قال سليمان التيمي :
" إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله " قال أبو عمر ابن عبد البر : هذا إجماع لا
أعلم فيه خلافاً "
جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/ 92 ، والإحكام لابن حزم 6 / 317 ، وسير أعلام النبلاء للذهبي 6/ 198، وحلية الأولياء لأبي نعيم 3/ 32 ، وتذكرة الحفاظ 1للذهبي 1 /151، وتهذيب الكمال 12 / 11
، وإعلام الموقعين ج3/ص285 .
وقال الأوزاعي : " من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام "
سنن البيهقي الكبرى رقم ( 20707 ) 10 / 211 ، وتذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 180، تاريخ الإسلام للذهبي 9/ص491، 7 / 125 ، وإرشاد الفحول للشوكاني ص454.
وقال الأوزاعي: " من أخذ بنوادر العلماء فبفيه الحجر "
شعب الإيمان رقم ( 1923 ) 2 / 315 ،
وعن ابن مبارك أخبرني المعتمر بن سليمان قال رآني أبي وأنا أنشد الشعر فقال لي يا بني لا تنشد الشعر فقلت له يا أبت كان الحسن ينشد وكان ابن سيرين ينشد فقال لي أي بني إن أخذت بشر ما في الحسن وبشر ما في ابن سيرين اجتمع فيك الشر كله . الموافقات للشاطبي 4/ص169.
وقال بعض العلماء : "من تتبع الرخص فقد تزندق"
وقال الإمام أحمد: لو أن رجلا عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ، وأهل المدينة في السماع (يعني الغناء) وأهل مكة في المتعة كان فاسقًا.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأبي بكر بن الخلال رقم ( 171 ) ص 206) ، وإرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني ص 161) ، وعون المعبود 13 / 187 ، وشرح قصيدة ابن القيم 2 / 524 .
وقال الشاطبي : " فإذا صار المكلف في كل مسألة عنت له يتبع رخص المذاهب وكل قول وافق فيها هواه فقد خلع ربقة التقوى وتمادى في متابعة الهوى ونقض ما أبرمه الشارع وأخر ما قدمه " .
الموافقات للشاطبي 2 / 386 – 387 .
قال الشيخ وهبة الزحيلي ويمكن القول بوجود آراء ثلاثة في الموضوع هي الأشهر وهي التي نعتمدها بحثاً.
1 - قال الحنابلة ، والمالكية في الأصح عندهم ، والغزالي : يمتنع تتبع الرخص في المذاهب، لأنه ميل مع أهواء النفوس، والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى، قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء:59/4]، فلا يصح رد المتنازع فيه إلى أهواء النفوس، وإنما يرد إلى الشريعة.
ونقل عن ابن عبد البر: أنه لايجوز للعامي تتبع الرخص إجماعاً. وعبارة الحنابلة في ذلك : إن استوى المجتهدان عند المستفتي في الفضيلة واختلفا عليه في الجواب اختار الأشد منهما، لما روى الترمذي من حديث عائشة قالت: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ماخير عمار بين أمرين إلا اختار أشدهما » وفي لفظ «أرشدهما» قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. ورواه أيضاً النسائي وابن ماجه. فثبت بهذين اللفظين للحديث أن الرشد في الأخذ بالأشد، والأولى أن يعتبر ـ أي المستفتي ـ القولين ساقطين، لتعارضهما، ويرجع إلى استفتاء آخر.
وعبارة المالكية : الأصح أنه يمتنع تتبع الرخص في المذاهب، بأن يأخذ منها ماهو الأهون فيما يقع من المسائل. وقيل: لايمتنع. وصرح بعضهم بتفسيق متتبع الرخص. والأولى الاحتياط بالخروج من الخلاف بالتزام الأشد الأقوى، فإن من عز عليه دينه تورع، ومن هان عليه دينه تبدع.
وعبارة الغزالي: ليس للعامي أن ينتقي من المذاهب في كل مسألة أطيبها عنده، فيتوسع، بل هذا الترجيح عنده كترجيح الدليلين المتعارضين عند المفتي، فإنه يتبع ظنه في الترجيح، فكذلك ههنا.
2 - قال القرافي المالكي، وأكثر أصحاب الشافعي، والراجح عند الحنفية منهم ابن الهمام وصاحب مسلم الثبوت : يجوز تتبع رخص المذاهب، لأنه لم يوجد في الشرع مايمنع من ذلك، إذ للإنسان أن يسلك الأخف عليه إذا كان له إليه سبيل، بأن لم يكن عمل بآخر، بدليل أن سنة الرسول صلّى الله عليه وسلم الفعلية والقولية تقتضي جوازه، فإنه عليه الصلاة والسلام «ماخير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما مالم يكن مأثماً» وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يحب ماخفف عن أمته» .
وقال صلّى الله عليه وسلم: «بعثت بالحنيفية السمحة» وقال أيضاً: «إن هذا الدين يسر، ولن يشادَّ الدين أحد إلا غلبه». وقال عليه السلام أيضاً: «إن الله قد فرض فرائض وسن سننًا وحد حدوداً وأحل حراماً وحرم حلالاً، وشرع الدين فجعله سهلاً سمحاً واسعاً ولم يجعله ضيقاً » .
وقال الشعبي: «ماخير رجل بين أمرين، فاختار أيسرهما إلا كان ذلك أحبهما إلى الله تعالى» .
وقال القرافي في هذه المسألة: يجوز تتبع الرخص بشرط ألا يترتب عليه العمل بما هو باطل عند جميع من قلدهم، أي أن شرط جواز تقليد مذهب الغير ألا يؤدي إلى التلفيق أي ألا يكون موقعاً في أمر يجتمع على إبطاله الإمام الذي كان على مذهبه، والإمام الذي انتقل إليه، كما إذا قلد الإمام مالك في عدم نقض الوضوء بلمس المرأة بغير شهوة، وقلد الإمام الشافعي في عدم وجوب ذلك
ويلاحظ أن هذا القيد الذي ذكره القرافي وهو: ( ألا يترتب على تتبع الرخص العمل بما هو باطل لدى جميع من قلدهم ) لادليل عليه من نص أو إجماع، وإنما هو قيد متأخر، كما قرر الكمال بن الهمام في ( التحرير ). فإذا جاز للشخص مخالفة بعض المجتهدين في كل ماذهب إليه، كما بينا، جازت مخالفته في بعض ماذهب إليه من باب أولى، كما قال صاحب تيسير التحرير. ثم قال: وليس هناك دليل من نص أو إجماع يدل على أن الفعل إذا كانت له شروط، فإنه يجب على المقلد أن يتبع مجتهداً واحداً في هذه الشروط التي يتوقف عليها هذا الفعل، ومن ادعى دليلاً على ذلك فعليه الإتيان به.
وأما مانقل عن ابن عبد البر، من أنه «لايجوز للعامي تتبع الرخص إجماعاً، فلا نسلم صحة هذا النقل عنه، ولو سلم فلا يسلم صحة الإجماع، إذ في تفسيق متتبع الرخص عن أحمد روايتان. وحمل القاضي أبو يعلى الرواية المفسقة على غير متأول ولامقلد. وقال ابن أمير الحاج في التقرير على التحرير: وذكر بعض الحنابلة: أنه إنْ قوي الدليل، أو كان عامياً، لايفسق. وفي روضة النووي حكاية عن ابن أبي هريرة: لايفسق .
والخلاصة: أن مبدأ الأخذ بالرخص أمر محبوب، ودين الله يسر، وماجعل عليكم في الدين من حرج، والمفروض أن المقلد لم يقصد تتبع الرخص في كل الوقائع وإنما في بعض المسائل، وكثيراً ماقال العلماء: «من قلد عالماً فقد برئ مع الله» «اختلاف العلماء رحمة» وربما قال بعضهم: «حجَّرت واسعاً » إذا التزم العمل بالقول المشهور في جميع تصرفاته.
3 - رأي الشاطبي:
يرى الشاطبي رأي ابن السمعاني : وهو أنه يجب على المقلد الترجيح بين أقوال المذاهب بالأعلمية وغيرها، واتباع الدليل الأقوى، لأن أقوال المجتهدين بالنسبة للمقلدين كالأدلة المتعارضة بالنسبة إلى المجتهد، فكما يجب على المجتهد الترجيح أو التوقف عند تعادل الأدلة، كذلك المقلد. ولأن الشريعة ترجع في الواقع إلى قول واحد، فليس للمقلد أن يتخير بين الأقوال. وإلا كان متبعاً غرضه وشهوته، والله تعالى يمنع اتباع الهوى جملة وهو قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء:59/4].
ثم أبان الشاطبي في كلام مسهب مايترتب على مبدأ الأخذ بالأيسر من مفاسد:
أولها ـ الضلال في الفتوى بمحاباة القريب أو الصديق في تتبع رخص المذاهب اتباعاً للغرض والشهوة.
ثانيها ـ الادعاء بأن الاختلاف حجة على الجواز أو الإباحة، حتى شاع بين الناس الاعتماد في جواز الفعل على كونه مختلفاً فيه بين أهل العلم.
ثالثها ـ اتباع رخص المذاهب اعتماداً على مبدأ جواز الانتقال الكلي من مذهب إلى مذهب، وأخذاً بمبدأ اليسر الذي قامت عليه الشريعة مع ( أن الحنيفية السمحة أتى فيها السماح مقيداً بما هو جار على أصولها، وليس تتبع الرخص ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها ). ثم ذكر بعض مفاسد اتباع رخص المذاهب كالانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف، وكالاستهانة بالدين إذ يصير سيَّالاً لاينضبط، وكترك ماهو معلوم إلى ماليس بمعلوم، للجهل بأحكام المذاهب الأخرى، وكانخرام قانون السياسة الشرعية بترك انضباط معيار العدالة بين الناس وشيوع الفوضى والمظالم وضياع الحقوق وتعطيل الحدود واجتراء أهل الفساد، وكإفضاء ذلك إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم، وغير ذلك من المفاسد التي يكثر تعدادها.
رابعها ـ التخلص من الأحكام الشرعية وإسقاطها جملة، عملاً بمبدأ الأخذ بأخف القولين، لابأثقلهما، مع أن التكاليف كلها شاقة ثقيلة.
ثم رد الشاطبي على القائل بجواز تتبع الرخص في حالات للضرورة أو الحاجة عملاً بالقاعدة الشرعية ( الضرورات تبيح المحظورات ) بأن حاصل فعله هو الأخذ بما يوافق الهوى، أو تجاوز حدود الضرورة أو الحاجة المقررة في الشرع. كما أنه رد على المتمسك بمبدأ ( مراعاة الخلاف بين الأقوال ) لتسويغ الأخذ بالأيسر بأن مراعاة الخلاف لايترتب عليه الجمع بين قولين متنافيين أو القول بهما معاً، وإنما هما لمسألتين مختلفتين. وفي تقديري أن السبب الذي حمل الشاطبي على منع تتبع الرخص والتلفيق هو غيرته على نظام الأحكام الشرعية حتى لايتخطاها أحد عملاً بمبدأ التيسير على الناس، ،ولكنه ـ كما يلاحظ من كلامه ـ متأثر بالعصبية المذهبية،ويخشى ـ رغم تحرره الفكري ـ مخالفة مذهب الإمام مالك، ويحرص على التقليد ومنع الاجتهاد.
ونحن معه في هذه الغيرة على أحكام الشريعة، لكن التقليد أو التلفيق الجائز مجاله محصور فيما لم يتضمن الإعراض عما أنزل الله، أو الذي لم يتضح فيه رجحان الحق والدليل على صحة قول المجتهد المقلَّد ، وحينئذ ينهدم رأي الشاطبي من أساسه، لأنه يطالب بضرورة العمل بالدليل الراجح، والتزام أصول الشريعة، وهذا أمر مفترض في كل تقليد محمود أو أخذ بأيسر المذاهب.
حكم تتبع الرخص الشرعية
جواب الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى :
السؤال : مارأيكم فضيلة الشيخ فيمن يتتبع الرخص في الأحكام الشرعية ؟
الجواب : الدين أمانة ، أمانةٌ بين العبد وربه ، يجب عليه أن يؤديه كما أمره الله ورسوله من فعل الفرائض وترك المحرمات ومايستطيع من المستحبات وترك المكروهات ، هذا أمانةٌ بين العبد وبين ربه ، والرخص إنما تجوز عند الحاجة إليها ، وعند الضرورة إليها ، تستعمل بقدر الضرورة ، عند الحاجة إليها ، مثل المريض يجمع بين الصلاتين ، المريض يتيمم إذا لم يستطع الطهارة بالماء ، المريض يفطر في رمضان ، هذه رخص ، المسافر يقصر الصلاة ، هذه رخص شرعية يستعملها عند وقت تشريعها وقت الحاجة إليها ، أما أن يستعملها في غير محلها فلا يجوز له هذا ، لا يجوز له هذا ، والله لم يرخص له في ذلك ، إنما وضع الرخص في أوقاتٍ وحالاتٍ محددة لا تفعل في غيرها ، فعلى المسلم أن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يقوم بما أوجب الله عليه .
-
-----------------
إضافة " سؤال " :
الإجابة :
قول الشيخ مبني على ثلاث قواعد يتبعها المقلد في حال إختلاف المفتين
أولها : الخروج من الخلاف ، فإن كان الخروج من الخلاف لا يشكل حرجا على المقلد فالأولى الاحتياط
ثانيها : عدم إنكار الخلاف : فلا ينكر على أي من الطرفين.
ثالثها : في حال الاضطرار يأخد بأيسرهما و هذا ما أشار إليه المفتي بقوله من ابتلى فليقلد من أجاز.
و كل هذه القواعد تطبق في الخلاف المعتبر و الله أعلم
المصدر
.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
" إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله " قال أبو عمر ابن عبد البر : هذا إجماع لا
أعلم فيه خلافاً "
جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/ 92 ، والإحكام لابن حزم 6 / 317 ، وسير أعلام النبلاء للذهبي 6/ 198، وحلية الأولياء لأبي نعيم 3/ 32 ، وتذكرة الحفاظ 1للذهبي 1 /151، وتهذيب الكمال 12 / 11
، وإعلام الموقعين ج3/ص285 .
وقال الأوزاعي : " من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام "
سنن البيهقي الكبرى رقم ( 20707 ) 10 / 211 ، وتذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 180، تاريخ الإسلام للذهبي 9/ص491، 7 / 125 ، وإرشاد الفحول للشوكاني ص454.
وقال الأوزاعي: " من أخذ بنوادر العلماء فبفيه الحجر "
شعب الإيمان رقم ( 1923 ) 2 / 315 ،
وعن ابن مبارك أخبرني المعتمر بن سليمان قال رآني أبي وأنا أنشد الشعر فقال لي يا بني لا تنشد الشعر فقلت له يا أبت كان الحسن ينشد وكان ابن سيرين ينشد فقال لي أي بني إن أخذت بشر ما في الحسن وبشر ما في ابن سيرين اجتمع فيك الشر كله . الموافقات للشاطبي 4/ص169.
وقال بعض العلماء : "من تتبع الرخص فقد تزندق"
وقال الإمام أحمد: لو أن رجلا عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ، وأهل المدينة في السماع (يعني الغناء) وأهل مكة في المتعة كان فاسقًا.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأبي بكر بن الخلال رقم ( 171 ) ص 206) ، وإرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني ص 161) ، وعون المعبود 13 / 187 ، وشرح قصيدة ابن القيم 2 / 524 .
وقال الشاطبي : " فإذا صار المكلف في كل مسألة عنت له يتبع رخص المذاهب وكل قول وافق فيها هواه فقد خلع ربقة التقوى وتمادى في متابعة الهوى ونقض ما أبرمه الشارع وأخر ما قدمه " .
الموافقات للشاطبي 2 / 386 – 387 .
قال الشيخ وهبة الزحيلي ويمكن القول بوجود آراء ثلاثة في الموضوع هي الأشهر وهي التي نعتمدها بحثاً.
1 - قال الحنابلة ، والمالكية في الأصح عندهم ، والغزالي : يمتنع تتبع الرخص في المذاهب، لأنه ميل مع أهواء النفوس، والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى، قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء:59/4]، فلا يصح رد المتنازع فيه إلى أهواء النفوس، وإنما يرد إلى الشريعة.
ونقل عن ابن عبد البر: أنه لايجوز للعامي تتبع الرخص إجماعاً. وعبارة الحنابلة في ذلك : إن استوى المجتهدان عند المستفتي في الفضيلة واختلفا عليه في الجواب اختار الأشد منهما، لما روى الترمذي من حديث عائشة قالت: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ماخير عمار بين أمرين إلا اختار أشدهما » وفي لفظ «أرشدهما» قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. ورواه أيضاً النسائي وابن ماجه. فثبت بهذين اللفظين للحديث أن الرشد في الأخذ بالأشد، والأولى أن يعتبر ـ أي المستفتي ـ القولين ساقطين، لتعارضهما، ويرجع إلى استفتاء آخر.
وعبارة المالكية : الأصح أنه يمتنع تتبع الرخص في المذاهب، بأن يأخذ منها ماهو الأهون فيما يقع من المسائل. وقيل: لايمتنع. وصرح بعضهم بتفسيق متتبع الرخص. والأولى الاحتياط بالخروج من الخلاف بالتزام الأشد الأقوى، فإن من عز عليه دينه تورع، ومن هان عليه دينه تبدع.
وعبارة الغزالي: ليس للعامي أن ينتقي من المذاهب في كل مسألة أطيبها عنده، فيتوسع، بل هذا الترجيح عنده كترجيح الدليلين المتعارضين عند المفتي، فإنه يتبع ظنه في الترجيح، فكذلك ههنا.
2 - قال القرافي المالكي، وأكثر أصحاب الشافعي، والراجح عند الحنفية منهم ابن الهمام وصاحب مسلم الثبوت : يجوز تتبع رخص المذاهب، لأنه لم يوجد في الشرع مايمنع من ذلك، إذ للإنسان أن يسلك الأخف عليه إذا كان له إليه سبيل، بأن لم يكن عمل بآخر، بدليل أن سنة الرسول صلّى الله عليه وسلم الفعلية والقولية تقتضي جوازه، فإنه عليه الصلاة والسلام «ماخير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما مالم يكن مأثماً» وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يحب ماخفف عن أمته» .
وقال صلّى الله عليه وسلم: «بعثت بالحنيفية السمحة» وقال أيضاً: «إن هذا الدين يسر، ولن يشادَّ الدين أحد إلا غلبه». وقال عليه السلام أيضاً: «إن الله قد فرض فرائض وسن سننًا وحد حدوداً وأحل حراماً وحرم حلالاً، وشرع الدين فجعله سهلاً سمحاً واسعاً ولم يجعله ضيقاً » .
وقال الشعبي: «ماخير رجل بين أمرين، فاختار أيسرهما إلا كان ذلك أحبهما إلى الله تعالى» .
وقال القرافي في هذه المسألة: يجوز تتبع الرخص بشرط ألا يترتب عليه العمل بما هو باطل عند جميع من قلدهم، أي أن شرط جواز تقليد مذهب الغير ألا يؤدي إلى التلفيق أي ألا يكون موقعاً في أمر يجتمع على إبطاله الإمام الذي كان على مذهبه، والإمام الذي انتقل إليه، كما إذا قلد الإمام مالك في عدم نقض الوضوء بلمس المرأة بغير شهوة، وقلد الإمام الشافعي في عدم وجوب ذلك
ويلاحظ أن هذا القيد الذي ذكره القرافي وهو: ( ألا يترتب على تتبع الرخص العمل بما هو باطل لدى جميع من قلدهم ) لادليل عليه من نص أو إجماع، وإنما هو قيد متأخر، كما قرر الكمال بن الهمام في ( التحرير ). فإذا جاز للشخص مخالفة بعض المجتهدين في كل ماذهب إليه، كما بينا، جازت مخالفته في بعض ماذهب إليه من باب أولى، كما قال صاحب تيسير التحرير. ثم قال: وليس هناك دليل من نص أو إجماع يدل على أن الفعل إذا كانت له شروط، فإنه يجب على المقلد أن يتبع مجتهداً واحداً في هذه الشروط التي يتوقف عليها هذا الفعل، ومن ادعى دليلاً على ذلك فعليه الإتيان به.
وأما مانقل عن ابن عبد البر، من أنه «لايجوز للعامي تتبع الرخص إجماعاً، فلا نسلم صحة هذا النقل عنه، ولو سلم فلا يسلم صحة الإجماع، إذ في تفسيق متتبع الرخص عن أحمد روايتان. وحمل القاضي أبو يعلى الرواية المفسقة على غير متأول ولامقلد. وقال ابن أمير الحاج في التقرير على التحرير: وذكر بعض الحنابلة: أنه إنْ قوي الدليل، أو كان عامياً، لايفسق. وفي روضة النووي حكاية عن ابن أبي هريرة: لايفسق .
والخلاصة: أن مبدأ الأخذ بالرخص أمر محبوب، ودين الله يسر، وماجعل عليكم في الدين من حرج، والمفروض أن المقلد لم يقصد تتبع الرخص في كل الوقائع وإنما في بعض المسائل، وكثيراً ماقال العلماء: «من قلد عالماً فقد برئ مع الله» «اختلاف العلماء رحمة» وربما قال بعضهم: «حجَّرت واسعاً » إذا التزم العمل بالقول المشهور في جميع تصرفاته.
3 - رأي الشاطبي:
يرى الشاطبي رأي ابن السمعاني : وهو أنه يجب على المقلد الترجيح بين أقوال المذاهب بالأعلمية وغيرها، واتباع الدليل الأقوى، لأن أقوال المجتهدين بالنسبة للمقلدين كالأدلة المتعارضة بالنسبة إلى المجتهد، فكما يجب على المجتهد الترجيح أو التوقف عند تعادل الأدلة، كذلك المقلد. ولأن الشريعة ترجع في الواقع إلى قول واحد، فليس للمقلد أن يتخير بين الأقوال. وإلا كان متبعاً غرضه وشهوته، والله تعالى يمنع اتباع الهوى جملة وهو قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء:59/4].
ثم أبان الشاطبي في كلام مسهب مايترتب على مبدأ الأخذ بالأيسر من مفاسد:
أولها ـ الضلال في الفتوى بمحاباة القريب أو الصديق في تتبع رخص المذاهب اتباعاً للغرض والشهوة.
ثانيها ـ الادعاء بأن الاختلاف حجة على الجواز أو الإباحة، حتى شاع بين الناس الاعتماد في جواز الفعل على كونه مختلفاً فيه بين أهل العلم.
ثالثها ـ اتباع رخص المذاهب اعتماداً على مبدأ جواز الانتقال الكلي من مذهب إلى مذهب، وأخذاً بمبدأ اليسر الذي قامت عليه الشريعة مع ( أن الحنيفية السمحة أتى فيها السماح مقيداً بما هو جار على أصولها، وليس تتبع الرخص ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها ). ثم ذكر بعض مفاسد اتباع رخص المذاهب كالانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف، وكالاستهانة بالدين إذ يصير سيَّالاً لاينضبط، وكترك ماهو معلوم إلى ماليس بمعلوم، للجهل بأحكام المذاهب الأخرى، وكانخرام قانون السياسة الشرعية بترك انضباط معيار العدالة بين الناس وشيوع الفوضى والمظالم وضياع الحقوق وتعطيل الحدود واجتراء أهل الفساد، وكإفضاء ذلك إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم، وغير ذلك من المفاسد التي يكثر تعدادها.
رابعها ـ التخلص من الأحكام الشرعية وإسقاطها جملة، عملاً بمبدأ الأخذ بأخف القولين، لابأثقلهما، مع أن التكاليف كلها شاقة ثقيلة.
ثم رد الشاطبي على القائل بجواز تتبع الرخص في حالات للضرورة أو الحاجة عملاً بالقاعدة الشرعية ( الضرورات تبيح المحظورات ) بأن حاصل فعله هو الأخذ بما يوافق الهوى، أو تجاوز حدود الضرورة أو الحاجة المقررة في الشرع. كما أنه رد على المتمسك بمبدأ ( مراعاة الخلاف بين الأقوال ) لتسويغ الأخذ بالأيسر بأن مراعاة الخلاف لايترتب عليه الجمع بين قولين متنافيين أو القول بهما معاً، وإنما هما لمسألتين مختلفتين. وفي تقديري أن السبب الذي حمل الشاطبي على منع تتبع الرخص والتلفيق هو غيرته على نظام الأحكام الشرعية حتى لايتخطاها أحد عملاً بمبدأ التيسير على الناس، ،ولكنه ـ كما يلاحظ من كلامه ـ متأثر بالعصبية المذهبية،ويخشى ـ رغم تحرره الفكري ـ مخالفة مذهب الإمام مالك، ويحرص على التقليد ومنع الاجتهاد.
ونحن معه في هذه الغيرة على أحكام الشريعة، لكن التقليد أو التلفيق الجائز مجاله محصور فيما لم يتضمن الإعراض عما أنزل الله، أو الذي لم يتضح فيه رجحان الحق والدليل على صحة قول المجتهد المقلَّد ، وحينئذ ينهدم رأي الشاطبي من أساسه، لأنه يطالب بضرورة العمل بالدليل الراجح، والتزام أصول الشريعة، وهذا أمر مفترض في كل تقليد محمود أو أخذ بأيسر المذاهب.
حكم تتبع الرخص الشرعية
جواب الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى :
السؤال : مارأيكم فضيلة الشيخ فيمن يتتبع الرخص في الأحكام الشرعية ؟
الجواب : الدين أمانة ، أمانةٌ بين العبد وربه ، يجب عليه أن يؤديه كما أمره الله ورسوله من فعل الفرائض وترك المحرمات ومايستطيع من المستحبات وترك المكروهات ، هذا أمانةٌ بين العبد وبين ربه ، والرخص إنما تجوز عند الحاجة إليها ، وعند الضرورة إليها ، تستعمل بقدر الضرورة ، عند الحاجة إليها ، مثل المريض يجمع بين الصلاتين ، المريض يتيمم إذا لم يستطع الطهارة بالماء ، المريض يفطر في رمضان ، هذه رخص ، المسافر يقصر الصلاة ، هذه رخص شرعية يستعملها عند وقت تشريعها وقت الحاجة إليها ، أما أن يستعملها في غير محلها فلا يجوز له هذا ، لا يجوز له هذا ، والله لم يرخص له في ذلك ، إنما وضع الرخص في أوقاتٍ وحالاتٍ محددة لا تفعل في غيرها ، فعلى المسلم أن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يقوم بما أوجب الله عليه .
-
-----------------
إضافة " سؤال " :
سمعت المفتى على يونس مفتى الشبكة الكويتية او الاسلامية والشك منى يقول فى برنامج الفتاوى على قناة الخليجية ومقدمه ابن الشيخ محمد يعقوب يقول القاعدة 0 من ابتلى فليقلد من أجاز ) وسياق الكلام فى اجابة سؤال وذكر قولا من الاقوال وقال انه شاذ وساق القاعدة
وهذا كلام الشيخ المنجد فى الفتوى المحال اليها
والكلام التالى المقتبس من فتوى للشيخ محمد صالح المنجد
--------------وسؤالى اننى سمعت الشيخ العثيمين فى شرح مقدمة المجموع للنووى يقول انه لايجب على المستفتى اتباع المفتى اذا كان لايعتقد ان قوله الحق الواحدج بخلاف غيره انتهى بالمعنىوهذا مما ابتلي به كثير من الناس اليوم ، يسأل من يثق في دينه ، فإذا أفتاه بما يخالف هواه ، ذهب فسأل غيره ، حتى يحصل على مراده ، وهذا حرام وفسق لا شك فيه .
فمعنى الكلام انه ما دام لايلزمه اتباعه فيجوز له سؤال غيره بعده ؟
ارجو الافادة مشكورين
الإجابة :
قول الشيخ مبني على ثلاث قواعد يتبعها المقلد في حال إختلاف المفتين
أولها : الخروج من الخلاف ، فإن كان الخروج من الخلاف لا يشكل حرجا على المقلد فالأولى الاحتياط
ثانيها : عدم إنكار الخلاف : فلا ينكر على أي من الطرفين.
ثالثها : في حال الاضطرار يأخد بأيسرهما و هذا ما أشار إليه المفتي بقوله من ابتلى فليقلد من أجاز.
و كل هذه القواعد تطبق في الخلاف المعتبر و الله أعلم
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..