فِقه
الواقِع مصطلح ٌ يُراد به أن يضيف العالِم إلى معرفته بمواضع الاستدلال من
الكتاب والسنة وأصول الفقه وقواعِد اللغة العربية معرفةً بأحوال النَّاس
الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومتطلبات المرحلة، ومآلات الأحوال،
ومنتهى تجارب الأمم، وأن لا يكون غِرًّا تخدعه وسائل الإعلام، أو ضعيفًا
يَنْجَرُّ مع مجموع الناس فيصبح متأثِّرًا بهم لا مؤثِّرًا عليهم ليصل به
الأمر أن يكون ناطقاً وحسبُ باسمهم ومعبراً عنهم لا غير؛ فهو إن نزل لهذا
المستوى سيكون شراً على الناس لا خيرًا لهم، ذلك أنَّ العالم البصير هو
الذي ينقذ الناسَ من سطوة الإعلام المفرض عليهم، وينبههم إلى ما يغيب عن
عقولهم بسبب سرعة التفاف المجموع على الأخطاء وتواصيهم بها وتعصبهم عليها؛
فلا ينتشلهم من سطوة العقل الجمعي إلا صوتُ العالِم الذي استعصى بوعيه
واتِّباعه وجمعه بين الفقه والدليل على الاستئسار لما اجتمعت عليه عقول
العامة.
المصدر
د.محمد بن إبراهيم السعيدي
هذا
ما أفهمُه عن حقيقة فقه الواقع الذي طالما تغنى العلماء وطلاب العلم
المنتسبون إلى الحركات السياسية الإسلامية به، ولمزوا العلماء الذين أسموهم
بالتقليديين بالبعد عنه، ووصفوا مشكلة التقليديين [كما يسمونهم] بأنها
ليست ضعف العلم بل ضعف الفقه بالواقع على الصفة التي تقدمت الإشارة إليها.
كشفت
السنوات الأربعون الماضية أن الواقع الذي يريد أولئك من العلماء تفهُّمه
ماهو إلا المصير إلى آرائهم وتصوراتهم ومنطلقاتهم، وأن من لا يصير إلى ذلك
جاهل بالواقع، فمعيار الحكم على العالِم عندهم مدى مخالفته أو موافقته لهم
وليس مدى نفاذ بصره وقوة بصيرته ووعيه بمآلات الأمور واستفادتِه من
تجارِبِ الماضي.
أثارَ
هذه المقدمة لديَّ ما أعلنه مفتي ليبيا الصادق الغريانِي ووصفه بأنَّه
فتوى يسأل عنها أمام الله تعالى، إذ ذكر: أنَّ على من حجَّ واعتمر عمرة
الإسلام أن لا يعود إلى ذلك مرة أخرى؛ لأن المال الذي يتم دفعه يذهب لجيوب
آل سعود الذين يستعينون به على قتل المسلمين في اليمن وليبيا!
ثمَّ
قال: وسوف يقتلون الناس في السودان وفي الجزائر. وفي تونس! واستند في
حديثه ذلك على قوله تعالى: (وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)
[البقرة 219]
والمؤسف
أنني رأيت من بعض مشايخ الحركيين ودعاتهم تأييداً لهذا الكلام الساقط، ولم
أرَ أي رد من بقيتهم علميٍ أو عاطفيٍ على هذا الهزال!
ولولا
أنَّ هذا الكلام الساقط انتشر وأنه قد يغتر به بعض الشباب التكفيري الذي
حشت الجماعات المتطرفة أذهانهم بالشبهات، أقول لولا ذلك لما كان يستحق أن
يراق في الرد عليه محجم من حبر.
وسوف أردُّ عليه من جهتين: إحداهما: جهة التسليم الجدلي بصحة مستنده. والأخرى: نسف ما استند عليه من وقائع ونصٍّ شرعي.
فأقول
أولًا: سلَّمنا جدلا – أي لأجل المجادلة وليس تسليمًا على الحقيقة- سلمنا
أن السعودية تقتل المسلمين كما يأفك الأفاكون ويكذب الكاذبون، فهل ذلك مما
يُحرِّم على المسلمين تكرار الحج والعمرة؟
الجواب:
لا؛ لأن الحج والعمرة النافلتين من أفضل الأعمال وهما مكفران للذنوب وأفضل
من الصدقة النافلة ولا يعدلهما إلا الجهاد في سبيل الله، كل ذلك ثابت
بأدلة قطعية. أما الاستعانة بأموال الحج على قتل المسلمين فَوَهْم توهمه
المفتي فكيف يرد به أحاديث قطعية؟ ثم حتى إن لم يكن وهمًا بل كان حقيقة
-تنزلا- فمالارتباط بين تكرار الحج والعمرة وبين استخدام تلك الأموال على
وجه غير مشروع؟! هل من دليل يحرم على الإنسان أن يحج ويعتمر لأنه يتوهم أو
يخاف أن يستخدم ماله في شيء غير مشروع؟ فإن كان كذلك فمالفرق بين الحج
الفريضة والنافلة؟ ولئن كانت الدولة الواحدة لديها عشرات المصادر من الدخل
فإن السعودية كذلك، بل أقول لو أرادت السعودية أن تحارب أحدًا لما احتاجت
إلى أموال الحج والعمرة، بل لما سمحت لها أخلاقها بذلك! فمن أين لهذا
المفتي أن الأموال المأخوذة من الحاج والمعتمر تستخدم للقتل على الفرض
الجدلي بوجوده؟!
ولماذا
لا يقول المفتي: إن الأموال التي تؤخذ من الحاج تستخدم في عمارة المسجد
الحرام ونظافته وإسراجه وتأمينه وتأمين سبله فيكون الحاج والمعتمر شريكًا
في الأجر في ذلك مما يجعل ندب الحج والعمرة له آكد؟!
بل
هذا هو الصحيح فهي لا تستخدم إلا لذلك، مع أنها لا تبلغ معشار ما تبذله
الدولة في خدمة الحاج والمعتمر وخدمة المدينتين المقدستين، ولو لم نحسب إلا
تكاليف إنارة الحرمين وتبريدهما وتكاليف الماء المحُلَّى الذي يجلب من
البحر الملح الأجاج ليصل إلى مكة والمدينة عذبا فراتًا، لو لم يكن إلا ذلك
لتفوق ما تنفقه الدولة على الحرمين على ما يجبى من الحاج والمعتمر من مال.
وإني
أنأى بالإنسان العاقل ولو لم يكن عالمًا أن يقف هذا الموقف فيتهم السعودية
بأنها تستخدم أموال الحج والعمرة في قتل الناس وليس معه من شاهد على ذلك
إلا هواجس سخيفة وإعلام رخيص دعاية فاسدة، لا يصح للعامي أن ينقلها دون
تبيُّن، فكيف لو كان هذا الناقل ينسب نفسه إلى العلم ويبني عليها ما
يسمِّيه فتاوى شرعية يعلن أنه مستعد أن يقف بها أمام الله سبحانه وتعالى
وهو لا دليل لديه؛ بل ويخالف الأدلة القطعية؟! والله إن هذا لمن الخذلان،
وليس بعمل العلماء المتأنين البصيرين بمآلات ما يقولون.
ثم
على افتراض ذلك – أي افتراض أن السعودية تقتل المسلمين بهذا المال- ما رأي
الفقهاء في دفع المال لمن هم أسوء حالاً مما يذكره ذلك المفتي إفكاً على
السعودية من أجل الحج والعمرة ؟
انظر
إلى الشافعي في الأم يقول عن المشركين إذا حصروا الحجاج والمعتمرين عن
بلوغ الحرم: “ولو كانواممن يوثق بأمانه بعد فأعطوه أن يدخل فيحل على جُعل
قليل أو كثير، لم أر أن يعطوهم شيئا لأن لهم عذرافي الإحصار يحل لهم به
الخروج من الإحرام ، وإني أكره أن ينال مشرك من مسلم أخذ شيء لأن
المشركينالمأخوذ منهم الصَّغار، ولو فعلوا ما حرم ذلك عليهم وإن كرهته لهم كما لا يحرم عليهم ما وهبواالمشركين من أموالهم”الأم للشافعي ٢/ ١٧٦.
فهاهو
الشافعي يقول بجواز إعطاء الإتاوة للمشرك المحاد لله وللرسول المحاصر
للمسجد الحرام، ليتمكن المسلم من الحج والعمرة، وهذا مشرك أصلي وشركه بواح
واضح ظاهر، فكيف يتجرأ هذا المتحدث أن يمنع المسلمين من الحج والعمرة مع أن
السعودية ليست مشركة ولم تمنع الحاج ولا المعتمر من قضاء تفثه؟!
وفي
هذا السبيل أيضًا قال ابن قدامة رحمه الله: “وإن طلب العدو خفارة على
تخلية الطريق، وكان ممن لايوثق بأمانه، لم يلزمهم بذله؛ لأن الخوف باق مع
البذل، وإن كان موثوقا بأمانه والخفارة كثيرة، لم يجببذله، بل يكره إن كان العدو كافرا؛ لأن فيه صغارا وتقوية للكفار ، وإن كانت يسيرة، فقياس المذهب وجوببذله، كالزيادة في ثمن الماء للوضوء” المغني ،٣/ ٣٣١.
فانظر كيف أن ابن قدامة قال بوجوب إعطاء الخفارة [وهي المال الذي يعطى مقابل الحماية] للمحاصرللمسجد الحرام الكافر إذا كانت الخفارة يسيرة!
بل
إذا رجعنا إلى كتب مذهبه المالكي نجد أنهم لم يصرحوا إلا بهذا، قال
الحطَّاب الرعيني المالكي: “وقال ابن عرفة: يكره إعطاء الحاصر كافرا أو
مسلما مالا؛ لأنه ذلة، ابن شاس لا يعطيه إن كان كافرا؛ لأنه وهن.قال ابن عرفة قلت الأظهر جوازه، ووهن الرجوع لصده أشد من إعطائه انتهى.
قلت [أي الحطاب]: فكأنه يستظهر جوازه من غير كراهة، وإلا فقد صرح سند بجوازه وما قاله من أن وهنالرجوع أشد قول يسلم له، وما نقله عن سند من كراهة دفع المال للحاصر إذا كان مسلما مخالف لماسيأتي في كلام سند من الاتفاق على جواز ذلك إذا كان الحاصر مسلما” مواهب الجليل ،٣/ ٢٠٣.
وقال أيضا: ” قال صاحب السراج: فإن طلب منه الظالم في طريق أو في دخول مكة مالا فقال بعضالناس: لا يدخل ولا يعطيه وليرجع، والذي أراه أن يعطيه، ولا ينبغي أن يدخل في ذلك خلاف فإن الرجلبإجماع الأمة يجوز له أن يمنع عرضه ممن يهتكه بماله، وقالوا: كل ما وقى به المرء عرضه فهو صدقة،فكذلك ينبغي أن يشتري دينه ممن يمنعه إياه ولو أن ظالما قال لرجل لا أمكنك من الوضوء والصلاة إلابجعل لوجب عليه أن يعطيه إياه انتهى“٢/ ٤٩٥.
فهذه
كتب الفقه تقول بجواز إعطاء المال للكافر إذا منع من الحج إلا ببذله،
ومظنة استخدام الكافر لهذا المال في صد المسلمين والكيد لهم قوية، ومع هذا
قال الفقهاء: يجوز إعطائهم، فكيف يقول هذا المتحدث بتحريم دفع المال لدولة
مسلمة قائمة على خدمة المسجد الحرام وتأمينه وخدمة قاصديه؟!
هل صارت السعودية في نظره أبعد عن الحق من هؤلاء المشركين؟!
والأعجب
من ذلك أن الدولة العبيدية تولت الإشراف على الحكم في الحرمين الشريفين
مدة تقارب المائتي عام وكانت تأخذ الإتاوات على الحجَّاج العابرين إلى الحج
من جهة مصر، ولم يعرف أن أحدًا من العلماء أفتى بعدم جواز الحج أو العمرة
لأجل هذه الإتاوة، على أنَّ العبيدين قتلوا من المسلمين وأعانوا الصليبين
على احتلال انطاكية وسواحل الشام والرملة وبيت المقدس وكريت.
فهل
بلغ دافع الحقد والمغالطة بهذا المفتي أن جعل المملكة العربية السعودية
-التي لا يخفى على كبير وصغير، مسلم وكافر، مقدار ما بذلته ولا تزال تبذله
للأمة الإسلامية في كل مكان وفي الحرمين خاصة- أن يجعلها أسوأ من الدولة
العبيدية التي لم يسجل لها في تاريخ المسلمين حسنة واحدة، ويُعدُّ إسقاطها
من حسنات السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله؟
هذا
ما قلناه على جهة التسليم الجدلي وأما الرد من جهة فهم الواقع فأبدأ
بقوله: (إن السعودية ستقتل المسلمين في السودان وستقتل المسلمين في الجزائر
وستقتل المسلمين في تونس).
أليس
هذا استدلال بغيب لا يعلمه إلا الله على تحريم القيام بشعيرتين من أعظم
شعائر الإسلام وليس عنده من مؤشرات على هذا الغيب إلا سوء ظن لا يبعثه سوى
حقد حزبي وانسياق إلى إعلام عدائي مغرض؟!
هل تُهدم محكمات الإسلام وقواطع الأدلة بمثل هذه الظنون التي لا تعدو أن تكون سرابًا في بيداء الواقع!
ونقول
للمفتي: ماذا عن الرحلات السياحية إلى دولٍ كافرة لعلها تعادي المسلمين
فيما بعد؟ ماذا عن السياحة في تركيا مثلا أو إيران؟ هل يجوز دفع أي مال لهم
من أجل هذه السياحة وإيران هي التي ما تركت دولة عربية إلا وأرادت أن تعبث
بها؟! أقول هذا مع الفارق الكبير بين إيران التي تعادي بوضوح ومع هذا لم
يقل فيها حرفًا وبين السعودية التي تبني وتساهم وتمنح، ومع ذلك يستدل بظنه
على تحريم شيء من دين الله!
ثم
إن السعودية التي قدمت مليارين من الدولارات هبة لا قرضا ومن غير منٍّ ولا
أذى من أجل دعم استقرار السودان كي لا يلاقي مصير ليبيا من التفرق والشتات
والاقتتال، هل هي بذلك تقتل المسلمين في السودان أم تسعى لإحيائهم؟
لا
يمكن أن تنتكس العقول في قلب الموازين دون برهان إلا بدوافع لا تنتمي
للعقل ولا للعلم ولا للتقوى ولا للفقه، فالعقل يقول: إن المال في يد الدولة
ضمانة للاستقرار، والسعودية قدَّمت هذا المال، والعلم يقول: إن الاتهام
المرسل الذي لا يعضده دليل منقصة لصاحبه، وأنَّا لهذا المفتي بزعمه أن
يأتي بدليل واحد على أن السعودية إنما دعمت الحكومة في السودان من أجل قتل
السودانيين، فوا حسرتاه على أدعياء العلم الذين لا يملكون أبسط آلاته، وأما
التقوى فيقول كما قال الله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ
جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا
بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات 6]
وبئس
الرجل الذي يدَّعي العلم وهو لا يكتفي أن يحدِّث بكل ما سمع بل ويبني عليه
ما يصوره للناس على أنه فتاوى، ثم لا يبالي أن يقول: أُسأل عنها أمام
الله!
وهو
يعلم أن من الصحابة المتقين رضي الله عنهم من كانت ترتعد فرائصهم وهم
يفتون في الطهارات والعبادات والمواريث فكيف به يلقي بالكلام السيء العاقبة
والذي لا دليل عليه دون أن يحرك فيه ذلك بشعرة؟
وأما الفقه فمنزوع من هذا الكلام نزعا؛ لأن الفقه هو الفهم وهذا كلام من لا فهم له ولا إدراك.
وأما
حديثه عن كون السعودية ستقتل الناس في الجزائر وتونس فأين بالله من الواقع
ما يبعثه على ذلك؟ لا شيء يبعث على هذا الكلام السقيم إلا أن هؤلاء لم
يكتفوا بتعليق أخطاء ثوراتهم التي اجتالتهم على مشجب السعودية بل عمدوا إلى
تعليق أخطائهم المتوقعة عليها أيضا، فهم كلما وقعوا في مغبة أفعالهم
استكبروا عن الاعتذار من أخطائهم ولجؤوا إلى تعليق تلك الأخطاء على
السعودية!
أليس من الأحرى برجل عاقل كبير ينتسب إلى العلم الشرعي أن يبحث عن الأسباب التي أدت بشعوب هذه البلاد إلى هذا الحال؟
لو
أن هؤلاء اتقوا الله لكان أحرى بهم اعتذارهم للشعوب عما أوقعوها فيه كما
فعل السلف الصالح من التابعين رحمهم الله حين تابوا واستغفروا من خطئهم في
الخروج على الحجاج في دير الجماجم.
وأما
حديثه عن إن السعودية تقتل الناس في اليمن فهو من الخذلان الذي نستعيذ
بالله منه، وإلا فإن المؤمن يعلم أن إنقاذ اليمن من هيمنة الدولة الصفوية
المنكِرة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أعظم الجهاد، وهذا
الرجل يعلم ما تفعله إيران في أبناء السنة الإيرانيين بل ما تفعله بالشيعة
العرب من الأحوازيين، وما جرى على يديها من القتل الذريع والتهجير في
العراق وسوريا ولبنان، ولو تأمل هذا المتحدث ما تفعله السعودية في اليمن من
إرسال المعونات من الغذاء واللباس لأهل اليمن وما يقوم به سلاحها الجوي من
دقة في ضرب الأهداف الإيرانية العسكرية لو تأمل ذلك بإنصاف لعلم أن
السعودية إنما تحمي الناس في اليمن، أما من يقتلهم فهو الفارسي الصفوي
القادم من بعيد ليجعل من اليمن بوابة للوصول للحرمين الشريفين من أجل نبش
قبري صاحبي رسول الله وخليفتيه أبي بكر وعمر كما يقضي بذلك دينهم الخرافي
المجوسي.
وكان
من الأحرى لهذا المفتي أن يفكر قليلا في مآل كلامه هذا ومن المستفيد منه!
فإن قوله بأن السعودية تقتل المسلمين في اليمن هو مدح لإيران التي ما تركت
دولة عربية إلا مدت إليها يدها، فلما قطعت السعودية يدها من اليمن جعلها
ذلك قاتلةً للمسلين؟! أليس لهذا الرجل من تأمل في حال بلاده قبل أن يقحم
قلمه في دولة أخرى ليرى أن إيران التي تقتل الناس في اليمن هي التي تقتل
المسلمين في ليبيا وتؤجج الصراع وتذكي الفتن؟ ألم ير هذا المتحدث السفن
الإيرانية وهي ترسو على السواحل الليبية محملة بالسلاح لدعم طرف على طرف؟
وآخرها السفينة التي اعترفت بوجودها حكومة الوفاق الوطني، وتم ضبطها حين
حذر الجيش الليبي منها وأعلن عن قرب رسوها في ميناء مسراطة محملة بالأسلحة،
هذه السفينة التي تم كشفها وكم من سفينة لم يتم كشفها، وخذ معها أيضا
السفن التركية التي يتواصل رسوها على السواحل الليبية محملة بالسلاح لدعم
طرف على طرف، أم أن إيران وتركيا سلاحهما لا يقتل ولا يثير النزاع؟!
هؤلاء
هم الذين يقتلون الليبيين؛ أما السعودية فليس لها في ليبيا رصاصة واحدة
فعلى أي أساس بنى هذا المفتي إفكه بأن السعودية تقتل المسلمين في ليبيا؟
أعلم
أنه بناه على شائعات الإعلام بأن السعودية تدعم قائد الجيش الليبي خليفة
حفتر، وهذا ما لادليل عليه إلا أن حفتراً زار السعودية قبل هجومه على
طرابلس ومجرد الزيارة ليس دليلا، إذ إن فايزاً السراج رئيس المجلس الرئاسي
الليبي هو الأسبق في زيارته للسعودية فقد زارها في ٥/ ٦/ ٢٠١٨ واستقبل
استقبالاًً رسمياً من قبل خادم الحرمين وولي عهده ، ومع ذلك لم يقل أحد إن
هذه الزيارة دليل على دعم السعودية للمجلس الرئاسي.
إن
المملكة العربية السعودية دولة مهمة يزورها كل الفرقاء من كل مكان، فلا
تصريح رسمي أو غير رسمي من السعودية بدعمها لحفتر ولا لحكومة الوفاق ، ولا
عثر على سلاح أو جنود أو سفن تابعة للسعودية في ليبيا متوجهة لأيٍ من
الطرفين ؛ فمن العجيب أن يترك أحدهم الدليل الواضح الذي يدين إيران وتركيا
ويتكلم عن السعودية بلا دليل!
إن موقف السعودية الثابت هو عدم التدخل في الفتن، لكنها تتدخل فيما يساعد على إبعاد أي بلد من بلاد المسلمين عن الفتن.
لكن
الحركيين من المسيسين الذين ينسبون أنفسهم للعمل الإسلامي فشلوا فشلا
ذريعا في كل بلاد نشطوا فيها وأثار تهورهم وفشلهم على الشعوب مرارة وقتلا،
فلم يجدوا مخرجا أمام الشعوب من مغبات فشلهم إلا أن يتهموا السعودية بكل ما
أصاب المسلمين من أضرار جراء تهورهم وسوء عملهم، وكأنهم قتلة الحسين الذين
حينما ندموا على سوء صنيعهم نسبوه إلى أهل السنة والجماعة واشتغلوا باللطم
عليه وادعاء التشيع له.
المصدر
د.محمد بن إبراهيم السعيدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..