الجمعة، 18 أكتوبر 2019

خطبة الجمعة :الخوف من الله تبارك وتعالى19-2-1441هـ

الخطبة الأولى 

    الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله

،صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعد فإن الخوف من الله من المقامات العليّة وهو من لوازم الإيمان، قال الله تعالى﴿ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ وقال﴿ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ﴾وقال﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾وفي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال(وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي )وروى أحمد (فَوَاللَّهِ إِنِّي أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَحْفَظُكُمْ لِحُدُودِهِ)وكلما كان العبدُ أقربَ إلى ربه كان أشدَّ خشية، فقد وصف الله الملائكة بقوله﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ﴾وقال عن الأنبياء﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ﴾ فالخوف من الله من سماتِ المؤمنين وصفاتِ المتقين، وسبيلٌ لمن ابتغى النجاة في الآخرة.وإذا سكن الخوفُ من الله في القلبِ أحرق مواضعَ الشهوات فيه، وطرد حُبَّ الدنيا عنه، وكلُّ قلبٍ ليس فيه خوفٌ من الله فهو قلب خَرِب.                                                                             أيها المسلمون:من فقد الخوفَ من الله خاض في المعاصي، وتملكته الشهوات، ووقع في الشبهات، وأكل الحرام، وارتكب الكبائر، وقلَّ أمْرُهُ بالمعروف ونهْيُهُ عن المنكر وإذا فارقَ الخوفُ القلوبَ أجدبت، ثم اسودت وأظلمت وقست وتحجرت، فلا تتأثرُ بموعظة، ولا تنتفع بتذكرة؛ فما الخوف من الله إلا مفتاحٌ يفتح الله به قلوباً غُلفا، وأعيُناً عُميا، وآذَاناً صُمَّا ولقد أمر الله جل وعلا بالخوف منه، وأثبت الإيمان للخائفين فقال تعالى﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت:سَأَلْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾قَالَتْ عَائِشَةُ أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟قَالَ( لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ)وقَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْنِ، قَطْرَةٌ مِنْ دُمُوعٍ فِي خَشْيَةِ اللَّهِ،وَقَطْرَةُ دَمٍ تُهَرَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَأَمَّا الْأَثَرَانِ فَأَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَثَرٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ)                                                                       أحبتي في الله لقد ذكر الله جل وعلا في كتابه الكريم شدةَ عذابِه وقوَّةَ بطشه وسرعةَ أخذِهِ وأليمَ عقابِه، وما أعد من العذاب والنكال لمن عصاه واتبع هواه، وذكر النار وأحوالها وأهوالها وما فيها من الزقوم والضريع والحميم والسلاسل والأغلال ليعرف العبادُ ربَّهم ويعرفوا قُدرتَه فيخشَوْهُ ويخافوه ويتقوه و كتاب الله مليء بالآيات والمواعظ، ولكنْ لا يتعظُ بها إلا الخائفون﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ويرسل الله الآياتِ مع الأنبياء عليهم السلام تخويفا للعباد﴿ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾وكذلك الآياتُ الكونية كالبرق والرعد وغيرها، قال تعالى﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ﴾وكذلك الخسوف والكسوف قال عليه الصلاة والسلام(إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَكْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ).                                                               معاشر المؤمنين: إن الخوف إذا سكنِ القلبَ أثَّرَ في الجوارح، فيُثمرُ عملاً صالحا، وقولاً حسناً، وسلوكاً قويما، وفعلاً كريما، فتخشعُ الجوارحُ، وينكسرُ الفؤادُ، ويرِقُّ القلبُ، وتزكُو النفسُ، وتجودُ العين ومن ثمراته العظيمة في الدنيا أنه من أسبابِ التمكينِ في الأرض، وزيادةِ الإيمان والطُّمأنينة، قال عز وجل﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ﴾.   والخوف من الله يبعث على العمل الصالح الخالص،قال تعالى﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾وقال تعالى﴿  رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾وأمّا في الآخرة: فإن الخائف من الله يُؤمِّنُه الله يوم القيامة،قال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى(وَعِزَّتِي لاَ أَجمَعُ على عَبْدِي خَوفَين وأَمْنَيْن إذَا خَافَنِي في الدُّنيَا أَمَّنْتُهُ يَومَ القِيَامَة، وإذَا أَمِنَنِي في الدُّنيَا أَخَفْتُهُ يومَ القِيَامَة) ومن ثمرات الخوف أن الخائف يظله الرحمن يوم القيامة، فقد ذكر النبي  صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله(... وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ..)..وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)والعين التي بكت من خشية الله إحدى العينين اللتان لا تمسهما النار والخوفَ من الله من أسبابِ غُفرانِ الذنوب، قال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم(أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ فِي الْبَحْرِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَعَلَىَّ رَبِّي لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدًا قَالَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ فَقَالَ لِلأَرْضِ أَدِّي مَا أَخَذْتِ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ لَهُ:مَاحَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ، فَقَالَ خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ  أَوْ قَالَ مَخَافَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ)والخوفَ من الله طريقٌ من طُرُقِ الجنة قال       صلى الله عليه وسلم(مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَاللَّهِ غَالِيَةٌأَلَاإِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ) والخوفُ من الله سببٌ للنجاةِ من كلِّ سوء قال صلى الله عليه وسلم(ثلاث منجياتٌ خشيةُ الله تعالى في السر والعلانية،والعدلُ في الرضا والغضب،والقصدُ في الفقر والغني)                عباد الله:لقد أخبر الحق سبحانه وتعالى عن حال الخائفين وقد أصبحوا في الجنة وهم يذكرون حالهم في الدنيا﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ﴾.فالخائفون هم أهل القلوب الوجلة، ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾، وهم أهل الخشية، ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم(إِذَا اقْشَعَرَّ جِلْدُ الْعَبْدِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، تَحَاتَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتُّ عَنِ الشَّجَرَةِ الْبَالِيَةِ وَرَقُهَا)وقال صلى الله عليه وسلم(لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ)بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم                                                                 الخطبة الثانية                                                                                       الحمد لله على إحسانِهِ، والشكرُ له على توفيقهِ وامتِنانِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لِشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رِضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلَّم تسليمًا كثيرًاأما بعد فلقد كانت خشيةُ الله عز وجل تلازم الصالحين والأتقياءَ من عباده،لذلك كانوا يجتهدون في العمل ويُخلصون ويسألون الله القبول، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تفطرت قدماه خشيةً من الله وإجلالاً وتعظيماً له.وكان أبو بكر رضي الله عنه كثيرَ البكاء، وكان يُمسك لسانه ويقول(هذا الذي أوردني الموارد) وإذا قام إلى الصلاة كأنه عودٌ من خشية الله أما عمرُ رضي الله عنه فكان يمر بالآية من ورده بالليل فتخيفُه، فيبقَى في البيت أياماً يُعادُ يحسبونه مريضا، وكان في وجهه رضي الله عنه خطان أسودان من البكاء.وكان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على القبر يبكي حتى يَبُلَّ لحيته، ويقول(لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيَّتُهما يُؤمر بي، لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيَّتُهما أصيرُ)وأما علي رضي الله عنه فكان يستوحشُ من الدنيا وزهرتِها، ويستأنسُ بالليلِ وظلمتِه، وكان غزيرُ الدمعة، طويلُ الفكرة، ويبكي بكاء الحزين، وكان يقول: آهٍ آه من قِلَّةِ الزاد وبُعْدِ السَّفر ووحْشَةِ الطريق.أما ابن عباس رضي الله عنه فكان أسفلُ عينيه مثلُ الشّراكِ البالي من البكاء.وأبو عبيدة رضي الله عنه يقول: ودِدْتُ أنِّي كنت كبشاً فيذبحُني أهلي فيأكلون لحمي ويشربون مرقي.ولما حضرت معاذ بن جبل رضي الله عنه الوفاة جعل يبكي، فقيل له: أتبكي وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت وأنت؟فقال: ما أبكي جزعاً من الموتِ أَنْ حلَّ بي، ولا دنياً تركتُها بعدي، ولكنْ هُمَا القبضتان، قبضةٌ في النار وقبضةٌ في الجنة فلا أدري في أيِّ القبضتينِ أنا.وهكذا كان حالُ صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما هم عليه من التقوى، وإخلاصِ العمل، والجهادِ بأموالهم وأنفسهم، وفيهم المبشرون بالجنة، كانوا إذا ذُكِرَ الله هملت أعيُنُهم حتى تبتلَّ جيوبهم، ومَادُوا كما يَميدُ الشجرُ يومَ الريحِ العاصف؛ خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب.                                                                                    عباد الله: أتعرفون لماذا أولئك خافوا من الله؟لأنهم عرفوا الله حق المعرفة، قال تعالى﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ولأنهم أحبوا الله جل وعلا فمَلَكَ قلوبَهم، يقول ابن القيم رحمه الله(من عرف ربه أحبه)، كيف لا؟! وهو المُنعم وإليه المشتكى وبيده مقاليد السماوات والأرض. فأي حُبٍ ينبغي أن يكون؟!. أمَّا من صرف حُبَّهُ لغير الله، فقد وقع في الفتن، وملكَتْ شغافَ قلبه، وأشغلته عن حبِّ الله ورجائِهِ والخوفِ منه، ففي الحديث( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ)إنه لا يخاف من الله إلا من أيقن بوجوده، وآمن بالجنةِ والنارِ والحساب، عن الحارث بن مالك رضي الله عنه أنه مربرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له(كيف أصبحت يا حارثة؟)قال أصبحتُ مؤمناً حقاً،قال (انظر ما تقولُ إن لكلِّ حقٍّ حقيقة، فما حقيقةُ إيمانِك؟) قال عزَفَتْ نفسي عن الدنيا وكأنيِّ أنظرُ إلى عرشِ ربي بارزاً وكأنيِّ أنظرُ إلى أهلِ الجنةِ يتزاورونَ فيها وكأنيِّ أنظرُإلى أهلِ النارِيتضَاغَوْنَ فيها قال(يا حارثةُ عرَفَتَ فالزَمْ) قالها ثلاثا           فيا من تخافُ الله عز وجل:تذكَّرْ قبل المعصية أنه سبحانه وتعالى يراكَ ويعلمُ ما تُخفي وما تُعلن، وأن الملائكةَ تُحصي وتكتب﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾وتذكَّر لحظةَ الموتِ ورُوحُكَ تُجْذَبُ جذباً شديدا، وأنت تتمنى أن تتوب إلى الله وتُصلي ولو ركعة، أو تقرأ آية.تذكر القبر وظُلمَتَه وعذابَه، فهو إمَّا روضةٌ من رياضِ الجنةِ أو حفرةٌ من حُفَرِ النارتذكر يوم يُحشرُ الناسُ حفاةً عراةً غُرلا تذكر يوم تتطايرُ الصحف فآخِذٌ كتابَهُ بيمينه وآخِذٌ كتابه بشماله.تذكر يوم تدنُو الشمسُ من الرؤوسِ قَدْرَ مِيلٍ ويعرقُ الناسُ على قَدْرِ أعمالهم فمنهم من يصل العرقُ إلى كعبيه، ومنهم من يصل إلى رُكبتيه، ومنهم من يصل إلى حِقويه، ومنهم من يُلجِمُه العرقُ إلجاماً والعياذ بالله.تذكر يومَ تشهدُ عليك أعضاؤُك، تذكر الصراطَ وزلَّتَه، تذكر وقُوفَك بين يدي الله عز وجل وليس بينك وبينه حجاب أو ترجمان، تذكر النارَ وقعرَهَا وشدةَ حرِّها وعذابَ أهلِها.تذكر أن الذنوبَ تؤدِي إلى قِلِّةِ التوفيقِ، وحرمانِ العلمِ والرزقِ، وضيقِ الصدرِ وقِصَرِ العُمُر، وموتِ الفجأةِ، وذهابِ الحياء والغَيْرَة، وأعظمُ عقوباتِها أنها تُورثُ القطيعةَ بين العبدِ وربِّه، وإذا وقعتِ القطيعةُ انقطعت عنه أسبابُ الخير واتصلت به أسبابُ الشر أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا الإيمان الصادق، والعمل الصالح، وأن يُبلِّغَنا الدرجاتِ العُلاَ من الجنة هذا وصلُّوا  رحمكم الله على خيرِ البرية،صاحبِ الحوض والشفاعة؛ فقد أمركم الله بذلك في قولِه﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّك وعبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائِه الأربعة وعن الصحب أجمعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين،اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين،واخذُل الشركَ والمشركين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْنَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم كن لإخواننا المُستضعَفين في دينِهم في كل مكان،اللهم ادفَع عنا الغلا والوبَا والرِّبا والزلازِل والمِحَن،وسوءَ الفتن ما ظهرَمنهاومابطَن عن بلدنا خاصَّةًوعن سائربلاد المسلمين عامَّةً يا ذا الجلال والإكرام اللهم آمِنَّا في أوطانناوأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورناواجعل ولايتَنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه يا حي يا قيوم، اللهم أصلِح له بِطانتَه يا ذا الجلال والإكرام ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ     

---
المرجع
-


.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..