الأربعاء، 20 مايو 2020

هل الوباء مؤامرة ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

في عام 1430 هجري 2009 ميلادي قدّر الله الحكيم الخبير سبحانه انتشار انفلونزا A/H1N1 واشتهرت باسم انفلونزا الخنازير وتداول الناس مقابلة لإحدى القنوات الفضائية العربية مع أحد الباحثين الأمريكيين مفادها أن الوباء مؤامرة مدبرة والفيروس مصنع، كما انتشرت رسالة SMS تحمل تحذيرا من وزيرة الصحة الفنلندية بأن الوباء مدبر واللقاح الذي تم إنتاجه يراد به تقليل عدد سكان الأرض بنسبة الثلثين من خلال تأثيره على الجينات البشرية، وحذرت تلك الرسائل من أن المقصود بتلك المؤامرة بالدرجة الأولى هم دول العالم الثالث ومنهم العرب والمسلمون . حالة الخوف والهلع التي انتشرت من الوباء ومن تلك الرسائل انتهت بفضل الله ولطفه حين هدأت موجة الوباء ولم تظهر مشكلات صحية على الذين أخذوا اللقاح ومازال اللقاح يستعمل إلى الان ضمن لقاح الإنفلونزا الموسمية لأن الفيروس بعد الحالة الوبائية اندرج في قائمة الفيروسات التي تسبب انفلونزا موسمية. تبين عدم صحة رسائل المؤامرة لكنها نجحت في زيادة الخوف والقلق ورفض شريحة كبيرة في مجتمعنا للقاح، وانتشر الشك في مصداقية مسؤولي الصحة والهيئات الطبية.

لماذا يميل البعض للشعور بوجود مؤامرة مدبرة (يشم رائحة المؤامرة) بمجرد ظهور الوباء وقبل معرفة تفاصيله؟
تشير بعض البحوث الغربية التي درست تنامي فكرة المؤامرة عندهم إلى وجود أسباب نفسية ومعرفية وشخصية لهذا الميل:

 بعض الأشخاص يعتنقون فكرة المؤامرة عند شعورهم بالقلق أو قلة الحيلة أو بسبب شعورهم بالتهميش وبعدهم عن مواقع التأثير.
لذلك تظهر دعوى أن الوباء واللقاحات مؤامرة لدى الأفراد والمجموعات الأقل سيطرة اقتصاديا وسياسيا كما يتحمس لها أنصار مدرسة الطبيعة الذين يتبنون التداوي بالأعشاب والمستحضرات الطبيعية ويرفضون تصدر الطب الحديث للممارسة العلاجية ويرفضون أنشطة شركات الأدوية وتصنيع العقاقير واللقاحات.

الاعتقاد بفكرة المؤامرة في هذه الحالة يخدم كوسيلة دفاعية نفسية عند شعور الفرد بالعجز فيتهم القوى المسيطرة بالمؤامرة ليمنح نفسه شعورا بالرضا والتنفيس، لكن الدراسات بينت أن الأثر عكسي؛ فبدلًا من شعوره بالرضا، يصبح أكثر قلقًا وأقل تفاعلًا مع الأحداث لأنه يراها مدبرة ولا يملك تغييرها أو مقاومتها.

الحكم على الوباء بأنه مؤامرة فور ظهوره هو اختيار نفسي مسبق لإشباع مشاعر الحنق من القوى الأكثر نفوذا، أو حيلة نفسية ليظهر المرء أمام نفسه والآخرين بمظهر إيجابي فالمصائب التي تقع عليه سببها كيد الأعداء والخصوم، وعدم قدرته على مقاومتها ليس دليلا على نقصه وإنما بسبب شدة مكر ونفوذ قوى الشر !

السبب المعرفي لاعتناق فكرة المؤامرة هو العادة العقلية لدى البعض بضرورة الربط بين الأشياء وإيجاد المعاني لكل ما يحدث وبالتالي عدم قبول التفسيرات التلقائية والعفوية للأحداث وخصوصا الكبيرة، وعدم الارتياح لبقاء أسئلة عالقة غير معروفة الإجابة، فالأوبئة العامة عندهم لابد لها من ترتيب مسبق ضخم ولا تحدث فقط هكذا، وتفسيرها بالمؤامرة يجيب على كل الأسئلة التي لا يجيب عليها المتخصصون لأنهم يحتاجون الكثير من الوقت لدراسة الجائحة الوبائية قبل الإجابة.

السبب الآخر لدى طائفة قليلة من معتنقي فكرة المؤامرة هو نمط الشخصية النرجسية فاعتقاد المؤامرة يعطي صاحب هذه الشخصية الشعور بالفوقية ومعرفة مالا يعرفه عامة الناس، وهؤلاء لديهم نزعة لاحتقار الآخرين واتهامهم بالتغفيل والغباء.

لا تقوم فكرة المؤامرة على البراهين، ولكنها تعتمد على الربط بين الأحداث والمستفيدين منها أو التوقعات الاستباقية لبعض الرموز السياسية والاقتصادية، أو الثغرات في الأخبار الرسمية أو حالات الأخطاء والفساد التي تقع أحيانا في بعض الدوائر الصحية.

يصعب إقناع أصحاب فكرة المؤامرة بخلاف فكرتهم حتى لو ظهرت تفاصيل تثبت أن الوباء كان أمرا طبيعيا وغير مدبر لأنهم يفسرون النتائج تبعا لفكرة المؤامرة، فإذا حدث ما يعتبرونه دليلا كوفاة عالم مهتم بالوباء أو تم عقد صفقات دوائية، قالوا: هذا يثبت المؤامرة؛ وإذا ظهر ما يثبت العكس كالدراسات المتخصصة التي تؤكد مصدر الميكروب وكونه غير مصنع واتفاق كافة دول العالم الغربية والشرقية والحيادية (والتي لا يعقل تواطؤها على الكذب) على مواجهة الأزمة كوباء طبيعي، قالوا: المتآمرون يزيفون الأدلة لإخفاء المؤامرة؛ وإذا لم يظهر أي دليل، قالوا: المتآمرون يلتزمون الحذر كي لا تنكشف مؤامرتهم! بل لا يتورع بعضهم عن اتهام من خالفه الرأي بأنه جزء من المؤامرة!
ولذلك فكثير ممن قالوا إن انفلونزا الخنازير واللقاح الخاص بها كانت مؤامرة لتقليل سكان الأرض لم يتراجعوا بسبب ما آلت إليه تلك الجائحة وبادروا بفكرة المؤامرة على وباء كورونا الحالي منذ ظهوره، وعلى الأرجح لن يقتنعوا بكل التفاصيل التي أثبتت خلاف نظريتهم.

في العالم الإسلامي توجد نفس المبررات النفسية والمعرفية والشخصية لدى البعض لتصديق فكرة المؤامرة باعتبار تشابه البشر في أصل الخلقة، وقد نكون أكثر عرضة لانتشارها نظرا للظروف السلبية التي يعيشها العالم الإسلامي عقديا وسياسيا واقتصاديا وأمنيا منذ أن تسلط عليه الاستعمار الروسي والغربي فنحى الشريعة وزرع اللادينية والفرق الباطنية المنحرفة ونزع الحشمة ونشر الفواحش وقسم الشعوب وسلب الخيرات وأثار النعرات والخلافات، وما خرج من العالم الإسلامي بجسده إلا وقد ترك فيه نظرياته وثقافته وتلاميذه وصفحات من الذكريات المؤلمة دونها الغيورون على دينهم وبلادهم لتقرأها الأجيال من بعدهم فيرون الكثير من تلك الآثار مازالت تنهش جسد الأمة، فالمسلم المعاصر مازال موجوعا من غدرة الاستعمار ولا غرابة أن ينظر للأحداث العالمية الكبرى بعين التوجس والقلق والريبة، إلا أن بعض الأفاضل (وفقنا الله وإياهم) بالغ في معايشة الألم والسلبيات واستغرقته المأساة ووجد لدى منظري المؤامرة الغربيين والشرقيين ما يعتقد أنه يشفي غليله، في حين لم يشعر أنه يشرب من ماء البحر ! ولذلك فإن المتأمل لتغريدات ومقالات ومقاطع بعض الفضلاء الذين يرون المؤامرة خلف الوباء يدرك حجم القلق الذي يعيشونه ومن ثم ينشرونه بين متابعيهم وهم لا يشعرون.

 

الأوبئة جزء من الماضي والحاضر والمستقبل فليس صعبا توقعها
من الناحية الشرعية لدينا تنبيه واضح بأن الأوبئة موجودة من القدم فأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الطاعون رجز (أي عذاب) وقع على قوم من قبلهم وأنه لن يزال موجودا رحمة للمؤمنين، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتغطية الآنية وقال: فإن في السنة يوما ينزل فيه وباء. قال الليث بن سعد رحمه الله وهو من كبار تابعي التابعين ومن رواة هذا الحديث: الأعاجم عندنا يتقون ذلك في كانون الأول. أي: يتوقعون نزول الوباء في شهر ديسمبر.

ومن الناحية التاريخية تخبرنا كتب التاريخ عن العديد والعديد من الأوبئة في الماضي القريب والبعيد.

ومن الناحية الطبية فالمتخصصون في الوبائيات والأمراض المعدية ومكافحتها أعرف الناس بحجم وتكرار الأوبئة المعاصرة. في دراسة نشرت عام 2014   رصدت الأوبئة التي ظهرت بين عامي 1980 و 2013 (أي خلال 33 سنة) فكانت أكثر من 12 الف متفشية وبائية ل 215 مرض وبائي مختلف أصاب 44 مليون فرد في 219 دولة، وحجم المتفشيات متفاوت (وباء في مدينة واحدة أو عدة مدن في دولة واحدة أو عدة دول أو جائحة عالمية) ولوحظ أن المتفشيات الوبائية تتزايد عبر السنوات. لذلك زادت المجلات الطبية الدورية المتخصصة في الأمراض المعدية والأوبئة ومكافحتها كما زاد عدد المؤتمرات الطبية في ذات المجال وأيضا زاد عدد مراكز مكافحة الأوبئة في الدول، وقامت منظمة الصحة العالمية في عام 2015 بعقد ورشة عمل لخبراء مكافحة الأوبئة من مختلف دول العالم وخرجت بتوصيات مهمه من أبرزها زيادة التحضير للتعامل مع أوبئة وجوائح متوقع ظهورها. قامت عدة مراكز بحثية بإقامة تجارب محاكاة للأوبئة (سيناريو لحالة وبائية كأنها حقيقية وليست حقيقية للتدريب على مكافحتها والتعرف على الثغرات وسبل تحسين وسائل الوقاية). تزامن مع هذا الحراك العلمي المكثف المنشور والمعلن ظهور العديد و العديد من التوقعات والتحذيرات العلمية والمئات من الأفلام السينمائية (أكثر من 400 فيلم عن الأوبئة حسب جريدة اليوم السابع) والقصص الروائية والتحذيرات الرسمية وغير الرسمية لعدد من رجال السياسة والاقتصاد بل وتكهنات العرافين .. كلها تحكي سيناريوهات مختلفة لأوبئة مستقبلية؛ قسم من التوقعات غريب وخيالي، وقسم يتسم بالواقعية والرزانة مستفيدا من خبرة ورأي المتخصصين في الطب الوقائي والأمراض المعدية، وهذا القسم من الطبيعي جدا أن تتشابه بعض أجزائه مع وقائع الوباء الحقيقي إذا حصل فعلا، فالأوبئة المتكررة متشابهة، وإذا تشابهت بعض أحداث الوباء مع مشهد في فيلم أو جزء من رواية أو تكهن من عراف دجال أو توقع من عالم حصيف.. فليس من المقبول علميا ولا منطقيا أن يكون هذا التشابه دليلا على أن الوباء مؤامرة مدبرة، والأسوأ من ذلك أن يصدق البعض أن تجارب المحاكاة دليل على المؤامرة في حين أنها كانت مساهمة إيجابية للتدريب على مكافحة الأوبئة.

 

الحوادث السلبية

خلال ممارستي الطبية اطلعت على بعض حالات التلوث الدوائي وبعض حالات الفساد.. وشاهدت كيف تعاملت معها اللجان والإدارات المسئولة بحزم لمنع تكررها، لم يتعامل معها أحد من المتخصصين والإداريين والقضاة الشرعيين على أنها مؤامرة لقتل المرضى، فتلك الحوادث لها أسباب معتادة؛ كالإهمال أو السهو والخطأ البشري المحض أو نقص معايير الجودة أو ضعف الوازع الإيماني ووازع أخلاقيات المهنة، وهي أمور تحدث في كل الدول والمجتمعات لكنها تزيد مع نقص جودة الأنظمة الرقابية، والسواد الأعظم للمؤسسات الطبية والدوائية والقائمين عليها يرفضون تلك الحوادث السلبية ويتشاركون في منعها وتحسين التدريب الطبي والدوائي وتطوير معايير الجودة ورفع الوازع الأخلاقي في عمل دؤوب ومستمر نعايشه خلال ممارستنا الطبية، فالذي يصدق أن المنظمات الصحية الدولية جزء من المؤامرة أبعد النجعة وحكم على الكل بسبب الحوادث المفردة. 

﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّ ٰمِینَ لِلَّهِ شُهَدَاۤءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا یَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰۤ أَلَّا تَعۡدِلُوا۟ۚ ٱعۡدِلُوا۟ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾ يا أيها الذين آمَنوا بالله ورسوله محمد ﷺ كونوا قوَّامين بالحق؛ ابتغاء وجه الله، شُهداء بالعدل، ولا يحملنكم بُغْضُ قوم على ألا تعدلوا، اعدِلوا بين الأعداء والأحباب على درجة سواء، فذلك العدل أقرب لخشية الله، واحذروا أن تجوروا. إن الله خبير بما تعملون، وسيجازيكم به.(التفسير الميسر)

 

الوباء نازلة .. ولّ حارّها من تولى قارّها

عادة.. الذين يدّعون أن الوباء مؤامرة أو يصدقون تلك الدعوى ويساهمون في نشرها بعيدون عن تخصصات الطب الوقائي والأمراض المعدية ومكافحة العدوى وعلم الميكروبات، وبالتالي لا يمتلكون القدرة الكافية على تمحيص الدعاوى واكتشاف الأخطاء العلمية في رسائل المؤامرة.

الوباء يعتبر نازلة صحية واجتماعية وفقهية واقتصادية، ومواجهتها يكون باجتماع وتشاور أهل الاختصاص والحل والعقد والفقهاء الراسخون لتقييم الموقف والتوجيه بما يلزم، أما الاجتهادات الفردية فهي عرضة للخطأ الناتج عن الاندفاع ونقص التصور، قال بعض التابعين رحمهم الله "إن أحدَكَم ليفتي في المسألة ولو وَرَدَتْ على عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر“ وقال التابعي الجليل المسيب بن رافع :" كان إذا جاء الشيء من القضاء، ليس في الكتاب ولا في السنة، سمي صوافي الأمراء فيرفع إليهم، فجمع له أهل العلم، فما اجتمع عليه رأيهم فهو الحق“، وقال التابعي الجليل ابن هرمز شيخ الإمام مالك:" أدركت أهل المدينة وما فيها إلا الكتاب والسنة، والأمر ينزل فينظر فيه السلطان“ وقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِأَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عُمَرَ: «أَلَمْ أُنَبَّأْ أَنَّكَ تُفْتِي النَّاسَ؟ ، وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا»

وهذا مَثلٌ مِن أمثالِ العرَبِ، ومعناه: ولِّ شِدَّتَها مَن تولَّى هَنِيئَتَها ولذَّاتِها، وفيما يتعلق بالوباء فقد تولى اختصاصيو الطب الوقائي والأمراض المعدية ومكافحة العدوى والميكروبات مسئولية التقييم والتوجيه الطبي، وتولى مسؤولو الصحة إدارة الأزمة وتولت لجنة الفتوى التوجيه الشرعي فاترك حرارة المسئولية لمن تولاها. 


فكرة المؤامرة واتخاذ الأسباب الوقائية

تصديق فكرة المؤامرة أحد أسباب إهمال اتخاذ الأسباب المشروعة لمكافحة الأوبئة والأمراض المعدية عموما ومن ذلك تراجع نسبة التطعيم لدى الأطفال والكبار، وخلال ممارستي لطب الأطفال رأيت النجاح الكبير بفضل الله للقاحات في تقليل الكثير من حالات العدوى الخطيرة، كما عاصرت أكثر من متفشية وبائية للحصبة يكون عامة المتأثرين بها الذين لم يأخذوا اللقاح. نحن كمتخصصين في الأمراض المعدية لدى الأطفال نعرف الأعراض الجانبية للقاحات ولأنها عادة يسيرة فإننا نحرص على تطعيم أبنائنا وبناتنا ونحرص على أن يحصل كافة الأطفال على اللقاحات المعتمدة.


الوباء والحرب الإعلامية

عندما تظهر فكرة المؤامرة ويتحدث بها منظروها في المجتمعات الغربية تقوم بعض وسائل الإعلام بنشرها لغرض الإثارة أو لخدمة انتمائها الفكري والسياسي، في ١٦ مارس الماضي أصدر الاتحاد الأوروبي وثيقة رسمية يتهم فيها روسيا بالتضليل الإعلامي لنشر الذعر وعدم الثقة داخل المجتمعات الأوروبية بسبب جائحة كورونا الحالية وأفادت الوثيقة أن وسائل الإعلام الموالية للكرملين الروسي تقوم بتضخيم النظريات التي مصدرها الصين أو إيران أو اليمين المتطرف الأمريكي وأنشأ الجهاز الأوروبي وحدة لمكافحة التضليل الإعلامي. بادرت روسيا بنفي التهمة في حين نشطت قنواتها الإعلامية في نشر الآراء التي تتهم قادة الغرب وأمريكا على وجه الخصوص بالتآمر، وقامت وزارة العدل الأمريكية بتسجيل شبكة روسيا اليوم RT ووكالة أنباء سبوتنيك الروسيتين كعملاء أجانب وهذا يعني فرض بعض القيود على أنشطتها، وردت روسيا بقرار مماثل حيث سجلت ٩ وسائل إعلامية على أراضيها تمولها أمريكا كعملاء أجانب وهي صوت أمريكا وراديو الحرية و٧ مواقع ومحطات إذاعية تابعة لها.
عندما تصلك رسالة من وسيلة إعلامية شرقية (روسية أو صينية) عن مؤامرة غربية (أمريكية أو أوروبية) ، وكذلك العكس إذا كانت الرسالة من وسيلة غربية وتتهم الصين مثلا بتصنيع الفيروس؛ تعامل معها بحذر.
والذي يعتقد أنه أكثر وعيا بتصديق فكرة المؤامرة فالاحتمال الآخر أنه ضحية حرب إعلامية بين الشرق والغرب وهو لا يشعر، والفصل بين الاحتمالين يحتاج إلى برهان موضوعي يؤكد أن الوباء مؤامرة.


هل يؤثر الخلاف العقدي والسياسي على تقييمنا للموقف ؟

روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال( لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فذكرت أن فارس والروم يصنعون ذلك ولا يضر أولادهم) كان الاعتقاد السائد عند العرب أن جماع الزوجة في فترة الرضاعة يضر بالطفل الرضيع ويسمونه الغيلة فأراد النبي صلى الله عليه و سلم أن ينهى الصحابة عن ذلك خوفا على الأطفال وهو من الاجتهادات الدنيوية التي يستشير فيها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وينظر في خبرات الآخرين فأخذ بفعل فارس والروم مع أن الوحي كان يتنزل بالدعوة الى التوحيد والتحذير من عقائد المجوس والنصارى المحرفة، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر المسلمين بالنصر على مملكتي فارس والروم في معارك فاصلة. وروى مسلم في صحيحه أيضا عن المستورد القرشي رضي الله عنه أنه قال عند عمرو بن العاص: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (تقوم الساعة والروم أكثر الناس) فقال عمرو: انظر ما تقول! [يعني هل أنت متأكد] قال: ما أقول إلا ما سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عمرو: أما وقد قلت ذلك فإن فيهم خصالا أربعا [يعني فيهم خصال سبب لبقائهم وكثرتهم وانتشارهم الى قيام الساعة] وذكر منها (وخيرهم لفقير ويتيم وضعيف) [يعني أنهم من خير الناس لفقرائهم وأيتامهم وضعفائهم]. هذا الكلام يقوله عمرو بن العاص رضي الله عنه وقد حارب الروم وعايشهم وعرف كيدهم السياسي والعسكري.
تأملوا الحديثين السابقين إذا جاءتكم رسالة تحذركم من اللقاحات وتحاول إقناعكم أن الدول الغربية تستعمل التطعيمات مع أنها ضارة نتيجة مؤامرة بين صناع القرار وشركات الأدوية، وتأملوا قول عمرو بن العاص (وخيرهم لفقير ويتيم وضعيف) إذا جاءتكم رسالة مفادها أن الدول الأوروبية أهملت علاج المسنين أثناء وباء كورونا الحالي للتخلص منهم، وحاولوا البحث بشكل موضوعي علمي؛ ماذا يجب فعله إذا تزاحم مريضان على جهاز التنفس الصناعي: شخص مسن احتمال شفائه ضعيف والآخر شاب احتمال شفائه أكبر؟
ولمزيد من الموضوعية تواصلوا مع من تعرفون ممن يعيش في تلك الدول واسألوهم عن الأنظمة والخدمات المقدمة للأطفال والمسنين وغيرهم من الضعفاء.


ألا يمكن أن يكون الوباء حربا بيولوجية؟

الحرب البيولوجية أمر تخاف منه كافة الدول لصعوبة السيطرة على الميكروبات فهي لا تفرق بين العدو والصديق ولا تلتزم بالحدود السياسية، واستخدامها من قبل أي دولة مخاطرة ومجازفة لأن الميكروب المستخدم قد يعود للانتشار في نفس الدولة أو في دول صديقة، بل وتتخوف الدول من سوء استخدام الأسلحة البيولوجية في داخل الدولة نفسها لو وقع في يد أطراف النزاعات الداخلية، ولذلك وقّعت أغلب الدول على إيقاف تطوير هذا النوع من الأسلحة، لكنها مازالت تتوجس عند ظهور الأوبئة من احتمالية التصنيع والتطوير المعملي والأخطاء العلمية فتبادر المراكز البحثية المتخصصة إلى دراسة الميكروب كما حصل في الوباء الحالي وثبت أن الفيروس لا يمكن أن يكون مصنعا ، فالذي بادر إلى الاعتقاد بأن وباء كورونا الحالي أول ظهوره كان مؤامرة أمريكية لضرب اقتصاد الصين أو كان صنعة صينية لبيع اللقاح والأدوية، يحتاج إلى معرفة المزيد عن الحرب البيولوجية من كتابات المتخصصين لا من مقالات أنصار المؤامرة، ليكون أكثر موضوعية في حال ظهر وباء آخر مستقبلا.


الحرب النفسية والدعاية السوداء 

الذي يعتقد أنه بنشره لرسائل المؤامرة يشوه صورة العدو أو أنه أكثر نصحا للناس وحرصا على سلامتهم فالاحتمال الآخر أنه يساهم في الدعاية السوداء لخصمه ويزيد من قوته وهو لا يشعر، وينشر الرعب في قلوب الذين يريد نصحهم وسلامتهم. الحرب النفسية وسيلة فتاكة لتخويف الخصم وهزيمته ومن أخطر أساليبها الدعاية السوداء وهي أسلوب خفي ومراوغ لإظهار القوة وتخويف الخصم، ومن صورها أن تقوم دولة أو منظمة ما (بشكل خفي) بتبني فرد أو حزب أو وسيلة إعلامية غير رسمية  تنشر بشكل مدروس ما يظهر للناس على أنه معارضة وتشويه وفضح للدولة أو المنظمة التي أسسته لكن محتوى الفضائح والتشويه يغرس صورة ذهنية مخيفة ومرعبة لدى الخصوم الذين يصدقون الرسالة الإعلامية بسبب لباس المعارضة الذي تلبسه، وتقوم تلك الدولة أو المنظمة بالنفي أو السكوت، ولا يمكن محاكمتها لأن الدعاية لا تمثلها رسميا. استخدمت عدة دول الإذاعات السرية والمطبوعات الورقية للدعاية السوداء أثناء الحرب العالمية الثانية، وزاد استخدامها بعد ذلك نظرا لنجاحها، أما اليوم فإن الفضاء الالكتروني ومواقع التواصل صارت أرضا خصبة لطوفان الدعاية السوداء، يمثل بعض الكتّاب للدعاية السوداء ب (بروتوكولات حكماء صهيون)؛ منشور غير رسمي ومثير للجدل حول حقيقته ومصدره، لكن المؤكد أنه (والمواد الإعلامية المشابهة عن الماسونية) زرعت في قلوب الكثيرين خوفا مفرطا من النفوذ الصهيوني والماسوني وأشعرتهم أن دسائس الصهاينة تبيت معهم في فرشهم! وزرعت الشك بين الأفراد والمؤسسات وهو مكسب لصالح الصهيونية والماسونية، بغض النظر عن المصدر الفعلي للمنشور ونواياه.. في حين أن الله سبحانه وتعالى أخبرنا ووعدنا وهو أصدق القائلين (كُلَّمَاۤ أَوۡقَدُوا۟ نَارࣰا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادࣰاۚ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِینَ) أخبرنا بخبثهم وفسادهم وأنه لا يحب من هذه صفته ووعدنا أنه يكبت مكرهم وكيدهم ويطفئ نيران الفتن والحروب التي يشعلونها، ﴿إِنَّمَا ذَ ٰلِكُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ یُخَوِّفُ أَوۡلِیَاۤءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ إنما المُخوِّف لكم الشيطان، يرهبكم بأنصاره وأعوانه، فلا تجبنوا عنهم، فإنهم لا حول لهم ولا قوة، وخافوا الله وحده بالتزام طاعته، إن كنتم مؤمنين به حقًّا.(المختصر في التفسير).

والسؤال.. أيهما أكثر اتزانا وأقدر على العمل الإيجابي القاهر للنوايا المعادية لأهل الحق والخير؛ الذي يعمل تحت تأثير الآيات الكريمة أم الذي يعمل تحت تأثير البروتوكولات المنشورة؟

 

الروح المعنوية في الأزمات
لما انتهى خبر غدر بني قريظة أثناء غزوة الأحزاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين بادر إلى التحقق منه، فبعث نفرا من الصحابة وقال: «انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه [أي استعملوا الرموز في الكلام ولا تصرحوا] ، ولا تفتوا في أعضاد الناس[أي لا تتسببوا في إحباطهم وإضعاف عزائمهم] ، وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس» رجعوا بخبر الغدر، ومع محاولة إخفائه إلا أنه ظهر للناس فاشتد خوفهم، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقنع بثوبه، فاضطجع ومكث طويلا، حتى اشتد على الناس البلاء، ثم غلبته روح الأمل، فنهض يقول: «الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين بفتح الله ونصره» (الرحيق المختوم).
يعتقد بعض ناشري رسائل المؤامرة أنهم يفضحون الأعداء والمجرمين، وقد فاتهم أمران؛ الأول :التثبت من محتوى الرسالة كي لا يتهموا إخوانهم المختصين والمسئولين في بلدانهم، وهو أمر متوقع إذا بالغ المرء في تصديق فكرة المؤامرة، وتزداد أهمية التثبت إذا كان مصدر فكرة المؤامرة وناشرها لم تثبت مصداقيتهم ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن جَاۤءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإࣲ فَتَبَیَّنُوۤا۟ أَن تُصِیبُوا۟ قَوۡمَۢا بِجَهَـٰلَةࣲ فَتُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَـٰدِمِینَ﴾ [الحجرات ٦]
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إن جاءكم فاسق بخبر فتثبَّتوا من خبره قبل تصديقه ونقله حتى تعرفوا صحته؛ خشية أن تصيبوا قوماً برآء بجناية منكم، فتندموا على ذلك (التفسير الميسر). الثاني: التأكد من فائدة نشرها لعموم الناس فقد يكون ضرر النشر أكبر، والأولى هو مدارسة الأمر مع أهل الرأي والحل والعقد، "یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ قَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولُنَا یُبَیِّنُ لَكُمۡ كَثِیرࣰا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲۚ " أَيْ: يُبَيِّنُ مَا بَدَّلُوهُ وَحَرَّفُوهُ وَأَوَّلُوهُ، وَافْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ فِيهِ، وَيَسْكُتُ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا غَيَّرُوهُ وَلَا فَائِدَةَ فِي بَيَانِهِ. (تفسير ابن كثير)، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم سكت عن فضح أهل الكتاب في بعض ما حرفوه لعدم الفائدة في بيانه، فما بالك إذا كانت فضيحة المؤامرة الوبائية لا دليل عليها ونشرها يزيد من الخوف والهلع في صفوف المجتمع المسلم؟.

 

فكرة المؤامرة والإحباط

المتأثرون نفسيا وفكريا بفكرة المؤامرة يقعون فريسة للشعور بالعجز أو الاندفاع والمجازفة وهما وجهان لعملة الإحباط؛ الشعور بالعجز لأنهم يرون كل ما حولهم تحت تدبير خصومهم ولا طائل من المقاومة فيحبسون أنفسهم في قفص الاستكانة لدور الضحية، وترى عجزهم عند انتشار الوباء عن تقديم النصائح العملية والمشاركة الإيجابية، وبالمقابل قد يظهر الإحباط في شكل فكري أو عاطفي مندفع فيميلون لازدراء الجهود الميدانية والتوجيهات والفتاوى الشرعية التي تتعامل مع الوباء بل قد يصل بهم الأمر لإصدار أحكام خطيرة كالنفاق والعمالة على مخالفيهم، وإذا كانوا يعتقدون أنهم أكثر فطنة وحصافة فالاحتمال الآخر أنهم ساروا (وهم لا يشعرون) على طريقة "المذيعين“ للأمن والخوف دون مدارسة المختصين ومشاورة أهل الحل والعقد ﴿وَإِذَا جَاۤءَهُمۡ أَمۡرࣱ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُوا۟ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰۤ أُو۟لِی ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِینَ یَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنَ إِلَّا قَلِیلࣰا﴾ [النساء ٨٣]

وإذا جاء هؤلاء الذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم أمْرٌ يجب كتمانه، متعلقاً بالأمن الذي يعود خيره على الإسلام والمسلمين، أو بالخوف الذي يلقي في قلوبهم عدم الاطمئنان، أفشَوْه وأذاعوا به في الناس، ولو ردَّ هؤلاء ما جاءهم إلى رسول الله ﷺ وإلى أهل العلم والفقه لَعَلِمَ حقيقة معناه أهل الاستنباط منهم. ولولا أنْ تفضَّلَ الله عليكم ورحمكم لاتبعتم الشيطان ووساوسه إلا قليلاً منكم. (التفسير الميسر) 

 

ملخص أضرار تبني فكرة المؤامرة في الأوبئة بدون دليل والتعويل عليها باستمرار :

·      ضعف توحيد الربوبية في القلب بنسبة الأحداث الكبار للبشر والاعتقاد بنفاذ مشيئتهم

·       إهمال الأسباب المشروعة للوقاية كاللقاحات

·      التشكيك في المسئولين

·      احتقار الفتاوى الفقهية إذا لم تنسجم مع فكرة المؤامرة

·      استدامة القلق النفسي والإحباط ونشره في الناس

·      العجز عن العمل الإيجابي وتراجع الإنتاجية

 

الطمأنينة الفعالة

 قيل: انتشر الوباء!

قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.. ﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَ ٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَ ٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِینَ﴾ ولنختبرنكم بشيء يسير من الخوف، ومن الجوع، وبنقص من الأموال بتعسر الحصول عليها، أو ذَهابها، ومن الأنفس: بالموت أو الشهادة في سبيل الله، وبنقص من ثمرات النخيل والأعناب والحبوب، بقلَّة ناتجها أو فسادها. وبشِّر -أيها النبي- الصابرين على هذا وأمثاله، بما يفرحهم ويَسُرُّهم من حسن العاقبة في الدنيا والآخرة. ﴿ٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةࣱ قَالُوۤا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاۤ إِلَیۡهِ رَ ٰجِعُونَ﴾ من صفة هؤلاء الصابرين أنهم إذا أصابهم شيء يكرهونه قالوا: إنَّا عبيد مملوكون لله، مُدَبَّرون بأمره وتصريفه، يفعل بنا ما يشاء، وإنا إليه راجعون بالموت، ثم بالبعث للحساب والجزاء. ﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَیۡهِمۡ صَلَوَ ٰتࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةࣱۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ﴾ أولئك الصابرون لهم ثناء من ربهم ورحمة عظيمة منه سبحانه، وأولئك هم المهتدون إلى الرشاد. (التفسير الميسر)

 

قيل: قد يكون الأمر مصطنعا أو حقيقيا، خفيفا أو شديدا، تأثيره على الصحة فقط أو يتأثر الاقتصاد كذلك!

قال: اسألوا أهل الاختصاص ممن نثق برأيهم وسيروا على توجيهاتهم متوكلين على الله واثقين به، لا تنفردوا عن رأي الجماعة، التفتوا للضعفاء، بشروا ولا تنفروا، أكثروا الاستغفار واصدقوا التوبة .. ﴿فَمَاۤ أُوتِیتُم مِّن شَیۡءࣲ فَمَتَـٰعُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَٱلَّذِینَ یَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰۤىِٕرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَ ٰحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا۟ هُمۡ یَغۡفِرُونَ (٣٧) وَٱلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَیۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ (٣٨) وَٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡیُ هُمۡ یَنتَصِرُونَ (٣٩) هذا شروع في بيان صفات الكمال في المسلم التي يستوجب بها نعيم الآخرة ضمن التعريض بزينة الحياة الدنيا الفانية فقال تعالى ﴿فَمَآ أُوتِيتُمْ﴾ أيها الناس من مؤمن وكافر من شيء في هذه الحياة الدنيا من لذيذ الطعام والشراب وجميل اللباس، وفاخر المساكن وأجمل المناكح وأفره المراكب كل ذلك متاع الحياة الدنيا يزول ويفنى. أما ما عند الله أي ما أعده الله لأوليائه في الدار الآخرة فهو خير وأبقى ولكن لمن أعده؟ والجواب للذين آمنوا أي بالله وآياته ولقائه ورسوله وبكل ما جاء به والذين على ربهم لا على سواه يتوكلون ثقة في كفايته واعتماداً عليه، والذين يجتنبون أي يتركون كبائر الإثم كالشرك والقتل والظلم وشرب الخمر وأكل الحرام والفواحش كالزنى واللواط. والذين إذا غضبوا يتجاوزون عمن أغضبهم ويغفرون له زلته أو إساءته إليهم والذين استجابوا لربهم عندما ناداهم ودعاهم لكل ما طلبه منهم، والذين أقاموا الصلاة فأدوها على وجهها المطلوب لها من خشوع مراعين شرائطها وأركانها وواجباتها وسننها وآدابها، والذين أمرهم شورى بينهم أي أمرهم الذي يهمهم في حياتهم أفراداً وجماعات وأمما وشعوباً يجتمعون عليه ويتشاورون فيه ويأخذون بما يلهمهم ربهم بوجه الصواب فيه. والذين مما رزقهم الله من مال وعلم وجاه وصحة وبدن ينفقون شكراً لله على ما رزقهم واستزاده للثواب يوم الحساب.
والذين إذا أصابهم البغي أي إذا بغي عليهم البغاة الظلمة من الكافرين ينتصرون لأنفسهم إعذاراً لها وإكراماً لأنها أنفس الله وليها فالعزة واجبة لها. هذه عشر صفات متى اتصف بها العبد لا يضره شيء لو عاش الدهر كله فقيراً نقيّاً محروماً من لذيذ الطعام والشراب ومن جميل اللباس، والسكن والمركب إذ ما عند الله تعالى. له خير وأبقى مع العلم أن أهل تلك الصفات سوف لا يحرمون من طيبات الحياة الدنيا هم أولى بها من غيرهم إلا أنها ليست شيئا يذكر إلى جانب ما عند الله يوم يلقونه ويعيشون في جواره. (أيسر التفاسير)

 

قيل: لو كان مؤامرة وكيدا للإضرار بنا !

قال : مشيئة الله فوق مشيئتهم، لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، إن تحقق ما أرادوه فقد أذن الله به استدراجا لهم وتطهيرا لنا، وإن حفظنا الله ونجانا فذلك فضله ورحمته ، وفي كل الأحوال سينقلب كيدهم عليهم حسرة وندامة. ﴿قُل لَّن یُصِیبَنَاۤ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾ التوبة ٥١، قل -أيها النبي- لهؤلاء المتخاذلين زجراً لهم وتوبيخاً: لن يصيبنا إلا ما قدَّره الله علينا وكتبه في اللوح المحفوظ، هو ناصرنا على أعدائنا، وعلى الله وحده فليعتمد المؤمنون به. (التفسير الميسر) ، ﴿وَمَاۤ أَصَـٰبَكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِیَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ آل عمران ١٦٦، وما حدث لكم من القَتْل والجِراح والهزيمة يوم أُحد حين التقى جمعكم وجَمْعُ المشركين، فهو بإذن الله وقدره، لحكمة بالغة حتى يظهر المؤمنون الصادقون. (المختصر في التفسير)، ﴿وَلَا یَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَنَّمَا نُمۡلِی لَهُمۡ خَیۡرࣱ لِّأَنفُسِهِمۡۚ إِنَّمَا نُمۡلِی لَهُمۡ لِیَزۡدَادُوۤا۟ إِثۡمࣰاۖ وَلَهُمۡ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ﴾ آل عمران ١٧٨، أي: ولا يظن الذين كفروا بربهم ونابذوا دينه، وحاربوا رسوله أن تركنا إياهم في هذه الدنيا، وعدم استئصالنا لهم، وإملاءنا لهم خير لأنفسهم، ومحبة منا لهم. كلا، ليس الأمر كما زعموا، وإنما ذلك لشر يريده الله بهم، وزيادة عذاب وعقوبة إلى عذابهم، ولهذا قال: ﴿إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين﴾ فالله تعالى يملي للظالم، حتى يزداد طغيانه، ويترادف كفرانه، حتى إذا أخذه أخذه أخذ عزيز مقتدر، فليحذر الظالمون من الإمهال، ولا يظنوا أن يفوتوا الكبير المتعال. (تفسير السعدي). ﴿ولا يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إلاَّ بِأَهْلِهِ﴾ إخبار منه تعالى بحقيقة يجهلها الناس وهي أن عاقبة المكر السيئ تعود على الماكرين بأسْوأ العقاب وأشد العذاب (أيسر التفاسير).

 

قيل: زال الوباء !

قال : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، من اعترف بالفضل لله وشكره بلسانه وجوارحه بالأعمال الصالحة فإن نعمة الله عليه بالتوفيق للشكر أعظم من نعمة سلامته من الوباء، ومن نسب الفضل لنفسه وجهده وارتكس في الذنوب والمعاصي فمصيبته أعظم من مصيبة الوباء.. ﴿مَّا یَفۡعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمۡ إِن شَكَرۡتُمۡ وَءَامَنتُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِیمࣰا﴾ النساء ١٤٧، لا حاجة لله في تعذيبكم إن شكرتم له وآمنتم به، فهو تعالى البر الرحيم، وإنما يعذبكم بذنوبكم، فإن أصلحتم العمل، وشكرتموه على نعمه، وآمنتم به ظاهرًا وباطنًا فلن يعذبكم، وكان الله شاكرًا لمن اعترف بنعمه فيجزل لهم الثواب عليها، عليمًا بإيمان خلقه، وسيجازي كلًّا بعمله. (المختصر في التفسير)

 ﴿فَلَمَّاۤ أَنجَىٰهُمۡ إِذَا هُمۡ یَبۡغُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّۗ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغۡیُكُمۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِكُمۖ مَّتَـٰعَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ ثُمَّ إِلَیۡنَا مَرۡجِعُكُمۡ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ يونس ٢٣، فلما استجاب دعاءهم، وأنقذهم من تلك المحنة، إذا هم يفسدون في الأرض بارتكاب الكفر والمعاصي والآثام. أفيقوا - أيها الناس - إنما عاقبة بَغْيِكم السيئة على أنفسكم، فالله لا يضره بَغْيُكُم، تتمتعون به في الحياة الدنيا وهي فانية، ثم إلينا رجوعكم يوم القيامة، فنخبركم بما كنتم تعملون من المعاصي، ونجازيكم عليها. (المختصر في التفسير)

 

قيل: ما الدرس الذي سنعلمه لأولادنا وتلاميذنا ؟

 قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه ( احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ) وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ : لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ : قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ. فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ". 

 

اللهم اهدنا وسددنا ، وعافنا واعف عنا

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

السبت ، 23 رمضان، 1441


 

د أحمد بن عبدالرحمن العمر
استشاري طب الأطفال (أمراض معدية)

المصدر

-------------------
التعليق :
عليكم السلام ورحمة الله

اسمح لي ان  المؤامرة  لا تقدم نفسها على انها مؤامرة
وما نراه  مؤامرة بشعة ايضا
فالتخطيط لفرض اللقاح  على الناس لأغراض معينة اجرام
ولك الحق  في حذف هذا التعليق  ان لم يعجبك
لكن  انتشار الفايروس بهذه الطريقة والهلع في التعامل معه   يبرز  الكثير من الشكوك
هذا الحظر المبالغ فيه  وتعطيل المصالح  بينما  في دول اخرى  لايوجد ولم تتأثر كثيرا   الا من جانب علاقتها الاقتصادية مع دول الحظر الكامل

السؤال:   الى متى سلسلة هذه الأوبئة التي تشبه انظمة  ويندوز    و  أندرويد  بالتحديث والتطور والتحور ؟!!
-----------


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..