بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
يا أيُّها الذينَ آمنوا اتَّقوا اللّه حقَّ تُقاتِه ولا تَموتُنَّ إلا وأنتُم مُسلمونَ آل عمران: 102.يا أيها الناس اتَّقوا ربكم الذي خَلَقَكُم من نفسٍ واحدةٍ وخلقَ منها زوجَها وبَثَّ منهُما رِجالاً كثيراً ونساءً واتَّقوا الله الذي تساءَلونَ به والأرْحامَ إِنَّ اللّه كانَ عليكم رَقيباً النساء:1. يا أيها الذينَ آمنوا اتَقوا اللّه وقولوا قولاً سَديداً. يُصْلحْ لكُم أعْمالَكم ويَغْفِرْ لكم ذُنوبكم ومَن يُطِع اللّه ورَسولَه فقد فازَ فوزاً عَظيماً الأحزاب:70- 71.
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار0
وبعد فقد أهتم الفقهاء بالقواعد الفقهية لما فيها من سهولة العلم والإحاطة بأحكام الفروع دون حفظها ولإلمام بمدلولاتها دون جمعها ولما يترتب عليها من انتظام الكليات للجزئيات ولولا القواعد الفقهية لكانت الأحكام الفقهية فروعاً متناثرة تتناقض في ظواهرها وإن اتفقت في مدلول بواطنها* وحاصل ذلك أن العلم شجرة تثمر0
كل قول حسن وعمل صالح والجهل شجرة تثمر كل قول وعمل خبيث وإذا كان العلم بهذه المثابة فينبغي للإنسان أن يحرص كل الحرص على تحصيله ويجتهد ويبدأ بالأهم فالأهم منه ومن أهمه معرفة أصوله وقواعده التي ترجع مسائله إليها فلهذا قلت:
* المدخل للفقه الإسلامي (ص227) د_عبد الله الدرعان بواسطة التحقيقات و التنقيحات السلفيات على متن الورقات للعلامة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله تعالى0
وهذا لأن معرفة القواعد من أقوى الأسباب لتسهيل العلم وفهمه وحفظه لجمعها المسائل المتفرقة بكلام جامع*
وعليه فهذه بعض القواعد الفقهية والأصولية جمعتها من كتاب تيسير العلام شرح عمدة الأحكام لفضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح البسام رحمه الله تعالى في أثناء قراءتي للكتاب وقد أردفت كل قاعدة ذكرها الشيخ رحمه الله تعالى بدليلها التي ُذكرت تحته في الكتاب فإذا كانت العلاقة بين القاعدة والدليل واضحة أكتفي بذكرهما فقط وإن كانت غير واضحة ذكرت شيئا من شرح الشيخ حتى يتضح المراد وقد يتخلل تلك القواعد بعض الضوابط لكن الحكم للغالب كما هو معلوم0
وقد مهدت قبل الشروع بذكر القواعد بذكر الفروق بين كلا من القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية والضابط الفقهي وذلك لاشتراكهما بأمر جامع وهو أن كلا منهم يجمع فروعا أو جزئيات مختلفة وسبب هذا الجمع وهو ذكر القاعدة مع التدليل هو التعود على التطبيق العملي للقواعد التي تمر بنا سواء كانت تلك القواعد فقهية أو أصولية لأن العبرة بدليل القاعدة من الكتاب والسنة والعمل بها0 وفق مراد الشارع الكريم**لا حفظ القواعد مجردة عن معرفة الدليل والعمل بها وذلك"أن مؤلفات علم الأصول اهتمت بالجانب النظري دون التطبيقي في الغالب بمعنى أنهم يهتمون بتقرير القاعدة الأصولية ودفع الاعتراضات الواردة عليها دون الاهتمام بالأمثلة التي توضح القاعدة وتبين كيفية استخدامها بحيث ترتبط القاعدة الأصولية بنصوص الشارع ارتباطاً قوياً"***
فان ذكر القواعد مع دليلها من الكتاب والسنة هو مدعاة لحفظها والعمل بها0 جميعا إذ هو مقصود العلماء من استخراجها من النصوص الشرعية وتقعيدها وتقنينها وضبطها بهذا الشكل البديع الذي انتهت به الآن حتى أصبحت علماً مستقلاً من علوم الشريعة الغراء0وقد قمت بتقسيمه إلى ثلاثة: فصول كالتالي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* القواعد الفقهية للسعدي0
** قال:ابن القيم رحمه الله تعالى:"أعلى الهمم في طلب العلم طلب علم الكتاب والسنة والفهم عن الله ورسوله نفس المراد وعلم حدود المنزل وأخس همم طلاب العلم من قصر همته على تتبع شواذ المسائل وما لم ينزل ولا هو واقع ! أو كانت همته معرفة الاختلاف وتتبع أقوال الناس !وليس له همة إلى معرفة الصحيح من تلك الأقوال وقل أن ينتفع واحد من هؤلاء بعلمه " فوائد الفوائد ص 204 ط دار ابن الجوزي بتحقيق شيخنا علي الحلبي حفظه الله تعالى0
*** شرح الورقات لعبد لله الفوزان ص3 0
المبحث الأول: تعريف القاعدة لغةً واصطلاحاً:
تفيد مادة قعد (القاف_ والعين_ والدال_) معنى الاستقرار والثبات قال:ابن فارس (ت395هـ):القاف والعين والدال أصل مطرد منقاس لا يُخلف0 وهو يضاهي الجلوس وإن كان يُتكلم في مواضع لا يتكلم فيها بالجلوس0*والقاعدة:لغةً :مأخوذة من القعود وهو في الأصل نقيض القيام وهوالجلوس0
والقاعدة :أصل الأُس, والقواعد الأُسس وقواعد البيت أساسه, وقد جاء في القرآن (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة127) وقوله تعالى:(قد مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) (النحل 26)
قال:الزجاج:القواعد أساطين البناء التي تعمده0
وفي الاصطلاح: هي قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها0**وهي :أيضاً بمعنى الضابط وهي الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئياته0***
والقاعدة من البناء أساسه والضابط أو الأمر الكلي ينطبق على جزئيات مثل"كل أذون ولود وكل صموخ بيوض"****0وقيل هي:حكم كلي ينطبق على جميع جزئياته لنتعرف أحكامها منه0*****
وقيل:هي الأمر الكلي المنطبق على الجزئيات لتعرف أحكامها منه0******وقيل:حكم أكثري لا كلي ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامها منه0*******وقيل:أصل فقهي كلي,يتضمن أحكاماً تشريعية عامة من أبواب متعددة في القضايا التي تدخل تحت موضوعه0********
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
* معجم مقاييس اللغة (5_108) وانظر ص 14القواعد الفقهية يعقوب عبد الوهاب الباحسين0
** التعريفات للجرجاني ص219
*** المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي لمؤلف : أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي(ج2_510)
**** المعجم الوسيط ـ المؤلف / إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار دار النشر : دار الدعوة تحقيق / مجمع اللغة العربية عدد الأجزاء / 2(باب القاف ج2_ص748)
***** مختصر من قواعد العلائي وكلام الأسنوي(1|60)
****** الضياء اللامع (1|122)
******* غمز عيون البصائر(1|51)
******** انظر الأشباه والنظائر للسيوطي مقدمة المحققان ص18
وتعدد هذه التعريفات راجع إلى اختلاف العلماء في تعريفها "ومن هذه التعريفات يتبين أن بعض العلماء اعتبر القواعد حكماً أكثرياً وذلك لأن أغلب القواعد لا تخلو من شواذ عنها واستثناءات منها بينما أعتبرها آخرون حكما كلياً,لأن الحكم للغالب ,والشاذ لا حكم له0
والتعريف الذي يبدو لي أنه الأصح هو: "أن يقال: إن القاعدة هي حكم كلي ينطبق على جزئيات كثيرة تفهم أحكامها منه ,أي تفهم أحكام الجزئيات من ذلك الحكم الكلي والحكم الكلي هنا يعني:الحكم الشامل ,والشمول أمر نسبي ,فقد يكون لجميع الأفراد دون استثناء وقد يكون لعامتها وأغلبها فيكون الحكم للأغلب"*
قال:الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله تعالى: "القاعدة الفقهية: يراد بها حكم كلي فقهي ينطبق على جزئيات عديدة من أبواب مختلفة، فقيل: حكم؛ لأن الحكم يراد به إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه، في القاعدة الفقهية إثبات، أو نفي، وقيل: كلي؛ لإبعاد الأحكام الجزئية أحكام الفقه الخاصة بمسألة واحدة، فهذه ليست من القواعد الفقهية0وقيل: فقهي لإخراج القواعد الكلية الواردة في العلوم الأخرى مثل قواعد النحو وقواعد الحساب- الفاعل مرفوع، والاثنان مع الاثنين يكون أربعة، ونحو ذلك.
وقيل:ينطبق على جزئيات عديدة لأن هذا هو المراد بالقاعدة، وقيل:من أبواب متعددة لإخراج الضابط الفقهي وقيل في التعريف: كلي، ولم يقل: أغلبي مع أن كثيرا من القواعد الفقهية لها مستثنيات بسبب أن لفظ القاعدة في ذاته كلي وإنما الأغلبية بحسب الجزئيات الداخلة في القاعدة،فعندما أقول: المشقة تجلب التيسير، المشقة هذا حكم كلي، وليس حكما جزئيا، فلم أقل: أغلب المشقة تجلب التيسير وكون بعض الفروع لا يدخل في القاعدة ليس معناه أن حكم القاعدة في ذاته ليس حكما كليا، بل هو حكم كلي"** قال:أبو بكر بن أبي القاسم الأهدل في نظمه للأشباه والنظائر في فقه السادة الشافعية:
* القواعد الفقهية الخمس الكبرى والقواعد المندرجة تحتها جمع ودراسة من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية إعداد الدكتور إسماعيل بن حسن بن محمد علوان ص20 رسالة دكتوراه
** شرح المنظومة السعدية في القواعد الفقهية ص15
*** ينظر الفوائد الجنية حاشية المواهب السنية شرح الفرائد البهية في نظم القواعد الفقهية في الأشباه والنظائر الشافعية ص15
المبحث الثاني: تعريف الضابط لغةً واصطلاحاً:
الضابط لغة: اسم فاعل من ضَبَطَ، والضبط لزوم الشيء وحسبه، وضَبْطُ الشيء حفظه بالحزم والرجل ضابط أي حازم*والضبط إحكام الشيء وإتقانه وضبط الكتاب ونحوه أصلح خلله وللضابط معان أخرى ولكن أغلب معانيه لا تعدو الحصر والحبس والقوة وستبدو عند ذكر المعنى الاصطلاحي للضابط علاقة ذلك بالمعنى اللغوي لأن الضابط يحصر ويحبس الفروع التي تدخل في إطاره0**
وأما في الاصطلاح: فيمكن تعريفه بأنه حكم أغلبي يتعرف منه أحكام الجزئيان الفقهية المتعلقة بباب واحد من أبواب الفقه مباشرة، فهو يشترك في معناه الاصطلاحي مع القاعدة الفقهية في أن كلا منهما يجمع جزئيات متعددة يربط بينها رابط فقهي***
وعرفه السبكي :"فيما اختص بباب ، وقصد به نظم صورة متشابه أن يسمى ضابطاً"****وقيل"الضابط يجمع الفروع من باب واحد"***** وذهب بعض أهل العلم لعدم التفريق بينهما لقوة العلاقة بينهما والراجح الأول لظهور الفرق بينهما من أن القاعدة أعم من الضابط والضابط أخص منها وأن القاعدة تجمع جزئيات من أبواب متفرقة وأن الضابط يجمعها من باب واحد كما تقدم0
المبحث الثالث: تعريف الفقه لغةً واصطلاحاً:
الْفِقْهُ لُغَةً :"الْفَهْمُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ مَا ظَهَرَ أَوْ خَفِيَ وَهَذَا ظَاهِرُ عِبَارَةِ "الْقَامُوسِ" وَ"الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
* انظر الصحاح 3/1139، ولسان العرب 8/15-16 (ضبط)
** القواعد الفقهية يعقوب عبد الوهاب الباحسين ص58
*** القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسيرص17
****ينظر الأشباه والنظائر للسبكي – المقدمة
***** ابن نجيم الأشباه والنظائر ص 192
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْمِ شُعَيْبٍ:{ قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ}[هود 91] وقَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء 44] فَالآيَتَانِ تَدُلانِ عَلَى نَفْيِ الْفَهْمِ مُطْلَقًا وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ الْفِقْهَ لُغَةً هُوَ فَهْمُ الشَّيْءِ الدَّقِيق يُقَالُ :فَقِهْت كَلامَك أَيْ مَا يَرْمِي إلَيْهِ مِنْ أَغْرَاضٍ وَأَسْرَارٍ وَلا يُقَالُ فَقِهْت السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْمُتَتَبِّعُ لآيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ يُدْرِكُ أَنَّ لَفْظَ الْفِقْهِ لَا يَأْتِي إلا لِلدّلالَةِ عَلَى إدْرَاكِ الشَّيْءِ الدَّقِيقِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} [الأنعام 98]
وَأَمَّا الآيَتَانِ السَّابِقَتَانِ فَلَيْسَ الْمَنْفِيُّ فِيهِمَا مُطْلَقَ الْفَهْمِ ، وَإِنَّمَا الْمَنْفِيُّ فِي قَوْلِ قَوْمِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ إدْرَاكُ أَسْرَارِ دَعْوَتِهِ وَإِلا فَهُمْ فَاهِمُونَ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ:وَالْمَنْفِيُّ فِي آيَةِ الإِسْرَاءِ إدْرَاكُ أَسْرَارِ تَسْبِيحِ كُلِّ شَيْءٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِلا فَإِنَّ أَبْسَطَ الْعُقُولِ تُدْرِكُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُسَبِّحُ بِحَمْدِ اللَّهِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لأَنَّهَا مُسَخَّرَةٌ لَهُ وَأَيًّا مَا كَانَ فَاَلَّذِي يَعْنِينَا إنَّمَا هُوَ مَعْنَى الْفِقْهِ فِي اصْطِلاحِ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ لأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَتَّصِلُ بِبَحْثِنَا"* وهو:الفهم والفِطْنَة ومنه قوله تعالى: {وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] وقوله:{قَالُوا يا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} [هود: 91] . بمعنى لا نفهم.وهو العلم بالشيء والفهم له،والفطنة، وغلب على علم الدين لسيادته، وشرفه، وفضله على سائر أنواع العلم"**
واصطلاحاً: معرفة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية بالاستدلال"
وقيل: معرفة أحكام الله العَقَديَّة والعَمَليَّة.
فالفقه في الشَّرع ليس خاصاً بأفعال المكلَّفين، أو بالأحكام العمليَّة، بل يشمل حتى الأحكام العَقَديَّة، حتى إن بعضَ أهل العلم يقولون: إِن عِلمَ العقيدة هو الفقهُ الأكبرُ. وهذا حَقٌّ، لأنك لا تتعبَّد للمعبود إلا بعد معرفة توحيده بربوبيّته وألوهيّتِه وأسمائه وصفاته وإلا فكيف تتعبَّد لمجهول؟! ولذلك كان الأساسُ الأولُ هو التَّوحيدَ، وحُقَّ أن يُسمَّى بالفقه الأكبر لكنَّ مرادَ المؤلِّف هنا: الفقه الاصطلاحي وهو: معرفة الأحكام العمليَّة بأدلتها التفصيلِيَّة"***
وقد قيل:"وإذا جمع المتعلم ثلاث خصال فقد تمت النعمة على المعلم.(العقل والأدب وحسن الفهم)
قوله:(على التفهم) هو تفسير للتفقه وهو أخذ الفقه شيئا فشيئا يقال : فقه إذا فهم وزنا ومعنى وفقه إذا سبق إلى الفهم وزنا ومعنى أيضا وفقه بالضم صار الفقه سجية له وهذا معنى الفقه لغة0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
* لسان المحدثين"مُعجم يُعنى بشرح مصطلحات المحدثين القديمة والحديثة ورموزهم وإشاراتهم وشرحِ جملة من مشكل عباراتهم وغريب تراكيبهم ونادر أساليبهم"المؤلف:محمد خلف سلامة(ج4_ص118)
**) انظر:لسان العرب لجمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، 13 / 522، مادة « فقه»والقاموس المحيط، للفيروز آبادي، (ص 1614 ).
*** الشرح الممتع(ج1_ص15) ط ابن الجوزي
وأما اصطلاحا: فهو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية , وموضوعه أفعال المكلفين واستمداده من الكتاب والسنة وغايته تكميل القوى النطقية والشهوية والغضبية المرتب عليها أبواب الفقه والفوز بالسعادة الأبدية"*
ويحسن في تعريف الفقه أن نختم بما قاله: ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى:في كلامه عليه حيث: قال:"واعلم: أنه بدلت ألفاظ وحرفت، ونُقلت إلى معان لم يردها السلف الصالح فمن ذلك:الفقه، فإنهم تصرفوا فيه بالتخصيص، فخصوه بمعرفة الفروع وعللها ولقد كان اسم الفقه فى العصر الأول منطلقاً على علم طريق الآخرة، ومعرفة دقائق آفات النفوس، ومفسدات الأعمال، وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا، وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة واستيلاء الخوف على القلب ولذلك قال: الحسن رحمه الله : إنما الفقيه الزاهد فى الدنيا الراغب فى الآخرة البصير بدينه، المداوم على عبادة ربه الوَرِع الكافُّ عن أعراض المسلمين، العفيف عن أموالهم، الناصح لهم .فكان إطلاقهم اسم الفقه على علم الآخرة أكثر، لأنه لم يكن متناولاً للفتاوى، ولكن كان متناولاً لذلك بطريق العموم والشمول، فثار من هذا التخصيص تلبيس بعث الناس على التجرد لعلم الفتاوى الظاهرة، والإِعراض عن علم المعاملة للآخرة"**
لكل من علم "الفقه" وعلم "أصول الفقه" قواعده على الرغم من وجود الارتباط الجذري الوثيق بينهما بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر***0
وهناك فوارق رئيسية بينهما:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* حاشيتان. قليوبي: على شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين شهاب الدين أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي(ج1_ص6)
** مختصر منهاج القاصدين ص35
*** انظر الأشباه والنظائر للسيوطي مقدمة المحقق ص20
الأمر الأول: "أن القاعدة الأصولية توجد أولا ثم يستخرج الحكم الفقهي، ثم بعد ذلك تجمع الأحكام الفقهية المتشابهة، فيؤلف منها قاعدة فقهية.
الفرق الثاني: أن القاعدة الأصولية لا يمكن أن يؤخذ منها الحكم الفقهي مباشرة، بل لا بد أن يكون معها دليل تفصيلي، مثال ذلك قاعدة الأمر للوجوب، هل تأخذ منها وجوب أي فعل من الأفعال؟ لا يمكن حتى تضيف إليها دليلا تفصيليا مثل قوله:{أَقِيمُوا الصَّلَاةَ }
و من الفروق بينهما القاعدة الفقهية يمكن أن نأخذ منها حكما مباشرة مثال ذلك: قاعدة الأمور بمقاصدها، نأخذ منها أن النية واجبة للصلاة وللوضوء، هذه قاعدة فقهية أخذنا منها الحكم مباشرة"*
و"يتبين لنا أن كلاً من قواعد الفقه وقواعد أصول الفقه هي قضايا كلية يندرج تحتها مسائل جزئية وهذا من نقاط التشابه بين العلمين ويمكن تلخيص ما يختلف فيه علم قواعد الأصول عن علم قواعد الفقهية في النقاط التالية:
1 _أن علم الأصول يندرج تحته جملة من الأدلة الإجمالية التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها0أما علم القواعد فهو مجموعة الأحكام الفقهية المتشابهة التي ترجع إلى حديث نبوي يجمعها أو إلى ضابط فقهي ينظمها أو إلى قياس واحد يربطها0
2 _ أن قواعد علم الأصول مطردة فلا يكاد يكون لإحداها أي مستثنى0أما قواعد الفقه فتكثر فيها الاستثناءات بل لا يكاد يخلو كثير منها من الاستثناء منها0
3 _أن القواعد الأصولية ناشئة في أغلبها من الألفاظ العربية وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح نحو :الأمر للوجوب 0والنهي للتحريم0أما القواعد الفقهية فناشئة عن الأحكام والمسائل الشرعية المتشابهة"**
4_ أن القواعد الأصولية هي وسيلة لاستنباط الأحكام الشرعية العلمية, وبذا تنفصل القواعد الفقهية عنها, لأنها عبارة عن مجموع الأحكام المتشابهة التي ترجع إلى علة واحدة تجمعها أو ضابط فقهي يحيط بها, والغرض منها تقريب المسائل الفقهية وتسهيلها0***
ومن الخصائص التي تتميز بها القواعد الفقهية عن قواعد أصول الفقه مايلي:1_ الحفظ والضبط للمسائل الكثيرة المتناظرة, بحيث تكون القاعدة وسيلة لمعرفة الأحكام المندرجة تحتها0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
* شرح المنظومة السعدية في القواعد الفقهية ص13
** أنظر القواعد الفقهية للوائلي ص13والفروق للقرافي(1|2_3) بواسطة القواعد الفقهية الخمس الكبرى والقواعد المندرجة تحتها ص31
*** الأشباه والنظائر للسيوطي مقدمة المحقق ص20
2_ الدلالة على أن الأحكام المتحدة العلة مع اختلافها مُحقّقة لجنس واحد من العلل ومُحقّقة لجنس واحد من المصالح0
3_ أنها تخدم المقاصد الشرعية العامة والخاصة,وتُمهّد الطريق للوصول إلى أسرار الأحكام وحكمها0
وتجدر الإشارة في ختام هذا الموضوع إلى أمر هام, وهو أن بعض القواعد قد تجدها متداخلة أو متراوحة بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية,وذلك راجع إلى اختلاف النظر إلى القاعدة فإذا نُظر إليها باعتبار موضوعها دليلاً شرعياً:كانت قاعدة أصولية,وإذا نُظر إليها باعتبارها فعلاً للمكلف: كانت قاعدة فقهية مثل "سد الذرائع" إذا قيل:كل مباح أدى فعله إلى حرام فهو حرام _سداً للذريعة_ كانت القاعدة فقهية0 وإذا قيل:الدليل المثبت للحرام مثبت لتحريم ما أدى إليه كانت القاعدة أصولية*0
قال:القَرافي" مقدمة في فائدتين الأولى اعلم أن الشريعة المعظمة المحمدية قد اشتملت على أصول قسمان: أحدهما المسمى بأصول الفقه وهو غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح ونحو الأمر للوجوب والنهي للتحريم والصيغة الخاصة للعموم ونحو ذلك وما خرج عن هذا النمط إلا كون القياس حجة وخبر الواحد وصفات المجتهدين0
والقسم الثاني: قواعد كلية فقهية جليلة كثيرة العدد عظيمة المدد مشتملة على أسرار الشرع وحكمه لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال فبقي تفصيله لم يتحصل0
وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف ويظهر رونق الفقه ويعرف وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف فيها تنافس العلماء وتفاضل الفضلاء وبرز القارح على الجذع وحاز قصب السبق من فيها برع ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه الفروع واختلفت وتزلزلت خواطره فيها واضطربت وضاقت نفسه لذلك وقنطت واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى وانتهى العمر ولم تقض نفسه من طلب مناها0 ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات واتحد عنده ما تناقض عند غيره"**
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
* انظر الأشباه والنظائر للسيوطي مقدمة التحقيق ص21
** الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق للقرافي (ج1_ص6)
المبحث الثاني:الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي:
تختلف القواعد الفقهية عما يسمى بالضوابط الفقهية فإن مجال الضابط الفقهي أضيق من مجال القاعدة الفقهية إذ إن نطاقه لا يتخطى الموضوع الفقهي الواحد الذي يرجع إليه بعضُ مسائله0*
قال:الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله تعالى:" الضوابط الفقهية تكون خاصة بباب واحد؛ مثال ذلك: قاعدة أن ما جاز في الفريضة من الصلوات جاز في النفل فهذا ضابط فقهي متعلق بالأبواب- أبواب النوافل نوافل الصلوات ومثله ضابط كل زوج يلاعن فهذا ضابط فقهي يختص بباب واحد0
الفرق الثاني بين القاعدة الفقهية والضابط: أن القاعدة الفقهية فيها إشارة لمأخذ الحكم ودليل الحكم0 فقولنا: الأمور بمقاصدها فيه إشارة لمأخذ الحكم وهو الدليل الوارد في ذلك إنما الأعمال بالنيات كما رواه الشيخان من حديث عمر بن الخطاب، بينما الضابط الفقهي لا يشير إلى مأخذ المسألة ودليلها"**
ويفرق بينهما: بأن القاعدة أعمُّ من الضابط فالقاعدة تجمع فروعاً من أبواب متعددة أما الضابط فيجمع فروعاً من باب واحد وعلى هذا فإن القواعد الفقهية مختلفة عن الضوابط الفقهية فالضابط الفقهي أضيق من مجال القاعدة الفقهية، فنطاق الضابط لا يتعدى الموضوع الفقهي الواحد الذي يرجع إليه بعض مسائله.وإن عدداً من الأصوليين والفقهاء قد أشاروا إلى ذلك ونبهوا عليه0
ومن ذلك ما ذكره"ابن نجيم"في الفن الثاني من الأشباه و النظائرفقال:"القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى، والضابط يجمعها من باب واحد، هذا هو الأصل"***وكذا أبو البقاء الكفوي يميل إلى هذا التعريف إذ يقول في الكليات: "والضابط يجمع فروعاً من باب واحد"****0*****ومن الملاحظ أن القواعد أكثر شذوذاً من الضوابط , لأن الضوابط تضبط موضوعاً واحداً, فلا يتسامح فيها بشذوذ كثير0
ويلاحظ أيضاً أن هذا التفريق لم يكن موضع اعتبار لدى كثير من المؤلفين في علم القواعد الفقهية, فإنهم أطلقوا على ما جمع من أحكام في باب واحد أو أبواب مختلف عنوان"القاعدة"وأحياناً عنوان"الكليات"أو"الأصول"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
* انظر الأشباه والنظائر للسيوطي مقدمة المحققين ص22
** شرح المنظومة السعدية في القواعد الفقهية ص13
*** ينظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم في أعلى صفحة غمز عيون الصائر2/5، وغمز عيون البصائر على محاسن الأشباه والنظائر للحموي (1/31.).
**** الكليات لأبي البقاء/ 48 /.)
***** انظر دراسة وتحقيق عُمْدَةُ النَّاظِر على الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ ص28
وليس أدل على ذلك مما نلحظه في كتب الفقه أنهم يطلقون كلمة"قاعدة" في بعض المواضع على فرع مخصوص من الفروع وكذلك إطلاق"القاعدة"على الضابط أمر شائع مطرد في المصادر الفقهية وكتب القواعد*
المبحث الثالث: تعريف القواعد الفقهية باعتبارها علماً:
هي: حكم كلي مصوغ في ألفاظ موجزة غالباً ينطبق على جميع جزئياتها أو أغلبها في أبواب متعددة لتعرف أحكامها منه والغالب على القواعد الفقهية أنها تتميز بألفاظها الموجزة كقولنا قاعدة _الضرر يزال_ وقاعدة _المشقة تجلب التيسير_ ونحو ذلك0**
قال: الشيخ سعد الشثري حفظه الله تعالى" القاعدة الفقهية يراد بها حكم كلي فقهي ينطبق على جزئيات عديدة من أبواب مختلفة***" وقيل في تعريفها حكم كلي فقهي أو: قضية كلية فقهية. أو: حكم عام0
فقولنا: حكم, الحكم هو: إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه. وأما في الاصطلاح: فهو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو وضعا. ووصف القاعدة بأنها حكم معناه أن فيها إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه، فما من قاعدة إلا فيها إثبات شيء لشيء أو نفيه عنه.وقولنا: كلي يخرج الجزئي, و الكلي هو ما يشمل أنوعا كثيرة، وأما الجزئي فهو الذي لا يتناول إلا شخصا معينا أو نوعا معينا.وأما قولنا: فقهي، فهو وصف لهذا الحكم؛ لأنه متعلق بعلم الفقه.
ومن خلال هذا التعريف نفهم أن القاعدة الفقهية يراد بها وضع تصور كلي لمسألة معينة, وهذا كافٍ في معرفة القاعدة الفقهية؛ لأن من يستمع لهذا التعريف يستطيع أن يتعرف على القاعدة الفقهية، ويعرف مرادنا بها"****
المبحث الرابع:ذكر القواعد الخمس الكبرى بإيجاز:
ونذكر القواعد الخمس الكبرى التي تدور عليها غالب الأحكام الفقهية مع ذكر أهم القواعد التي تندرج تحتها بشكل موجز0
1_(الأمور بمقاصدها) وتحتها ثلاث قواعد:
أ_ لا ثواب إلا بنية
ب _العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني
ج_ مقاصد اللفظ على نية اللفظ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* انظر الأشباه والنظائر للسيوطي مقدمة التحقيق ص23
** المصدر السابق ص24 بتصرف يسير
*** تقدم قريبا
**** دورة القواعد الفقهية إعداد: الشيخ د.عبد السلام بن إبراهيم الحصين حفظه الله ص3
2_(ا ليقين لا يزول بالشك) وتحتها قاعدتان:
أ_الأصل بقاء ما كان على ما كان
ب_الأصل في الأشياء الإباحة
3_(المشقة تجلب التيسير) وتحتها ثلاث قواعد
أ_الضرورات تبيح المحظورات
ب_ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها
ج_الحاجة تنزل منزلة الضرورة
4_(الضرر يزال) وتحتها أربع قواعد:
أ_الضرر لا يزال بالضرر
ب_درء المفاسد أولى من جلب المصالح
ج_إذا تعارضت المصالح والمفاسد قدم الأرجح منهما على المرجوح
د_إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهم
5_(العادة محكمة)ويتفرع عنها قاعدتان
أ_ ما لم يُبيِّن الشارع فمُراده ما يعرفه الناس
ب_ ما لم يرد الشرع بتقديره فالمرجع فيه إلى العرف*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* انظر القواعد الفقهية الخمس الكبرى ص10_والقواعد الفقهية من خلال كتاب المغني ص207
وقبل الشروع في ذكر القواعد الواردة في الكتاب لابد من ذكر شيء في أهمية القواعد الفقهية ومما ذكره العلماء في أهمية القواعد ما قاله: القرافي" وهذه القواعد مهمة في الفقه ، عظيمة النفع ، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف ، ويظهر رونق الفقه ويعرف ، وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف ... ، ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات ، لاندراجها في الكليات ، واتحد عنده ما تناقص عند غيره وتناسب"*
وما قاله:الإمام السيوطي رحمه الله تعالى:"اعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم ، به يطلع على حقائق الفقه ومداركه ومآخذه وأسراره ويتمهر في فهمه واستحضاره ، ويقتدر على الإلحاق والتخريج ، ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة ، والحوادث والوقائع التي لا تنقضي على ممر الزمان ، ولهذا قال بعض أصحابنا : الفقه معرفة النظائر0وقد وجدت لذلك أصلا ثم ساق بسنده فذكر كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم إذا (أدني)**إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له لا يمنعك قضاء قضيته راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب والسنة اعرف الأمثال والأشباه ثم قس الأمور عندك فاعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى"***
قال:الشيخ عبد السلام بن إبراهيم الحصين حفظه الله تعالى: لعلي أشير باختصار إلى ثلاث فوائد هي كالأمور الكلية لأهمية القواعد الفقهية:
1_ضبط المسائل الفقهية واستحضارها في الذهن؛ وذلك أن القاعدة تعطي تصورًا مجملا كليا للفروع المندرجة تحتها فإذا فهمت القاعدة وأتقنتها حصل لك تصور كلي للفروع التي يمكن أن تندرج تحتها, وضبط الفروع الفقهية متعذر لكن ضبط هذه القواعد ممكن؛ لأنها ألفاظ مختصرة وتشمل معاني كلية، ولكن هذا لا يعني أننا إذا عرفنا هذه القاعدة استغنينا بذلك عن دراسة الفروع الفقهية, فبعض الناس يظن أنه إذا أتقن القواعد الفقهية فليس بحاجة إلى دراسة الفقه، وهذا ليس بصحيح؛ لأن القاعدة تحتاج لكي تثبت في الذهن و تتسع دائرة معرفتك بها أن يكون عندك عدد من الفروع الفقهية, وكلما استكثرت من الفروع الفقهية كلما ازداد فقهك بالقاعدة ومعرفتك بصور تطبيقها فأنت كلما تصورت النظائر والفروع قويت معرفتك بالقاعدة الفقهية التي تندرج تحتها هذه الفروع وتتفرع (عن) هذه الفائدة فائدة أخرى:
وهي أن الفروع الفقهية المتناثرة تجتمع عندك بطريقة أخرى, فنحن نعرف أن الفقه مقسم على أبواب؛ كالطهارة ثم الصلاة ثم الصيام إلخ, فحينما تضبط القواعد الفقهية تعود مرة أخرى لتنظّم ترتيب الفروع الفقهية بناء على هذه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الفروق للقرافي ( 1/3 )
** هكذا في نسخة دار الكتب العلمية وفي نسخة دار السلام ص58 (أدلي) وهي نسخة جيدة حققت على مخطوطتين كاملتين كما أشار إلى ذلك المحققان0
***) الأشباه والنظائر للسيوطي ص06
القاعدة؛ فأنت إذا عرفت قاعدة العادة محكّمة؛ فإن هذه القاعدة تكون في ذهنك مثل الباب المتعلق بالعوائد -يعني بالعادات- فيندرج تحتها فروع في الطهارة وفروع في الصلاة وفروع في الصيام وفروع في المعاملات المالية وفروع في القضاء, فالفروع الفقهية المتناثرة بين أبواب فقهية متعددة تتبلور في ذهنك وتجتمع في صورة قاعدة كلية، وهذا لا شك يعين على ضبط الفروع الفقهية، ويعين على الفائدة الثانية وهي:
2_التعرف على مقاصد الشريعة وعلل الأحكام ومآخذها, فالقاعدة في الغالب تشتمل على معنى كلي، وتشتمل على علة، وتشتمل على مقصد من مقاصد الشريعة، هذا في الغالب ولا يلزم من ذلك أن تكون القاعدة كذلك, ومن أمثلة ذلك: المشقة تجلب التيسر, وقاعدة لا ضرر ولا ضرار، وقاعدة سد الذرائع، أو قاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد, وإذا فهم الإنسان مقاصد الشارع وحِكَمه ومآخذه حصلت له ملكة فقهية جيدة.
3- القدرة على استنباط الأحكام الشرعية، ومعرفة مآخذ الفقهاء في إصدارهم للأحكام، وهذا لا يتيسر إلا بفهم القاعدة فهمًا صحيحًا، ومعرفة حدودها وضوابطها وشروطها، ثم بعد ذلك تنزيلها على الواقع الذي تريد أن تحكم فيه, وسأعود مرة أخرى في الفقرة الرابعة لأضرب مثالًا على هذه القضية*
فالقواعد الفقهية تدل على تناسق الأحكام الشرعية، ووضوح مآخذها، وكشف آفاقها**فهي تضبط للفقيه أصول المذهب وتطلعه من مآخذ الفقه على نهاية المطلب وتنظم عقده المنثور في سلك وتستخرج له ما يدخل تحت ملك أصلتها لتكون ذخيرة عند الاتفاق وفرعت عليها من الفروع ما يليق بتأصيلها على الخلاف والوفاق0***
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* دورة القواعد الفقهية إعداد: الشيخ د.عبد السلام بن إبراهيم الحصين حفظه الله ص4 أشرطة مفرغة0
** ينظر دراسة وتحقيق عُمْدَةُ النَّاظِر على الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ(ج1_ص28)
*** المنثور في القواعد للزركشي(ج1_ص66)
ويمكن أجمال أهميتها بما يلي:
1_ضبط الفروع الجزئية المتناثرة، والاستغناء عن حفظها، وسهولة معرفة أحكامها والإلمام بها؛ لأن الإحاطة بالجزئيات غير ممكن لكونها لا تتناهى، مع سرعة نسيانها وعدم ثباتها في الذهن. ولهذا قال القَرافي: "ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات؛ لاندراجها في الكليات"
2_ إن معرفة القواعد الفقهية تجعل الدارس يطلع على أسرار الشريعة، ومدارك الأحكام، ومآخذ المسائل الفقهية.
3- إن الإلمام بالقواعد الفقهية يعين على فهم المسائل، واستحضار أحكامها0
4- تنمية الملكة الفقهية؛ لأنها تعطي الفقيه القدرة على إلحاق المسائل المتحدة في المناط بعضها ببعض، والتخريج على القواعد، وتنزيل الحوادث عليها.
5- إن معرفة القواعد الفقهية تعين العالم على معرفة أحكام النوازل والوقائع.
6- إن دراسة الفروع الفقهية مجردة عن القواعد قد تسبب التناقض الذهني لدى الطالب، لكن دراستها مع القواعد تبعد ذلك التناقض.
7- إدراك مقاصد الشريعة، فمعرفة القاعدة العامة يفهم منه مقصد الشريعة في ذلك.فقاعدة: الضرورات تبيح المحظورات. يفهم منها أن رفع الحرج والتيسير على العباد مقصد من مقاصد الشريعة0*
المبحث الثاني: الشروع في ذكر القواعد الواردة في الكتاب:
1_ ( الأمور بمقاصدها)**
عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:"إنَّمَا الأعْمَالُ بَالْنيَاتِ***وَإنَّمَا لِكل امرئ مَا نَوَى، فمَنْ كَانَتْ هِجْرَتهُ إلَى اللّه وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتهُ إلَى اللّه وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرتُهُ لِدُنيا يُصيبُهَا، أو امْرَأة يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُه إلَى مَا هَاجَرَ إليهِ"
قال:الشيخ رحمه الله تعالى: هذا حديث عظيم وقاعدة جليلة من قواعد الإسلام هي القياس الصحيح لوزن الأعمال، من حيث القَبول وعدمه، ومن حيث كثرة الثواب وقلته وهذا من الأحاديث الجوامع التي يجب الاعتناء بها وتفهمها، فالكتابة القليلة لا تؤتيه حقه وقد افتتح به الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- صحيحه لدخوله في كل مسألة من مسائل العلم وكل باب من أبوابه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
* ينظر: الأشباه والنظائر للسيوطي /6/، و الأشباه والنظائر لابن نجيم في أعلى غمز عيون البصائر1/35، أنوار البروق في أنواء الفروق للقرافي1/3، الذخيرة للقرافي1/36، 50.)بواسطة 0
** لم يأتي ذكرها في شرح الشيخ نصا لكن جاء ذكر معناها تحت هذا الحديث وقد مت الكلام عليها ليكون بدء القواعد بذكر الأصلين (التوحيد والإتباع) تبركا تنبيها على فضلهما0
*** النية " لغة: القصد. ووقع بالإفراد في أكثر الروايات. قال البيضاوي النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر ا.هـ . وشرعا : العزم على فعل العبادة تقربا إلى الله تعالى.
(ج1_ص24)*
2_ (مَنْ أحدَثَ فِي أمْرِنَا هذا ما ليسَ مِنْهُ فهُوَ رَدٌّ) (وفي لفظ:مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيسَ عليه أمْرُنَا فَهوَ رَدٌّ )
قال: الشيخ رحمه الله تعالى " هذا حديث جليل، وأصل عظيم في الشريعة، وقاعدة من قواعد الإسلام العظمى فقد أبان أن كل أمر ليس من شرع اللَه تعالى، وكل عمل لا يقوم على أمر الله، فهو مردود باطل، لا يعتد به ولا بما يترتب عليه، فهذا من جوامع كلمِه جعله مقياساً لجميع الأمور والأعمال فما كان منها على مراد اللَه وشرعه، فهي المقبولة. وما كان على غيرِ أمره ولا شرعه، فهي المردودة.
قال النووي:"وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، ومن جوامع كلمه وقال: أيضاً: فإنه (أي: الحديث) صريح في رد كل البدع والمخترعات وقال أيضاً: " وفي هذا الحديث دليل لمن يقول من الأصوليين إن النهي يقتضي الفساد "وقال: أيضا: "وهذا الحديث ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به "وفيه دليل على أن الأصل في العبادات الحظر فلا يشرع منها ولا يزاد فيها إلا ما شرعه الله ورسوله. قال: النووي أيضاً:"فيه دليل على أن المأخوذ بالعقد الفاسد يجب رده على صاحبه ولا يملك.ويدل عليه أيضا حديث وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة فقال: عليه الصلاة والسلام: " الوليدة والغنم رَدُّ عليك ".قال: النووي أيضا: " وفيه دليل على من ابتدع في الدين بدعة لا توافق الشرع فإثمها عليه، وعمله مردود عليه، وأنه يستحق الوعيد ".قال: شيخنا "عبد الرحمن بن سعدي":[ووجه مناسبة هذا الحديث لهذا الباب: أنه لو تبين أن حكم القاضي مخالف لأمر الرسول فإنه يرد، وأن القضاء يترتب على أحكام الشرع، فلا يلتفت إلى ما يحدثه القضاة].
قال: الصنعاني: يفيد أن كل عمل ليس عليه أمره صلى الله عليه وسلم مردود، والذي عليه هو كل ما دل عليه الكتاب والسنة، وليس محدثاً مبدعا في الدين، فإنه مردود على فاعله وكل أمر كان عليه أمره صلى الله عليه وسلم فإنه مقبول. فإن هذا الحديث نصف العلم، بل العلم كله، إذ منطوقه دال على رد كل عمل لم يكن عليه أمره ، ومفهومه أفاد أن كل عمل كان عليه أمره مقبول0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
* ط دار الفيحاء دمشق _ دار السلام الرياض وهي التي اعتمدت عليها في الترقيم الصفحة والجزء0
(ج2_ص486_488)*
3_ ( المعنى المستنبط إذا عاد على النص بالإبطال فهو مردود)
عَنْ أبي هريرة رضي اللّه عَنْهُ أنَّ رَسُولَ الله قالَ: "إذَا شَرِبَ الكَلْبُ في إِنَاءِ أحَدكم فْليَغسِلْهُ سَبْعاً" ولمسلم " أولاهُنَ بِالتَرابِ".وله في حديث عبد الله بنِ مُغَفَل أن رسول الله قال: "إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في الإنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَا وَعَفرُوه الثًامِنَةَ بِالتراب" قال: النووي : لا يقوم الأشنان ولا الصابون أوغيرهما مقام التراب على الأصح قلت:_أي البسام_ وقد ظهر في البحوث العلمية الحديثة أنه يحصل من التراب إنقاء لهذه النجاسة مالا يحصل من غيره وإن صح هذا فإنه يظهر إحدى معجزات الشرع الشريف ولفظ عفر يُؤَيّد اختصاص التراب لأن العفر لغة هو: وجه الأرض والتراب. (ج1_ص35)
4_ ( الحديث إذا كان عام الدلالة وعارضة غيره في بعض الصور وأردنا التخصيص فالواجب أن نقتصر في مخالفة العموم على مقدار الضرورة ويبقى الحديث العام على مقتضى عمومه فيما يبقى من الصور إذ لا معارض له فيما عدا تلك الصور المخصوصة التي ورد فيها الدليل الخاص)
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضيَ الله عَنْهُمَا: قَالَ: "رَقيِتُ يَوْماً عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ، فَرَأيْتُ النبي يَقْضى حَاجَتَهُ مُسْتَقْبلَ الشَّام مُسْتَدْبرَ الكَعْبَةِ". قلت: ومراده والله أعلم أن من قال: بالجواز فعليه أن يقتصر على الإستدبار دون الاستقبال لأنه الوارد في الحديث0
(ج1_ص54)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
* قدمت الكلام على هذا الحديث والقاعدة العظيمة هاهنا ليكون مناسب لما قبله ويكون بدء هذه القواعد بالتوحيد والأتباع كما أسلفت وإلا فإن أول القواعد في هذا الجمع هي القاعدة رقم(3) فهي أول القواعد في الكتاب وقدمت عليها الحديثين لأنهما أعظم قواعد الإسلام وقول من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وآله وسلم وكي يكون البدء بالتوحيد والأتباع كما مرقريبا0
5_ ( درء المفاسد، مقدم على جلب المصالح)
عن أبِي هريرة رَضِي الله عَنْهُ، عن النبي قال : " لَوْلاَ أنْ أشُقَّ عَلَى أمتي لأمَرْتُهُمْ بِالسَّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضوءٍ عِنْدَ كُل صَلاةٍ"قال:الشيخ رحمه الله تعالى: "وهذه قاعدة عظيمة نافعة جدا. فإن الشارع الحكيم ، ترك فرض السواك، على الأمة مع ما فيه من المصالح العظيمة، خشية أن يفرضه الله عليهم فلا يقوموا به فيحصل عليهم فساد كبير، بتركِ الواجبات الشرعية"
(ج1_ص63)
6_ ( الأصل بقاء الأشياء المتيقنة على حكمها، فلا يعدل عنها لمجرد الشكوك والظنون، سواء قويت الشكوك، أو ضعفت، مادامت لم تصل إلى درجة اليقين)*
عن عَبّادٍ بنِ تَميمٍ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ زَيد بنِ عَاصِمٍ المَازِني قال: "شُكِيَ إلى النبي الرجُلُ يُخَيلُ إلَيْهِ أنَهُ يَجِدُ الشيء في الصَّلاةِ، فَقَالَ: "لا يَنْصرفْ حَتّى يَسمَعَ صَوتاً أو يَجِدَ رِيحاً" وفي معناها القاعدة العامة(الأصل بقاء ما كان على ما كان) ويستدل لها ايضا"بحديث عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رَضي الله عنهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله يقول :" إذا رَأَيْتمُوه فَصُومُوا، وَإذا رَأَيْتُمُوه فَأفْطِروُا، فَإنْ غُمَّ عَليْكم فاقْدُرُوا لَهُ".
قال:الشيخ ومن ذلك أن الأصل بقاء شعبان، وأن الذمة بريئة من وجوب الصيام، مادام أن شعبان لم تكمل عدته ثلاثين يوماً، فيعلم أنه انتهى، أو يرى هلال رمضان، فيعلم أنه دخل.ولذا فإن النبي أناط صيام شهر رمضان، وفطره برؤية الهلال.فإن كان هناك مانع من غيم، أو قتر، أو نحوهما، أمرهم أن يقدروا حسابه. وذلك بأن يتموا شعبان ثلاثين، ثم يصوموا. لأن هذا بناء على أصل "بقاء ما كان على ما كان".
(ج1_ص73_ص74_ص410)
7_ (المشقة تجلب التيسير)
عَنْ أُم قَيْسِ بِنْتَ مِحْصَنِ اْلأسديَة رضي الله عنها "أنها أتَتْ بِابْنِ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأكُلِ الطّعَامَ، إِلَى رَسُولِ اللّه فأجلَسَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاء فَنَضَحَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَلَمْ يَغْسِلْهُ"
وفي حديث عائشةَ أًم المؤمنين رضي الله عنها:" أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِصبيٍّ ،فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاء فَأتْبَعَهُ إِيَّاه. ولمسلم " فَأتْبَعَهُ بَوْلَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ "
وكذلك من حديثها رضي الله عنها"كانَ يَكُونُ عَلَيَّ الْصَّوْمُ في رَمَضَان فَمَا أسْتَطِيعُ أَنْ أقْضِيَ إلا في شَعْبَانَ"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
* وهي تندرج تحت قاعدة "اليقين لا يزول بالشك"
وحديث عَبدِ الله بْنِ عَبَّاس رَضيَ الله عَنْهُمَا قال :"أعْتَمَ النبي فَخَرَجَ عُمَرُ فَقَالَ: الصَّلاةَ يَا رَسولَ اللَه، رَقَدَ النسَاءُ وَالصبْيَانُ. فَخَرَجَ وَرَأسُه يَقْطُرُ يَقُول:لولا أنْ أشُقَّ عَلَى أمتي أوْ عَلَى النّاس لأمَرْتُهُمْ بِهذِه الصّلاةِ هذِهِ السّاعَةَ" قال:الشيخ عن هذا الحديث الأخير"أن المشقة تسبب اليسر والسهولة في هذه الشريعة السمحة" وقد ذكرت جميع الأدلة التي وردت في الكتاب لأهمية هذه القاعدة وعظيم شأنها0
(ج1_ص76_وص107_وص121)
8_ (عند تزاحم المفاسد، يرتكب أخفها)
عَنْ أنَس بْنِ مَالِكٍ رضيَ اللَه عَنْهُ قال: "جَاءَ أعْرَابيّ فَبَاَلَ في طَائِفَةِ المسْجدِ فَزَجَرَهُ الناس، فَنَهَاهُمُ النبي فلَما قَضَى بَولَه، أمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فأهْرِيقَ عَلَيْهِ" قال:الشيخ فقد تركه يكمل بوله، لأجل ما يترتب من الأضرار بقطعه عليه0
(ج1_ص77)
9_ ( مفهوم العدد ليس بحجة) من حديث أبيِ هُرَيرة رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: " الفطرة خمس:الْخِتَانُ والاستِحْدَادُ وَقَصُ الشَّارب،وَتَقلِيمُ الأظَافِرِوَنَتْف الإبْطِ"
(ج1_ ص79)
10_(المستحب لا يزاحم الواجب)
ذكرها الشيخ في شرح حديث عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا عن النَّبيِّ قَالَ: "إذَا أقيمت الصلاة وَحَضَرَ العشَاءُ فَابْدَأوا بِالعشَاءِ" وعن ابن عمر، نحوه.
قال:الشيخ رحمه الله تعالى: يطلب في الصلاة الخشوع والخضوع وحضور القلب، لأن ذلك هو روح الصلاة، وبحسب وجود هذا المعنى، يكون تمام الصلاة أو نقصها. فإذا أقيمت الصلاة، والطعام أو الشراب حاضر، فينبغي البداءة بالأكل والشرب حتى تنكسر نهمة المصلي، ولا يتعلق ذهنه به، وكيلا ينصرف قلبه عن الخشوع الذي هو لبُّ الصلاة، هذا ما لم يضق عليه الوقت فإن ضاق، فحينئذ يقدم الصلاة في وقتها على كل شيء، لأن المستحب لا يزاحم الواجب.ثم قال رحمه الله ما يؤخذ من الحديث: أن الطعام والشراب إذا حضرا وقت الصلاة، قدما عليها مالم يضق وقتها فتقدم على أية حال.
(ج1_ص123)
11_ ( المأمورات إذا وقعت على خلاف مقتضى الأمر لم يعذر فيها بالجهل، بخلاف المنهيات، فقد فرقوا في ذلك. فعذروا في المنهيات بالنسيان والجهل وقال: الصنعاني: ويدل على ذلك أمره صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته بإعادتها مع تصريحه بأنه لا يحسن سواها، وكذلك أمر من نحر قبل الصلاة بالإعادة، وهذه قاعدة نافعة)
عَن البَرَاءِ بن عَازبٍ رَضيَ الله عَنهمَا قَالَ: خَطَبَنَا النَّبيُّ يَوْمَ الأضْحَى بَعْدَ الصَّلاة فَقَال:"من صَلَّى صَلاَتَنَا وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَقَدْ أصَابَ النُّسُكَ، وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصلاةِ فَلاَ نُسُكَ لَه.فقال: أبو بُرْدَةَ بن نِيَار خال البراء بن عازب: يا رسول الله إني نَسَكتُ شاتي قَبلَ الصَّلاَةِ، وَعَرَفْتُ أنَّ اليوم يَومُ أكل وَشُرب وَأحْبَبْتُ أن تكُون شَاتي أوَّلَ مَا يُذْبَحُ في بَيْتي، فَذَبَحْتُ شَاتي وتغدَّيْتُ قبل أن آتي الصَّلاَةَ.
قال: " شَاتُكَ شَاَةُ لَحمٍ".قال: يَا رَسُولَ الله، فَإنَّ عِنْدَنَا عَنَاقاً*وَهِيَ أحَبُّ إِلَينا مِنْ شَاتَيْنِ، أفتجْزِى عَنى؟ قَالَ: " نَعَمْ وَلَن تُجزِيَ عَنْ أحَدٍ بَعْدَكَ ".
(ج1_ص323)وانظر لتوضيح القاعدة أكثر الشرح الممتع (ج2_ص233_وص387)ط ابن الجوزي)
12_ ( أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تعتبر)
فقد وردت مخاطبتهم بالصلاة(و) لا يختص بهم الحكم قطعاً "عَنْ عَبْدِ الله بن عباس رَضيَ الله عَنْهمَا قالَ: قَالَ رَسُولُ الله لمُعَاذِ بن جَبَل حِينَ بَعَثَهُ إلى اليمَنِ:" إنك ستأتي قوْما أهل الكتاب، فَإذَا جئتهم فادعُهم إِلى أنْ يشهدوا أنْ لاَ إله إلا الله وَأن محمدا رسولُ الله فَإن هُم أطَاعُوا لَكَ بِذلِكَ فأخْبِرْهُم أن الله قد فَرَض عَلَيهم خمس صَلَوَاتٍ في كل يَوم وليلة .
فَإنْ هُمْ أطَاعُوا لَكَ بِذلك ، فَأخبِرهُمْ أن الله قَدْ فَرَضَ عَليهم صَدَقَةً تُؤخَذُ مِنْ أغنِيَاِئهمْ فترَدُّ عَلَى فُقَرَائِهمْ.فَإنْ هُمْ أطَاعُوا لَكَ بِذَلكَ، فَإيَّاكَ و كرَائمَ أمْوَالِهم.وَاتقِ دَعْوَةَ المَظْلُوم، فَإنهُ لَيْسَ بينهَا وَبينَ الله حِجَابٌ"
(ج1_ص387)
13_ (تعليق الحكم باللقب، لا يدل على نفيه عما عداه)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عَنْهُ: أن النبي قال :"مَنْ نَسيَ وهُوَ صَاِئمٌ فَأكَلَ أوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فإنَّمَا أطعَمَهُ الله وَسَقَاهُ ".ذكره الشيخ ردا على من قصر الحكم في الأكل والشرب دون الجماع0
(ج1_418)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
* عناقاً: العناق، الأنثى من ولد المعزى إذا قويت ولم تتم الحول، وهو بفتح العين وتخفيف النون0
14_ (العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب)
عَنْ عَبْدِ اللّه بْن مَعْقِلٍ، قال: جَلَسْتُ إلى كَعْب بْنِ عُجْرَةَ فَسَألتُهُ عَنِ الفِدْيَةِ فقال: نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّة، وَهِي لَكُمْ عَامَّة:حُمِلْتُ إلى رَسُولِ اللّه وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلى وَجْهي فقال:"مَا كُنْتُ أرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أرى –أو: مَا كُنْتُ أُرَى الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْكَ مَا أرَى:- أتَجدُ شَاةً؟ فَقُلْتُ: لا، قَالَ: فَصُمْ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ، أَوْ أطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِيْنَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ.
وفي رواية: أمَرَهُ رَسُولُ الله أنْ يُطْعِمَ فَرَقاً بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، أوْ يُهْدِي شَاةً، أوْ يَصُومَ ثَلاثَةَ أيامٍ".
والآية هي قوله تعالى:( وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (البقرة 196)
(ج2_ص387)
15_ ( العبادات توقيفية، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله)
عَنْ عُمَرَ رَضي الله عَنْهُ: "أَنَّهُ جَاءَ إلى الحَجَرِ الأسْوَدِ وَقبَّلَهُ وَقَالَ: إنِّي لأعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ، وَلَوْلا أنِّي رَأَيْتُ النَّبِي يُقَبِّلُكَ مَا قبَّلْتُك" ومعنى هذا أن العبادات لا تكون بالرأي والاستحسان، وإنما تتلقى عن المشرع، وهذه قاعدة عظيمة نافعة، تؤخذ من كلام المحدَّث الملهم، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عن وأرضاه0(ج2_ص54)
16_ (الجهل بالتماثل، كالعلم بالتفاضل في الحكم)
عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّه رَضي اللّه عنهما قال:" نَهَى النبي عَنِ الْمُخَابَرَةِ*، والْمُحَاقَلَةِ**، وَعِنِ الْمُزَابَنَةِ***وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا، وَأنْ لا تُبُاعَ إلا بِالدينَارِ وَالدِّرْهَمِ، إلا الْعَرايَا****".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المخابرة: على وزن المفاعلة، مأخوذة من " الخبار " وهي الأرض اللينة القابلة للزرع، أو من " الخبير " وهو من يحسن حرث الأرض
** المحاقلة: مأخوذة من " الحقل" وهو الزرع وموضعه، فاشتقت منه. والمراد بها- هنا- ييع الحنطة بسنبلها، بحنطة صافية من التبن.
*** المزابنة: بضم الميم، وفتح الزاى، والباء، والنون ، على وزن المفاعلة. وهى مأخوذة من " الزبن " وهو: الدفع الشديد، كأن كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه. التي هي بيع المعلوم بالمجهول من جنسه،
**** العرية: فعيلة بمعنى مفعولة. وجمعها عرايا مثل مطية ومطايا. قال في مختار الصحاح : وإنما أدخلت فيها الهاء، لأنها أفردت فصارت في عداد الأسماء، كالنطيحة، والأكيلة. وسميت" عرية " لانفرادها بالرخصة عن أخواتها.
قال:الشيخ رحمه الله تعالى: تقدم أن الأصل في المعاملات الحل والجواز، وأنها باقية على أصل الإباحة والبراءة الأصلية.وما ورد عن الشارع الحكيم، من النهى عن بعض المعاملات التي يرجع إلى قاعدة الربا المحرمة المستقبحة شرعاً وعقلا وغير هاتين من قواعد الفساد الذي حاربه الشارع يشمله النهى من باب أولى.
ومن تلك المعاملات الراجعة إلى الجهالة وإلى الربا أيضا، المخابرة، والمحاقله، التي هي عبارة عن بيع الحب في سنبله، بحب من جنسه.
فهنا جهل أحد العوضين، لأنه مستور بأوراقه وتبنه، والجهل بذلك يوقعنا في ربا الفضل، لأن الجهل بالتماثل، كالعلم بالتفاضل في الحكم.
(ج2_ص151)
17_ ( الرخصة لايتعدى فيها قدر الحاجة)
عَنْ أبي هريرةَ رَضي الله عَنْهُ: "أنَ النبي رَخَّصَ في بَيْع العَرَايَا في خَمْسَةِ أوْسُق ، أو دون خَمْسَةِ أوْسقٍ"
قال:الشيخ رحمه الله تعالى: لما كانت مسألة "العرايا" مباحة للحاجة من أصل محرم، اقتصر على القدر المحتاج إليه غالباً، فرخص فيما قدره خمسة أوسق فقط أو ما دون ذلك، لأنه في هذا القدر تحصل الكفاية للتفكه بالرطب.
(ج2_159)
18_ (يثبت تبعا مالا يثبت استقلالا)
عَنْ عَبْدِ اللّه بْنِ عُمَرَ رَضي اللّه عَنْهُما: أن رَسولَ الله قال: " مَنْ بَاعَ نَخْلا قَدْ أبرت*فَثَمَرَتُهَا للْبَائِع، إلا أنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ"و لمسلم و" مَنْ ابتَاعَ عَبْدا فَمَالُهُ للَّذِي بَاعَهُ إلا أن يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ "قال:الشيخ يؤخذ منه: دخول الثمرة في البيع إذا اشتريت قبل التأبير ، أو اشترطها المشترى وهي مؤبرة يُعَدّ بيعاً للثمر قبل بُدُو صلاحه، لكن رخص فيه لأنه تابع لأصله. ليس مستقلا. والقاعدة العامة" يثبت تبعاً، ما لا يثبت استقلالا " وهذه الصورة منها وبهذا يجمع بين النصين.
أن من باع عبداً، وقد جعل بين يديه مالا يتصرف به، فالمال للبائع إلا أن يشترطه المشترى مع الصفقة، أو يشترط بعضه، فيدخل مع المبيع. وحينئذ يشترط فيه ما يشترط غيره من المبيعات.ولا يضر أن يكون مع العبد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* التأبير:التلقيح، وهو وضع شيء من طلع ذكر النخل، في طلع إناثه.
المبيع ما يدخله الربا مع الثمن، كأن يتبعه فضة والثمن ريالات فضية، لأنه تابع0 وعَنْ عُقْبَةَ بن الحَارِثِ:"أنَهُ تَزَوَّجَ أم يحي بِنْت أبي إهَاب .فَجَاءت أمَة سَودَاء فَقَالَتْ:قَد أرضعتكما.فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِلنَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ: فَأعرَضَ عَنها. قَالَ: فَتَنَحَّيْتُ فَذَكَرتُ ذلِكَ لَهُ، فَقَالَ "وَكَيفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أن قَدْ أرْضَعَتْكُمَا "
قال:الشيخ البسام رحمه الله تعالى:وفيه إثبات القاعدة الشرعية العامة وهي:(يثبت تبعا مالا يثبت استقلالا)ووجهه أن شهادة المرأة لا تكفي في فسخ النكاح وفي الطلاق، فإذا شهدت بالرضاع،ثبت حكمه، فيثبت فسخ النكاح تبعا له.
(ج2_ص 162_ص390)
19_ قال:الشيخ أخذ من هذا الحديث " ابن رجب " رحمه الله، قاعدة عامة وهى: (أنه يجوز للإنسان نقل الملك في شيء واستثناء نفعه المعلوم مدة معلومة. وهذا يعم كل شيء من إجارة، وهبة، ووقف، ووصية، إلا بُضْعَ الأًمَة فلا يجوز استثناؤه، لأنها منفعة لا تحل إلا بالزوجية أو ملك اليمين) والحديث عن جَابِرِ بن عَبْدِ الله رَضيَ الله عَنْهُمَا: أنهُ كَانَ يَسِيُر عَلَى جَمَل فَأعْيَا، فأرَادَ أن يُسَيبهُ.
قال: فَلَحَقَني النبي فَدعَا لي ، وَضَرَبهُ فَسارَ سيْراً لَم يَسِرْ مِثلَهُ قَطْ، فقالَ: " بعْنِيهَ بأوقِية " قُلْتُ: لا. ثم قال: " بعْنِيه " فَبِعْتُهُ بأوقِيةٍ ، وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلانَهُ إلَى أهلي. فَلَما بَلَغْتُ، أتَيتهُ بَالجَمَلِ، فَنَقَدَني ثمَنَهُ. ثُم رَجَعْتُ. فَأرْسل في أثرِي فَقَالَ: " أتراَني مَاكَستكَ لآخُذَ جَمَلَكَ؟ خذْ جَمَلَكَ وَدرَاهِمَكَ، فهُوَ لَكَ" .
(ج2_ص186)
20 _ (الضرر لا يزال بالضرر)
عَن أبي هُرَيرةَ رضىَ الله عَنْهُ: أن رَسولَ الله قال: " لا يَمْنَعَن جَار جَارَهُ أن يَغْرزَ خَشَبَةً في جدَارهِ " .ثم يقول أبو هريرة: مَا لي أراكم عَنْهَا مُعْرضِينَ؟
والله لأرْمِيَن بِهَا بَين أكتافكم "فمن حسن الجوار، ومراعاة حقوقه، أن يبذل بعضهم لبعض، المنافع التي لا تعود عليهم بالضرر الكبير مع نفعها للجار.ومن ذلك أن يريد الجار، أن يضع خشبة في جدار جاره. فإن لم يكن ثَم حاجة إلى ذلك، ينبغ لصاحب الجدار أن يأذن له، مراعاة لحق الجار.
وإن كان ثَم حاجة لصاحب الخشب، وليس على صاحب الجدار ضرر من وضع الخشب، فيجب على صاحب الجدار أن يأذن له في هذا الانتفاع ، الذي ليس عليه منه ضرر مع حاجة جاره إليه. ويجبره الحاكم على ذلك إن لم يأذن.فإن كان ثَم ضرر، أو ليس هناك حاجة، فالضرر لا يزال بالضرر.والأصل في حق المسلم المنع، ولذا فإن أبا هريرة رضي الله عنه، لما علم مراد المشرع الأعظم من هذه السنة الأكيدة، استنكر منهم إعراضهم في العمل بها، وتوعدهم بأن يلزمهم بالقيام بها، فإن للجار حقوقا فرضها اللَه تعالى تجب مراعاتها والقيام بها.
(ج2_ص 228)
21_ ( الأصل بقاء الحديث على الظاهر، كما أن الأصل في الأحكام، العموم)
عَن أنَس بن مَالِكٍ رَضي الله عَنْة "أن النبي أعتَقَ صَفيةَ وَجَعَل عِتْقَهَا صَدَاقَهَا"
قالها: الشيخ ردا على من جعل الحكم خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: وذهب الأئمة الثلاثة: إلى عدم جواز ذلك. وتأولوا الحديث بما يخالف ظاهره، أو حملوه على الخصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم.
وحمل الحديث على خلاف ظاهره أو جعله خاصا، يحتاج إلى بيان ودليل، لأن الأصل بقاء الحديث على الظاهر، كما أن الأصل في الأحكام، العموم. ولو كان خاصا، لنقِل.
(ج2_ص330)
22_ ( اعتماد العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي)
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عَنْهَا قالت: دَخَلَتْ هِنْدُ بِنْت عتْبَةَ امرأة أبي سُفْيَانَ، عَلى رَسُولَ الله فَقَالَتْ: يا رسول الله، إنَ أبَا سُفيَانَ رجل شَحِيح، لا يعطيني مِنَ النفَقَةِ مَا يكفيني وَيَكْفِى بَنىَّ، إلا ما أخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَهَلْ عَلَيَّ في ذلكَ مِن جُنَاح؟ فَقَالَ رَسُولُ الله : " خُذِي منْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ و يَكْفي بَنِيكِ ".
قال:الشيخ رحمه الله تعالى:" وفيه اعتماد العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي، فقد جعل لها من النفقة الكفاية، وهذا راجع إلى ما كان متعارفا في نفقة مثلها وأولادها"0
(ج2_ص490)
23_ (حكم الحاكم لا يحل ما في الباطن ولا يحل حراما)
وهو مذهب جماهير علماء المسلمين، وفقهاء الأمصار، ومنهم الأئمة الثلاثة، مالك، و الشافعي، وأحمد.
عَنْ أم سَلَمةَ رَضيَ الله عَنْهَا: أنَّ رَسُولَ الله سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهمْ فَقَالَ:"ألا إنَّمَا أنَا بَشَرٌ مِثْلكُمْ وَإنَّمَا يَأتيني الْخَصْمُ، فَلَعَلِّ بَعْضَكُم أن يَكُونَ أبْلَغَ مِنْ بَعْض، فَأحْسَبُ أنهُ صَادِقٌ فَأقْضي لَهُ، فمَن قَضَيْتُ لَهُ بِحَق مسلم*فَإنَّمَا هِي قِطْعَةٌ مِنَ النًارِ فَلْيَحْمِلْهَا أوْ يَذرْهَا" قال:الشيخ" فإذا حكم له الحاكم بالزوجة التي يعلم أنه ليست له زوجة، فلا تحل له، أو بالمال الذي يعلم أنه مبطل في دعواه، فلا يحل له، ونحو ذلك"
(ج2_ص492)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* التقييد ب(المسلم) خرج مخرج الغالب، وإلا فمثله الذمي و المعاهد.
24_ قال: ابن رجب: (كل عين لم يدًعِهَا صاحب اليد، فمن جاء فوصفها بأوصافها الخفية فهي له)
عَنْ ابْنِ عباس رَضيَ اللّه عَنْهُمَا: أنَّ النَّبي قَالَ: لو يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رجال وأموالهم وَلكِنَّ الْيَمِين عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ".قال:الشيخ بهذا تعلم أن هذا الحديث قاعدة عظمى من قواعد القضاء، فعليها يدور غالب الأحكام. وقال:أيضا يبيِّن النبي صلى الله عليه وسلم أن من ادَّعى على أحد، فعليه البينة*لإثبات دعواه.فإن لم يكن لديه بينة، فعلى المدَّعَى عليه اليمين لنفي ما ادُّعِىَ عليه من حق الدعوى، وصارت اليمين في جانبه، لأنها تكون مع الأقوى جانباً.وقوى جانبه، لأن الأصل براءته مما وُجه إليه من الدعوى.
(ج2_ص497)
25_ (إذا ترجحت المصلحة على المفسدة وغمرتها، اغتفرت المفسدة لذلك)
من حديث عَبْدِ اللّه بنِ عُمَرَ رضي اللّه عَنْهُمَا قَالَ:" أجْرَي النَّبي مَا ضُمِّرَ مِنَ الخَيل مِنَ الْحَفيَاءِ إلى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ، وَأجْرَى مَا لمْ يُضَمرْ مِنَ الثنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَني زُريقٍ . قَالَ: ابنُ عُمَرَ: وَكُنْتُ فِيمَنْ أجْرَى". قال:الشيخ رحمه الله تعالى: "يحتمل أن تكون المسابقة بِعِوَض أو بغيره، وهى جائزة على كلا الأمرين، وإن كانت مع العوض نوعا من القمار، ولكن لما كانت مصلحتها عظيمة أبيحت،
فإن القاعدة الشرعية تقول: إذا ترجحت المصلحة على المفسدة وغمرتها، اغتفرت المفسدة لذلك لا يتقيد هذا بإجراء الخيل، فكل ما أعان على قتال الأعداء من الأسلحة والمراكب، فالمغالبة عليه بِعَوَض جائزة، لحديث "لا سَبَقَ- أخذ عوض- إلا في نصل أو خف أو حافر) وهذا مذهب جمهور العلماء وألحق شيخ الإسلام (ابن تيميه) بها مسائل العلم، فتجوز المراهنة عليها وأخذ العوض، لأنه من الجهاد، ولقصة أبي بكر مع المشركين."
(ج2_ص560)
تمت بحمد الله وعونه القواعد الفقهية والأصولية التي جمعتها من الكتاب وكان آخر باب في الكتاب "باب العتق" فلعلها بشارة خير فأسأله سبحانه العتق من النار إنه ولي ذلك وهو نعم مسؤل0
وأذكر هنا بما قاله أهل العلم" كل كتاب سوى كتاب الله سبحانه فهو عرضة للنقد والانتقاد والتخطئة والتصحيح فمن رأى زلة قلم أو نبوة فهم فليصحح وليقوم وليستر فإن الله جل وعلا "حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يحب الحياء والستر"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
* البينة: اسم لكل ما أبان الحق وأظهره، من الشهود وقرائن الحال، ووصف المدَعَى في نحو اللقطة.
** أخرجه أحمد (4/224 ، رقم 17999) وأبو داود (4/39 ، رقم 4012) والنسائى (1/200 ، رقم 406) وأخرجه أيضًا:البيهقى في الآداب (1/198 ، رقم 908) قال:الشيخ حمد بن عبد المحسن بن أحمد التويجري الحديث رواه أبو داود والإمام أحمد والنسائي بسند صحيح، وممن صححه من المتأخرين الشيخ ناصر رحمة الله عليه0
وبما قال: العماد الأصفهاني*:" إني رأيتُ أنه لا يكتب أحد كتاباً في يومه إلا قال في غَدِهِ : لوُ غَّيرَ هذا لكان أحسن ولو زيَّد هذا لكان يُستحَسن ولو قُدَّم هذا لكان أفضل ولو تُرِك هذا لكان أجمل . وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر"
* الوزير المؤرخ العلامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن جابر الأصبهاني المتوفي 597هـ
يا أيُّها الذينَ آمنوا اتَّقوا اللّه حقَّ تُقاتِه ولا تَموتُنَّ إلا وأنتُم مُسلمونَ آل عمران: 102.يا أيها الناس اتَّقوا ربكم الذي خَلَقَكُم من نفسٍ واحدةٍ وخلقَ منها زوجَها وبَثَّ منهُما رِجالاً كثيراً ونساءً واتَّقوا الله الذي تساءَلونَ به والأرْحامَ إِنَّ اللّه كانَ عليكم رَقيباً النساء:1. يا أيها الذينَ آمنوا اتَقوا اللّه وقولوا قولاً سَديداً. يُصْلحْ لكُم أعْمالَكم ويَغْفِرْ لكم ذُنوبكم ومَن يُطِع اللّه ورَسولَه فقد فازَ فوزاً عَظيماً الأحزاب:70- 71.
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار0
وبعد فقد أهتم الفقهاء بالقواعد الفقهية لما فيها من سهولة العلم والإحاطة بأحكام الفروع دون حفظها ولإلمام بمدلولاتها دون جمعها ولما يترتب عليها من انتظام الكليات للجزئيات ولولا القواعد الفقهية لكانت الأحكام الفقهية فروعاً متناثرة تتناقض في ظواهرها وإن اتفقت في مدلول بواطنها* وحاصل ذلك أن العلم شجرة تثمر0
كل قول حسن وعمل صالح والجهل شجرة تثمر كل قول وعمل خبيث وإذا كان العلم بهذه المثابة فينبغي للإنسان أن يحرص كل الحرص على تحصيله ويجتهد ويبدأ بالأهم فالأهم منه ومن أهمه معرفة أصوله وقواعده التي ترجع مسائله إليها فلهذا قلت:
فاحرص على فهمك للقواعد جامعة المسائل الشوارد
لترتقي في العلم خير مرتقا وتقتفي سبل الذي قد وفقا
وهذه قواعد نظمتها من كتب أهل العلم قد حصلتها
جزاهم المولى عظيم الأجر والعفو مع غفرانه والبر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــلترتقي في العلم خير مرتقا وتقتفي سبل الذي قد وفقا
وهذه قواعد نظمتها من كتب أهل العلم قد حصلتها
جزاهم المولى عظيم الأجر والعفو مع غفرانه والبر
* المدخل للفقه الإسلامي (ص227) د_عبد الله الدرعان بواسطة التحقيقات و التنقيحات السلفيات على متن الورقات للعلامة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله تعالى0
وهذا لأن معرفة القواعد من أقوى الأسباب لتسهيل العلم وفهمه وحفظه لجمعها المسائل المتفرقة بكلام جامع*
وعليه فهذه بعض القواعد الفقهية والأصولية جمعتها من كتاب تيسير العلام شرح عمدة الأحكام لفضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح البسام رحمه الله تعالى في أثناء قراءتي للكتاب وقد أردفت كل قاعدة ذكرها الشيخ رحمه الله تعالى بدليلها التي ُذكرت تحته في الكتاب فإذا كانت العلاقة بين القاعدة والدليل واضحة أكتفي بذكرهما فقط وإن كانت غير واضحة ذكرت شيئا من شرح الشيخ حتى يتضح المراد وقد يتخلل تلك القواعد بعض الضوابط لكن الحكم للغالب كما هو معلوم0
وقد مهدت قبل الشروع بذكر القواعد بذكر الفروق بين كلا من القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية والضابط الفقهي وذلك لاشتراكهما بأمر جامع وهو أن كلا منهم يجمع فروعا أو جزئيات مختلفة وسبب هذا الجمع وهو ذكر القاعدة مع التدليل هو التعود على التطبيق العملي للقواعد التي تمر بنا سواء كانت تلك القواعد فقهية أو أصولية لأن العبرة بدليل القاعدة من الكتاب والسنة والعمل بها0 وفق مراد الشارع الكريم**لا حفظ القواعد مجردة عن معرفة الدليل والعمل بها وذلك"أن مؤلفات علم الأصول اهتمت بالجانب النظري دون التطبيقي في الغالب بمعنى أنهم يهتمون بتقرير القاعدة الأصولية ودفع الاعتراضات الواردة عليها دون الاهتمام بالأمثلة التي توضح القاعدة وتبين كيفية استخدامها بحيث ترتبط القاعدة الأصولية بنصوص الشارع ارتباطاً قوياً"***
فان ذكر القواعد مع دليلها من الكتاب والسنة هو مدعاة لحفظها والعمل بها0 جميعا إذ هو مقصود العلماء من استخراجها من النصوص الشرعية وتقعيدها وتقنينها وضبطها بهذا الشكل البديع الذي انتهت به الآن حتى أصبحت علماً مستقلاً من علوم الشريعة الغراء0وقد قمت بتقسيمه إلى ثلاثة: فصول كالتالي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* القواعد الفقهية للسعدي0
** قال:ابن القيم رحمه الله تعالى:"أعلى الهمم في طلب العلم طلب علم الكتاب والسنة والفهم عن الله ورسوله نفس المراد وعلم حدود المنزل وأخس همم طلاب العلم من قصر همته على تتبع شواذ المسائل وما لم ينزل ولا هو واقع ! أو كانت همته معرفة الاختلاف وتتبع أقوال الناس !وليس له همة إلى معرفة الصحيح من تلك الأقوال وقل أن ينتفع واحد من هؤلاء بعلمه " فوائد الفوائد ص 204 ط دار ابن الجوزي بتحقيق شيخنا علي الحلبي حفظه الله تعالى0
*** شرح الورقات لعبد لله الفوزان ص3 0
الفصل الأول :وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول: تعريف القاعدة لغةً واصطلاحاً:
المبحث الثاني: تعريف الضابط لغةً واصطلاحاً:
المبحث الثالث: تعريف الفقه لغةً واصطلاحاً:
الفصل الثاني: وفيه أربعة مباحث :
المبحث الأول:الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية:
المبحث الثاني:الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي:
المبحث الثالث: تعريف القواعد الفقهية باعتبارها علماً
المبحث الرابع:ذكر القواعد الخمس الكبرى بإيجاز
الفصل الثالث:و فيه مبحثان:
المبحث الأول: أهمية القواعد الفقهية:
المبحث الثاني: الشروع في ذكر القواعد الواردة في الكتاب:
الفصل الأول:فيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف القاعدة لغةً واصطلاحاً:
المبحث الثاني: تعريف الضابط لغةً واصطلاحاً:
المبحث الثالث: تعريف الفقه لغةً واصطلاحاً
:المبحث الأول: تعريف القاعدة لغةً واصطلاحاً:
المبحث الثاني: تعريف الضابط لغةً واصطلاحاً:
المبحث الثالث: تعريف الفقه لغةً واصطلاحاً:
الفصل الثاني: وفيه أربعة مباحث :
المبحث الأول:الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية:
المبحث الثاني:الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي:
المبحث الثالث: تعريف القواعد الفقهية باعتبارها علماً
المبحث الرابع:ذكر القواعد الخمس الكبرى بإيجاز
الفصل الثالث:و فيه مبحثان:
المبحث الأول: أهمية القواعد الفقهية:
المبحث الثاني: الشروع في ذكر القواعد الواردة في الكتاب:
الفصل الأول:فيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف القاعدة لغةً واصطلاحاً:
المبحث الثاني: تعريف الضابط لغةً واصطلاحاً:
المبحث الثالث: تعريف الفقه لغةً واصطلاحاً
المبحث الأول: تعريف القاعدة لغةً واصطلاحاً:
تفيد مادة قعد (القاف_ والعين_ والدال_) معنى الاستقرار والثبات قال:ابن فارس (ت395هـ):القاف والعين والدال أصل مطرد منقاس لا يُخلف0 وهو يضاهي الجلوس وإن كان يُتكلم في مواضع لا يتكلم فيها بالجلوس0*والقاعدة:لغةً :مأخوذة من القعود وهو في الأصل نقيض القيام وهوالجلوس0
والقاعدة :أصل الأُس, والقواعد الأُسس وقواعد البيت أساسه, وقد جاء في القرآن (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة127) وقوله تعالى:(قد مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) (النحل 26)
قال:الزجاج:القواعد أساطين البناء التي تعمده0
وفي الاصطلاح: هي قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها0**وهي :أيضاً بمعنى الضابط وهي الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئياته0***
والقاعدة من البناء أساسه والضابط أو الأمر الكلي ينطبق على جزئيات مثل"كل أذون ولود وكل صموخ بيوض"****0وقيل هي:حكم كلي ينطبق على جميع جزئياته لنتعرف أحكامها منه0*****
وقيل:هي الأمر الكلي المنطبق على الجزئيات لتعرف أحكامها منه0******وقيل:حكم أكثري لا كلي ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامها منه0*******وقيل:أصل فقهي كلي,يتضمن أحكاماً تشريعية عامة من أبواب متعددة في القضايا التي تدخل تحت موضوعه0********
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
* معجم مقاييس اللغة (5_108) وانظر ص 14القواعد الفقهية يعقوب عبد الوهاب الباحسين0
** التعريفات للجرجاني ص219
*** المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي لمؤلف : أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي(ج2_510)
**** المعجم الوسيط ـ المؤلف / إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار دار النشر : دار الدعوة تحقيق / مجمع اللغة العربية عدد الأجزاء / 2(باب القاف ج2_ص748)
***** مختصر من قواعد العلائي وكلام الأسنوي(1|60)
****** الضياء اللامع (1|122)
******* غمز عيون البصائر(1|51)
******** انظر الأشباه والنظائر للسيوطي مقدمة المحققان ص18
وتعدد هذه التعريفات راجع إلى اختلاف العلماء في تعريفها "ومن هذه التعريفات يتبين أن بعض العلماء اعتبر القواعد حكماً أكثرياً وذلك لأن أغلب القواعد لا تخلو من شواذ عنها واستثناءات منها بينما أعتبرها آخرون حكما كلياً,لأن الحكم للغالب ,والشاذ لا حكم له0
والتعريف الذي يبدو لي أنه الأصح هو: "أن يقال: إن القاعدة هي حكم كلي ينطبق على جزئيات كثيرة تفهم أحكامها منه ,أي تفهم أحكام الجزئيات من ذلك الحكم الكلي والحكم الكلي هنا يعني:الحكم الشامل ,والشمول أمر نسبي ,فقد يكون لجميع الأفراد دون استثناء وقد يكون لعامتها وأغلبها فيكون الحكم للأغلب"*
قال:الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله تعالى: "القاعدة الفقهية: يراد بها حكم كلي فقهي ينطبق على جزئيات عديدة من أبواب مختلفة، فقيل: حكم؛ لأن الحكم يراد به إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه، في القاعدة الفقهية إثبات، أو نفي، وقيل: كلي؛ لإبعاد الأحكام الجزئية أحكام الفقه الخاصة بمسألة واحدة، فهذه ليست من القواعد الفقهية0وقيل: فقهي لإخراج القواعد الكلية الواردة في العلوم الأخرى مثل قواعد النحو وقواعد الحساب- الفاعل مرفوع، والاثنان مع الاثنين يكون أربعة، ونحو ذلك.
وقيل:ينطبق على جزئيات عديدة لأن هذا هو المراد بالقاعدة، وقيل:من أبواب متعددة لإخراج الضابط الفقهي وقيل في التعريف: كلي، ولم يقل: أغلبي مع أن كثيرا من القواعد الفقهية لها مستثنيات بسبب أن لفظ القاعدة في ذاته كلي وإنما الأغلبية بحسب الجزئيات الداخلة في القاعدة،فعندما أقول: المشقة تجلب التيسير، المشقة هذا حكم كلي، وليس حكما جزئيا، فلم أقل: أغلب المشقة تجلب التيسير وكون بعض الفروع لا يدخل في القاعدة ليس معناه أن حكم القاعدة في ذاته ليس حكما كليا، بل هو حكم كلي"** قال:أبو بكر بن أبي القاسم الأهدل في نظمه للأشباه والنظائر في فقه السادة الشافعية:
فهاكَ نظمَ أربعين قاعدهْ ... مسرودةً واحدةً فواحدهْ
وهي من القواعد الكليهْ ... لا تنحصر صورها الجزئيهْ
وربما استثنى منها صورُ ... لكنها قليلةٌ تنحصر
فهي على التحقيق أغلبيهْ ...كغالب القواعدِ الفقهيهْ
وهأنا أشرعُ في نظامها ... راجياً العونَ على تمامها
معقباً كلاًّ بما يستثنى ... منها وما يعرضُ لي في الأثنْا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوهي من القواعد الكليهْ ... لا تنحصر صورها الجزئيهْ
وربما استثنى منها صورُ ... لكنها قليلةٌ تنحصر
فهي على التحقيق أغلبيهْ ...كغالب القواعدِ الفقهيهْ
وهأنا أشرعُ في نظامها ... راجياً العونَ على تمامها
معقباً كلاًّ بما يستثنى ... منها وما يعرضُ لي في الأثنْا
* القواعد الفقهية الخمس الكبرى والقواعد المندرجة تحتها جمع ودراسة من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية إعداد الدكتور إسماعيل بن حسن بن محمد علوان ص20 رسالة دكتوراه
** شرح المنظومة السعدية في القواعد الفقهية ص15
*** ينظر الفوائد الجنية حاشية المواهب السنية شرح الفرائد البهية في نظم القواعد الفقهية في الأشباه والنظائر الشافعية ص15
المبحث الثاني: تعريف الضابط لغةً واصطلاحاً:
الضابط لغة: اسم فاعل من ضَبَطَ، والضبط لزوم الشيء وحسبه، وضَبْطُ الشيء حفظه بالحزم والرجل ضابط أي حازم*والضبط إحكام الشيء وإتقانه وضبط الكتاب ونحوه أصلح خلله وللضابط معان أخرى ولكن أغلب معانيه لا تعدو الحصر والحبس والقوة وستبدو عند ذكر المعنى الاصطلاحي للضابط علاقة ذلك بالمعنى اللغوي لأن الضابط يحصر ويحبس الفروع التي تدخل في إطاره0**
وأما في الاصطلاح: فيمكن تعريفه بأنه حكم أغلبي يتعرف منه أحكام الجزئيان الفقهية المتعلقة بباب واحد من أبواب الفقه مباشرة، فهو يشترك في معناه الاصطلاحي مع القاعدة الفقهية في أن كلا منهما يجمع جزئيات متعددة يربط بينها رابط فقهي***
وعرفه السبكي :"فيما اختص بباب ، وقصد به نظم صورة متشابه أن يسمى ضابطاً"****وقيل"الضابط يجمع الفروع من باب واحد"***** وذهب بعض أهل العلم لعدم التفريق بينهما لقوة العلاقة بينهما والراجح الأول لظهور الفرق بينهما من أن القاعدة أعم من الضابط والضابط أخص منها وأن القاعدة تجمع جزئيات من أبواب متفرقة وأن الضابط يجمعها من باب واحد كما تقدم0
المبحث الثالث: تعريف الفقه لغةً واصطلاحاً:
الْفِقْهُ لُغَةً :"الْفَهْمُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ مَا ظَهَرَ أَوْ خَفِيَ وَهَذَا ظَاهِرُ عِبَارَةِ "الْقَامُوسِ" وَ"الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
* انظر الصحاح 3/1139، ولسان العرب 8/15-16 (ضبط)
** القواعد الفقهية يعقوب عبد الوهاب الباحسين ص58
*** القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسيرص17
****ينظر الأشباه والنظائر للسبكي – المقدمة
***** ابن نجيم الأشباه والنظائر ص 192
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْمِ شُعَيْبٍ:{ قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ}[هود 91] وقَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء 44] فَالآيَتَانِ تَدُلانِ عَلَى نَفْيِ الْفَهْمِ مُطْلَقًا وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ الْفِقْهَ لُغَةً هُوَ فَهْمُ الشَّيْءِ الدَّقِيق يُقَالُ :فَقِهْت كَلامَك أَيْ مَا يَرْمِي إلَيْهِ مِنْ أَغْرَاضٍ وَأَسْرَارٍ وَلا يُقَالُ فَقِهْت السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْمُتَتَبِّعُ لآيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ يُدْرِكُ أَنَّ لَفْظَ الْفِقْهِ لَا يَأْتِي إلا لِلدّلالَةِ عَلَى إدْرَاكِ الشَّيْءِ الدَّقِيقِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} [الأنعام 98]
وَأَمَّا الآيَتَانِ السَّابِقَتَانِ فَلَيْسَ الْمَنْفِيُّ فِيهِمَا مُطْلَقَ الْفَهْمِ ، وَإِنَّمَا الْمَنْفِيُّ فِي قَوْلِ قَوْمِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ إدْرَاكُ أَسْرَارِ دَعْوَتِهِ وَإِلا فَهُمْ فَاهِمُونَ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ:وَالْمَنْفِيُّ فِي آيَةِ الإِسْرَاءِ إدْرَاكُ أَسْرَارِ تَسْبِيحِ كُلِّ شَيْءٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِلا فَإِنَّ أَبْسَطَ الْعُقُولِ تُدْرِكُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُسَبِّحُ بِحَمْدِ اللَّهِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لأَنَّهَا مُسَخَّرَةٌ لَهُ وَأَيًّا مَا كَانَ فَاَلَّذِي يَعْنِينَا إنَّمَا هُوَ مَعْنَى الْفِقْهِ فِي اصْطِلاحِ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ لأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَتَّصِلُ بِبَحْثِنَا"* وهو:الفهم والفِطْنَة ومنه قوله تعالى: {وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] وقوله:{قَالُوا يا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} [هود: 91] . بمعنى لا نفهم.وهو العلم بالشيء والفهم له،والفطنة، وغلب على علم الدين لسيادته، وشرفه، وفضله على سائر أنواع العلم"**
واصطلاحاً: معرفة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية بالاستدلال"
وقيل: معرفة أحكام الله العَقَديَّة والعَمَليَّة.
فالفقه في الشَّرع ليس خاصاً بأفعال المكلَّفين، أو بالأحكام العمليَّة، بل يشمل حتى الأحكام العَقَديَّة، حتى إن بعضَ أهل العلم يقولون: إِن عِلمَ العقيدة هو الفقهُ الأكبرُ. وهذا حَقٌّ، لأنك لا تتعبَّد للمعبود إلا بعد معرفة توحيده بربوبيّته وألوهيّتِه وأسمائه وصفاته وإلا فكيف تتعبَّد لمجهول؟! ولذلك كان الأساسُ الأولُ هو التَّوحيدَ، وحُقَّ أن يُسمَّى بالفقه الأكبر لكنَّ مرادَ المؤلِّف هنا: الفقه الاصطلاحي وهو: معرفة الأحكام العمليَّة بأدلتها التفصيلِيَّة"***
وقد قيل:"وإذا جمع المتعلم ثلاث خصال فقد تمت النعمة على المعلم.(العقل والأدب وحسن الفهم)
قوله:(على التفهم) هو تفسير للتفقه وهو أخذ الفقه شيئا فشيئا يقال : فقه إذا فهم وزنا ومعنى وفقه إذا سبق إلى الفهم وزنا ومعنى أيضا وفقه بالضم صار الفقه سجية له وهذا معنى الفقه لغة0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
* لسان المحدثين"مُعجم يُعنى بشرح مصطلحات المحدثين القديمة والحديثة ورموزهم وإشاراتهم وشرحِ جملة من مشكل عباراتهم وغريب تراكيبهم ونادر أساليبهم"المؤلف:محمد خلف سلامة(ج4_ص118)
**) انظر:لسان العرب لجمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، 13 / 522، مادة « فقه»والقاموس المحيط، للفيروز آبادي، (ص 1614 ).
*** الشرح الممتع(ج1_ص15) ط ابن الجوزي
وأما اصطلاحا: فهو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية , وموضوعه أفعال المكلفين واستمداده من الكتاب والسنة وغايته تكميل القوى النطقية والشهوية والغضبية المرتب عليها أبواب الفقه والفوز بالسعادة الأبدية"*
ويحسن في تعريف الفقه أن نختم بما قاله: ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى:في كلامه عليه حيث: قال:"واعلم: أنه بدلت ألفاظ وحرفت، ونُقلت إلى معان لم يردها السلف الصالح فمن ذلك:الفقه، فإنهم تصرفوا فيه بالتخصيص، فخصوه بمعرفة الفروع وعللها ولقد كان اسم الفقه فى العصر الأول منطلقاً على علم طريق الآخرة، ومعرفة دقائق آفات النفوس، ومفسدات الأعمال، وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا، وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة واستيلاء الخوف على القلب ولذلك قال: الحسن رحمه الله : إنما الفقيه الزاهد فى الدنيا الراغب فى الآخرة البصير بدينه، المداوم على عبادة ربه الوَرِع الكافُّ عن أعراض المسلمين، العفيف عن أموالهم، الناصح لهم .فكان إطلاقهم اسم الفقه على علم الآخرة أكثر، لأنه لم يكن متناولاً للفتاوى، ولكن كان متناولاً لذلك بطريق العموم والشمول، فثار من هذا التخصيص تلبيس بعث الناس على التجرد لعلم الفتاوى الظاهرة، والإِعراض عن علم المعاملة للآخرة"**
الفصل الثاني: فيه أربع مباحث:
المبحث الأول:الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية:
المبحث الثاني:الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي:
المبحث الثالث: تعريف القواعد الفقهية باعتبارها علماً:
المبحث الرابع:ذكر القواعد الخمس الكبرى بإيجاز:
المبحث الأول:الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية:المبحث الأول:الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية:
المبحث الثاني:الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي:
المبحث الثالث: تعريف القواعد الفقهية باعتبارها علماً:
المبحث الرابع:ذكر القواعد الخمس الكبرى بإيجاز:
لكل من علم "الفقه" وعلم "أصول الفقه" قواعده على الرغم من وجود الارتباط الجذري الوثيق بينهما بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر***0
وهناك فوارق رئيسية بينهما:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* حاشيتان. قليوبي: على شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين شهاب الدين أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي(ج1_ص6)
** مختصر منهاج القاصدين ص35
*** انظر الأشباه والنظائر للسيوطي مقدمة المحقق ص20
الأمر الأول: "أن القاعدة الأصولية توجد أولا ثم يستخرج الحكم الفقهي، ثم بعد ذلك تجمع الأحكام الفقهية المتشابهة، فيؤلف منها قاعدة فقهية.
الفرق الثاني: أن القاعدة الأصولية لا يمكن أن يؤخذ منها الحكم الفقهي مباشرة، بل لا بد أن يكون معها دليل تفصيلي، مثال ذلك قاعدة الأمر للوجوب، هل تأخذ منها وجوب أي فعل من الأفعال؟ لا يمكن حتى تضيف إليها دليلا تفصيليا مثل قوله:{أَقِيمُوا الصَّلَاةَ }
و من الفروق بينهما القاعدة الفقهية يمكن أن نأخذ منها حكما مباشرة مثال ذلك: قاعدة الأمور بمقاصدها، نأخذ منها أن النية واجبة للصلاة وللوضوء، هذه قاعدة فقهية أخذنا منها الحكم مباشرة"*
و"يتبين لنا أن كلاً من قواعد الفقه وقواعد أصول الفقه هي قضايا كلية يندرج تحتها مسائل جزئية وهذا من نقاط التشابه بين العلمين ويمكن تلخيص ما يختلف فيه علم قواعد الأصول عن علم قواعد الفقهية في النقاط التالية:
1 _أن علم الأصول يندرج تحته جملة من الأدلة الإجمالية التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها0أما علم القواعد فهو مجموعة الأحكام الفقهية المتشابهة التي ترجع إلى حديث نبوي يجمعها أو إلى ضابط فقهي ينظمها أو إلى قياس واحد يربطها0
2 _ أن قواعد علم الأصول مطردة فلا يكاد يكون لإحداها أي مستثنى0أما قواعد الفقه فتكثر فيها الاستثناءات بل لا يكاد يخلو كثير منها من الاستثناء منها0
3 _أن القواعد الأصولية ناشئة في أغلبها من الألفاظ العربية وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح نحو :الأمر للوجوب 0والنهي للتحريم0أما القواعد الفقهية فناشئة عن الأحكام والمسائل الشرعية المتشابهة"**
4_ أن القواعد الأصولية هي وسيلة لاستنباط الأحكام الشرعية العلمية, وبذا تنفصل القواعد الفقهية عنها, لأنها عبارة عن مجموع الأحكام المتشابهة التي ترجع إلى علة واحدة تجمعها أو ضابط فقهي يحيط بها, والغرض منها تقريب المسائل الفقهية وتسهيلها0***
ومن الخصائص التي تتميز بها القواعد الفقهية عن قواعد أصول الفقه مايلي:1_ الحفظ والضبط للمسائل الكثيرة المتناظرة, بحيث تكون القاعدة وسيلة لمعرفة الأحكام المندرجة تحتها0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
* شرح المنظومة السعدية في القواعد الفقهية ص13
** أنظر القواعد الفقهية للوائلي ص13والفروق للقرافي(1|2_3) بواسطة القواعد الفقهية الخمس الكبرى والقواعد المندرجة تحتها ص31
*** الأشباه والنظائر للسيوطي مقدمة المحقق ص20
2_ الدلالة على أن الأحكام المتحدة العلة مع اختلافها مُحقّقة لجنس واحد من العلل ومُحقّقة لجنس واحد من المصالح0
3_ أنها تخدم المقاصد الشرعية العامة والخاصة,وتُمهّد الطريق للوصول إلى أسرار الأحكام وحكمها0
وتجدر الإشارة في ختام هذا الموضوع إلى أمر هام, وهو أن بعض القواعد قد تجدها متداخلة أو متراوحة بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية,وذلك راجع إلى اختلاف النظر إلى القاعدة فإذا نُظر إليها باعتبار موضوعها دليلاً شرعياً:كانت قاعدة أصولية,وإذا نُظر إليها باعتبارها فعلاً للمكلف: كانت قاعدة فقهية مثل "سد الذرائع" إذا قيل:كل مباح أدى فعله إلى حرام فهو حرام _سداً للذريعة_ كانت القاعدة فقهية0 وإذا قيل:الدليل المثبت للحرام مثبت لتحريم ما أدى إليه كانت القاعدة أصولية*0
قال:القَرافي" مقدمة في فائدتين الأولى اعلم أن الشريعة المعظمة المحمدية قد اشتملت على أصول قسمان: أحدهما المسمى بأصول الفقه وهو غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح ونحو الأمر للوجوب والنهي للتحريم والصيغة الخاصة للعموم ونحو ذلك وما خرج عن هذا النمط إلا كون القياس حجة وخبر الواحد وصفات المجتهدين0
والقسم الثاني: قواعد كلية فقهية جليلة كثيرة العدد عظيمة المدد مشتملة على أسرار الشرع وحكمه لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال فبقي تفصيله لم يتحصل0
وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف ويظهر رونق الفقه ويعرف وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف فيها تنافس العلماء وتفاضل الفضلاء وبرز القارح على الجذع وحاز قصب السبق من فيها برع ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه الفروع واختلفت وتزلزلت خواطره فيها واضطربت وضاقت نفسه لذلك وقنطت واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى وانتهى العمر ولم تقض نفسه من طلب مناها0 ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات واتحد عنده ما تناقض عند غيره"**
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
* انظر الأشباه والنظائر للسيوطي مقدمة التحقيق ص21
** الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق للقرافي (ج1_ص6)
المبحث الثاني:الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي:
تختلف القواعد الفقهية عما يسمى بالضوابط الفقهية فإن مجال الضابط الفقهي أضيق من مجال القاعدة الفقهية إذ إن نطاقه لا يتخطى الموضوع الفقهي الواحد الذي يرجع إليه بعضُ مسائله0*
قال:الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله تعالى:" الضوابط الفقهية تكون خاصة بباب واحد؛ مثال ذلك: قاعدة أن ما جاز في الفريضة من الصلوات جاز في النفل فهذا ضابط فقهي متعلق بالأبواب- أبواب النوافل نوافل الصلوات ومثله ضابط كل زوج يلاعن فهذا ضابط فقهي يختص بباب واحد0
الفرق الثاني بين القاعدة الفقهية والضابط: أن القاعدة الفقهية فيها إشارة لمأخذ الحكم ودليل الحكم0 فقولنا: الأمور بمقاصدها فيه إشارة لمأخذ الحكم وهو الدليل الوارد في ذلك إنما الأعمال بالنيات كما رواه الشيخان من حديث عمر بن الخطاب، بينما الضابط الفقهي لا يشير إلى مأخذ المسألة ودليلها"**
ويفرق بينهما: بأن القاعدة أعمُّ من الضابط فالقاعدة تجمع فروعاً من أبواب متعددة أما الضابط فيجمع فروعاً من باب واحد وعلى هذا فإن القواعد الفقهية مختلفة عن الضوابط الفقهية فالضابط الفقهي أضيق من مجال القاعدة الفقهية، فنطاق الضابط لا يتعدى الموضوع الفقهي الواحد الذي يرجع إليه بعض مسائله.وإن عدداً من الأصوليين والفقهاء قد أشاروا إلى ذلك ونبهوا عليه0
ومن ذلك ما ذكره"ابن نجيم"في الفن الثاني من الأشباه و النظائرفقال:"القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى، والضابط يجمعها من باب واحد، هذا هو الأصل"***وكذا أبو البقاء الكفوي يميل إلى هذا التعريف إذ يقول في الكليات: "والضابط يجمع فروعاً من باب واحد"****0*****ومن الملاحظ أن القواعد أكثر شذوذاً من الضوابط , لأن الضوابط تضبط موضوعاً واحداً, فلا يتسامح فيها بشذوذ كثير0
ويلاحظ أيضاً أن هذا التفريق لم يكن موضع اعتبار لدى كثير من المؤلفين في علم القواعد الفقهية, فإنهم أطلقوا على ما جمع من أحكام في باب واحد أو أبواب مختلف عنوان"القاعدة"وأحياناً عنوان"الكليات"أو"الأصول"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
* انظر الأشباه والنظائر للسيوطي مقدمة المحققين ص22
** شرح المنظومة السعدية في القواعد الفقهية ص13
*** ينظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم في أعلى صفحة غمز عيون الصائر2/5، وغمز عيون البصائر على محاسن الأشباه والنظائر للحموي (1/31.).
**** الكليات لأبي البقاء/ 48 /.)
***** انظر دراسة وتحقيق عُمْدَةُ النَّاظِر على الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ ص28
وليس أدل على ذلك مما نلحظه في كتب الفقه أنهم يطلقون كلمة"قاعدة" في بعض المواضع على فرع مخصوص من الفروع وكذلك إطلاق"القاعدة"على الضابط أمر شائع مطرد في المصادر الفقهية وكتب القواعد*
المبحث الثالث: تعريف القواعد الفقهية باعتبارها علماً:
هي: حكم كلي مصوغ في ألفاظ موجزة غالباً ينطبق على جميع جزئياتها أو أغلبها في أبواب متعددة لتعرف أحكامها منه والغالب على القواعد الفقهية أنها تتميز بألفاظها الموجزة كقولنا قاعدة _الضرر يزال_ وقاعدة _المشقة تجلب التيسير_ ونحو ذلك0**
قال: الشيخ سعد الشثري حفظه الله تعالى" القاعدة الفقهية يراد بها حكم كلي فقهي ينطبق على جزئيات عديدة من أبواب مختلفة***" وقيل في تعريفها حكم كلي فقهي أو: قضية كلية فقهية. أو: حكم عام0
فقولنا: حكم, الحكم هو: إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه. وأما في الاصطلاح: فهو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو وضعا. ووصف القاعدة بأنها حكم معناه أن فيها إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه، فما من قاعدة إلا فيها إثبات شيء لشيء أو نفيه عنه.وقولنا: كلي يخرج الجزئي, و الكلي هو ما يشمل أنوعا كثيرة، وأما الجزئي فهو الذي لا يتناول إلا شخصا معينا أو نوعا معينا.وأما قولنا: فقهي، فهو وصف لهذا الحكم؛ لأنه متعلق بعلم الفقه.
ومن خلال هذا التعريف نفهم أن القاعدة الفقهية يراد بها وضع تصور كلي لمسألة معينة, وهذا كافٍ في معرفة القاعدة الفقهية؛ لأن من يستمع لهذا التعريف يستطيع أن يتعرف على القاعدة الفقهية، ويعرف مرادنا بها"****
المبحث الرابع:ذكر القواعد الخمس الكبرى بإيجاز:
ونذكر القواعد الخمس الكبرى التي تدور عليها غالب الأحكام الفقهية مع ذكر أهم القواعد التي تندرج تحتها بشكل موجز0
1_(الأمور بمقاصدها) وتحتها ثلاث قواعد:
أ_ لا ثواب إلا بنية
ب _العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني
ج_ مقاصد اللفظ على نية اللفظ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* انظر الأشباه والنظائر للسيوطي مقدمة التحقيق ص23
** المصدر السابق ص24 بتصرف يسير
*** تقدم قريبا
**** دورة القواعد الفقهية إعداد: الشيخ د.عبد السلام بن إبراهيم الحصين حفظه الله ص3
2_(ا ليقين لا يزول بالشك) وتحتها قاعدتان:
أ_الأصل بقاء ما كان على ما كان
ب_الأصل في الأشياء الإباحة
3_(المشقة تجلب التيسير) وتحتها ثلاث قواعد
أ_الضرورات تبيح المحظورات
ب_ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها
ج_الحاجة تنزل منزلة الضرورة
4_(الضرر يزال) وتحتها أربع قواعد:
أ_الضرر لا يزال بالضرر
ب_درء المفاسد أولى من جلب المصالح
ج_إذا تعارضت المصالح والمفاسد قدم الأرجح منهما على المرجوح
د_إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهم
5_(العادة محكمة)ويتفرع عنها قاعدتان
أ_ ما لم يُبيِّن الشارع فمُراده ما يعرفه الناس
ب_ ما لم يرد الشرع بتقديره فالمرجع فيه إلى العرف*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* انظر القواعد الفقهية الخمس الكبرى ص10_والقواعد الفقهية من خلال كتاب المغني ص207
الفصل الثالث: فيه مبحثان:
المبحث الأول: أهمية القواعد الفقهية:
المبحث الثاني: الشروع في ذكر القواعد الواردة في الكتاب:
المبحث الأول: أهمية القواعد الفقهية:المبحث الأول: أهمية القواعد الفقهية:
المبحث الثاني: الشروع في ذكر القواعد الواردة في الكتاب:
وقبل الشروع في ذكر القواعد الواردة في الكتاب لابد من ذكر شيء في أهمية القواعد الفقهية ومما ذكره العلماء في أهمية القواعد ما قاله: القرافي" وهذه القواعد مهمة في الفقه ، عظيمة النفع ، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف ، ويظهر رونق الفقه ويعرف ، وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف ... ، ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات ، لاندراجها في الكليات ، واتحد عنده ما تناقص عند غيره وتناسب"*
وما قاله:الإمام السيوطي رحمه الله تعالى:"اعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم ، به يطلع على حقائق الفقه ومداركه ومآخذه وأسراره ويتمهر في فهمه واستحضاره ، ويقتدر على الإلحاق والتخريج ، ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة ، والحوادث والوقائع التي لا تنقضي على ممر الزمان ، ولهذا قال بعض أصحابنا : الفقه معرفة النظائر0وقد وجدت لذلك أصلا ثم ساق بسنده فذكر كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم إذا (أدني)**إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له لا يمنعك قضاء قضيته راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب والسنة اعرف الأمثال والأشباه ثم قس الأمور عندك فاعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى"***
قال:الشيخ عبد السلام بن إبراهيم الحصين حفظه الله تعالى: لعلي أشير باختصار إلى ثلاث فوائد هي كالأمور الكلية لأهمية القواعد الفقهية:
1_ضبط المسائل الفقهية واستحضارها في الذهن؛ وذلك أن القاعدة تعطي تصورًا مجملا كليا للفروع المندرجة تحتها فإذا فهمت القاعدة وأتقنتها حصل لك تصور كلي للفروع التي يمكن أن تندرج تحتها, وضبط الفروع الفقهية متعذر لكن ضبط هذه القواعد ممكن؛ لأنها ألفاظ مختصرة وتشمل معاني كلية، ولكن هذا لا يعني أننا إذا عرفنا هذه القاعدة استغنينا بذلك عن دراسة الفروع الفقهية, فبعض الناس يظن أنه إذا أتقن القواعد الفقهية فليس بحاجة إلى دراسة الفقه، وهذا ليس بصحيح؛ لأن القاعدة تحتاج لكي تثبت في الذهن و تتسع دائرة معرفتك بها أن يكون عندك عدد من الفروع الفقهية, وكلما استكثرت من الفروع الفقهية كلما ازداد فقهك بالقاعدة ومعرفتك بصور تطبيقها فأنت كلما تصورت النظائر والفروع قويت معرفتك بالقاعدة الفقهية التي تندرج تحتها هذه الفروع وتتفرع (عن) هذه الفائدة فائدة أخرى:
وهي أن الفروع الفقهية المتناثرة تجتمع عندك بطريقة أخرى, فنحن نعرف أن الفقه مقسم على أبواب؛ كالطهارة ثم الصلاة ثم الصيام إلخ, فحينما تضبط القواعد الفقهية تعود مرة أخرى لتنظّم ترتيب الفروع الفقهية بناء على هذه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الفروق للقرافي ( 1/3 )
** هكذا في نسخة دار الكتب العلمية وفي نسخة دار السلام ص58 (أدلي) وهي نسخة جيدة حققت على مخطوطتين كاملتين كما أشار إلى ذلك المحققان0
***) الأشباه والنظائر للسيوطي ص06
القاعدة؛ فأنت إذا عرفت قاعدة العادة محكّمة؛ فإن هذه القاعدة تكون في ذهنك مثل الباب المتعلق بالعوائد -يعني بالعادات- فيندرج تحتها فروع في الطهارة وفروع في الصلاة وفروع في الصيام وفروع في المعاملات المالية وفروع في القضاء, فالفروع الفقهية المتناثرة بين أبواب فقهية متعددة تتبلور في ذهنك وتجتمع في صورة قاعدة كلية، وهذا لا شك يعين على ضبط الفروع الفقهية، ويعين على الفائدة الثانية وهي:
2_التعرف على مقاصد الشريعة وعلل الأحكام ومآخذها, فالقاعدة في الغالب تشتمل على معنى كلي، وتشتمل على علة، وتشتمل على مقصد من مقاصد الشريعة، هذا في الغالب ولا يلزم من ذلك أن تكون القاعدة كذلك, ومن أمثلة ذلك: المشقة تجلب التيسر, وقاعدة لا ضرر ولا ضرار، وقاعدة سد الذرائع، أو قاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد, وإذا فهم الإنسان مقاصد الشارع وحِكَمه ومآخذه حصلت له ملكة فقهية جيدة.
3- القدرة على استنباط الأحكام الشرعية، ومعرفة مآخذ الفقهاء في إصدارهم للأحكام، وهذا لا يتيسر إلا بفهم القاعدة فهمًا صحيحًا، ومعرفة حدودها وضوابطها وشروطها، ثم بعد ذلك تنزيلها على الواقع الذي تريد أن تحكم فيه, وسأعود مرة أخرى في الفقرة الرابعة لأضرب مثالًا على هذه القضية*
فالقواعد الفقهية تدل على تناسق الأحكام الشرعية، ووضوح مآخذها، وكشف آفاقها**فهي تضبط للفقيه أصول المذهب وتطلعه من مآخذ الفقه على نهاية المطلب وتنظم عقده المنثور في سلك وتستخرج له ما يدخل تحت ملك أصلتها لتكون ذخيرة عند الاتفاق وفرعت عليها من الفروع ما يليق بتأصيلها على الخلاف والوفاق0***
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* دورة القواعد الفقهية إعداد: الشيخ د.عبد السلام بن إبراهيم الحصين حفظه الله ص4 أشرطة مفرغة0
** ينظر دراسة وتحقيق عُمْدَةُ النَّاظِر على الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ(ج1_ص28)
*** المنثور في القواعد للزركشي(ج1_ص66)
ويمكن أجمال أهميتها بما يلي:
1_ضبط الفروع الجزئية المتناثرة، والاستغناء عن حفظها، وسهولة معرفة أحكامها والإلمام بها؛ لأن الإحاطة بالجزئيات غير ممكن لكونها لا تتناهى، مع سرعة نسيانها وعدم ثباتها في الذهن. ولهذا قال القَرافي: "ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات؛ لاندراجها في الكليات"
2_ إن معرفة القواعد الفقهية تجعل الدارس يطلع على أسرار الشريعة، ومدارك الأحكام، ومآخذ المسائل الفقهية.
3- إن الإلمام بالقواعد الفقهية يعين على فهم المسائل، واستحضار أحكامها0
4- تنمية الملكة الفقهية؛ لأنها تعطي الفقيه القدرة على إلحاق المسائل المتحدة في المناط بعضها ببعض، والتخريج على القواعد، وتنزيل الحوادث عليها.
5- إن معرفة القواعد الفقهية تعين العالم على معرفة أحكام النوازل والوقائع.
6- إن دراسة الفروع الفقهية مجردة عن القواعد قد تسبب التناقض الذهني لدى الطالب، لكن دراستها مع القواعد تبعد ذلك التناقض.
7- إدراك مقاصد الشريعة، فمعرفة القاعدة العامة يفهم منه مقصد الشريعة في ذلك.فقاعدة: الضرورات تبيح المحظورات. يفهم منها أن رفع الحرج والتيسير على العباد مقصد من مقاصد الشريعة0*
المبحث الثاني: الشروع في ذكر القواعد الواردة في الكتاب:
1_ ( الأمور بمقاصدها)**
عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:"إنَّمَا الأعْمَالُ بَالْنيَاتِ***وَإنَّمَا لِكل امرئ مَا نَوَى، فمَنْ كَانَتْ هِجْرَتهُ إلَى اللّه وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتهُ إلَى اللّه وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرتُهُ لِدُنيا يُصيبُهَا، أو امْرَأة يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُه إلَى مَا هَاجَرَ إليهِ"
قال:الشيخ رحمه الله تعالى: هذا حديث عظيم وقاعدة جليلة من قواعد الإسلام هي القياس الصحيح لوزن الأعمال، من حيث القَبول وعدمه، ومن حيث كثرة الثواب وقلته وهذا من الأحاديث الجوامع التي يجب الاعتناء بها وتفهمها، فالكتابة القليلة لا تؤتيه حقه وقد افتتح به الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- صحيحه لدخوله في كل مسألة من مسائل العلم وكل باب من أبوابه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
* ينظر: الأشباه والنظائر للسيوطي /6/، و الأشباه والنظائر لابن نجيم في أعلى غمز عيون البصائر1/35، أنوار البروق في أنواء الفروق للقرافي1/3، الذخيرة للقرافي1/36، 50.)بواسطة 0
** لم يأتي ذكرها في شرح الشيخ نصا لكن جاء ذكر معناها تحت هذا الحديث وقد مت الكلام عليها ليكون بدء القواعد بذكر الأصلين (التوحيد والإتباع) تبركا تنبيها على فضلهما0
*** النية " لغة: القصد. ووقع بالإفراد في أكثر الروايات. قال البيضاوي النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر ا.هـ . وشرعا : العزم على فعل العبادة تقربا إلى الله تعالى.
(ج1_ص24)*
2_ (مَنْ أحدَثَ فِي أمْرِنَا هذا ما ليسَ مِنْهُ فهُوَ رَدٌّ) (وفي لفظ:مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيسَ عليه أمْرُنَا فَهوَ رَدٌّ )
قال: الشيخ رحمه الله تعالى " هذا حديث جليل، وأصل عظيم في الشريعة، وقاعدة من قواعد الإسلام العظمى فقد أبان أن كل أمر ليس من شرع اللَه تعالى، وكل عمل لا يقوم على أمر الله، فهو مردود باطل، لا يعتد به ولا بما يترتب عليه، فهذا من جوامع كلمِه جعله مقياساً لجميع الأمور والأعمال فما كان منها على مراد اللَه وشرعه، فهي المقبولة. وما كان على غيرِ أمره ولا شرعه، فهي المردودة.
قال النووي:"وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، ومن جوامع كلمه وقال: أيضاً: فإنه (أي: الحديث) صريح في رد كل البدع والمخترعات وقال أيضاً: " وفي هذا الحديث دليل لمن يقول من الأصوليين إن النهي يقتضي الفساد "وقال: أيضا: "وهذا الحديث ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به "وفيه دليل على أن الأصل في العبادات الحظر فلا يشرع منها ولا يزاد فيها إلا ما شرعه الله ورسوله. قال: النووي أيضاً:"فيه دليل على أن المأخوذ بالعقد الفاسد يجب رده على صاحبه ولا يملك.ويدل عليه أيضا حديث وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة فقال: عليه الصلاة والسلام: " الوليدة والغنم رَدُّ عليك ".قال: النووي أيضا: " وفيه دليل على من ابتدع في الدين بدعة لا توافق الشرع فإثمها عليه، وعمله مردود عليه، وأنه يستحق الوعيد ".قال: شيخنا "عبد الرحمن بن سعدي":[ووجه مناسبة هذا الحديث لهذا الباب: أنه لو تبين أن حكم القاضي مخالف لأمر الرسول فإنه يرد، وأن القضاء يترتب على أحكام الشرع، فلا يلتفت إلى ما يحدثه القضاة].
قال: الصنعاني: يفيد أن كل عمل ليس عليه أمره صلى الله عليه وسلم مردود، والذي عليه هو كل ما دل عليه الكتاب والسنة، وليس محدثاً مبدعا في الدين، فإنه مردود على فاعله وكل أمر كان عليه أمره صلى الله عليه وسلم فإنه مقبول. فإن هذا الحديث نصف العلم، بل العلم كله، إذ منطوقه دال على رد كل عمل لم يكن عليه أمره ، ومفهومه أفاد أن كل عمل كان عليه أمره مقبول0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
* ط دار الفيحاء دمشق _ دار السلام الرياض وهي التي اعتمدت عليها في الترقيم الصفحة والجزء0
(ج2_ص486_488)*
3_ ( المعنى المستنبط إذا عاد على النص بالإبطال فهو مردود)
عَنْ أبي هريرة رضي اللّه عَنْهُ أنَّ رَسُولَ الله قالَ: "إذَا شَرِبَ الكَلْبُ في إِنَاءِ أحَدكم فْليَغسِلْهُ سَبْعاً" ولمسلم " أولاهُنَ بِالتَرابِ".وله في حديث عبد الله بنِ مُغَفَل أن رسول الله قال: "إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في الإنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَا وَعَفرُوه الثًامِنَةَ بِالتراب" قال: النووي : لا يقوم الأشنان ولا الصابون أوغيرهما مقام التراب على الأصح قلت:_أي البسام_ وقد ظهر في البحوث العلمية الحديثة أنه يحصل من التراب إنقاء لهذه النجاسة مالا يحصل من غيره وإن صح هذا فإنه يظهر إحدى معجزات الشرع الشريف ولفظ عفر يُؤَيّد اختصاص التراب لأن العفر لغة هو: وجه الأرض والتراب. (ج1_ص35)
4_ ( الحديث إذا كان عام الدلالة وعارضة غيره في بعض الصور وأردنا التخصيص فالواجب أن نقتصر في مخالفة العموم على مقدار الضرورة ويبقى الحديث العام على مقتضى عمومه فيما يبقى من الصور إذ لا معارض له فيما عدا تلك الصور المخصوصة التي ورد فيها الدليل الخاص)
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضيَ الله عَنْهُمَا: قَالَ: "رَقيِتُ يَوْماً عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ، فَرَأيْتُ النبي يَقْضى حَاجَتَهُ مُسْتَقْبلَ الشَّام مُسْتَدْبرَ الكَعْبَةِ". قلت: ومراده والله أعلم أن من قال: بالجواز فعليه أن يقتصر على الإستدبار دون الاستقبال لأنه الوارد في الحديث0
(ج1_ص54)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
* قدمت الكلام على هذا الحديث والقاعدة العظيمة هاهنا ليكون مناسب لما قبله ويكون بدء هذه القواعد بالتوحيد والأتباع كما أسلفت وإلا فإن أول القواعد في هذا الجمع هي القاعدة رقم(3) فهي أول القواعد في الكتاب وقدمت عليها الحديثين لأنهما أعظم قواعد الإسلام وقول من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وآله وسلم وكي يكون البدء بالتوحيد والأتباع كما مرقريبا0
5_ ( درء المفاسد، مقدم على جلب المصالح)
عن أبِي هريرة رَضِي الله عَنْهُ، عن النبي قال : " لَوْلاَ أنْ أشُقَّ عَلَى أمتي لأمَرْتُهُمْ بِالسَّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضوءٍ عِنْدَ كُل صَلاةٍ"قال:الشيخ رحمه الله تعالى: "وهذه قاعدة عظيمة نافعة جدا. فإن الشارع الحكيم ، ترك فرض السواك، على الأمة مع ما فيه من المصالح العظيمة، خشية أن يفرضه الله عليهم فلا يقوموا به فيحصل عليهم فساد كبير، بتركِ الواجبات الشرعية"
(ج1_ص63)
6_ ( الأصل بقاء الأشياء المتيقنة على حكمها، فلا يعدل عنها لمجرد الشكوك والظنون، سواء قويت الشكوك، أو ضعفت، مادامت لم تصل إلى درجة اليقين)*
عن عَبّادٍ بنِ تَميمٍ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ زَيد بنِ عَاصِمٍ المَازِني قال: "شُكِيَ إلى النبي الرجُلُ يُخَيلُ إلَيْهِ أنَهُ يَجِدُ الشيء في الصَّلاةِ، فَقَالَ: "لا يَنْصرفْ حَتّى يَسمَعَ صَوتاً أو يَجِدَ رِيحاً" وفي معناها القاعدة العامة(الأصل بقاء ما كان على ما كان) ويستدل لها ايضا"بحديث عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رَضي الله عنهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله يقول :" إذا رَأَيْتمُوه فَصُومُوا، وَإذا رَأَيْتُمُوه فَأفْطِروُا، فَإنْ غُمَّ عَليْكم فاقْدُرُوا لَهُ".
قال:الشيخ ومن ذلك أن الأصل بقاء شعبان، وأن الذمة بريئة من وجوب الصيام، مادام أن شعبان لم تكمل عدته ثلاثين يوماً، فيعلم أنه انتهى، أو يرى هلال رمضان، فيعلم أنه دخل.ولذا فإن النبي أناط صيام شهر رمضان، وفطره برؤية الهلال.فإن كان هناك مانع من غيم، أو قتر، أو نحوهما، أمرهم أن يقدروا حسابه. وذلك بأن يتموا شعبان ثلاثين، ثم يصوموا. لأن هذا بناء على أصل "بقاء ما كان على ما كان".
(ج1_ص73_ص74_ص410)
7_ (المشقة تجلب التيسير)
عَنْ أُم قَيْسِ بِنْتَ مِحْصَنِ اْلأسديَة رضي الله عنها "أنها أتَتْ بِابْنِ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأكُلِ الطّعَامَ، إِلَى رَسُولِ اللّه فأجلَسَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاء فَنَضَحَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَلَمْ يَغْسِلْهُ"
وفي حديث عائشةَ أًم المؤمنين رضي الله عنها:" أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِصبيٍّ ،فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاء فَأتْبَعَهُ إِيَّاه. ولمسلم " فَأتْبَعَهُ بَوْلَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ "
وكذلك من حديثها رضي الله عنها"كانَ يَكُونُ عَلَيَّ الْصَّوْمُ في رَمَضَان فَمَا أسْتَطِيعُ أَنْ أقْضِيَ إلا في شَعْبَانَ"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
* وهي تندرج تحت قاعدة "اليقين لا يزول بالشك"
وحديث عَبدِ الله بْنِ عَبَّاس رَضيَ الله عَنْهُمَا قال :"أعْتَمَ النبي فَخَرَجَ عُمَرُ فَقَالَ: الصَّلاةَ يَا رَسولَ اللَه، رَقَدَ النسَاءُ وَالصبْيَانُ. فَخَرَجَ وَرَأسُه يَقْطُرُ يَقُول:لولا أنْ أشُقَّ عَلَى أمتي أوْ عَلَى النّاس لأمَرْتُهُمْ بِهذِه الصّلاةِ هذِهِ السّاعَةَ" قال:الشيخ عن هذا الحديث الأخير"أن المشقة تسبب اليسر والسهولة في هذه الشريعة السمحة" وقد ذكرت جميع الأدلة التي وردت في الكتاب لأهمية هذه القاعدة وعظيم شأنها0
(ج1_ص76_وص107_وص121)
8_ (عند تزاحم المفاسد، يرتكب أخفها)
عَنْ أنَس بْنِ مَالِكٍ رضيَ اللَه عَنْهُ قال: "جَاءَ أعْرَابيّ فَبَاَلَ في طَائِفَةِ المسْجدِ فَزَجَرَهُ الناس، فَنَهَاهُمُ النبي فلَما قَضَى بَولَه، أمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فأهْرِيقَ عَلَيْهِ" قال:الشيخ فقد تركه يكمل بوله، لأجل ما يترتب من الأضرار بقطعه عليه0
(ج1_ص77)
9_ ( مفهوم العدد ليس بحجة) من حديث أبيِ هُرَيرة رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: " الفطرة خمس:الْخِتَانُ والاستِحْدَادُ وَقَصُ الشَّارب،وَتَقلِيمُ الأظَافِرِوَنَتْف الإبْطِ"
(ج1_ ص79)
10_(المستحب لا يزاحم الواجب)
ذكرها الشيخ في شرح حديث عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا عن النَّبيِّ قَالَ: "إذَا أقيمت الصلاة وَحَضَرَ العشَاءُ فَابْدَأوا بِالعشَاءِ" وعن ابن عمر، نحوه.
قال:الشيخ رحمه الله تعالى: يطلب في الصلاة الخشوع والخضوع وحضور القلب، لأن ذلك هو روح الصلاة، وبحسب وجود هذا المعنى، يكون تمام الصلاة أو نقصها. فإذا أقيمت الصلاة، والطعام أو الشراب حاضر، فينبغي البداءة بالأكل والشرب حتى تنكسر نهمة المصلي، ولا يتعلق ذهنه به، وكيلا ينصرف قلبه عن الخشوع الذي هو لبُّ الصلاة، هذا ما لم يضق عليه الوقت فإن ضاق، فحينئذ يقدم الصلاة في وقتها على كل شيء، لأن المستحب لا يزاحم الواجب.ثم قال رحمه الله ما يؤخذ من الحديث: أن الطعام والشراب إذا حضرا وقت الصلاة، قدما عليها مالم يضق وقتها فتقدم على أية حال.
(ج1_ص123)
11_ ( المأمورات إذا وقعت على خلاف مقتضى الأمر لم يعذر فيها بالجهل، بخلاف المنهيات، فقد فرقوا في ذلك. فعذروا في المنهيات بالنسيان والجهل وقال: الصنعاني: ويدل على ذلك أمره صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته بإعادتها مع تصريحه بأنه لا يحسن سواها، وكذلك أمر من نحر قبل الصلاة بالإعادة، وهذه قاعدة نافعة)
عَن البَرَاءِ بن عَازبٍ رَضيَ الله عَنهمَا قَالَ: خَطَبَنَا النَّبيُّ يَوْمَ الأضْحَى بَعْدَ الصَّلاة فَقَال:"من صَلَّى صَلاَتَنَا وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَقَدْ أصَابَ النُّسُكَ، وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصلاةِ فَلاَ نُسُكَ لَه.فقال: أبو بُرْدَةَ بن نِيَار خال البراء بن عازب: يا رسول الله إني نَسَكتُ شاتي قَبلَ الصَّلاَةِ، وَعَرَفْتُ أنَّ اليوم يَومُ أكل وَشُرب وَأحْبَبْتُ أن تكُون شَاتي أوَّلَ مَا يُذْبَحُ في بَيْتي، فَذَبَحْتُ شَاتي وتغدَّيْتُ قبل أن آتي الصَّلاَةَ.
قال: " شَاتُكَ شَاَةُ لَحمٍ".قال: يَا رَسُولَ الله، فَإنَّ عِنْدَنَا عَنَاقاً*وَهِيَ أحَبُّ إِلَينا مِنْ شَاتَيْنِ، أفتجْزِى عَنى؟ قَالَ: " نَعَمْ وَلَن تُجزِيَ عَنْ أحَدٍ بَعْدَكَ ".
(ج1_ص323)وانظر لتوضيح القاعدة أكثر الشرح الممتع (ج2_ص233_وص387)ط ابن الجوزي)
12_ ( أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تعتبر)
فقد وردت مخاطبتهم بالصلاة(و) لا يختص بهم الحكم قطعاً "عَنْ عَبْدِ الله بن عباس رَضيَ الله عَنْهمَا قالَ: قَالَ رَسُولُ الله لمُعَاذِ بن جَبَل حِينَ بَعَثَهُ إلى اليمَنِ:" إنك ستأتي قوْما أهل الكتاب، فَإذَا جئتهم فادعُهم إِلى أنْ يشهدوا أنْ لاَ إله إلا الله وَأن محمدا رسولُ الله فَإن هُم أطَاعُوا لَكَ بِذلِكَ فأخْبِرْهُم أن الله قد فَرَض عَلَيهم خمس صَلَوَاتٍ في كل يَوم وليلة .
فَإنْ هُمْ أطَاعُوا لَكَ بِذلك ، فَأخبِرهُمْ أن الله قَدْ فَرَضَ عَليهم صَدَقَةً تُؤخَذُ مِنْ أغنِيَاِئهمْ فترَدُّ عَلَى فُقَرَائِهمْ.فَإنْ هُمْ أطَاعُوا لَكَ بِذَلكَ، فَإيَّاكَ و كرَائمَ أمْوَالِهم.وَاتقِ دَعْوَةَ المَظْلُوم، فَإنهُ لَيْسَ بينهَا وَبينَ الله حِجَابٌ"
(ج1_ص387)
13_ (تعليق الحكم باللقب، لا يدل على نفيه عما عداه)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عَنْهُ: أن النبي قال :"مَنْ نَسيَ وهُوَ صَاِئمٌ فَأكَلَ أوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فإنَّمَا أطعَمَهُ الله وَسَقَاهُ ".ذكره الشيخ ردا على من قصر الحكم في الأكل والشرب دون الجماع0
(ج1_418)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
* عناقاً: العناق، الأنثى من ولد المعزى إذا قويت ولم تتم الحول، وهو بفتح العين وتخفيف النون0
14_ (العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب)
عَنْ عَبْدِ اللّه بْن مَعْقِلٍ، قال: جَلَسْتُ إلى كَعْب بْنِ عُجْرَةَ فَسَألتُهُ عَنِ الفِدْيَةِ فقال: نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّة، وَهِي لَكُمْ عَامَّة:حُمِلْتُ إلى رَسُولِ اللّه وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلى وَجْهي فقال:"مَا كُنْتُ أرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أرى –أو: مَا كُنْتُ أُرَى الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْكَ مَا أرَى:- أتَجدُ شَاةً؟ فَقُلْتُ: لا، قَالَ: فَصُمْ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ، أَوْ أطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِيْنَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ.
وفي رواية: أمَرَهُ رَسُولُ الله أنْ يُطْعِمَ فَرَقاً بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، أوْ يُهْدِي شَاةً، أوْ يَصُومَ ثَلاثَةَ أيامٍ".
والآية هي قوله تعالى:( وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (البقرة 196)
(ج2_ص387)
15_ ( العبادات توقيفية، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله)
عَنْ عُمَرَ رَضي الله عَنْهُ: "أَنَّهُ جَاءَ إلى الحَجَرِ الأسْوَدِ وَقبَّلَهُ وَقَالَ: إنِّي لأعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ، وَلَوْلا أنِّي رَأَيْتُ النَّبِي يُقَبِّلُكَ مَا قبَّلْتُك" ومعنى هذا أن العبادات لا تكون بالرأي والاستحسان، وإنما تتلقى عن المشرع، وهذه قاعدة عظيمة نافعة، تؤخذ من كلام المحدَّث الملهم، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عن وأرضاه0(ج2_ص54)
16_ (الجهل بالتماثل، كالعلم بالتفاضل في الحكم)
عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّه رَضي اللّه عنهما قال:" نَهَى النبي عَنِ الْمُخَابَرَةِ*، والْمُحَاقَلَةِ**، وَعِنِ الْمُزَابَنَةِ***وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا، وَأنْ لا تُبُاعَ إلا بِالدينَارِ وَالدِّرْهَمِ، إلا الْعَرايَا****".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المخابرة: على وزن المفاعلة، مأخوذة من " الخبار " وهي الأرض اللينة القابلة للزرع، أو من " الخبير " وهو من يحسن حرث الأرض
** المحاقلة: مأخوذة من " الحقل" وهو الزرع وموضعه، فاشتقت منه. والمراد بها- هنا- ييع الحنطة بسنبلها، بحنطة صافية من التبن.
*** المزابنة: بضم الميم، وفتح الزاى، والباء، والنون ، على وزن المفاعلة. وهى مأخوذة من " الزبن " وهو: الدفع الشديد، كأن كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه. التي هي بيع المعلوم بالمجهول من جنسه،
**** العرية: فعيلة بمعنى مفعولة. وجمعها عرايا مثل مطية ومطايا. قال في مختار الصحاح : وإنما أدخلت فيها الهاء، لأنها أفردت فصارت في عداد الأسماء، كالنطيحة، والأكيلة. وسميت" عرية " لانفرادها بالرخصة عن أخواتها.
قال:الشيخ رحمه الله تعالى: تقدم أن الأصل في المعاملات الحل والجواز، وأنها باقية على أصل الإباحة والبراءة الأصلية.وما ورد عن الشارع الحكيم، من النهى عن بعض المعاملات التي يرجع إلى قاعدة الربا المحرمة المستقبحة شرعاً وعقلا وغير هاتين من قواعد الفساد الذي حاربه الشارع يشمله النهى من باب أولى.
ومن تلك المعاملات الراجعة إلى الجهالة وإلى الربا أيضا، المخابرة، والمحاقله، التي هي عبارة عن بيع الحب في سنبله، بحب من جنسه.
فهنا جهل أحد العوضين، لأنه مستور بأوراقه وتبنه، والجهل بذلك يوقعنا في ربا الفضل، لأن الجهل بالتماثل، كالعلم بالتفاضل في الحكم.
(ج2_ص151)
17_ ( الرخصة لايتعدى فيها قدر الحاجة)
عَنْ أبي هريرةَ رَضي الله عَنْهُ: "أنَ النبي رَخَّصَ في بَيْع العَرَايَا في خَمْسَةِ أوْسُق ، أو دون خَمْسَةِ أوْسقٍ"
قال:الشيخ رحمه الله تعالى: لما كانت مسألة "العرايا" مباحة للحاجة من أصل محرم، اقتصر على القدر المحتاج إليه غالباً، فرخص فيما قدره خمسة أوسق فقط أو ما دون ذلك، لأنه في هذا القدر تحصل الكفاية للتفكه بالرطب.
(ج2_159)
18_ (يثبت تبعا مالا يثبت استقلالا)
عَنْ عَبْدِ اللّه بْنِ عُمَرَ رَضي اللّه عَنْهُما: أن رَسولَ الله قال: " مَنْ بَاعَ نَخْلا قَدْ أبرت*فَثَمَرَتُهَا للْبَائِع، إلا أنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ"و لمسلم و" مَنْ ابتَاعَ عَبْدا فَمَالُهُ للَّذِي بَاعَهُ إلا أن يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ "قال:الشيخ يؤخذ منه: دخول الثمرة في البيع إذا اشتريت قبل التأبير ، أو اشترطها المشترى وهي مؤبرة يُعَدّ بيعاً للثمر قبل بُدُو صلاحه، لكن رخص فيه لأنه تابع لأصله. ليس مستقلا. والقاعدة العامة" يثبت تبعاً، ما لا يثبت استقلالا " وهذه الصورة منها وبهذا يجمع بين النصين.
أن من باع عبداً، وقد جعل بين يديه مالا يتصرف به، فالمال للبائع إلا أن يشترطه المشترى مع الصفقة، أو يشترط بعضه، فيدخل مع المبيع. وحينئذ يشترط فيه ما يشترط غيره من المبيعات.ولا يضر أن يكون مع العبد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* التأبير:التلقيح، وهو وضع شيء من طلع ذكر النخل، في طلع إناثه.
المبيع ما يدخله الربا مع الثمن، كأن يتبعه فضة والثمن ريالات فضية، لأنه تابع0 وعَنْ عُقْبَةَ بن الحَارِثِ:"أنَهُ تَزَوَّجَ أم يحي بِنْت أبي إهَاب .فَجَاءت أمَة سَودَاء فَقَالَتْ:قَد أرضعتكما.فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِلنَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ: فَأعرَضَ عَنها. قَالَ: فَتَنَحَّيْتُ فَذَكَرتُ ذلِكَ لَهُ، فَقَالَ "وَكَيفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أن قَدْ أرْضَعَتْكُمَا "
قال:الشيخ البسام رحمه الله تعالى:وفيه إثبات القاعدة الشرعية العامة وهي:(يثبت تبعا مالا يثبت استقلالا)ووجهه أن شهادة المرأة لا تكفي في فسخ النكاح وفي الطلاق، فإذا شهدت بالرضاع،ثبت حكمه، فيثبت فسخ النكاح تبعا له.
(ج2_ص 162_ص390)
19_ قال:الشيخ أخذ من هذا الحديث " ابن رجب " رحمه الله، قاعدة عامة وهى: (أنه يجوز للإنسان نقل الملك في شيء واستثناء نفعه المعلوم مدة معلومة. وهذا يعم كل شيء من إجارة، وهبة، ووقف، ووصية، إلا بُضْعَ الأًمَة فلا يجوز استثناؤه، لأنها منفعة لا تحل إلا بالزوجية أو ملك اليمين) والحديث عن جَابِرِ بن عَبْدِ الله رَضيَ الله عَنْهُمَا: أنهُ كَانَ يَسِيُر عَلَى جَمَل فَأعْيَا، فأرَادَ أن يُسَيبهُ.
قال: فَلَحَقَني النبي فَدعَا لي ، وَضَرَبهُ فَسارَ سيْراً لَم يَسِرْ مِثلَهُ قَطْ، فقالَ: " بعْنِيهَ بأوقِية " قُلْتُ: لا. ثم قال: " بعْنِيه " فَبِعْتُهُ بأوقِيةٍ ، وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلانَهُ إلَى أهلي. فَلَما بَلَغْتُ، أتَيتهُ بَالجَمَلِ، فَنَقَدَني ثمَنَهُ. ثُم رَجَعْتُ. فَأرْسل في أثرِي فَقَالَ: " أتراَني مَاكَستكَ لآخُذَ جَمَلَكَ؟ خذْ جَمَلَكَ وَدرَاهِمَكَ، فهُوَ لَكَ" .
(ج2_ص186)
20 _ (الضرر لا يزال بالضرر)
عَن أبي هُرَيرةَ رضىَ الله عَنْهُ: أن رَسولَ الله قال: " لا يَمْنَعَن جَار جَارَهُ أن يَغْرزَ خَشَبَةً في جدَارهِ " .ثم يقول أبو هريرة: مَا لي أراكم عَنْهَا مُعْرضِينَ؟
والله لأرْمِيَن بِهَا بَين أكتافكم "فمن حسن الجوار، ومراعاة حقوقه، أن يبذل بعضهم لبعض، المنافع التي لا تعود عليهم بالضرر الكبير مع نفعها للجار.ومن ذلك أن يريد الجار، أن يضع خشبة في جدار جاره. فإن لم يكن ثَم حاجة إلى ذلك، ينبغ لصاحب الجدار أن يأذن له، مراعاة لحق الجار.
وإن كان ثَم حاجة لصاحب الخشب، وليس على صاحب الجدار ضرر من وضع الخشب، فيجب على صاحب الجدار أن يأذن له في هذا الانتفاع ، الذي ليس عليه منه ضرر مع حاجة جاره إليه. ويجبره الحاكم على ذلك إن لم يأذن.فإن كان ثَم ضرر، أو ليس هناك حاجة، فالضرر لا يزال بالضرر.والأصل في حق المسلم المنع، ولذا فإن أبا هريرة رضي الله عنه، لما علم مراد المشرع الأعظم من هذه السنة الأكيدة، استنكر منهم إعراضهم في العمل بها، وتوعدهم بأن يلزمهم بالقيام بها، فإن للجار حقوقا فرضها اللَه تعالى تجب مراعاتها والقيام بها.
(ج2_ص 228)
21_ ( الأصل بقاء الحديث على الظاهر، كما أن الأصل في الأحكام، العموم)
عَن أنَس بن مَالِكٍ رَضي الله عَنْة "أن النبي أعتَقَ صَفيةَ وَجَعَل عِتْقَهَا صَدَاقَهَا"
قالها: الشيخ ردا على من جعل الحكم خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: وذهب الأئمة الثلاثة: إلى عدم جواز ذلك. وتأولوا الحديث بما يخالف ظاهره، أو حملوه على الخصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم.
وحمل الحديث على خلاف ظاهره أو جعله خاصا، يحتاج إلى بيان ودليل، لأن الأصل بقاء الحديث على الظاهر، كما أن الأصل في الأحكام، العموم. ولو كان خاصا، لنقِل.
(ج2_ص330)
22_ ( اعتماد العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي)
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عَنْهَا قالت: دَخَلَتْ هِنْدُ بِنْت عتْبَةَ امرأة أبي سُفْيَانَ، عَلى رَسُولَ الله فَقَالَتْ: يا رسول الله، إنَ أبَا سُفيَانَ رجل شَحِيح، لا يعطيني مِنَ النفَقَةِ مَا يكفيني وَيَكْفِى بَنىَّ، إلا ما أخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَهَلْ عَلَيَّ في ذلكَ مِن جُنَاح؟ فَقَالَ رَسُولُ الله : " خُذِي منْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ و يَكْفي بَنِيكِ ".
قال:الشيخ رحمه الله تعالى:" وفيه اعتماد العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي، فقد جعل لها من النفقة الكفاية، وهذا راجع إلى ما كان متعارفا في نفقة مثلها وأولادها"0
(ج2_ص490)
23_ (حكم الحاكم لا يحل ما في الباطن ولا يحل حراما)
وهو مذهب جماهير علماء المسلمين، وفقهاء الأمصار، ومنهم الأئمة الثلاثة، مالك، و الشافعي، وأحمد.
عَنْ أم سَلَمةَ رَضيَ الله عَنْهَا: أنَّ رَسُولَ الله سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهمْ فَقَالَ:"ألا إنَّمَا أنَا بَشَرٌ مِثْلكُمْ وَإنَّمَا يَأتيني الْخَصْمُ، فَلَعَلِّ بَعْضَكُم أن يَكُونَ أبْلَغَ مِنْ بَعْض، فَأحْسَبُ أنهُ صَادِقٌ فَأقْضي لَهُ، فمَن قَضَيْتُ لَهُ بِحَق مسلم*فَإنَّمَا هِي قِطْعَةٌ مِنَ النًارِ فَلْيَحْمِلْهَا أوْ يَذرْهَا" قال:الشيخ" فإذا حكم له الحاكم بالزوجة التي يعلم أنه ليست له زوجة، فلا تحل له، أو بالمال الذي يعلم أنه مبطل في دعواه، فلا يحل له، ونحو ذلك"
(ج2_ص492)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* التقييد ب(المسلم) خرج مخرج الغالب، وإلا فمثله الذمي و المعاهد.
24_ قال: ابن رجب: (كل عين لم يدًعِهَا صاحب اليد، فمن جاء فوصفها بأوصافها الخفية فهي له)
عَنْ ابْنِ عباس رَضيَ اللّه عَنْهُمَا: أنَّ النَّبي قَالَ: لو يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رجال وأموالهم وَلكِنَّ الْيَمِين عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ".قال:الشيخ بهذا تعلم أن هذا الحديث قاعدة عظمى من قواعد القضاء، فعليها يدور غالب الأحكام. وقال:أيضا يبيِّن النبي صلى الله عليه وسلم أن من ادَّعى على أحد، فعليه البينة*لإثبات دعواه.فإن لم يكن لديه بينة، فعلى المدَّعَى عليه اليمين لنفي ما ادُّعِىَ عليه من حق الدعوى، وصارت اليمين في جانبه، لأنها تكون مع الأقوى جانباً.وقوى جانبه، لأن الأصل براءته مما وُجه إليه من الدعوى.
(ج2_ص497)
25_ (إذا ترجحت المصلحة على المفسدة وغمرتها، اغتفرت المفسدة لذلك)
من حديث عَبْدِ اللّه بنِ عُمَرَ رضي اللّه عَنْهُمَا قَالَ:" أجْرَي النَّبي مَا ضُمِّرَ مِنَ الخَيل مِنَ الْحَفيَاءِ إلى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ، وَأجْرَى مَا لمْ يُضَمرْ مِنَ الثنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَني زُريقٍ . قَالَ: ابنُ عُمَرَ: وَكُنْتُ فِيمَنْ أجْرَى". قال:الشيخ رحمه الله تعالى: "يحتمل أن تكون المسابقة بِعِوَض أو بغيره، وهى جائزة على كلا الأمرين، وإن كانت مع العوض نوعا من القمار، ولكن لما كانت مصلحتها عظيمة أبيحت،
فإن القاعدة الشرعية تقول: إذا ترجحت المصلحة على المفسدة وغمرتها، اغتفرت المفسدة لذلك لا يتقيد هذا بإجراء الخيل، فكل ما أعان على قتال الأعداء من الأسلحة والمراكب، فالمغالبة عليه بِعَوَض جائزة، لحديث "لا سَبَقَ- أخذ عوض- إلا في نصل أو خف أو حافر) وهذا مذهب جمهور العلماء وألحق شيخ الإسلام (ابن تيميه) بها مسائل العلم، فتجوز المراهنة عليها وأخذ العوض، لأنه من الجهاد، ولقصة أبي بكر مع المشركين."
(ج2_ص560)
تمت بحمد الله وعونه القواعد الفقهية والأصولية التي جمعتها من الكتاب وكان آخر باب في الكتاب "باب العتق" فلعلها بشارة خير فأسأله سبحانه العتق من النار إنه ولي ذلك وهو نعم مسؤل0
وأذكر هنا بما قاله أهل العلم" كل كتاب سوى كتاب الله سبحانه فهو عرضة للنقد والانتقاد والتخطئة والتصحيح فمن رأى زلة قلم أو نبوة فهم فليصحح وليقوم وليستر فإن الله جل وعلا "حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يحب الحياء والستر"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
* البينة: اسم لكل ما أبان الحق وأظهره، من الشهود وقرائن الحال، ووصف المدَعَى في نحو اللقطة.
** أخرجه أحمد (4/224 ، رقم 17999) وأبو داود (4/39 ، رقم 4012) والنسائى (1/200 ، رقم 406) وأخرجه أيضًا:البيهقى في الآداب (1/198 ، رقم 908) قال:الشيخ حمد بن عبد المحسن بن أحمد التويجري الحديث رواه أبو داود والإمام أحمد والنسائي بسند صحيح، وممن صححه من المتأخرين الشيخ ناصر رحمة الله عليه0
وبما قال: العماد الأصفهاني*:" إني رأيتُ أنه لا يكتب أحد كتاباً في يومه إلا قال في غَدِهِ : لوُ غَّيرَ هذا لكان أحسن ولو زيَّد هذا لكان يُستحَسن ولو قُدَّم هذا لكان أفضل ولو تُرِك هذا لكان أجمل . وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر"
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
جمعه ورتبه حامداً ومصليا في
1|ذي القعدة|1431هـ
9|10|2010م
أبو العبدين البصري عفا الله عنه وعن ومشايخه ووالديه وذريته أجمعين0
في محافظة صلاح الدين حرسها الله0
جمعه ورتبه حامداً ومصليا في
1|ذي القعدة|1431هـ
9|10|2010م
أبو العبدين البصري عفا الله عنه وعن ومشايخه ووالديه وذريته أجمعين0
في محافظة صلاح الدين حرسها الله0
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..