحيدان                          عبد الرزاق عفيفي
عبد العزيز بن صالح                             عبد المجيد حسن                                  عبد العزيز بن باز
إبراهيم بن محمد آل الشيخ                    سليمان العبيد                                         محمد الحركان
عبد الله بن غديان                      عبد الله خياط مخالف وله وجهة نظر     عبد الله بن منيع له وجهة نظر
محمد بن جبير مخالف ، وله وجهة نظر     راشد بن خنين لي وجهة نظر وليس فيها إلزام القاضي بالحكم بخلاف ما يعتقد                                            صالح بن غصون


المصدر

--------------------

إضافة :
-

.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

هناك 6 تعليقات:

  1. تدوين الأحكام القضائية
    الاثنين / 2 / جمادى الأولى / 1430 هـ 27 أبريل 2009 20:47
    تدوين الأحكام القضائية

    عيسى الحليان
    قبل أكثر من "37" عاما وتحديدا عام 1393هـ طرحت مسألة تقنين الأحكام القضائية وأسقط المشروع بالأغلبية حيث جاء في ديباجة القرار "أن التدوين يفضي إلى ما لا تحمد عقباه".
    منذ ذلك الوقت وحتى هذه اللحظة لم يتوقف الجدل حول ضرورة تدوين الأحكام القضائية الذي ترتفع أو تنخفض وتيرته باختلاف النوازل الزمانية والمكانية، وقد أثار هذا الموضوع الكاتب محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ في مقالته يوم الخميس الماضي في أخيرة "الجزيرة". نحن دولة تعتمد "الشريعة الإسلامية" مرجعية لها ومع ذلك فإننا لم ندون أحكامها رغم أن دول الخليج العربي ومن بينها المملكة قد اعتمدت نظاما يتكون من "556" مادة اشتمل على الأحكام العامة في العقوبات التعزيرية والحدود والقصاص.. إلخ ووافق عليها وزراء العدل وأجازتها اللجنة الشرعية ووافق عليها المجلس الأعلى في دورته الثامنة عشرة في الكويت، إلا أن القرار نحي جانبا عن التطبيق.
    على مدى سنوات وأنا أتابع كل الطروحات الصحفية فوجدت الأغلبية العظمى من العلماء والمشايخ والعاملين في المرفق القضائي حتى من ينعت منهم بالمحافظة يدعون جميعا إلى الأخذ بمبدأ التقنين لاختلاف الزمان والمكان، بل إن بعضهم ذهب بعيدا في هذه المسألة وقال "إن استخلاص قانون من الشريعة لم يعد أمرا سائغا، بل أصبح واجبا محتوما".
    التقنين حاصل أساسا في أحكام الرشوة والتزوير والجمارك وأنظمة الموظفين.. إلخ ولم يتبق سوى المعاملات المالية والأحوال الشخصية والعقوبات التعزيرية
    الرهان دوما على الزمن وهو رهان باهض التكاليف فنظام المرافعات الشرعية تم رفضه ردحا طويلا من الزمن حتى تمت الموافقة عليه والإقتناع به حتى من قبل الرافضين له.
    لم نعد نعيش في عزلة عن العالم الذي تتشابك معه مصالحنا المالية والتجارية، فالذي يريد الاحتكام إلى شريعتنا في العقود التجارية يطالب بنظام مكتوب للقضاء وهنا لا يمكن إحالته إلى مجموعة متناثرة من كتب الفقه المذهبي والمقارن.

    المصدر
    https://www.okaz.com.sa/article/258877/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A/%D8%AA%D8%AF%D9%88%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%83%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9

    ردحذف
  2. تدوين الأحكام القضائية أمام «كبار العلماء» اليوم.. الحسم أم التأجيل؟
    فكرة طرحها مؤسس البلاد.. وجدد عليها الفيصل.. وأحياها الملك عبد الله بن عبد العزيز* المعارضون: التقنين يهدد بتعطيل الثروة الفقهية > المؤيدون: يقضي على اجتهادات لا تؤدي إلا للفوضى والخلاف
    هل يحسم أعضاء هيئة كبار العلماء موقفهم النهائي في جلسة اليوم من «تدوين الأحكام القضائية» («الشرق الأوسط»)
    الرياض: تركي الصهيل
    أمام هيئة كبار العلماء في السعودية اليوم، خيارات 3، إزاء تدوين الأحكام، وهو أكثر الملفات القضائية تعقيدا في البلاد، منذ أيام الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود حتى الآن؛ فإما أن تحسمه بـ«القبول» أو «الرفض»، أو أن تؤجل البت فيه إلى جلساتها الشتوية المقبلة.
    وأبلغ «الشرق الأوسط» الشيخ عبد الله بن منيع، عضو هيئة كبار العلماء، أن مجلس الهيئة الذي سينعقد صباح اليوم السبت في محافظة الطائف، سيناقش موضوع تدوين الأحكام القضائية وإصدارها على شكل مواد تنظم عملية إصدار الأحكام في القضاء السعودي الذي يحكم وفقا للشريعة الإسلامية.
    وسبق لهيئة كبار العلماء أن ناقشت موضوع تدوين الأحكام القضائية في آخر جلسة عقدتها قبل 6 أشهر، حيث ستستكمل فيه النقاشات هذا اليوم، في الوقت الذي لم يجزم فيه الشيخ عبد الله بن منيع بإمكانية البت في الموضوع خلال جلسة السبت، وطرح احتمالية أن تمتد رقعة النقاشات لجلسات مقبلة.
    وهذه ليست المرة الأولى، التي تناقش فيها هيئة كبار العلماء موضوع تقنين أحكام القضاء، حيث سبق أن أخضعت الموضوع للنقاش على عهد الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز بتوجيه منه، وصدر عنها قرار بـ«منع التقنين». غير أن مجموعة كبيرة من العلماء، من نفس أعضاء الهيئة، الذين شاركوا في النقاشات التي تمت قبل 36 عاما، تحفظوا على قرار «منع التقنين»؛ وهم: الشيخ عبد المجيد حسن، الشيخ راشد بن خنين، الشيخ صالح بن غصون، الشيخ عبد الله خياط، الشيخ عبد الله بن منيع، الشيخ محمد بن جبير، حيث رأوا بـ«جواز تقنين الأحكام».
    يتبع / (1/4)

    ردحذف
  3. تابع (2/4)
    وتبرز لكلا الفريقين المعارض والمؤيد، أسباب تدعم توجهاتهم. حيث يرى الفريق المعارض عدم جواز إلزام القاضي بقول، فيما يخالف المؤيدون ما يطرحه المعارضون، لأسباب تأتي من أهمها، أن عدم إلزام القضاة بقوانين مكتوبة، يجعلهم عرضة للاجتهادات، وهو الأمر الذي يوسع هوة التفاوت في الأحكام التي تصدر عن القضاة السعوديين.
    وتصدر 80 في المائة من أحكام القضاء السعودي، طبقا للمذهب الحنبلي. وقصة صدور الأحكام وفقا لهذا المذهب، جاءت بعد أن أصدرت الهيئة القضائية قرارا في 5 يوليو (تموز) 1928، مقترنا بتصديق عال في 9 سبتمبر (أيلول) لنفس العام، يقضي بأن «يكون مجرى القضاء في جميع المحاكم منطبقاً على المفتى به من مذهب الإمام أحمد بن حنبل؛ نظراً لسهولة مراجعة كتبه، والتزام المؤلفين على مذهبه ذكر الأدلة إثر مسائلها».
    وطبقا للقرار ذاته الصادر منذ 80 عاما، فإنه «إذا صار جريان المحاكم الشرعية على التطبيق على المفتى به من المذهب المذكور (الحنبلي)، ووجد القضاة في تطبيقها على مسألة من مسائله مشقة ومخالفة لمصلحة العموم، يجري النظر والبحث فيها من باقي المذاهب بما تقتضيه المصلحة، ويقرر السير فيها على ذلك المذهب؛ مراعاة لما ذكر، كما يكون اعتماد المحاكم في سيرها على مذهب الإمام أحمد على كتابي شرح المنتهى، وشرح الإقناع».
    ولم تخل هذه الجزئية أيضا من التفصيل، حيث أكد القرار أن الحكم المتبع يكون فيما اتفقا عليه (شرح المنتهى وشرح الإقناع)، أو انفرد به أحدهما، وما اختلف فيه، فالعمل على ما في «المنتهى»، وإذا لم يوجد بالمحكمة الشرحان المذكوران، يكون الحكم بما في شرحي «الزاد»، أو «الدليل»، إلى أن يحصل بها الشرحان، وإذا لم يجد القاضي نص القضية في الشروح المذكورة طلب نصها في كتب المذهب المذكور التي هي أبسط منها، وقضى بالراجح.
    هذه التفاصيل الدقيقة التي تكون في مجملها الطريقة المتبعة لإصدار الأحكام في القضاء السعودي، جاءت نتيجة توجيه الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، والذي جاء نصه كما يلي: «إن جلالة الملك حفظه الله، يفكر في وضع مجلة للأحكام الشرعية، يعهد إلى لجنة من خيار علماء المسلمين الاختصاصيين استنباطها من كتب المذاهب الأربعة المعتبرة. وهذه المجلة ستكون مشابهة لمجلة الأحكام التي كانت الحكومة العثمانية وضعتها عام 1293هـ، ولكنها تختلف عنها بأمور؛ أهمها: عدم التقيد حين الاستنباط بمذهب دون آخر، بل تأخذ ما تراه في صالح المسلمين من أقوى المذاهب حجة ودليلاً من الكتاب والسنة».
    وأصدر الملك عبد العزيز، حينها أمرا إلى هيئة المراقبة القضائية بالشروع في عملها، على الطريقة التالية «إذا اتفقت المذاهب الأربعة على حكم من الأحكام فيكون هذا الحكم معتبراً وملزماً لجميع المحاكم والقضاة. والمذاهب الأربعة هي متفقة في الأحكام الأساسية وفي كثير من الأحكام الفرعية. أما المسائل الخلافية فيشرع في تدوينها منذ اليوم، وفي كل أسبوع تجتمع هيئة مراقبة القضاء مع جملة من فطاحل العلماء، وينظرون فيما يكون اجتمع لدى الهيئة من المسائل الخلافية وأوجه حكم كل مذهب من المذاهب فيها، وينظر في أقوى المذاهب حجة ودليلاً من كتاب الله وسنة رسوله، فيصدر قرار الهيئة على إقراره والسير على مقتضاه، وبهذه الوسيلة تجتمع لدى الهيئة معظم المسائل الخلافية التي هي منشأ الصعوبة في التأليف بين أحكام المذاهب، ويصدر القرار بشأنها، ويكون هذا القرار ملزماً لسائر المحاكم الشرعية والقضاة وأساساً قوياً لتوحيد الأحكام وتأليفها».
    يتبع ///

    ردحذف
  4. تابع (3/4)
    وعلى الرغم من أن توجيه الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن في ذلك الوقت، كان يذهب لاختيار الأحكام الراجحة من المذاهب الأربعة، غير أن الهيئة القضائية التي درست هذا الأمر في حينه، اكتفت بالاعتماد على المذهب الحنبلي.
    وأحيا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، فكرة تدوين الأحكام القضائية، بالاستناد إلى المذاهب الأربعة، وهي الفكرة ذاتها التي نادى بها الملك المؤسس في ذلك الوقت، حيث أوكل الملك عبد الله هذا الأمر إلى هيئة علمية على مستوى رفيع، ستكون مرتبطة به، وستتولى «صياغة الأحكام الفقهية المتعلقة بالمعاملات والجنايات والأحوال الشخصية، وغيرها مما يتطلبه القضاء، باختيار الراجح من بين المذاهب لإصدارها على شكل مواد».
    ولا تزال هيئة كبار العلماء في السعودية، بصدد دراسة مسألة تقنين الأحكام الشرعية، وإصدارها على شكل مواد مكتوبة، وهي التي كانت قد عارضت هذا التوجه منذ أكثر من 30 عاما، حيث أصدرت قرارا بـ «منع التقنين».
    ولا يرى الشيخ يوسف الفراج، وهو قاض في وزارة العدل السعودية، ما يمنع من تقنين الشريعة الإسلامية وتدوين أحكامها. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن كل الأدلة التي يوردها معارضو هذا الأمر لا تقوى للتحريم. لهذا أرى جواز هذا الأمر على اعتبار أنها مسألة اجتهادية، وتحقق المصلحة المرسلة».
    ويعتقد القاضي الفراج، أن هناك أسبابا وجيهة لدعم تقنين الأحكام؛ يذكر من أهمها: بيان وظهور الحقوق للناس، في جهة الأحوال الشخصية والمعاملات المالية، والعقوبات التعزيرية.
    وأكد على ضرورة «أن تتضح للشركات والأفراد والمؤسسات، طبيعة العلاقة التي بينهم، والقواعد التي ستحكمهم». وهذا الأمر طبقا للفراج، سيسهم في تقليل اللجوء إلى المحاكم، والتسريع بإصدار الأحكام، والتقليل من التفاوت بين الأحكام في القضاء السعودي.
    ويؤكد القاضي في وزارة العدل، أن نسبة التفاوت في الأحكام الصادرة عن محاكم بلاده ليست بـ«الظاهرة»، مقدرا نسبتها بـ10 في المائة فقط، وهي ليست السبب الرئيس وراء التفكير في تدوين الأحكام القضائية.
    ويوجد في العاصمة السعودية الرياض، 100 قاض، موزعون على وزارة العدل من ناحية وديوان المظالم من ناحية أخرى. ويجادل معارضو تقنين الأحكام، الذين يحكمون بعدم جواز الأمر، بواقعة الإمام مالك، الذي عارض رأي الخليفة هارون الرشيد بضرورة إلزام القضاة بـ«قول».
    لكن المؤيدين لـ«تدوين الأحكام»، ومنهم الفراج، يرون أن قضاة الزمن القديم، كانوا من العلماء الراسخين في العلم، خلافا لـ«القضاة الجدد»، الذين وصفهم أحد المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» بـ«قضاة ضرورة»، وهو ما يؤيده 6 من هيئة كبار العلماء الذين تحفظوا على قرار «منع التقنين»، حيث رأوا أن الإلزام بالحكم بقول من المصالح العامة التي تعود على الضروريات الخمس بالعناية والرعاية والحفاظ ما يدعو إلى التغاضي عن هذه المآخذ؛ تطبيقاً لقاعدة ارتكاب أدنى المفسدتين لتفويت أعلاهما.

    ردحذف
  5. تابع//
    وقال العلماء السعوديون الـ6، وهم: عبد المجيد حسن، راشد بن خنين، صالح بن غصون، عبد الله خياط، عبد الله بن منيع، محمد بن جبير، وغالبيتهم من القضاة السابقين، ان ما عليه غالب القضاة من مستوى علمي ضعيف لا يستطيعون به الاجتهاد لأنفسهم، ولا إدراك الراجح من مذهب من هم منتسبون إليه من بين الأقوال المبثوثة في كتب المذهب، لا سيما وفي الكتب المؤلفة في المذهب، أقوال مختلفة.
    ويرى العلماء المؤيدون لتدوين الأحكام، أن الحاجة إلى هذا الأمر، أصبحت ملحة، والإلزام بالحكم، أمر لا بد منه؛ رعايةً للمصلحة، وحفظاً للحقوق، وإبقاءً على العمل بأحكام الشريعة في المحاكم الشرعية.

    وتناول الباحث الشرعي الدكتور عبد الرحمن الجرعي، وهو أستاذ للدراسات العليا بجامعة الملك خالد، ومدير مركز البحث العلمي بكلية الشريعة في الجامعة نفسها، موضوع تقنين الأحكام بشكل مفصل، أورد خلاله أسباب معارضي هذا التوجه، وأسباب مؤيديه، ورأيه الختامي، والذي ذهب فيه لصالح إجازة التقنين.
    وأبرز الجرعي، أن من أهم أدلة القائلين بمنع التقنين الآيات التي توجب الحكم بما أنزل الله، ومنها قوله تعالى: «إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله» [النساء: 105]، وقوله تعالى: «فاحكم بين الناس بالحق» [ص: 26]، فهاتان الآيتان تأمران بالحكم بما أنزل الله وهو الحق، والحق لا يتعين بالراجح من أقوال الفقهاء، لأنه راجح في نظر واضعيه دون سواهم فلا يصح الإلزام به ولا اشتراطه على القضاة عند توليتهم ولا بعدها.
    ومن الآيات التي يستند إليها معارضو التقنين، قوله تعالى: «وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله» [الشورى: 10] وقوله تعالى: «فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول» [النساء: 59] ووجه الاستدلال بهاتين الآيتين: أن الواجب هو الرجوع إلى حكم الله ورسوله، ولا يتعين حكم الله ورسوله في مذهب معين أو رأي معين ولا في قول مرجح، والحكم بالرأي الراجح حكم بغير ما يعتقد القاضي أنه حكم الله ورسوله فهو حرام ويلزم منه منع الإلزام بالتقنين.
    ويستند معارضو التقنين إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم، «القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار»، ووجه الاستدلال به أن الحكم المانع من الإثم هو الذي يرى القاضي أنه الحق، والرأي الراجح المدون ليس بالضرورة أن يكون هو الرأي الحق في نظر القاضي فإن قضى بخلاف ما عرف أنه الحق أثم ويلزم منه منع الإلزام بالتقنين. ورد الجرعي، على هذا، بأن الآيات السابقة التي يستدل بها معارضو التقنين والحديث النبوي الشريف، عامة، وليست في موضوع الإلزام، ويصعب القول بأن ما يختاره العلماء من الأقوال الراجحة هو خلاف الحق، أو أننا إذا رجعنا إلى قولهم فإننا نرجع إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فمن أين أخذ هؤلاء إذن؟.
    وفيما يقول معارضو التقنين، ان هناك إجماعا على عدم إلزام الناس بقول واحد وحملهم عليه، مستندين بذلك على كلام منقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، أجاب الشيخ الجرعي، بأن هذا الإجماع غير مسلّم، لأنه قد وجد من العلماء من قال بخلافه، ثم إن القول بالمنع من الإلزام بقول واحد قول صحيح لو كان جميع القضاة من المجتهدين، أما وقد علمنا أن العدد المطلوب تعيينه من القضاة للفصل في خصومات الناس يلزم بتعيين من لم يصل إلى مرتبة الاجتهاد -وهم كثير- فيصبح تعيينهم جائزا للضرورة أو الحاجة، وبالتالي فإن إلزامهم بقول واحد في هذه الحالة أمر سائغ.
    يتبع

    ردحذف
  6. تابع //
    ويعتقد العلماء السعوديون المخالفون لفكرة التدوين، أن تدوين القول الراجح والإلزام به مخالفان لما جرى عليه العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ومن بعدهم من السلف الصالح، وعُرضت هذه الفكرة من قبل أبي جعفر المنصور على الإمام مالك فردها وبين فسادها ولا خير في شيء اُعتبر في عهد السلف من المحدثات. ويرى الباحث الشرعي وأستاذ الدراسات العليا بجامعة الملك خالد، أن عدم وجود هذه الفكرة عند السلف لا يعني منعها، فلعل دواعيها لم توجد، ورأي الإمام مالك رحمه الله قد خالفه فيه غيره، حتى وإن لم يخالفه غيره فليس قوله بمجرده حجة.
    ويعتقد المعارضون، أن صياغة الأحكام الفقهية بأسوب معين سواء أكان من قبل أفراد أو لجان، من الممكن أن تستأثر ببشريتهم، ونسبتها إلى حكم الله ليست دقيقة، بينما أن صياغة نصوص الشرع ربانية معجزة ويمكن نسبتها إلى الله فيقال أحكام الله تعالى.
    لكن الجرعي، يرى أن التقنين مثله مثل الفقه فهو لا يخرج عن صياغة فقهية لا أكثر، وما بقي من ترتيب ووضع أرقام متسلسلة ما هو إلا أمر شكلي يُسهّل الرجوع للأحكام ولا يؤثر في مضمونها.
    ويقوي معارضو التقنين حججهم، بأن التقنين لا يرفع الخلاف في الآراء، وهو من أهم المبررات التي يراها مؤيدو هذا الأمر. لكن الدكتور الجرعي، يرى أن التقنين يحد من الاختلاف وإن لم يرفعه، وهذا هو المطلوب في الوقت الحالي.
    وبرزت مخاوف لدى علماء سعوديين يقفون في وجه التقنين، من تعطيل الثروة الفقهية، وذلك لأن عمل القضاة سيرتبط بهذه القوانين شرحا وتفسيرا مما يعطل التعامل مع كتب الفقه، ويحجر على القضاة، ويوقف حركة الاجتهاد، والنشاط الفكري، لتلبية مطالب الحياة المتغيرة، ومواجهة الأنظمة والأعراف والمعاملات المتجددة.
    وأمام ذلك، يؤكد البحث الشرعي، الذي خلص إليه الجرعي، أن التقنين ليس فيه حجر كبير على القضاة؛ لأن تدوين الفقه لا يمنع الاجتهاد، والحياة تولد من المستجدات مما يعطي القاضي المجتهد مجالا واسعا في تبني أحكام جديدة لها، ويكفيه أن يجتهد في ملابسات القضية المعروضة عليه، ويعينه على الاجتهاد في القضايا الأخرى اللجان المختصة لوضع القوانين، كما أن للأحكام المقننة مذكرات إيضاحية وشروحا ولا يستغني واضعو هذه المذكرات والشروح عن كتب الفقه.
    وفيما تأتي خطوة تقنين الأحكام الشرعية، مدعومة بآراء كثيرة من علماء معتبرين وأعضاء مجلس الشورى السعودي، والتي تنادي بإصدار قانون جنائي مكتوب، ترى الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، أهمية قصوى لضرورة مراجعة بعض التطبيقات القضائية المعمول بها، وبخاصة فيما يتعلق بموضوع الكفاية في الزواج، وتقنين الأحكام الشرعية الإسلامية الخاصة بالأسرة، وهي الموضوعات التي ستكون محل اهتمام الهيئة العلمية العليا بعد تشكيلها.
    ويتفق مؤيدو التقنين، مع معارضيه، بأنه لا يخلو من المفاسد. لكنهم ينظرون أن المصالح العامة التي يحققها التقنين والتي تعود على الضروريات الخمس بالعناية والرعاية والحفظ -كما مر في أدلة هذا القول- كل ذلك يدعو إلى التغاضي عن هذه المآخذ تطبيقا للقاعدة القائلة: «إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما».
    ويرى مؤيدو التقنين، أن ترك القضاة يحكمون بما يصل إليه اجتهادهم يؤدي إلى فوضى واختلاف في الأحكام للقضية الواحدة، مستندين الى وقوع اختلاف بين محكمتي التمييز في الرياض ومكة المكرمة، وهو الأمر الذي خشوا من خلاله إلى أن يسهم في هدر الثقة بالمحاكم الشرعية، معتقدين أن في التقنين توحيدا للأحكام في الدولة ببيان الراجح الذي يحكم به.
    وفيما يستمر الجدل قائما بين مؤيدي التقنين ومعارضيه، يؤكد الشيخ الجرعي، على وجاهة أكثر الأدلة التي استند إليها المؤيدون، والتعليلات التي استدلوا بها.
    وقال الجرعي، إن ما استجد في واقعنا المعاصر من ظروف، تقتضي إعادة النظر في النظام القضائي، ليكون هذا النظام أكثر ضبطا، ووضوحا بالنسبة للقاضي أو المتقاضي، وكذلك فإن احتكاك بلدنا ببقية بلدان العالم، خاصة مع الانفتاح العالمي على غيرنا، مما يستدعي كتابة المواد التي يتقاضى إليها. خاصة أن غيرنا سيطالبنا بها إذا أردنا أن نقاضيه إلى شرعنا، فلا يمكن أن نحيله إلى مجموعة من كتب الفقه المذهبي أو المقارن.
    ويعتقد الباحث الشرعي، أنه في حال عدم القبول بتقنين الأحكام، فإن الواقع لن يتعدى خيارين لا ثالث لهما، وهما على حد قوله فإما أن تفوت علينا مصالح لا نستغني عنها، وإما أن نتحاكم إلى قوانين ليس لها علاقة بالشريعة الإسلامية.
    المرجع :
    http://archive.aawsat.com/details.asp?issueno=10626&article=483069

    ردحذف

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..