لمّا قدِم أحد علماء الهند إلى السعودية وكان قدومه فرصة للإستفادة من علمه، أُعدَّ له جدول مليئٌ بالدروس والمحاضرات، فردّها ثم ذكر لهم أنه سيكتفي بلقاءٍ أو لِقائين، وبقية الوقت يجعله لنفسه ـ حتى يتفرغ للعبادة وما ينفع نفسه ـ فقال له أحدهم : يا شيخ النفع المتعدّي خير من اللَّازم. فقال الشيخ كلمة قليلة في مبناها عظيمة في معناها، يا بني :" لولا اللَّازم ،ما حصل المتعدِّي" .
وصدق والله، فيا لها من جملة ما أعذبها !!
إن انهماك الداعية في الميدان والعمل الدعوي وغفلته عن الزاد القلبي وتقوية الصلة بالله وإصلاح الباطن والتعلل" بأن العمل المتعدي يقدم على اللازم " ليس على إطلاقه، يقول ابن تيمية رحمه الله :" النفع المتعدِّي ليس أفضل مطلقًا، بل ينبغي للإنسان أن يكون له ساعات يناجي فيها ربَّه، ويخلو فيها بنفسه ويحاسبها، ويكون فعله ذلك أفضل من اجتماعه بالناس ونفعهم، ولهذا كان خَلْوة الإنسان في الليل بربه أفضل من اجتماعه بالناس. شرح عمدة الفقه (٦٥٠/٣)
فالعبادة قوة، ومعينة على تحمّل الأعباء والصبر أمام الفتن، أخرج الإمام أحمد بسنده عن وهب بن منبه قوله: " من يتعبد يزدد قوة، ومن يكسل يزدد فتورًا" .
فالنبي ﷺ كان قيام الليل عليه واجبًا دون غيره، ليستعين به على مشقة الدعوة والبلاغ.
وكذلك على الصحابة في بداية الدعوة ليستعينوا به على الشدائد والصبر أمام الفتن.
وكان النبي ﷺ ينقطع عن أصحابه في العشر الأواخر من رمضان، وهو أكثر الأمة أعمالًا وأعباء وحاجتها له عظيمة.
ومن جميل الإشارات ما ذكره الرافعي عن الزاد الروحي وأثر العبادة في رمضان على القلب فيقول: " وعجيب أن هذا الشهر الذي يدّخر فيه الجسم من قواه المعنوية فيودعها مصرف روحانيته، ليجد منها عند الشدائد مدد الصبر والثبات والعزم والجلد" .
وكذلك المربّي والداعية وطالب العلم وكل مصلح إذا أراد الإعانة على ما هو بصدده فليجعل له نصيب مفروض من العبادة والطاعة وحسن الصلة بالله.
ولمّا قال بعضهم للشيخ علي الدقر رحمه الله: "يا شيخ إننا نلقي على الناس دروسًا متنوعة، ولا نرى في الناس هذا التأثير الذي نلمسه في درسك! فأجاب الشيخ بقوله: يا بني لولا الحاجة لم أتكلم، إن هذا الدرس الذي تسمعه يا بني مدعوم بقراءة عشرة أجزاء من القرآن قبل الفجر بقصد أن ينفع الله المسلمين بما أتحدث به.
وقد أوفى على الغاية ابن الحاج صاحب المدخل بقوله: "ولعلك تقول: إن طالب العلم إن فعل ما ذكرتموه [ أي قيام الليل ] تعطلت عليه وظائفه من الدرس والمطالعة والبحث.
فالجواب: أن نفحةً من هذه النفحات تعود على طالب العلم بالبركات والأنوار والتُّحَف ما قد يعجز الواصف عن وصفه، وببركة ذلك يحصل له أضعاف ذلك فيما بعد، مع أن هذا أمر عزيز قلّ أن يقع إلا للمعتني به، والعلم والعمل إنما هما وسيلتان لمثل هذه النفحات". المدخل (٢/ ١٣٧)
اللهم ارزقنا صحة النية وسلامة القلب، وحسن الصلة بك، والتوكل عليك، وحلاوة الإنس بك، اللهم أرضنا وارض عنا يا رب العالمين، واجعلنا أسعد الناس بما نتعلمه ونعلّمه يا أرحم الراحمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..