الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وبعد :
فالجواب عن هذه المسألة والله أعلم : أن العلماء المعاصرين المعتبرين المنتسبين إلى هيئة كبار العلماء السعودية وهيئة كبار العلماء وإلى الجامع الأزهر وإلى المجمعين الفقهيين في رابطة العالم الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي لا أعرف أنهم اختلفوا في القول بعدم صحة الجماعة خلف الإمام في التلفاز أو المذياع ، وذلك في الظروف العادية التي يمكن فيها الذهاب إلى المساجد .
أما في مثل هذا الظرف الذي نعيشه فالذي أراه أن الأمر كذلك ولا تصح صلاة الجمعة ولا العيدين ولا التراويح خلف التلفاز ، ولا تصح أي صلاة بهذه الطريقة سواءً أكانت فرضاً أم نافلة .
والسبب في ذلك أمرٌ أساس وهو أن صفة العبادات لا مصدر لها سوى النص وليس الاجتهاد أو القياس ، والنصوص تقضي بأن صفة الجماعة :أن يكون الإمام والمأموم في أرض واحدة وأن تتراءى فيها الصفوف .
ولا يُعْدل عن النص في صفة العبادات إلا بأحد ثلاثة أمور :
الأول :نصٌ آخر كقوله صلى الله عليه وسلم"صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا" فعدل عن ركن القيام إلى القعود بالنص في حال العجز ،وفي حالنا هذه لا يوجد نص.
الثاني :الضرورة ، وتعريف الضرورة أنها ما يحصل بفوته هرج ومرج وضياع دين وفوت حياة ، كترك الصيام وقت قتال العدو ؛ وفي حالنا هذه ليس هناك ضرورة لأن تركنا الصلاة خلف إمام في التلفزيون لا يحصل منها هرج ولا فوت حياة ولله الحمد .
الثالث: الحاجة التي تحصل من تركها المشقة كصلاة المسافر النافلة على سيارته وهو على غير القبلة ، وهذه أيضا غير موجودة ، لأننا نصلي جماعة في بيوتنا في راحة واطمئنان ولا نحتاج إلى إمام التلفزيون أدنى حاجة .
كما يشترط لتغيير شيء في صفة العبادة للحاجة أمران ، وهما:
الأول:
أن يكون التغيير الذي نعدِل إليه ثابت أصله في الشرع كأن يكون بعض المأمومين في الدور العلوي والإمام في الدور الأرضي فهي ثابتة من فعل أبي هريرة رضي الله عنه ، فإذا اقتضت الحاجة جاز أن يصلي بعض المأمومين كذلك ، لأن الأصل ثابت .
وصلاة الناس خلف إمام في التلفزيون لا أصل لها ، ولذلك كره أكثر العلماء الصلاة في الدور الأسفل والإمام في الأعلى لعدم وجود أصل لها .
الأمر الآخر : أن تكون الصفة المعدول إليها موافقة لمقاصد الشرع من العبادة ؛والصلاة خلف إمام التلفزيون مخالف لمقاصد الشرع ، لأن الشرع يقصد من صلاة الجماعة اجتماعُ الناس في مصلى واحد وراء إمام واحد ،وتواصلُهم ونفع الإمام لهم ونفعهم لبعضهم ، وظهور الدين بقوةٍ بظهورِ أعظم شعائره ، وحفظُ الصلاة من جانب الوجود ،وذلك بجعل الشارع لها مساجد يجتمع الناس فيها ليتوارثها الكابر عن الكابر ،ويتعلقوا بها وتتواتر أفعالها
وبذلك ، وكل هذه المقاصد لا وُجود لها خلف إمام التلفزيون أو المذياع ؛ بل الظاهر والأغلب أنها ضد هذه المقاصد ، لأن الاعتياد على الصلاة خلف المذياع أو التلفاز يُجَرئ على الاستهانة بصلاة الجماعة في مستقبل الأيام ، كما أن الجماعة في البيوت مكروهة دون سبب في الأحوال المعتادة لكونها تجرئ الناس على ترك الجماعة في المساجد .
والذين قالوا بجواز الصلاة خلف المذياع والتلفزيون للضرورة لم أجد لهم دليلاً يرقى للاعتبار ، ومن ذلك :
قولهم بالضرورة والحاجة ، وقد تقدم أنه لا ضرورة ولا حاجة .
قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيته فصلى بعض الناس خلفه وبينهم جدار قصير .
فالجواب عنه : أن من يستدل بهذا الحديث إن كان يرى أنه يستدل بنص ، فليس ذلك بصحيح للاختلاف الكبير بين صلاة النبي بالصحابة وهم في مكان واحد وبينهما جدار وهم يرونه ،وبين نازلتنا هذه ،والاختلاف من وجوه كثيرة ، ولا يمكن أن يقال إن صلاة النبي بالصحابة وبينهما جدار مثل صلاة أهل البيت وراء التلفاز والمذياع ، فالنبي والصحابة كانوا في مكان واحد أو في حكم المكان الواحد ، والصلاة خلف المذياع والتلفاز ، ليس مكاناً واحداً لا حقيقة ولا حكما ، فكيف يقال إن فعل النبي دال عليه ؟!
أضف إلى ذلك أن هذا الأمر لم يداوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم ؛بل احتجب عنهم في الليلة الثالثة ، نعم هو احتجب عنهم لعلة خشية فرضها ، لكنه لم يعد إليها في أي صلاة كانت نافلة أو فريضة ؛ بل إنه في مرضه كان أيسر عليه أن يُصلي بهم وهو في بيته لكنه لم يفعل ، ويكفينا عن ذلك ما قدمنا من كون الأمرين لا يشتبهان وأن الفعل عند علماء الأصول لا عموم له، فلا يستدل بفعل النبي إلا على ما طابقه أو قاربه من الأحوال .
فإن قالوا :إنهم يستدلون هنا بالقياس ، أيْ :قياس الصلاة خلف التلفاز والمذياع على صلاة النبي ببعض الصحابة وبينهما جدار ، فالجواب أنه قياس فاسد ، لأن القياس هو إلحاق أصل بفرع يشبهه لعلة جامعة ، وهنا نسأل أين العلة الجامعة ، وأين وجه الشبه بين صلاة إمام بقومٍ وبينهما جدار قصير ،وبين اتِّبَاع الناس لصورة تنتقل عبر الأثير أو صوت ينتقل عبر الأثير .
قولهم: إن بعض الأئمة من التابعين ومن بعدهم قالوا بجواز أن يصلي الجماعة وبينهم نهر صغير إذا تراءت الصفوف ، فالجواب عنه من وجهين ، الأول : أن ترائي الصفوف عبر التلفزيون ليس مثل ترائيها في الواقع وبينهما بون شاسع ، ولو كانت الرؤية بالتلفزيون تأخذ أحكام الرؤية في الواقع في العبادات لجاز لنا أن نقول من رأى أرض عرفة في التلفزيون صح حجه .
الثاني: أن فتاوى الأئمة ليست أصولاً يُقاس عليها ، بل هي محتاجة إلى دليل ، فكيف يُتَّخذ القول الذي يحتاج إلى دليل دليلا؟!
قولهم: إن الأصل الإباحة ولا يوجد دليل على المنع .
يجاب عنه :بأن الأصل الإباحة في العادات والمعاملات والأطعمة والأشربة ؛ وأما في العبادات فالأصل المنع ، ومن أراد أن يُثبت صفةً في عبادة من العبادات فلابد له من نص أو قياس صحيح كقياس قبض اليدين بعد الركوع على قبضهما قبله ، فهذا قياس صحيح يطابق فيه الأصلُ الفرعَ ، والفرعُ الأصل ، فما لم يكن القياس مثل هذا فلا يقبل في العبادات بل هو بدعة .
قولهم : إن الدين جاء فيه الترخص والتوسعة ورفع الحرج ، فيجاب عنه : إن الرخص لا تثبت إلا بدليل ، ولا يصح القياس في الرخص كما عليه علماء الأصول .
وأما التوسعة ورفع الحرج ، فأي حرج في أن يصلي الناس خلف إمام في بيوتهم ، بل هذا هو التوسعة ورفع الحرج.
ومِن أبرز ما يلح هؤلاء على ذكره : العاطفة والأسف على ترك الجماعة ؛والحق : أن العاطفة ليست دليلاً شرعيا ولا تبنى عليها الأحكام ، بل العاطفة المجردة عن دليل هي الهوى بعينه نعوذ بالله منه .
ومن أعجب ما رأيت : أناساً أشغلونا بالتشنيع على من يرون الجماعة واجبة ، ويلمزونهم بأن هذا من مفردات الحنابلة ، واليوم يريدون الجماعة عبر التلفاز !
وختاماً أقول إن العبادات هي شعار الإسلام ودثاره فحذار أن نبتعد فيها عن نصوص الشارع ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
د.محمد بن إبراهيم السعيدي
فالجواب عن هذه المسألة والله أعلم : أن العلماء المعاصرين المعتبرين المنتسبين إلى هيئة كبار العلماء السعودية وهيئة كبار العلماء وإلى الجامع الأزهر وإلى المجمعين الفقهيين في رابطة العالم الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي لا أعرف أنهم اختلفوا في القول بعدم صحة الجماعة خلف الإمام في التلفاز أو المذياع ، وذلك في الظروف العادية التي يمكن فيها الذهاب إلى المساجد .
أما في مثل هذا الظرف الذي نعيشه فالذي أراه أن الأمر كذلك ولا تصح صلاة الجمعة ولا العيدين ولا التراويح خلف التلفاز ، ولا تصح أي صلاة بهذه الطريقة سواءً أكانت فرضاً أم نافلة .
والسبب في ذلك أمرٌ أساس وهو أن صفة العبادات لا مصدر لها سوى النص وليس الاجتهاد أو القياس ، والنصوص تقضي بأن صفة الجماعة :أن يكون الإمام والمأموم في أرض واحدة وأن تتراءى فيها الصفوف .
ولا يُعْدل عن النص في صفة العبادات إلا بأحد ثلاثة أمور :
الأول :نصٌ آخر كقوله صلى الله عليه وسلم"صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا" فعدل عن ركن القيام إلى القعود بالنص في حال العجز ،وفي حالنا هذه لا يوجد نص.
الثاني :الضرورة ، وتعريف الضرورة أنها ما يحصل بفوته هرج ومرج وضياع دين وفوت حياة ، كترك الصيام وقت قتال العدو ؛ وفي حالنا هذه ليس هناك ضرورة لأن تركنا الصلاة خلف إمام في التلفزيون لا يحصل منها هرج ولا فوت حياة ولله الحمد .
الثالث: الحاجة التي تحصل من تركها المشقة كصلاة المسافر النافلة على سيارته وهو على غير القبلة ، وهذه أيضا غير موجودة ، لأننا نصلي جماعة في بيوتنا في راحة واطمئنان ولا نحتاج إلى إمام التلفزيون أدنى حاجة .
كما يشترط لتغيير شيء في صفة العبادة للحاجة أمران ، وهما:
الأول:
أن يكون التغيير الذي نعدِل إليه ثابت أصله في الشرع كأن يكون بعض المأمومين في الدور العلوي والإمام في الدور الأرضي فهي ثابتة من فعل أبي هريرة رضي الله عنه ، فإذا اقتضت الحاجة جاز أن يصلي بعض المأمومين كذلك ، لأن الأصل ثابت .
وصلاة الناس خلف إمام في التلفزيون لا أصل لها ، ولذلك كره أكثر العلماء الصلاة في الدور الأسفل والإمام في الأعلى لعدم وجود أصل لها .
الأمر الآخر : أن تكون الصفة المعدول إليها موافقة لمقاصد الشرع من العبادة ؛والصلاة خلف إمام التلفزيون مخالف لمقاصد الشرع ، لأن الشرع يقصد من صلاة الجماعة اجتماعُ الناس في مصلى واحد وراء إمام واحد ،وتواصلُهم ونفع الإمام لهم ونفعهم لبعضهم ، وظهور الدين بقوةٍ بظهورِ أعظم شعائره ، وحفظُ الصلاة من جانب الوجود ،وذلك بجعل الشارع لها مساجد يجتمع الناس فيها ليتوارثها الكابر عن الكابر ،ويتعلقوا بها وتتواتر أفعالها
وبذلك ، وكل هذه المقاصد لا وُجود لها خلف إمام التلفزيون أو المذياع ؛ بل الظاهر والأغلب أنها ضد هذه المقاصد ، لأن الاعتياد على الصلاة خلف المذياع أو التلفاز يُجَرئ على الاستهانة بصلاة الجماعة في مستقبل الأيام ، كما أن الجماعة في البيوت مكروهة دون سبب في الأحوال المعتادة لكونها تجرئ الناس على ترك الجماعة في المساجد .
والذين قالوا بجواز الصلاة خلف المذياع والتلفزيون للضرورة لم أجد لهم دليلاً يرقى للاعتبار ، ومن ذلك :
قولهم بالضرورة والحاجة ، وقد تقدم أنه لا ضرورة ولا حاجة .
قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيته فصلى بعض الناس خلفه وبينهم جدار قصير .
فالجواب عنه : أن من يستدل بهذا الحديث إن كان يرى أنه يستدل بنص ، فليس ذلك بصحيح للاختلاف الكبير بين صلاة النبي بالصحابة وهم في مكان واحد وبينهما جدار وهم يرونه ،وبين نازلتنا هذه ،والاختلاف من وجوه كثيرة ، ولا يمكن أن يقال إن صلاة النبي بالصحابة وبينهما جدار مثل صلاة أهل البيت وراء التلفاز والمذياع ، فالنبي والصحابة كانوا في مكان واحد أو في حكم المكان الواحد ، والصلاة خلف المذياع والتلفاز ، ليس مكاناً واحداً لا حقيقة ولا حكما ، فكيف يقال إن فعل النبي دال عليه ؟!
أضف إلى ذلك أن هذا الأمر لم يداوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم ؛بل احتجب عنهم في الليلة الثالثة ، نعم هو احتجب عنهم لعلة خشية فرضها ، لكنه لم يعد إليها في أي صلاة كانت نافلة أو فريضة ؛ بل إنه في مرضه كان أيسر عليه أن يُصلي بهم وهو في بيته لكنه لم يفعل ، ويكفينا عن ذلك ما قدمنا من كون الأمرين لا يشتبهان وأن الفعل عند علماء الأصول لا عموم له، فلا يستدل بفعل النبي إلا على ما طابقه أو قاربه من الأحوال .
فإن قالوا :إنهم يستدلون هنا بالقياس ، أيْ :قياس الصلاة خلف التلفاز والمذياع على صلاة النبي ببعض الصحابة وبينهما جدار ، فالجواب أنه قياس فاسد ، لأن القياس هو إلحاق أصل بفرع يشبهه لعلة جامعة ، وهنا نسأل أين العلة الجامعة ، وأين وجه الشبه بين صلاة إمام بقومٍ وبينهما جدار قصير ،وبين اتِّبَاع الناس لصورة تنتقل عبر الأثير أو صوت ينتقل عبر الأثير .
قولهم: إن بعض الأئمة من التابعين ومن بعدهم قالوا بجواز أن يصلي الجماعة وبينهم نهر صغير إذا تراءت الصفوف ، فالجواب عنه من وجهين ، الأول : أن ترائي الصفوف عبر التلفزيون ليس مثل ترائيها في الواقع وبينهما بون شاسع ، ولو كانت الرؤية بالتلفزيون تأخذ أحكام الرؤية في الواقع في العبادات لجاز لنا أن نقول من رأى أرض عرفة في التلفزيون صح حجه .
الثاني: أن فتاوى الأئمة ليست أصولاً يُقاس عليها ، بل هي محتاجة إلى دليل ، فكيف يُتَّخذ القول الذي يحتاج إلى دليل دليلا؟!
قولهم: إن الأصل الإباحة ولا يوجد دليل على المنع .
يجاب عنه :بأن الأصل الإباحة في العادات والمعاملات والأطعمة والأشربة ؛ وأما في العبادات فالأصل المنع ، ومن أراد أن يُثبت صفةً في عبادة من العبادات فلابد له من نص أو قياس صحيح كقياس قبض اليدين بعد الركوع على قبضهما قبله ، فهذا قياس صحيح يطابق فيه الأصلُ الفرعَ ، والفرعُ الأصل ، فما لم يكن القياس مثل هذا فلا يقبل في العبادات بل هو بدعة .
قولهم : إن الدين جاء فيه الترخص والتوسعة ورفع الحرج ، فيجاب عنه : إن الرخص لا تثبت إلا بدليل ، ولا يصح القياس في الرخص كما عليه علماء الأصول .
وأما التوسعة ورفع الحرج ، فأي حرج في أن يصلي الناس خلف إمام في بيوتهم ، بل هذا هو التوسعة ورفع الحرج.
ومِن أبرز ما يلح هؤلاء على ذكره : العاطفة والأسف على ترك الجماعة ؛والحق : أن العاطفة ليست دليلاً شرعيا ولا تبنى عليها الأحكام ، بل العاطفة المجردة عن دليل هي الهوى بعينه نعوذ بالله منه .
ومن أعجب ما رأيت : أناساً أشغلونا بالتشنيع على من يرون الجماعة واجبة ، ويلمزونهم بأن هذا من مفردات الحنابلة ، واليوم يريدون الجماعة عبر التلفاز !
وختاماً أقول إن العبادات هي شعار الإسلام ودثاره فحذار أن نبتعد فيها عن نصوص الشارع ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
د.محمد بن إبراهيم السعيدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..